تواجه الأرجنتين حاليا- ثالث اكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية- مخاطر الإفلاس. ومن المعروف أن الأرجنتين ليست حديثة العهد بهذه النوعية من المشكلات, بل إن الأرجنتين منذ استقلالها عن اسبانيا في عام1816 تعرضت لسبع دورات من الإفلاس. وترتبط الأزمة الحالية في الأرجنتين بصورة مباشرة بأزمة الإفلاس الأخيرة التي تعرضت لها الأرجنتين في عام2001, حيث كان من نتائج هذه الأزمة أن قامت الأرجنتين بعقد اتفاقيات إعادة هيكلة لديونها وقع عليها غالبية حاملي السندات( نحو92% من الدائنين) في عامي2005 و2010. إلا أن بعض صناديق التحوط الأمريكية رفضت الاشتراك في إعادة الجدولة علي الرغم من أنها قامت بشراء الدين الأرجنتيني بأسعار زهيدة وتطالب الآن الحكومة الأرجنتينية بسداد القيمة الاسمية لهذه السندات بالإضافة إلي أسعار الفائدة المستحقة عليها التي تبلغ أضعاف القيمة والتي قامت هذه الصناديق بشراء تلك السندات بها. وقد أسهمت الشروط التي وافقت الأرجنتين علي الاقتراض بها في تسعينيات القرن الماضي بدرجة كبيرة في الأزمة الحالية. حيث إن التاريخ الطويل للإفلاس في الأرجنتين اضطر الحكومة الأرجنتينية إلي القبول بولاية المحاكم الأمريكية في حالة نشوب أي نزاع بينها وبين الدائنين كوسيلة لتدعيم مصداقيتها أمام دائنيها وضمان إقبالهم علي شراء السندات الأرجنتينية. كما وافقت أيضا الحكومة الأرجنتينية علي تضمين هذه السندات بما يعرف ب' شرط التساوي'paripassuclause وبموجب هذا الشرط تكون الحكومة الأرجنتينية مضطرة إلي التعامل مع جميع دائنيها علي قدم المساواة خاصة فيما يتعلق بسداد الأقساط وفوائد الديون. كان من نتيجة موافقة الحكومة الأرجنتينية علي هذه الشروط أن لجأت صناديق التحوط الأمريكية الرافضة للاشتراك في عملية إعادة هيكلة الديون الأرجنتينية إلي محكمة نيويورك, وجاء حكم القاضي' توماس جريسا' بإلزام الأرجنتين بدفع القيمة الاسمية للسندات التي تملكها هذه الصناديق بالإضافة إلي أسعار الفائدة أي ما يقرب من5,1 مليار دولار, و كانت الحكومة الأرجنتينية قد أودعت539 مليون دولار من خدمات الديون المستحقة لحملة سنداتها السارية في مصرف نيويورك ميلون, أمين حملة السندات, غير أن حكم المحكمة كان قد حظر علي المصرف تحويل هذه الأموال للدائنين قبل أن تتوصل الأرجنتين إلي تسوية مع صناديق التحوط الرافضة لإعادة الهيكلة, وكانت خدمات الديون مستحقة السداد في نهاية يونيو2014 وبفترة سماح شهر اي انه بنهاية يوليو2014 تكون الأرجنتين تخلفت عن سداد الفوائد المستحقة عليها. والحقيقة أن الأزمة الفعلية في الحكم القضائي ليست في اضطرار الحكومة الأرجنتينية لدفع5,1 مليار دولار لدائنيها من صناديق التحوط الأمريكية, بل في الخوف من أنها لو خضعت لمطالب الرافضين للتسوية المعروضة وقامت بسداد التزاماتها نحوهم بالكامل فإنها ستكون مطالبة طبقا لشرط التساوي'paripassuclause' بأن تقوم بنفس الإجراء مع كل حملة السندات الذين قبلوا بإعادة الهيكلة وهو الأمر الذي قد يتسبب في تزايد قيمة الديون إلي مستويات تتجاوز ال100 مليار دولار. وقد برزت تداعيات هذه الأزمة في قيام وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني للأرجنتين إلي درجة' الإفلاس الانتقائي', كنتيجة مباشرة لتجميد مبلغ ال539 مليون دولار الفوائد علي الدين الأرجنتيني التي كانت مستحقة للدفع بنهاية يوليو الماضي. و هو ما أدانه وزير الاقتصاد الأرجنتيني معلنا أنه ليس من المنطق أن تفلس بلاده علي الرغم من توافر الأموال اللازمة لخدمة ديونها, وأن ما يحدث هو محض تعنت واستغلال من صناديق التحوط الأمريكي التي اشترت الديون الأرجنتينية بثمن بخس وتريد أن تحقق الآن أرباحا طائلة منها حتي ولو سيكون نتيجة ذلك إفلاس الأرجنتين. وحتي الآن لا يبدو هناك أفق واضح لحل الأزمة خاصة أن الوسيط الذي عينته المحكمة صرح أنه لم يتم التوصل إلي حل للخلاف بين الأرجنتين ودائنيها, وأن الأرجنتين تعتبر وفقا لذلك دولة مفلسة. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلي انه حتي لو أفلست الأرجنتين مرة أخري فلن يكون لذلك تأثير عالمي قوي مثلما حدث في أزمة2001 بل إن آثار هذه الأزمة لن تتعدي الأرجنتين التي قد تعاني نتيجة لذلك من أزمة ركود تضخمي طاحنة.