لاشك أن فضيحة توظيف الاموال التى انفجرت منذ أيام، والمعروفة ب»فضيحة المستريح».. نزلت كالصاعقة على رأس المجتمع كله، الذى اكتشف أن فى الالفية الثالثة هناك من تصل به الجرأة الى النصب والضحك على الناس باسم توظيف الاموال.. كما أن فى الالفية الثالثة هناك من تصل به «سلامة النية»، ومش عايز أقول حاجة تانية، الى الثقة بالنصابين ولاعبى التلات ورقات، فيسلمونهم تحويشة العمر ليوظفوها لهم مقابل عائد يزيد بمقدار الضعف تقريبا على البنوك..! لقد كنا نعتقد جميعا أن توظيف الاموال كانت «موضة « وبطلت فى ثمانينيات القرن الماضى، وأن الناس اتعظت من المأساة التى انفجرت فى وجه المجتمع كله، بعد سقوط أباطرة توظيف الاموال الريان وشركاه التى أدت الى إفلاس الكل. وسقوط البعض مرضى إما بالشلل أو بجلطات فى القلب أو المخ.. وموت البعض الاخر بالسكتة القلبية.. بعد أن ضاعت تحويشة عمرهم.. وأصبحوا على الحديدة. وجاءت فضيحة المستريح لتؤكد أن الطمع قد يعمى الناس عن الحقيقة، وأن النصاب يلعب على هذا الوتر.. وتر الجشع والطمع، وهو يعلم أن بعض الناس لديهم ذاكرة الاسماك، فهم لن يتذكروا أو لا يريدوا أن يتذكروا ما حدث من كوارث بسبب توظيف الاموال فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى. وفى تقديرى أن هذه الفضيحة نزعت ورقة التوت عن جهازنا المصرفى وكشفت عورته وعورة البورصة فى نفس الوقت.. فهما لم ينجحا فى جذب مدخرات قطاع كبير من المواطنين، أصحاب المدخرات الصغيرة والمتوسطة، التى تمثل بالنسبة لهم تحويشة العمر التى خرجوا بها من حطام الدنيا، وهم للأسف لا يستطيعون استثمارها بأنفسهم، لانهم لا يمتلكون الامكانيات ولا القدرة على ذلك، ومع ذلك يحجمون عن إيداع أموالهم بالبنوك لأنهم يرون أن العائد الذى تقدمه لهم البنوك غير مجز، حيث يقل كثيرا عن معدل التضخم المعلن رسميا، وبالتالى سوف «تتآكل» مدخراتهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى..! يضاف الى كل هذا وذاك أنهم لا يفضلون استثمار أموالهم فى البورصة لعدم خبرتهم بأساليب التعامل فيها من ناحية، وللفوضى السائدة الان فى البورصة من ناحية أخرى، التى ترفع بعض الاسهم الخاسرة الى سابع سما، والاسهم الرابحة تهبط بها الى سابع أرض.. ناهيك عن الخسائر المستمرة لكل أسهم البورصة بلا استثناء، لأكثر ما يزيد على عام كامل، دون مبرر، حتى إن كثيرا من الاسهم الصغيرة بالذات فقدت حوالى 30٪ من قيمتها الاسمية..! إن هذا الوضع ساهم فى تهيئة البيئة الخصبة للنصابين ولاعبى التلات ورقات لكى يغازلوا أصحاب المدخرات الصغيرة «الحائرين» ويوهمونهم بالعائد الكبير.. ثم يكتشف الجميع بعد ذلك أن الامر كله لا يعدو إلا أن يكون «نصباية». ولا يعنى هذا بالطبع أننى أبرئ أصحاب المدخرات، لكننى أحملهم مسئولية كل ما حدث لهم. وهم، بالمناسبة، سيدفعون الثمن غاليا، لكننى فى نفس الوقت أرى أن مؤسساتنا المالية تتحمل هى الاخرى جزءا من مسئولية ما جرى؛ لانها لم تقم بدورها المطلوب فى جذب أصحاب المدخرات الصغيرة. إما من خلال استحداث أوعية ادخارية جديدة تتناسب مع متطلباتهم.. أو من خلال تشجيعهم على اقتحام مجال الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر، مع تقديم جميع أنواع الدعم المالى والفنى لهم. لقد كشفت «فضيحة المستريح» المستور ونزعت ورقة التوت عن الكثير من الاوضاع السلبية التى جعلت ظاهرة شركات توظيف الاموال تعود وبقوة الى سابق عهدها.. وأعتقد أن على الحكومة وعلى البنك المركزى أن يعالج هذه السلبيات وبسرعة؛ لأن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية الراهنة لا تتحمل أى كوارث جديدة قد تنجم عن مثل هذه الظاهرة أو غيرها.. ربنا يستر..!