تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 16.75% و17.75% للإقراض، جاء متماشيا مع توقعات الغالبية العظمى من المحللين وبنوك الاستثمار حيث رجحوا الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للمواءمة مع التطورات فى الأسواق الناشئة ورفع الفيدرالى الأمريكى الفائدة على الدولار من ناحية، ومراعاة عدم ارتفاع أعباء خدم الدين العام وتفاقم عجز الموازنة العامة من ناحية أخرى. السؤال: لماذا لم يرفع البنك المركزى الفائدة بنحو 1% كما توقع البعض؟ مواجهة التطورات والأزمة الضاغطة للأسواق الناشئة ولاسيما بعد سلسلة رفع الفائدة من جانب البنوك المركزية فى الأرجنتينوتركيا وإعلان محافظ البنك المركزى فى إندونيسيا الاستعداد للتدخل لحماية العملة إذا اقتضى الأمر بعدما فقدت 8% من قيمتها، المركزى التركى رفع الفائدة 6.25% مرة واحدة ليرتفع سعر الفائدة إلى 24%، فى حين رفع المركزى الأرجنتينى الفائدة إلى 40% قبل أن يقوم برفعها إلى 45% ثم 60% من أجل الحفاظ على قيمة العملة. اللافت أن رفع المركزى فى كلا البلدين للفائدة إلى هذا المستوى لم يفلح فى تحقيق أهدافه بسبب تدخلات السلطة التنفيذية، ما جعل القرار يأتى فى غير التوقيت المناسب ويفقد ثقة المستثمرين والمتعاملين الرئيسيين بالأسواق. تدخل الرئيس التركى فى اختصاصات المركزى وغل يده عن اتخاذ القرار لفترة طويلة، ما جعله يأتى متأخرا بعدما تسبب فى هز ثقة المستثمرين، فى حين دفعت العملة الأرجنتينية ثمنا فادحا بسبب تصريحات الرئيس الارجنتينى اعلن فيها عن تخوفه من انهيار العملة وطلب من صندوق النقد الدولى سرعة صرف الشريحة الأولى من قرض بقيمة 40 مليار دولار كان قد وافق عليه فى مايو الماضى لمنحه لبلاده بشروط من أجل مساندة إجراءات الإصلاح لديها، أزمة الأسواق الناشئة لم تتوقف عند تركياوالأرجنتين بل امتدت إلى اقتصادات صاعدة تتسم بالقوة مثل إندونيسيا احد اكبر الاقتصادات الآسيوية، وكذلك المكسيك والبرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا، وهى الاقتصادات التى ساندت نمو الاقتصاد العالمى وعبور الأزمة المالية العالمية عام 2007 وحتى سنوات قليلة مضت. أزمة الأسواق الناشئة أدت إلى سحب الصناديق العالمية جانب مهم من استثماراتها من تلك الأسواق، وإعادة استثمار محافظها فى الدولار، ولا سيما بعد رفع الفيدرالى الأمريكى الفائدة ضمن خطته التى أعلن عنها خلال الفترة الماضية، ناهيك عن تداعيات الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم: أمريكا والصين، وارتفاع أسعار النفط على إثر العقوبات الأمريكية على إيران وارتفاع حدة الصراع والاضطرابات بين إيران ودول الخليج، وعودة الحرب الأهلية فى العاصمة الليبية طرابلس. الاقتصاد المصرى بمنأى إلى حد كبير عن تداعيات أزمة الأسواق الناشئة، وذلك بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه الحكومة والبنك المركزى منذ منتصف 2016، ورشادة وكفاءة السياسة النقدية التى تتميز بالقدرة على استشراف التطورات فى الاقتصاد العالمى والأسواق الناشئة واتخاذ الإجراءات التحوطية والاستباقية. يحسب للمركزى انتهاج سياسة نقدية متشددة رغم الانتقادات الملحة من قبل البعض لدفعه إلى خفض الفائدة أوائل العام الحالى، كما يحسب للسياسة النقدية العمل على رفع الاحتياطى الأجنبى إلى أعلى مستوى له ليتجاوز 44.4 مليار دولار، ما انعكس بوضوح فى تعزيز ثقة المستثمرين وحافظ على استقرار أسعار الصرف فى إطار آلية العرض والطلب، بتحفيز التدفقات الدولارية، مع طمأنة الصناديق العالمية بوجود احتياطى أجنبى قوى لدى المركزى ساعد فى الإبقاء على استثماراتهم بالسوق المصرى حيث لم تتراجع بالمستوى نفسه فى الأسواق الناشئة الأخرى لتتجاوز 17 مليار دولار فى يونيو الماضى مقابل 23.5 مليار دولار فى مارس 2018. على الصعيد المحلى يمكن تفهم قرار المركزى بعدم رفع الفائدة، منعا لزيادة أعباء خدمة الدين وتجاوز عجز الموازنة العامة النسبة المستهدفة 8.4% خلال العام المالى الحالى، ولا سيما فى ظل توقعات بارتفاع حجم التزامات الديون الحكومية خلال العام المالى الجارى 2018/2019، لتصل إلى 950 مليار جنيه، لتفوق بذلك تقديرات مشروع الموازنة العامة 817 مليار جنيه، وفقا لتقرير بنك الاستثمار برايم، الذى يرجع تلك الزيادة إلى ارتفاع أسعار الفائدة على السندات وأذون الخزانة، ووفقا لمشروع الموازنة فإن العائد 14.7% تراجع من 18.4% العام الماضى، وألغت وزارة المالية 4 عطاءات خلال الأسابيع الماضية نظرا لارتفاع العائد المطلوب من جانب البنوك والمستثمرين، كما أن ارتفاع أسعار البترول يتوقع أن يؤثر سلبا على عجز الموازنة العامة، حيث تجاوز السعر 81 دولارا للبرميل مقابل 67 دولارا فى مشروع الموازنة العامة نسبة العجز الكلى المستهدف، ووفقا لوزارة المالية فإن كل دولار ارتفاع فى سعر النفط يقابله 4 مليارات جنيه ارتفاع فى عجز الموازنة العامة. الانضباط المالى وخفض عجز الموازنة العامة هو حجر الزاوية فى الإصلاح الاقتصادى كشرط رئيسى فى كبح التضخم، وثمة مؤشرات مهمة على قدرة السياسات المالية والنقدية على تجاوز تلك الصعوبات.