تنسيق الجامعات 2024.. تخصصات توفر فرص عمل بكليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي    ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي ل41.057 مليار دولار في نهاية أبريل    وزير المالية: صفقة مشروع رأس الحكمة أضافت إيرادات ب177 مليار جنيه    الولايات المتحدة تعلن إعادة 11 من رعاياها في أكبر عملية «ترحيل فردية» من سوريا    رومينيجه يوجه نصيحة لمسئولي بايرن ميونخ بشأن المدرب الجديد    قرار جديد من النيابة بشأن مجدى شطة    حلقة صاحبة السعادة مع ياسمين عبدالعزيز تريند منصات التواصل بمشاهدات مليونية    وزير الصحة يشهد تدريب العاملين بالوزارة على توحيد مفاهيم الجودة    غدا.. صحة المنيا تنظم قافلة طبية بقرية معصرة حجاج بمركز بني مزار ضمن مبادرة حياة كريمة    على طريقة الشيف عظيمة.. حضري بسكويت اليانسون في المنزل    البورصة المصرية تربح 11.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    قبل بدء فصل الصيف.. موعد انخفاض أسعار الاجهزة الكهربائية وتوقعات السوق (الشعبة توضح)    نجمة البوب العالمية دوا ليبا تصدر ألبومها المنتظر "التفاؤل الجذري"    كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه على نعمِه الكثيرة؟..د.عصام الروبي يوضح    رئيس "دينية الشيوخ": تعليم وتعلم اللغات يمهد لمقاصد شرعية كريمة    رئيس النيابة الإدارية ومحافظ الإسكندرية يضعان حجر الأساس لنادي الهيئة البحري بالمحافظة (صور)    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئيس الصيني يتعهد ب"عدم نيسان" قصف الناتو للسفارة الصينية في بلجراد    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    وزير العمل يلتقي مُمثلي شركات إلحاق عِمالة موسم حج 2024    الأوقاف: أسماء المرشحين للكشف الطبي للتعاقد على وظيفة إمام وخطيب ب إعلان 2023    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    المجلس الأعلى للطرق الصوفية يدين الهجمات الوحشية للقوات الإسرائيلية على رفح    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    توقف حركة دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    برلماني: الاستجابة للمقترح المصري طوق النجاة لوقف نزيف الدم    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تحرير 182 محضرًا للمخالفين لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الشايب.. قاص الشوارع
نشر في بوابة الأهرام يوم 01 - 07 - 2017

القصّاص هو من يسير هنا وهناك، باحثًا، يقتفي الأثر. ومحمد الشايب في هذه المجموعة القصصية، الموسومة بعنوان "الشوارع"، إحدى مجموعاته القصصية التي احتفل بها مهرجان "الصويرة" في العام 2015 باعتبارها مبحث النقاد العرب والمغاربة، وتدوين قراءاتهم حولها، فجعله قاص الصويرة الوحيد في ذلك المهرجان، وهنا تجده يعمل قصاصًا وقاصًا في الوقت نفسه؛ إذ أنه يقص علينا أدهش القصص، بما يراه في شوارع بلاد العرب، وبخاصة في بلاده المغرب بلادنا العربية.
تجده من الصفحة الأولى يتجول في "شارع الحرية"، وهي القصة الأولى في الكتاب، يتجول وهو لا يتزود بزاد، ولا يقاسمه وحشة الطريق رفيق، حسب قوله، حيث الشارع يجري ماء وفواكه. وبالفعل فأنت في المغرب تشاهد الماء أمطارًا وأنهارًا وبحارًا وليس بحرًا واحدًا من البحر الأبيض المتوسط في الشمال إلى المحيط الأطلسي في الغرب. وتشاهد الفواكه غابات قطوفها دانية. والمغرب خيرات وخيرات. يقول الشايب: "رأيت الشارع يلعب، والشارع شوارع، واللعب ألعابًا، واللاعبون كثيرون، كثيرون جدًا. وأنا لا أتقن أي نوع من اللعب. أواصل المسير."
يواصل الشايب السير في دروب غربته: "ظللت مفقودًا بين الإشارات والدروب، طائرًا جريحًا تخلى عنه السرب، جنديًا مهزومًا ضل الطريق، فسقط أسيرًا..."
يسير السارد المحزون، وفي القلب شوارع جارية، وغابات مخضرة، وحزن ضارب في القدم، وجراح لا تندمل. وفي الطرقات يمر على فتيات وفتيان يحتشدون قرب نافورة، يرددون الشعارات، يلعنون اللصوص، والاستعمار والصهيونية. وينادون بالتغيير، فنفهم منه أن مشكلة العرب مختصرة في "لصوص الفساد الاقتصادي، والاستعمار، والصهيونية"، يرن هاتفه النقال في جيبه، يخرجه ويجيب، فيتدفق صوت أنثوي يقول "أنا في شارع الحرية"، ثم ينقطع الصوت فجأة، ينطلق ليبحث عن محبوبته في شارع الحرية: يقول "جرفتني سيول السؤال..." فأتته الإجابات: "عرج على اليمين. عرج على اليسار. سر في نفس الاتجاه..."
وأمام شوارع الفواكه، التين والتفاح والعنب "ما أحلاه." كما يقول، ظل يقطر ظمأً، قرأ اللوحات، وأسماء المدن، ووسائل السفر، وشاهد حقائب السفر وقبلات اللقاء والفراق، ودموعًا وضحكات، عاش الفصول كلها باحثًا عن شارع الحرية، وأخيرًا وبعد توهان ووهن، سأل شرطيًا ينظم حركة المرور""أين يوجد شارع الحرية؟" حدّق الشرطي في وجهه، ثم أجابه:
"لا يوجد في هذه المدينة شارع الحرية." لاحظ أن رجل الأمن هو الذي يقرر.
انتهت القصة، وانتهت الحرية إلى حيث لا حرية في هذه المدينة.
في قصته "الفرح" تنظم خدّوج حفل زفاف لابنتها طامو العاملة بضيعة البرتقال التي يملكها الجنرال، والعريس عبد القادر العامل بضيعة العنب التي يملكها عيسو. وعيسو - حسب علمي- هو اسم يهودي مغربي، أخ يعقوب، وابن اسحق. وهنا دون أن يتحدث الكاتب عن الصراع الطبقي والاستغلال المذهل للفقراء، نشاهد طبقة مالكي المزارع الإقطاعية من الجنرالات، وأمثال عيسو.
وفي الحفل تصدح المغنيات: "مسكين تزوج مسكينة، وتهنا المدينة..." فمن كلمات، مسكين ومسكينة، وكون المدينة تهنأت، معنى ذلك أن المدينة قاطبة يسكنها الفقراء الذين تهنأوا.
والمسكينان العاملين في المزرعتين "طامو، وعبد القادر" ما هما سوى نموذجين من أهالي المدينة "المسكينة"...حتى اشتقاق الاسمين؛ "طامو" من الطامة الكبرى، وعبد القادر من "العبد" الذي يعمل عند ذلك "القادر" عيسو.
وهكذا تستمر قراءتنا لسارد قصاص حساس، يتجول في شوارع هذه المجموعة المذهلة، وهو يقص علينا عذابات المدينة العربية المغربية، حيث "لا صوت يعلو فوق صوت الصمت." بعد أن كان شعارنا في الستينيات من القرن الماضي: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة." ولكن الحاضر مُرّ، والعين بصيرة، واليد قصيرة.
السارد بعباراته المدهشة في هذه النصوص، يشعرنا ب"جمالية القبح". جمالية النصوص بكل ما فيها من قضايا متزاحمة، ومشاعر متشابكة، ودراما متدافعة، تُنطق الحجر، وتشد القارئ ليتابع ما يجري، ويسأل؛ ليعرف: ماذا بعد؟
في أسلوب محمد الشايب اللغوي تقرأ كثيرًا من التعابير البليغة المدهشة، وتستمتع بقراءة الانزياحات الشعرية في اللغة؛ إذ يقول: "طبول تقهر صمت الليل..."، "وهطلت الدهشة بغزارة."، "عادت جماعة الليل، بعدما صبت في بطونها كل قناني النبيذ."
وفي قصته "الساحة" تشاهد في الحافلة بائع أدوية يبيع دواء يعالج البرودة الجنسية، والسكري وأمراضًا أخرى، وتشاهد رجلًا آخر يحمل كمانًا ويعزف ويغني، فيحصل على دريهمات، ينزل فتصعد امرأة تقول إنها خارجة من المستشفى ولا تملك أجرة الطريق، فهي تتسول، وعلى هذه الصور تتساءل: لماذا نجد في المجتمع العربي عمومًا، بعض الرجال يقومون بالعمل ليحصلوا على بضعة دريهمات، في حين بعض النساء تستسهل التسول؟
وفي هذه القصة وغيرها تجد محمد الشايب مهتمًا بعرض صور تلوث البيئة؛ إذ يقول صفحة 19: "تتحرك الحافلة تنفث دخانًا كثيفًا..."، وفي صفحة 20 يكتب: "إن أزبال الساحة تتكاثر باستمرار، وصارت مطرحًا للنفايات" وقد تكون الأزبال هنا هي الفساد الذي يسود اقتصاد الرأسمالية المتوحشة.
وتجده أيضاً يصور مشاعر المواطنين من الاستعمار "الاستخراب" إذ يقول في صفحة 6 "وفي الطرقات يمر على فتيات وفتيان يحتشدون قرب نافورة، يرددون الشعارات، يلعنون اللصوص، والاستعمار والصهيونية..وينادون بالتغيير"
وفي قصة "الساحة" صفحة 18 يقاوم الاستعمار، بصورة لا تحتمل التأويل: "اتفو هاذ القنيطرة، خواوها مريكان والفرنسيس وعمرها لعروبية وأجياله..."
وفي هذه القصة يشب حريق ويتغول لدرجة أنه " تحول الماء بين يدي رجال المطافئ إلى نار، فجنت العقول، وهطلت الدهشة بغزارة. وكانت النتيجة أن غادروا المكان بهدوء تام". ولهذا؛ "علّال وصفية لم يقاوما هول الزلزال، بل حلقا بجناح واحد، وانطلقا يبحثان عن قوتهما خارج الساحة.." هذا هو الحل عند محمد الشايب، إذ أن الشباب الذي يطالب بالتغيير، ولم يحصل عليه، لا يجد أمامه سوى الهجرة.
وذلك ما كان شاعر أعرابي قد قاله للأمير معن بن زائدة:
"سأرحل عن بلاد أنت فيها ولو جار الزمان على الفقير."
وتقرأ أمثلة معبرة ومصورة للواقع المعاش، مثل: "كثرت الأعراس، وقل الفرح."
هذا ما يراه الشايب. إن نتيجة القهر غير المقدور على تغييره أمام تغول المستبدين، هو الرحيل، ولهذا نجد أوروبا خصوصًا، وبلاد الغرب عمومًا مكتظة بالمهاجرين الشباب العرب.
لا أملك بقراءتي هذه إملاء تصوراتي على القاص المبدع الذي صور الحياة المغربية بخاصة والعربية عامة خير تصوير. ولا أن أقول له إن على الشباب أن لا يرحل، بل أن يضحي بما يستطيع، لإحداث النقلة التطويرية للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد.
نستطيع أن نوجز مشاهد المجموعة القصصية "الشوارع" ذات اللغة العربية الجميلة، والسرد الممتع المدهش الهادف المتقن، بعبارة مقتطفة من قصته "نهاية"، إذ يقول:
"رأيت أشجار التين واقفة تتلو قصائد الرثاء. أغصانها عارية، وجذوعها جافة. بكيت الحضور الذي تقهقر أمام هجوم الغياب الكاسح. فعرفت أن القرية كلها ماتت."
إن ما يرسمه محمد الشايب لا يعبر عن شوارع مدينة مغربية، بقدر ما هي مدينة عربية. هي المدينة نفسها التي رسمتها في روايتي "الحب في زمن العولمة"؛ فالخيرات في وطننا العربي كثيرة، والمياه والأمطار والفواكه كثيرة، والشباب المستعد للتضحية البحث عن الحرية كثير، ولكن "الشرطي" قال له إنه لا يوجد شارع أو ممر أو منفذ للحرية في هذا البلد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.