لا شك أن مشروع الصوبات الزراعية إنما يعد من المشروعات الحيوية التى بدأت فى الفترة الأولى لرئاسة الرئيس السيسى، وذلك لما له من أهمية فى تعويض الانخفاض فى مساحة الأراضى الزراعية لمواكبة النمو السكانى وزيادة المعروض من الخضراوات والفاكهة ما يسهم فى خفض أسعارها وإتاحتها للطبقات المتوسطة والفقيرة، فضلا عن دوره المهم فى ترشيد استخدام المياه مع ندرتها، كذلك فإن المشروع يتسق مع دعم أهمية القطاع الزراعى فى التنمية من خلال تشجيع البحث العلمى واستخدام التكنولوجيا المتطورة فى أساليب الزراعة. ومن الأهمية بمكان تحليل ثلاث رسائل مهمة صدرت من رئيس الجمهورية بمناسبة هذا الاحتفال، حيث يكون التساؤل الرئيسى حول دلالات هذه الرسائل ومدى القدرة على تطبيق توصياتها على أرض الواقع ما يشير إلى مدى كفاءة وفاعلية الإطار المؤسسى لتحقيق أهداف التنمية فى مرحلة التحول التى تشهدها مصر حاليا وسوف نتناول هذه الرسائل بالتحليل فيما يلى: الرسالة الأولى: حول دور جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة فى التنفيذ مع اعتماد رئيس الجمهورية على هذا الجهاز الكفء فى تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، هنا يثار التساؤل الذى طرحة الرئيس فى مدى مزاحمة هذا الجهاز للقطاع الخاص حيث إن النهضة الاقتصادية لأى دولة نامية إنما تحدد - وفقا لتجارب الدول الناجحة - فى قدرتها على تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار والإنتاج ما يسهم فى زيادة الطاقات الإنتاجية والتشغيل ومن ثم تحقيق العدالة فى توزيع الدخول، وإذا كانت هناك مبررات منطقية فى هذه المرحلة الدقيقة للتحول الاقتصادى للاعتماد على جهاز الخدمة الوطنية لسرعة الإنجاز وكفاءته فإن تأثير ذلك فى القطاع الخاص يجب أن يكون موضع اهتمام، وهو ما أثاره سيادة الرئيس من حيث أهمية اشتراك القطاع الخاص بإتاحة الفرصة لمن يريد المشاركة فى الإنتاج، ولكن التساؤل المطروح هنا: ما شروط هذه المشاركة؟ ومن هم الفئات المستهدفة، وهنا تكون الأولوية للشباب ويمكن الرجوع للمتقدمين لمشروع المليون ونصف المليون فدان ممن لم يوفقوا فى الحصول على فرص فى هذا المجال، وهنا يتطلب الأمر تحديد الصياغات القانونية للمشاركة وشروطها وتدريب الشباب على إدارة هذه الصوبات وفقا لأسس اقتصادية، ويمكن إنشاء شركات للتسويق لتتولى تسويق المنتجات التى تتم زراعتها للسوق المحلى أولا ثم للتصدير إذا كان هناك فائض لذلك، خاصة أن الإنتاج يتسق مع المعايير العالمية، كذلك لابد من الإعلان عن شروط الاستفادة وأسباب قبول المتقدمين وفقا للمعايير الموضوعة بما يكفل تعزيز المصداقية ودعم روح الأمل فى شبابنا مع الاستفادة بمبادرة الرئيس السيسى للمشروعات الصغيرة. الرسالة الثانية: طلب الرئيس السيسى بإنشاء نظام تأمين على الحياة للعمالة الحرة بالقطاع الخاص للفئة العمرية من 18 إلى 59 سنة بدون كشف طبى، ولا شك أن المطالبة بهذا النظام التأمينى إنما يمثل طوق نجاة لعدد كبير جدا من العاملين فى القطاع غير الرسمى، الذى تظل نسبته وفقا للدراسات الميدانية ما بين 40-60% من حجم الناتج القومى وتقدر العمالة غير الرسمية فى قطاع المقاولات فقط ما يقرب من 2.5 مليون عامل، وقد كان لجهاز الخدمة الوطنية دور رائد فى توظيف العمالة فى المشروعات الكبرى من حيث الإعلان والتوظيف والتدريب والتشغيل ما أسهم فى تحقيق التوظيف فى المشاريع القومية وخفَّض نسبيا من نسبة البطالة فى مصر، ولا شك أن النظام التأمينى إنما يمثل أداة مهمة لتحقيق الاستقرار الاجتماعى وحماية هذه الطبقات من مخاطر إصابات العمل، و كانت الاستجابة السريعة من الحكومة والبنوك الوطنية وشركات التأمين لإعداد وثيقة تأمين تصرف عند الاستحقاق فى صورة دفعة واحدة أو فى شكل معاش شهرى، وعلى الرغم من أهمية ذلك فإنه يظل التحدى الحقيقى فى القدرة على توصيف وضع هذه العمالة بشكل علمى سليم وتوجيهها إلى المجالات التى تتسق مع قدراتها بل تحديد إمكانيات وفرص صقل هذه المهارات بما يسمح ببناء نظام وظيفى يتيح لهم رفع إنتاجيتهم وما يقابل ذلك من رفع أجورهم، حيث تظل المشكلة الحقيقية فى انخفاض مهارات العمالة المصرية نتيجة لعدم كفاءة النظام التعليمى من ناحية ومن ناحية أخرى ضعف المستوى التكنولوجى الذى يتم تدريب العمالة عليه، وهنا يمكن أن يشارك فى مسئولية تحقيق ذلك وزارة القوى العاملة بالتعاون مع كل من المدارس الفنية والكليات التكنولوجية واتحاد الصناعات وجمعيات المستثمرين وفقا لخطة مدروسة، ومن هنا فإن قدرة النظام المؤسسى المصرى بجميع أدواته على تحقيق أهداف النظام التأمينى فى الاستقرار الاجتماعى وخاصة للفئات المهملة ومنها المرأة على وجه الخصوص- وفقا للدراسات التى تشير إلى نسب الأسر التى تعولها المرأة فى مصر التى تصل إلى 16% - وذلك فى الفترة القصيرة مع الرؤية البعيدة الأفق فى تطوير أداء هذه العمالة بما يتسق مع فرص العمل المطلوبة حاليا فى السوق المصرى. الرسالة الثالثة: ترتبط بإتاحة أموال صندوق تمويل الابتكارات للشباب بدون فوائد وذلك برأسمال مليار جنيه وذلك لتشجيع الشباب على الابتكار، ومن هنا فإن الإجراءات التنفيذية التى يقوم البنك المركزى حاليا بدراستها إنما تتطلب تحديد الابتكارات ذات الأولوية لخدمة أهداف التنمية فى مصر وعلى رأسها قطاع تكنولوجيا المعلومات وابتكارات الصناعة، وفى هذا الإطار من الأهمية التنسيق مع أكاديمية البحث العلمى وما قامت به من دور مهم مؤخرا فى تشجيع الابتكارات لتحويلها إلى المجال الإنتاجى وكذلك هناك فى الجامعات المصرية بجميع التخصصات فرص هائلة لبحوث تطبيقية تحتاج إلى تمويل لتدخل نطاق الإنتاج الحقيقى وكذلك فإن مراكز البحوث زاخرة بالابتكارات فى جميع المجالات ما يتطلب أن يكون هناك فريق علمى فى جميع التخصصات لديه القدرة والخبرة على الربط بين البحوث وأولويات احتياجات المجتمع منها بما يدعم فرص النمو ويشيع الأمل فى نفوس الشباب المبتكر. إن العرض السابق إنما يوضح أهمية الرسائل الثلاث فى دعم مسيرة التنمية التى تشهدها مصر حاليا، وعلى الرغم من اهتمام الإعلام بشكل أكبر بإنشاء نظام تأمين على الحياة وقد يكون ذلك بسبب اتساع مشكلة القطاع غير الرسمى وفئة العمالة غير الماهرة فى مصر، إلا أن الأمر يتطلب الاهتمام بالرسائل الثلاث لأن تنفيذها بكفاءة يمكن أن ينعكس على زيادة فرص التشغيل ورفع دخول الفئات غير الرسمية من خلال دعم قدراتهم وتوجههم إلى المجالات المناسبة فى القطاع الخاص، ومع التطور التكنولوجى ترتفع تنافسية الإنتاج ومعها الدخول ويعم الرخاء إن شاء الله على مصرنا العزيزة.