العدالة الاجتماعية- في مضمونها الادق- تعني التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمواطن, وأن يتمتع المواطنون جميعا بحقوق اقتصادية واجتماعية متساوية, وفرص متكافئة لتنمية قدراتهم, وإطلاق طاقاتهم وتوظيفها بما يتيح لهم فرص الحراك الاجتماعي الصاعد. ولتحقيق ذلك سيظل علي الحكومة ان تقوم بدور مزدوج يتضمن ليس فقط توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية خاصة التعليم والصحة, وبمستوي جودة عالية, وعدالة إتاحتها للمواطنين, ولكن ايضا مساعدة وحماية الفئات ذات الدخل المحدود والفقراء, وتوجيه الدعم لمستحقيه. وعليه, ففكرة العدالة الاجتماعية تقوم علي ركيزتين اساسيتين: اولها الوفاء بالحاجات الأساسية للمواطنين كافة, وهذه تشمل مجموعة السلع والخدمات التي تحتاجها الفئات الأقل دخلا( كالغذاء وماء الشرب النقي والمسكن والصرف الصحي والخدمات العلاجية والتعليمية).. وثانيها يرتبط بانتهاج السياسات التي تكفل عدالة توزيع الدخل القومي, سواء بين مختلف الفئات الاجتماعية, او بين اقاليم الدولة المختلفة. في الخمسينيات من القرن الماضي شاع بين الاقتصاديين نظرية التساقط للاقتصادي الأمريكي( الروسي المولد) سيمون كوزنتسSimonKusnets, ومضمونها أن التراكم الرأسمالي وتحقيق النمو الاقتصادي ينعكس ايجابا- عاجلا او آجلا- علي مختلف أفراد المجتمع, وذلك بفضل الأثر التساقطيtricklingdowneffect, فدفع النمو وارتفاع الارباح من شأنه تحفيز الاستثمارات الخاصة وخلق وظائف جديدة, وزيادة الاجور, وبالتالي تحسين مستويات المعيشة, وتقليص الفقر. وهكذا تنساب الدخول بعد فترة- قد تطول او تقصر- من اعلي الي اسفل لصالح الطبقات الفقيرة. تبنت هذا التصور الخاطئ حكومة ما قبل ثورة يناير2011, التي تجاهلت البعد الاجتماعي للتنمية مما اسفر عن زيادة معدلات البطالة, والتفاوت الصارخ في مستويات الدخول والثروات, واتساع مساحة الفقر المتعدد الابعاد حيث يقترن فقر الدخل بفقر القدرات, مما شكل تهديدا للاستقرار الاجتماعي والسياسي, بل التقدم الاقتصادي ذاته. إن تحقيق معدلات مرتفعة ومستدامة للنمو والتشغيل يعتبر شرطا ضروريا لتحقيق العدالة الاجتماعية, ولكنه ليس كافيا إذ يجب أن يكون مصحوبا بتطبيق حزمة متكاملة من السياسات والبرامج التي تهدف الي استفادة كل الأطراف من ثمار التنمية, التي تتمثل فيما يلي: 1- وضع التشريعات اللازمة لإرساء علاقات متوازنة ومتكافئة بين الاطراف المتعاملين في الاسواق بجميع انواعها( سوق العمل, واسواق السلع والخدمات..) وفقا للقواعد الاقتصادية الرشيدة, وبما يكفل عدالة علاقات العمل, وحماية حقوق المستهلكين, وصغار المنتجين. 2- تكافؤ الفرص بتمكين كل مواطن من الحصول علي حقه العادل في فرصة عمل منتجة في إطار من التنافسية والشفافية, والتقدير الموضوعي للكفاءات والقدرات, وبغض النظر عن اصوله الاجتماعية او انتماءاته العقدية. وأن تصبح الكفاءة والمهارة هي السبيل الاساسي للحراك الاجتماعي. 3-إنشاء شبكات أمان اجتماعي شاملة لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة وغير القادرة في المجتمع( نتيجة العجز أو المرض أو الشيخوخة..), تكفل لهم مستوي مقبولا من المعيشة حسب الإمكانات المتوافرة للدولة, انطلاقا من المسئولية التضامنية لأفراد المجتمع كافة في مساندة هذه الفئات وبالشكل اللائق. 4- تصميم نظام ضريبي عادل يتمكن من مباشرة آثاره التوزيعية سواء بإعادة توزيع الدخل القومي بين مختلف الفئات الاجتماعية, أو بين مختلف عوامل الإنتاج, أو بين مختلف الأنشطة الاقتصادية والأقاليم المختلفة للدولة, كما يكفل توفير الموارد المالية الكافية لأداء الخدمات والبني الأساسية. 5- تحديد الاولويات في توجيه الموارد العامة الي مجالات الانفاق الاجتماعي, وتبني السياسات التي تتناسب معها.. - الاستهداف الجغرافي للانفاق العام, بتوزيع الاستثمارات بالشكل الذي يكفل القضاء علي ظاهرة عدم التكافؤ الاقتصادي بين الأقاليم او الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينها. - تبني السياسات المحفزة لفرص العمل, أي أن تكون الاولوية للسياسات الاكثر ارتباطا بتشجيع النمو الكثيف العمالة, وتوفير المرونة في سوق العمل, واستمرار التحسن في شروط العمل والاجور.