لا أعرف ما إذا كانت الحكومة سترضخ أمام ضغوط شركات السياحة لإلغاء أو خفض الرسوم الإضافية على تكرار العمرة أم ستتمسك بالقرار، ولكنى أعرف أن العمرة نفسها فضلا عن تكرارها هى من النوافل التى يمكن أن يرزق المرء بثوابها عبر أعمال الخير الأخرى والمتعددة التى يحتاجها الناس فى بلادنا فى هذه الأوقات الصعبة، كما أعرف أن المبالغة فى أداء شعيرة العمرة هى من المستحدثات التى لم يعرفها آباؤنا وأجدادنا على نحو ما نراه مؤخرا. وفى بداية الألفية مرت البلاد بأزمة فى مواردها من النقد الأجنبى ترتب عليها اختلال فى أسواق الصرف وتراجع مقلق فى قيمة الجنيه، وفى البحث عن وسائل لوقف الانخفاض فى قيمة الجنيه لجأت إلى فضيلة الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر الذى أفتى فى حوار نشر فى الأهرام بأنه من حق الدولة وضع ما يلزم من شروط وقيود على سفر الناس للحج والعمرة متى ما كان ذلك يحقق مصلحة للناس والمجتمع، وأن الحفاظ على موارد الدولة من النقد الأجنبى وترتيب أولويات الإنفاق منه يعد وجها من وجوه المصلحة العامة التى تسمح للدولة باتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات للحفاظ عليه. وعلى الرغم من الزوابع التى افتعلها بعض رموز الدعوة السلفية عقب هذه الفتوى فإن الشيخ تمسك بها وكانت محل رضاء وتقدير الغالبية من الشيوخ والفقهاء. إذا القضية محسومة من الناحية الدينية منذ سنوات, وبقى أن نناقش الأمر من جوانبه الاقتصادية. شركات السياحة الدينية تتخوف من تأثير القرار على أعداد راغبى العمرة التى تقول إن نحو 30% منهم هم من معتادى تكرار العمرة الذين يستوجب على كل منهم دفع رسم ألفى ريال للسماح لهم بأداء الشعيرة. وعلى الرغم من الاختلاف حول النسبة بين تقديرات وزارة السياحة والشركات فإن الأمر كله يعد من آثار برنامج الإصلاح النقدى الذى فرض خفض قيمة الجنيه للأسباب المعروفة وهى الآثار التى يتحملها الجميع، مواطنين وشركات، ولا يقتصر فقط على منظمى السياحة الدينية، ولو كان لدينا مؤشر يشرح الإنفاق على السياحة إلى الخارج مقارنة بالدخل السياحى فلربما يتبين أن النشاط السياحى يحقق عجزا خلال السنوات الماضية بسبب التراجع الواضح فى أعداد السائحين القادمين، وبالتالى فإن القرار يصب فى صالح تصويب ميزان الإنفاق السياحى ما بين الداخل والخارج، وهذا هدف لا يمكن الاعتراض عليه. المبدأ نفسه لا يمكن الاعتراض عليه بمعنى أن فرض رسوم إضافية أو ضرائب، أو أيا كان المسمى، على كل نشاط غير ضرورى ينتج عنه ضغط على الموارد المحدودة من النقد الأجنبى يستحق المناقشة وقد يتسع الأمر لفرض ضرائب على كل أنشطة السياحة للخارج لفترة مؤقتة وكذلك على المدفوعات بكروت الاعتماد فى الخارج، بل على السلع الكمالية التى يتم استيرادها من الخارج، وهذه كلها إجراءات استثنائية لمواجهة أوضاع استثنائية فى أسواق الصرف وهذا أمر لا غبار عليه. وزارة المالية تقول إنها بسبيل زيادة الحصيلة الضريبية هذا العام بنسبة 30% ليتجاوز إجمالى الحصيلة بنهاية العام المالى 600 مليار جنيه، وهذا جيد إلا أنه رغم ذلك فإن نسبة الضرائب إلى الناتج المحلى الإجمالى بعد رفعها لا تزيد على 13.5 % وهذه نسبة متواضعة إذا ما قورنت بالدول التى تملك مالية عامة أكثر تنظيما. وتحقيقا للهدفين معا، خفض الطلب على النقد الأجنبى وزيادة الحصيلة الضريبية، فإن هناك الكثير مما يمكن عمله. من ذلك مثلا فرض ضرائب على حسابات المصريين بالخارج مع التفرقة بين العاملين بالخارج والمصريين غير المقيمين الذين يفضلون إيداع بعض أموالهم خارج الحدود وكلنا نرى التجربة الأمريكية فى هذا الشأن التى تلزم جميع البنوك حول العالم بما فيها البنوك المصرية الإبلاغ عن حسابات الأمريكيين لديها وتفاصيلها «قانون فاتكا». زيادة موارد النقد الأجنبى وزيادة الحصيلة الضريبية يرتبطان بزيادة معدلات النمو ونجاح جهود دمج الأسواق غير الرسمية فى الاقتصاد الرسمى، وهذه أمور تستغرق بعض الوقت، ولكن تحقيق نتائج سريعة على هذا الصعيد يقتضى اتخاذ إجراءات من نوع فرض رسوم إضافية على راغبى تكرار العمرة كل عام أو عامين، والنظر فى رفع نسب الضرائب على بعض الأنشطة التى تمثل استفزازا للناس «عقود لاعبى الكرة والمدربين مثلا» وإخضاع دخول المهنيين من أطباء ومهندسين ومحامين للضرائب بصورة تتفق مع واقع دخولهم، وغير ذلك من الإجراءات التى لن تسهم فقط فى زيادة الحصيلة وحل جزء من مشكلة الموازنة العامة ولكنها أيضا سوف تؤدى إلى إشاعة أجواء العدالة فى المجتمع، وهذا هو الهدف الأول من فرض الضرائب.