من حظنا العاثر أنه كلما شهدت البلاد بوادر انفراجة فى الازمة الاقتصادية التى نمر بها تفاجئنا ازمة غير اقتصادية ولكن انعكاساتها على الاقتصاد جدية ومريعة، وبعد ان اوشكت موجة العنف الداخلى أن تزول بفضل المواجهة الامنية الصارمة، شهدنا احداث ليبيا التى فرضت نفسها على الداخل بصورة مباشرة، وفى الوقت الذى تسعى فيه الدولة لاعادة الاستقرار الى ليبيا الشقيقة، الجوار الاستراتيجى لمصر، تفاجأ الجميع بالصعود السريع لميليشيات الحوثيين فى انحاء اليمن بما يهدد امن الخليج والبحر الاحمر كله، وهو ما دعا لتشكيل تحالف عربى موسع للدفاع عن الشرعية فى اليمن وصد موجة التمدد «السياسى» الشيعى الجديدة التى تسعى لمحاصرة السعودية من الجنوب بعد ان باتت تهددها من الشمال والشمال الشرقي، والاخطر سعى ايران للسيطرة المادية على مضيق باب المندب بما يعنيه ذلك من مخاطر جدية تهدد الموانى العربية المطلة على البحر الاحمر فى السعودية والسودان والاردن، والساحل المصرى الطويل على امتداد البحر العربي. المخاطر الاستراتيجية لاستحواذ ايران وأزلامها على باب المندب بادية للعيان، وهى تكفى بذاتها مسوغا لمساندة الجيش المصرى للقوات العربية فى دفاعها عن الخليج والمضيق. المشاركة المصرية فى تحالف عاصفة الحزم اثارت كالعادة الجدل بين مؤيدين ومعارضين، وتحدث البعض عن عقدة اليمن، وغالى آخرون فى اختزال الامر على انه دفاع عن الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.. وهذا غير صحيح. قصة الصراع على النفوذ السياسى فى المنطقة متشعبة ومعقدة واطرافها متعددة، واذا كان الصعود الاقتصادى التركى فى العقد الاخير قد سمح لها بمداعبة احلام القوة الاقليمية النافذة، فإن الايرانيين ومنذ ثورة الخمينى عام 1979 يستهدفون خلق حزام شيعى ممتد كالثعبان فى وسط وعلى اطراف المنطقة العربية يساندها فى لعب دور اقليمى يتجاوز قدراتها السياسية والاقتصادية، وحتى الديموجرافية. وفى هذا الاطار يمكن فهم طول امد الحرب العراقية الايرانية والسعى الدءوب للحصول على التقنية النووية، وقبل ذلك وبعده اصطناع الصراعات السياسية داخل الاوطان بذريعة الاختلاف الطائفي، وهو الامر الذى نعيش أوجه الآن فى لبنان والعراق وسوريا والبحرين ودول الخليج.. واخيرا فى اليمن. الحوثيون على مر التاريخ ينتمون للمذهب الزيدى وهو مذهب يختلف كثيرا عن الشيعة الاثنى عشرية التى تحكم ايران وهم اقرب مذاهب الشيعة لاهل السنة، وقد عاشوا لقرون فى وئام مع القبائل السنية التى تشكل اغلبية اليمنيين الى ان ظهر الزعيم الشاب عبد الملك الحوثى الذى تحالف مع ايران وحول غالبية شيعته الى المذهب الاثنى عشرى فى مشهد عبثى يعبر بشدة عن مخاطر تلاعب السياسيين بالاديان والطوائف. من نعم الله على المصريين انهم لا يعرفون مرارة الصراعات الدينية والمذهبية، وغاية تجاربنا تنحصر فى تبعات الصراع على قطعة ارض او مغازلة شاب لفتاة من غير دينه، وسرعان ما تتدخل الرموز الشعبية والدينية لإزالة ما ينجم عن هذه الخلافات من مشاكل نتفق جميعا على انها تافهة.. ومشينة . غير ان الامر فى الشرق العربى يختلف كثيرا، وبسبب مرارات مخزنة عبر التاريخ يحلو لنفر من اصحاب المصالح إيقاظ «احقاد صفين» للوقيعة بين ابناء الدين الواحد تحقيقا لمآرب سياسية، وهذا هو حال السلوك الايرانى فى العقود الاخيرة لسوء الحظ تحقيقا لاوهام مشروع الهيمنة الاقليمية عن غير سند من السياسة او الاقتصاد. مصر هى اكبر دولة سنية فى المنطقة، ولم يكن لهذا الامر معنى لدى المصريين على مر التاريخ، فبالنسبة لنا كل المسلمين اخوة وكل المسلمين ينطقون الشهادتين ويتجهون بصلاتهم الى قبلة واحدة، غير ان الامر بالنسبة لاصحاب المآرب السياسية يختلف كلية، ولهذا شهدنا مساعى نشر التشيع لدى بعض المصريين، ولما فشلت تلك الجهود وجدنا موجات الارهاب تتلاحق علينا بدعوى فرض صحيح الدين!، اما السعى نحو اضعاف «الكتلة» المصرية اجتماعيا واقتصاديا فقد كان هدفا دائما للساعين الى تحييد مصر واخراجها من محيطها العربى الاسلامى . المؤامرات على تفتيت الداخل المصرى تنشط منذ سنوات، وعلى التوازى الجهود الرامية لاضعاف الاقتصاد لتحقيق نفس الغرض واغراض اخرى، ولاشك ان جهود اصلاح الاقتصاد الجارية الان والمشروع التنموى الطموح الذى تتبناه الادارة الحالية يشكل وخزا فى قلوب حانقة واضعافا لمخططات اقليمية تتطلب ان تظل مصر ضعيفة اقتصاديا بعد ان يئست من تفتيتها. الدعاية السوداء ضد مشروع التنمية المصرى لم تبلغ مبتغاها، فقد كان الزخم الذى حققه المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ مفاجئا وصادما للمتناحرين على الهيمنة على الشرق الاوسط.. ولقلة من المصريين للاسف الشديد. ولهذا استوجب الامر خطوة عملية لتهديد حلم التنمية عبر محاولة الهيمنة على مضيق باب المندب عسى ان يفلح الامر فى تعطيل مشروع القرن للمصريين المتمثل فى تعظيم الاستفادة من موقع قناة السويس، ولهذا وجد الجيش المصرى فى موقف يدفعه لتأمين المرور الآمن للجميع عبر مضيق باب المندب فى مشهد يعيد للاذهان الدور الرائع للبحرية المصرية فى حرب اكتوبر 1973 .. هذه المرة دفاعا عن الامن القومى العربى.. ودفاعا عن حق المصريين فى تنمية بلادهم.. رغم أنف الحاقدين.