في المدي الطويل, سنكون جميعا في عداد الأموات(Inthelongrun,wearealldead). هكذا كان رد جون ماينارد كينز علي منتقدي نظريته التي قدمها إبان الأزمة الاقتصادية في الثلاثينيات من القرن الماضي, والتي ركزت علي سياسات العلاج في المدي القصير فقط. وهذا بالضبط هو ما ينبغي أن نركز عليه في المرحلة الراهنة.. السياسات والإجراءات العاجلة التي تهيئ الظروف لعلاج أو تخفيف حدة المشكلات الصعبة التي تواجه الاقتصاد المصري, وفي القلب منها مشكلة الفقر. حسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فاقت نسبة الفقر ربع مواطني البلاد, حيث وصلت إلي3,26% في عام2013/2012, وذلك مقابل3,25% في عام2011/2010, فيما كانت تصل إلي7,17% في عام2000/1999. معني هذا أن دائرة الفقر ظلت تتسع خلال السنوات الماضية حتي وصل عدد الفقراء الآن لنحو6,22 مليون مواطن. وإذا لم يكن بمقدورنا- في المدة القصيرة- القضاء علي الفقر, فمن الواجب علينا الحد من انتشاروالتخفيف من وطأته. وأتصور أن تعثرنا في علاج بعض مشكلاتنا وقضايانا ليس ناشئا من الجهل بالسياسات الاقتصادية الملائمة لها بقدر ما هي مترتبة علي إهمال تطبيق هذه السياسات, ومن بين أهم القضايا المهملة قضية التمكين الاقتصادي للفقراء. لذلك يمثل التوسع في المشروعات المتناهية الصغر- وبشكل مكثف- ضرورة اقتصادية واجتماعية, فهو السبيل الأمثل للتخفيف من حدة الفقر. والمشروعات المتناهية الصغر- حسب تعريف منظمة العمل الدوليةILO تضم وحدات صغيرة الحجم جدا تنتج وتوزع سلعا وخدمات, وتعمل برأسمال صغير, وترتبط مباشرة بالمستهلك, بمعني أنها تنتج سلعا أو خدمات استهلاكية, أو سلعا وخدمات مطلوبة لأنشطة إنتاجية أخري. مثال ذلك: تلك التي تؤدي خدمات للسيارات( سمكرة وطلاء وميكانيكا وكهرباء), وخدمات صيانة للأجهزة المنزلية والإلكترونية, وحياكة الملابس, أو صناعة الأثاث, وغيرها من الصناعات الحرفية. وكثيرا ما يرتبط المشروع بالعائلة, فيسهم في توفير فرص عمل لأفرادها من الرجال والنساء, كبارا وصغارا, كما يسهم في تعبئة مدخرات العائلة بشكل قد لايتحقق بأي طريق آخر. أهمية المشروعات المتناهية الصغر ترجع إلي أن احتياجاتها التمويلية محدودة, ومرونتها في استيعاب الأيدي العاملة غير محدودة, كما أن قدرتها التسويقية ترتبط بالعلاقة المباشرة بين المنتج والمستهلك, لذلك تتمتع بمرونة عالية في استجابتها للمتغيرات السوقية, وهي مشروعات قابلة للتطوير, وبالتالي تهيئ الفرص لظهور أفكار جديدة,, وتفريخ أعداد متزايدة من المنظمين ورواد الأعمال. ولأن هذه المشروعات يمكن أن تنتشر جغرافيا في المدن والقري, لذلك فإن تنميتها تسهم في تحقيق درجة من التوازن الاقتصادي/ الاجتماعي النسبي علي المستوي الأقليمي. وعلي ذلك,فالمشروعات المتناهية الصغر يمكن أن تمثل قاعدة واقعية وقابلة للتطبيق كخطوة لابد منها لمكافحة الفقر, ودفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل وجود أعداد كبيرة من المشروعات الصغيرة المتقاربة في الحجم, تكتسب الأسواق درجة أعلي من المنافسة, التي تفيد المستهلك وتدفع المنتج الي تحسين كفاءته. والأمر لا يخلو مما قد تتعرض له هذه المشروعات من مشكلات يمكن أن تعرقل نشاطها في الأجل القصير, وتهدد نموها- أو بقاءها- في الأجل الطويل, منها ما يتعلق بالسياسات الضريبية, أو تعسف الإدارات المحلية, وصعوبة إصدار التراخيص الخاصة بممارسة هذه الأنشطة, أو جهل أرباب هذه المشروعات بإتجاهات الأسعار, والمصادر البديلة للمواد الخام, أو أساليب التسويق والترويج, ومنها المشكلات المتعلقة بتوفير التمويل اللازم بأقل التكاليف سواء عند الإنشاء أو التوسع. وفي اعتقادي أن إيجاد صيغة لربط هذه المشروعات بالغرف التجارية أو اتحاد الصناعات لمساندتها وتوفير المعلومات اللازمة لها فنيا وتسويقيا وتمويليا, قد يذلل الكثير من هذه المشكلات.