بحسب ما أعلنته المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الأسبوع الماضي زاد إنتاج البلاد من الخام إلي740 ألف برميل يوميا, وكانت آخر البيانات لإنتاج النفط في ليبيا تشير إلي وصوله إلي725 ألف برميل يوميا بعدما تعزز الإنتاج بفضل إعادة فتح مواني نفطية بعد إنهاء احتجاجات لمجموعة من المطالبين بحكم ذاتي لمنطقتهم. وزيادة الإنتاج النفطي خلال الأسابيع الأخيرة يبث الأمل في إحياء الاقتصاد الليبي المتعثر, ولكن هل سيتيح الصراع السياسي ذلك ؟ خلال الشهر الماضي زاد إنتاج النفط الليبي إلي650 ألف برميل يوميا بما يعادل خمسة أمثال مستواه قبل شهرين في نجاح نادر يحققه الاقتصاد في وقت تحارب فيه الجماعات المسلحة وبرلمانان للسيطرة علي البلاد. وبحسب تصريحات القائم بأعمال وزير النفط المستقيل عمر الشكماك فإن الإنتاج قد يزيد إلي مليون برميل يوميا في وقت لاحق هذا العام ليقترب من مستوي1.4 مليون برميل يوميا الذي سجلته ليبيا قبل اندلاع موجة من الاحتجاجات أصابت القطاع بالشلل في يوليو2013. وهذا التطور سيعطي دفعة ضرورية للاقتصاد الليبي المتعثر خاصة بعد أن اضطر البنك المركزي إلي السحب من احتياطات النقد الأجنبي لتلبية احتياجات البلاد. لكن أي أهداف للدولة معرضة للفشل بسبب صراعات الفصائل والقبائل المختلفة التي تنذر بالتحول إلي حرب أهلية. ويبدي مراقبون مخاوفهم إزاء عدم استمرار انتعاش قطاع النفط الليبي في ظل مواجهة بين جماعات مسلحة تنذر بتقطيع أوصال البلاد. فالزيادة الأخيرة في الإنتاج جاءت بعد أن نفذت مجموعة من المحتجين المطالبين بالحكم الذاتي لمنطقتهم اتفاقا علي إعادة فتح مواني رئيسية في شرق ليبيا مثل السدرة. وهناك مخاوف بغلق هذه المواني مجددا بعد أن سيطرت جماعة مسلحة أخري من مدينة مصراتة في غرب البلاد علي العاصمة طرابلس. أو قد تقوم العناصر الساخطة الاخري بإغلاق خطوط الانابيب المؤدية الي الحقول الغربية لينقطع التمويل عن المؤتمر الوطني العام. وحتي الآن تظل الأعمال القتالية الجديدة بعيدة عن حقول ومواني النفط الليبية. لكن العنف المتصاعد في مدينة بنغازي بشرق البلاد علي سبيل المثال لا يبعد سوي مائة كليومتر عن ميناء الزويتينة النفطي. يذكر انه مع ما تشهده البلاد من أسوأ عمليات عنف منذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام2011, تدهورت الأوضاع في ليبيا, حيث جعلت منها الفوضي التي تعمها ملاذا آمنا للجماعات الارهابية المسلحة. وبحسب تقرير لمورجان ستانلي تراجعت الصناعة الاساسية فيها مع انخفاض إنتاج النفط في السنوات الأخيرة. وما شهدته من أعمال عنف خلال الشهر الماضي يهدد البنية التحتية للطاقة ايضا, مما يعزز توقعات بانخفاض مستويات الإنتاج المنخفضة بالفعل ويثير الشكوك حول مستقبل صناعة النفط في ليبيا. وقد أشار التقرير إلي أن الاقتصاد الليبي الذي يعتمد علي النفط بصورة أساسية كان مرنا بشكل ملحوظ في السنة التي تلت سقوط نظام القذافي. ففي عام2012, كانت ليبيا لاتزال تمثل10% من واردات النفط للدول الاوروبية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهو ما كان انخفاضا طفيفا عن سنوات ما قبل الثورة, عندما اتجهت الحكومات الأوروبية إلي إعادة تأسيس علاقاتها التجارية مع حكومة القذافي بافتراض ميلها نحو الانفتاح والإصلاح. ولكن واردات هذه الدول من ليبيا انخفضت الي3% فقط من إجمالي وارداتها خلال الربع الاول من2014 وكان هذا قبل وقت طويل من العنف المتزايد خلال الشهر الماضي. وكانت ليبيا تنتج نحو مليون و500 ألف برميل يوميا قبل يوليو2013. لكن الاحتجاجات وإغلاق حقول ومواني نفطية شرق البلاد لأكثر من9 أشهر, جعل مستويات الإنتاج تنخفض إلي200 ألف برميل في مارس الماضي, وهو أدني مستوي تسجله عملية الإنتاج النفطي. ووفقا لمورجان ستانلي, من المرجح انخفاض متوسط انتاج النفط في عام2014 بواقع400 ألف برميل يوميا الي500 ألف برميل. وذلك مع بقاء البنية التحتية النفطية في البلاد سليمة نسبيا. وقد لفت التقرير الي التهديدات المحتملة لمحطات تصدير النفط السبع في ليبيا, والمخاطر الأمنية لحقول النفط الصحراوية. الخسائر المباشرة للموازنة العامة جراء هذا الإغلاق, تعدت ال30 مليار دولار أمريكي. ووفقا لتقديرات البنك الدولي, أدي تباطؤ صادرات النفط في عام2013 إلي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة10%. ومن المؤكد ان عدم الاستقرار سيحول دون أي استثمارات مستقبلية في قطاع النفط, في حين أن أكبر ثلاث شركات متعددة الجنسيات في قطاع النفط الليبي ستتكبد خسائر بسبب انخفاض مستويات الإنتاج وذلك نتيجة للأزمة, وفقا لمورجان ستانلي. وبحسب تقرير ليبيا الاستراتيجي لعام2013 تقدر احتياطيات البلاد بنحو مليار برميل نفط و89 تريليون متر مكعب من الغاز. ويحتاج القطاع الي استثمارات تتراوح بين42 و70 مليار دولار خلال ال15 عاما القادمة. ويري البعض انه ستحدث مشكلة لو أن المؤتمر الوطني العام أعطي أوامر للبنك المركزي بتحويل إيرادات النفط.. لن يكون الوضع القانوني واضحا للمشترين المحتملين للنفط الليبي. رئيس واحدة من أكبر الشركات الخاصة في ليبيا يقول إنه حتي لو استمر تدفق صادرات النفط فستظل البلاد تسجل عجزا تاريخيا في الميزانية يبلغ70 بالمائة ما لم يرتفع الإنتاج إلي1.6 مليون برميل يوميا بسعر100 دولار للبرميل. وكان البرلمان صادق في يونيو علي ميزانية قيمتها49 مليار دولار قامت علي أساس أن الإنتاج السنوي يبلغ600 ألف برميل يوميا. ولا تصدر ليبيا أي بيانات بخصوص صادرات النفط لكنها تحتاج إلي140 ألف برميل يوميا من إنتاجها للمصافي المحلية. يذكر أن أزمة الميزانية تتفاقم بسبب مطالب بتغطية تكاليف الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والتي تتجاوز عشرة مليارات دينار بعد تدمير أسطول طائرات الركاب وحاويات تخزين الوقود أثناء قتال استمر أكثر من شهر في طرابلس. وقد يساهم ارتفاع فاتورة الواردات أيضا في استنزاف الاحتياطات إذ تحتاج ليبيا إلي استيراد ما قيمته30 مليار دولار من السلع الغذائية والاستهلاكية نظرا لأنها لا تملك صناعات كبيرة بخلاف النفط. كانت الحكومة قد اضطرت إلي اللجوء الي السحب من احتياطات النقد الأجنبي وبدأت في إصدار سندات إسلامية( صكوك) للبنوك المحلية. ومؤخرا' اصدر البنك بيانا الي وسائل الإعلام المحلية يقول فيه إن الاحتياطات تحسنت بفضل زيادة إنتاج النفط. ولم يكشف البنك عن تفاصيل بعد أن أشار في آخر بيانات للاحتياطيات الأجنبية لوصولها إلي109 مليارات دولار في نهاية يونيو انخفاضا من نحو130 مليار دولار في أغسطس2013. في الوقت نفسه إغلاق معظم البنوك لأسباب أمنية أدي الي صعوبة الحصول علي العملة الأجنبية. ووصل سعر الدولار إلي1.60 دينار في السوق السوداء في طرابلس بينما يبلغ السعر الرسمي له نحو1.25 دينار. ووفقا لبعض التقديرات تكبدت المشروعات الخاصة خسائر بلغت نحو ملياري دينار مع تضرر المصانع والمقاهي والمتاجر وهو ما دفع الشركات الأجنبية القليلة العاملة في ليبيا إلي مغادرة البلاد في ضربة تعصف بآمال الحكومة بإقامة مزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص. تقرير البنك الدولي الأخير أشار إلي حالة الضبابية العالية والاضطرابات السياسية والتأخيرات المطولة التي تشوب الوضع الانتقالي السياسي والاقتصادي في ليبيا. وقال إن الحكومة المؤقتة مازالت تسعي جاهدة لاستعادة الأمن وبناء قدرات المؤسسات العامة كي تتمكن من تقديم السلع والخدمات الأساسية. لكن السلطات الليبية تواجهها تحديات جسام. وتتمثل الأولويات العاجلة في استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي والمساعدة في إدارة توقعات المواطنين وطموحاتهم المتنامية مع تلبية المطالب- في الوقت ذاته- بتحقيق تحسينات سريعة في الخدمات الأساسية. وينبغي علي السلطات الليبية أن تواصل تركيزها علي استعادة الأمن وسيادة القانون وإعادة الخدمات العامة بشكل كامل وتحقيق انضباط الموازنة وإعادة بناء مؤسسات الدولة. ومن المهم أيضا إجراء حوار مجتمعي حول الإصلاحات اللازمة لإعادة بناء بلد مزقته40 سنة من الحكم الاستبدادي. ومن الأولويات الأخري إعادة بناء البنية التحتية وإعادة توجيه الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد علي قطاع النفط ومشتقاته, وإعداد إطار للإدارة العامة يدعم من تنمية القطاع الخاص وتوفير فرص العمل والنمو الشامل.