قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف، اليوم الأربعاء، وإعلان أسماء أعضائه، وتحديد مهامه في إطار إستراتيجية متكاملة وواضحة المعالم والجوانب، يبعث برسائل عدة أولاها أن مصر جادة في حربها ضد الإرهاب والمضي قدمًا في ضرورة دحره واجتثاث معالمه وأفكاره من المجتمع المصري. فكرة المجلس لم تكن وليدة اللحظة، ففي إبريل الماضي، وعقب اجتماعه بمجلس الدفاع الوطني، بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها مصر وقتها، لاسيما حادثتي كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرار "تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف"، وبعد طول انتظار خرج المجلس إلى النور بتشكيل اليوم. القرار الجمهوري الذي حمل رقم 355 لسنة 2017 بإنشاء المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف، تضمن ملامح اختصاصات المجلس من بينها: إقرار إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخليًا وخارجيًا وإقرار سياسات وخطط وبرامج جميع أجهزة الدولة بما يحدد دورها وإلزامها بالإجراءات الواجب اتخاذها لتكامل التنسيق معها وفق جداول زمنية محددة ومتابعة تنفيذ هذه الإستراتيجية. تصورات البعض انطلقت من مبدأ أن هذا المجلس سيواجه الإرهاب بالطريقة المعهودة أمنيًا دون النظر إلي أبعاد أخرى، لكن إعلان أسماء المكونة لهذا المجلس عكست تلك النظرة من حيث تنوعها اللافت، وفي هذا الإطار يرى اللواء طيار أركان حرب هشام الحلبي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن هذا التشكيل هي أحد نقاط قوة المجلس، لأنه يواجه الإرهاب بكافة أبعاده، فجانب البعد الأمني هنالك أبعاد أخرى اقتصادية واجتماعية، والبعد الاجتماعي هو الأخطر، لاسيما فيما يتعلق بالتعليم والإعلام وخطورة هذا الفكر داخل النسيج المجتمعي هو أنه يتجاوز ما اصطلح عليه بتجديد الخطاب الديني. دقة مسمى المجلس "الإرهاب والتطرف" أثارت انتباه المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، فهو يرى أن التطرف هو المربع الذي يسبق الإرهاب، ومن ثم فإن المجلس يواجه ظاهرتين وليست ظاهرة واحدة كما يظن البعض، مشيرًا إلى أن هنالك بعدًا قانونيًا أيضًا مهمًا في هذا التشكيل، فهو ضروري لوضع تشريعات تواجه هذه الأفكار المتطرفة، كما أن هناك قانونًا دوليًا ومطالبات المحاكم الدولية بأمور تتعلق بالإرهاب، وكذلك مخاطبة العالم بضرورة تكثيف الجهود. وحسبما أفاد القرار، فإن المجلس يختص بدراسة أحكام التشريعات المتعلقة بمواجهة الإرهاب داخليًا وخارجيًا واقتراح تعديل التشريعات القائمة لمواجهة أوجه القصور فى الإجراءات، وصولاً إلى العدالة الناجزة ولتذليل المعوقات القانونية. أهمية هذا التشكيل في ضوء ما يرى عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، تتلخص في وضع تلك الاستراتيجيات التي ستخرج من المجلس في إطار زمني محدد، وكل أجهزة الدولة ضمن هذه الإستراتيجية، وبالتالي سيكون العمل متكاملًا، خطة محددة في توقيت محدد، ومكن المجتمع المدني كذلك من أنه يدخل ضمن الإستراتيجية وذلك التوقيت. من بين مهام المجلس أيضًا، دراسة أحكام التشريعات المتعلقة بمواجهة الإرهاب داخليًا وخارجيًا واقتراح تعديل التشريعات القائمة لمواجهة أوجه القصور فى الإجراءات، وصولاً إلى العدالة الناجزة ولتذليل المعوقات القانونية، وكذلك الارتقاء بمنظومة التنسيق والتعاون بين جميع الأجهزة الأمنية والسياسية مع المجتمع الدولي خاصة دول الجوار والعمق الأمني، والسعي لإنشاء كيان إقليمي خاص بين مصر والدول العربية يتولى التنسيق مع الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب والجريمة مع الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتنسيق المواقف العربية تجاه قضايا الإرهاب من خلال تشريعات وآليات إعلامية موحدة لمواجهة الإرهاب والتطرف. "الجانب السياسي والفكري في منتهى الأهمية، بل ويزيد تأثيره في بعض الأحيان عن تأثير العمل الأمني والعسكري"، هكذا تبدو الصورة للواء محمد الغباشي، مساعد رئيس حزب حماة الوطن، الذي يثني على تشكيل المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف، بالقول: إجراء كنا ننتظره كثيرًا، وتشكيل المجلس يؤكد عمق الرؤية للرئيس عبد الفتاح السيسي ومعرفته بأبعاد الحرب التي يواجهها، ومن ثم فلم يكتفِ الرئيس بالحرب الأمنية وإنما محاربة الفكر بالفكر بجانب الإجراءات الأمنية والعسكرية التي أدت دورًا رائعًا ومازالت في محاربة الإرهاب والتطرف، لكن المجلس سيمكن من تنسيق العمل الأمني من خلال مجموعات مخصصة ومدربة وتوحيد الجهود في كشف الأغراض السياسية والدينية للعناصر الإرهابية. وبحسب مساعد رئيس حزب حماة الوطن، فإن المجلس دوره سيتضاعف بجانب مهامه في كشف العناصر الإرهابية ومموليهم ومن يوفر لهم الغطاء السياسي، من خلال الخبرات السياسية والإعلامية التي يضمها المجلس، وكذلك المعتقدات الفكرية التي تبني عليها هذه العناصر أهدافها في تدمير الأوطان، وفضح الادعاءات الكاذبة ومحاولاتهم المستمرة في بث الفتنة والوقيعة بين مؤسسات الدولة والشعب، متصورًا أن يقوم المجلس بعمل برامج تدريبية وتثقيفية للتعريف بأسلوب تلك الجماعات في تجنيد الشباب ومنع وقوعهم في براثن الأفكار التكفيرية. واستند "الغباشي" في رؤيته إلي أحد اختصاصات المجلس التي تنص على: يختص المجلس بإقرار الخطط اللازمة لتعريف المجتمع الدولي بحقيقة التنظيم الإرهابي ودور الدول والمنظمات والحركات الداعمة للإرهاب ضد الدولة المصرية، والعمل على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد الأجهزة والدول الداعمة للإرهاب ضد الدولة المصرية وتجاه القنوات المعادية التي تبث من الخارج. "الأمل يتحقق في أن هذا المجلس يجيد التواصل مع الإعلام أو بالأحرى الأجهزة الثقافية والفنية التي باتت أكثر تأثيرًا من الإعلام المباشر، فمخرجاته ستكون مدخلات الإعلام، لأن المجلس هو من سيأتي بالمادة الخام لوسائل الإعلام المتنوعة"، بهذا التصور وضع الخبير الإعلامي دكتور سامي عبد العزيز، طبيعة العلاقة بين المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف والإعلام مقبل الأيام، مشيرًا إلى أن الإعلام هو أحد أدوات هذا المجلس الهامة، وستكون هذه الأداة ناجحة كلما خرج من المجلس أوراق عمل وأفكار متجددة، والتجدد بات مطلوبًا في ظل تطور أدوات الإرهاب ووسائله. اختصاصات المجلس تطرقت كذلك إلى ضرورة التنسيق مع المؤسسات الدينية والأجهزة الأمنية لتمكين الخطاب الديني الوسطي المعتدل، ونشر مفاهيم الدين الصحيح في مواجهة الخطاب المتشدد بكل صوره، وذلك من خلال زيادة الوعي لدى المواطنين وتعريفهم بمخاطر الإرهاب والتطرف وإعداد برامج "ثقافية.. نوعية.. رياضية" تتضمن بحث لحالات الأفراد ذات الأفكار المتطرفة، والعمل على إنشاء مراكز للنصح والإرشاد من رجال الدين والمتخصصين فى علم النفس والاجتماع. وأردف الخبير الإعلامي بالقول: أعتقد أن الأسماء المطروحة في تشكيل المجلس تعكس تنوعًا ومعاييرًا بمقتضاها تم الاختيار، وأتوقع أن هذه الشخصيات ستكون الواجهة التي ستحدد السياسات، وستشهد الأيام المقبلة انبثاق لجان نوعية بمقتضاها ستتم بناءً عليها الاستعانة بشخصيات معاونة، ومهمة هذه اللجان البحث والتنقيب في الجذور والأسس للأفكار الإرهابية، وأولى هذه اللجان "لجنة بحوث متنوعة الخبرات ميدانية وتوثيقية" تبحث في جذوره ومنابعه. واختتم "عبد العزيز": هذا الفكر يحتاج إلي مطارق، والمهمة غاية في الصعوبة ويجب ألا نتعجل نتائج عمل المجلس أو قراراته فيجب أن يأخذ وقته، فهو في مرحلة التحضين والتحضير.