تعتزم الحكومة اللجوء من جديد إلى الأسواق الدولية لطرح سندات بالعملة الاوروبية بنحو 8 مليارات يورو خلال الأشهر المقبلة، وزير المالية الذى أعلن عن ذلك، عاد ليكشف عن ان الطرح بالعملة الاوروبية الموحدة اليورو، أو بالدولار الامريكى، لا يزال قيد الدراسة، وسيتم الانتهاء منه خلال أسبوعين. الطرح باليورو أو بالدولار، ربما لا يفرق كثيرا، ولكن ما يهم فى هذا الصدد، هو الآثار المترتبة على ذلك، أو بعبارة أخرى المردود الاقتصادى لطرح السندات بالأسواق الدولية، ثمة إيجابيات لا يمكن غض الطرف عنها، فى اللجوء إلى الأسواق العالمية لتمويل العجز فى الموازنة العامة، فى مقدمتها ان العائد على تلك السندات منخفض مقارنة بالعائد على اللجوء إلى تمويل العجز بالاقتراض الداخلى، حيث إن العائد مرتفع على أدوات الدين الداخلى؛ إذ يصل إلى نحو 20% على السندات طويلة الأجل، فى حين تراجع فى زيادة الطرح الذى تم فى ابريل الماضى حيث تمت زيادة اجمالى الطرح إلى 7 مليارات دولار بعد اضافة 3 مليارات دولار اخرى تم بيعها فى مايو الماضى مسجلة تراجعا ملموسا فى العائد عليها فى الشرائح ذات الآجال الثلاثة: سنة و3 سنوات و30 سنة، مقارنة بالعائد على الطرح الاساسى الذى تم فى يناير من العام نفسه بآجال 5 سنوات و10 سنوات و30 سنة، ووصل سعر الفائدة إلى 6.12%، و7.5%، و8.5% لكل منها على التوالى، مقابل 5.45% و6.65 % و7.95%. تراجع العائد على السندات التى تم طرحها فى ابريل مقارنة يناير السابق عليه، يعكس تزايد الثقة وتراجع مؤشر المخاطر، ولا سيما بعد مضى الحكومة قدما فى تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى الذى وقعته مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر 2016، وفى مقدمتها تحرير سعر الصرف والرفع التدريجى للدعم على المنتجات البترولية والكهرباء، حيث دفع تحرير سعر الصرف وارتفاع الفائدة -الذى تزامن معه- الصناديق العالمية إلى العودة لضخ الاستثمار غير المباشر فى أدوات الدين المحلى من سندات وأذون خزانة، إلى جانب الاستثمار فى الأسهم بالبورصة المصرية. صندوق النقد الدولى نصح الحكومة باللجوء إلى الأسواق الدولية لتمويل العجز، وفقا للاتفاق الذى تم توقيعه، ولكن ثمة توسعا فى زيادة قيمة الطرح بالسندات الدولارية، وهو ما يرجع -فى اعتقادى- إلى عدة اعتبارات: توقع تراجع العائد على السندات الدولارية عما كان عليه فى الطرح الذى تم فى مايو الماضى، ولا سيما مع تحسن مؤشرات الاقتصاد المصرى، حيث سجل الاحتياطى الاجنبى اعلى مستوى له ليتعدى ما كان عليه فى يناير 2011، كما تحسن عجز الموازنة العامة ومعدل النمو، ولا سيما فى الربع الاخير من العام المالى الماضى حيث تراجع العجز إلى نحو 10 %، وبلغ معدل النمو 4.9%، كما تزايد تدفق الاستثمار الاجنبى المباشر ليسجل 7.9 مليار دولار فى نهاية العام المالى الماضى مقابل 6.9 مليار فى العام السابق عليه، إلى جانب تحسن إيرادات السياحة فى الاشهر العشرة الماضية. ارتفاع مستوى الدين المحلى العام ليتجاوز 110% من الناتج المحلى الاجمالى، وهو معدل مرتفع، كما ان الحكومة تسعى إلى خفضه إلى 86% بنهاية العام المالى المقبل 18/19، كما ان من شأن اللجوء إلى التوسع فى طرح السندات الدولارية، استبدال الدين الخارجى قصير الاجل، ولا سيما من الودائع إلى سندات طويلة الاجل، اضافة إلى الالتزامات الخارجية قصيرة الاجل خلال السنة المالية الحالية حتى نهاية يونيه 2018، التى تصل إلى 9 مليارات دولار. وفى المقابل فإن ثمة تساؤلا له ما يبرره حول التوسع فى اللجوء للاقتراض الخارجى، مع ارتفاع نسبة الدين الخارجى من الناتج المحلى الاجمالى لتتجاوز 31% بعد ان بلغت 76 مليار دولار فى نهاية مارس الماضى وفقا لبيانات البنك المركزى، قد يكون الرد على ذلك انه لا تزال النسبة فى المنطقة الآمنة، كما ان هناك نموا فى إيرادات السياحة، وتحويلات المصريين بالخارج، والاستثمار الاجنبى، ولكن ثمة ما يتطلب الحذر حيث إن المصادر الثلاثة تعتمد على عوامل خارجية، وهو ما ظهرت آثاره بعد تراجع إيرادات المصادر الثلاثة عقب ثورة 25 يناير والاضطرابات الاقليمية، وان العبرة فى تأمين مصادر مستقرة للنقد الأجنبى، ولاسيما الصادرات، وهو ما يجب ان يحظى باهتمام من جانب الحكومة خلال الفترة المقبلة بتوجيه جانب من قيمة السندات لتمويل مشروعات تصديرية لها إيرادات بالعملة الأجنبية.