الفارق بين ستيفن جوبز مؤسس شركة آبل وأحد أكبر الناجحين في مجال البيزنس العالمي, وبين بوعزيزي البائع المتجول التونسي الذي كان يعمل في نشاط غير رسمي والذي كان يدفع3 دينارات يوميا إتاوة للوقوف بعربته في الشارع ودفعته مطاردات رجال الشرطة إلي الانتحار بعد أن أضرم النيزان في نفسه, الفارق بين الاثنين هو مناخ وبيئة العمل التي جعلت من الأول رجل أعمال ناجحا ومن الثاني بائعا متجولا منتحرا. أعيد هذه القصة التي نشرناها ضمن حوار مجلة الأهرام بنكرز مع رئيس معهد الحرية والديمقراطية وخبير الاقتصاد الدولي هرناندو دي سوتو حول الاقتصاد غير الرسمي في مصر, وأيضا بمناسبة التحذير الذي أطلقه عدد كبير من رجال الأعمال وأصحاب المصانع والشركات بأنهم في الطريق لإغلاق مشروعاتهم والتحول إلي الاقتصاد غير الرسمي نتيجة للضغوط التي تمارسها الحكومة علي المشروعات التي تعمل تحت مظلة قانونية في إطار الاقتصاد الرسمي, بينما يتمتع الاقتصاد غير الرسمي بحرية العمل بدون ضرائب أو تأمينات أو رقابة صحية وأمن صناعي وغيرها من الرسوم التي يتحملها صاحب أي مشروع رسمي. رجل الأعمال محمد جنيدي رئيس نقابة المستثمرين الصناعيين أطلق صرخة خلال ندوة الأهرام الاقتصادي ومعه عدد من رجال الصناعة أنهم سوف يتحولون إلي الاقتصاد غير الرسمي وإلا فإن مصانعهم المحملة بأعباء لا أول لها ولا آخر سوف تغلق أبوابها وسوف يعطون مفاتيحها للحكومة مجانا لتديرها بنفسها وتعطي للعمال والموردين والتأمينات والضرائب حقوقهم. الحكومة معذورة لأنه بعد ثورة يناير تزايد عجز الموازنة بشكل سريع مع نقص عوائد الإنتاج وانخفاض الإيرادات فتضطر إلي البحث عن مصادر جديدة منها الضرائب علي الدخل وعلي المبيعات وفرض رسوم جديدة بينما يتزايد الإنفاق علي الدعم منها نحو21 مليار جنيه علي الخبز ونحو140 مليارا علي الطاقة والوقود الذي يذهب كما قال رئيس الوزراء الجديد إلي الأغنياء في معظمه ويساوي بالقيمة السوقية300 مليار وليس140 مليار جنيه. وبدلا من أن تلجأ الحكومة لمواجهة المشكلة الحقيقية وهي ارتفاع فاتورة الدعم التي تعادل في قيمتها قيمة العجز في الموازنة فإنها تبحث عن الحلول الأسهل خوفا من غضب الشارع الذي هو في الحقيقة يعاني معاناة ضخمة من ارتفاع أسعار السلع وانخفاض جودة الخدمات الصحية والتعليمية وكلها تصب في خانة انعدام العدالة الاجتماعية. هرناندو دي سوتو خبير الاقتصاد الدولي الذي شارك في دراسة مستفيضة عن الاقتصاد غير الرسمي في مصر عام2004 وتقاعست الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ توصيات تلك الدراسة يقول: إن مشكلة الاقتصاد غير الرسمي في مصر متشعبة وأن حجم الأعمال التجارية غير الرسمية في مصر يقدر بالأسعار الحالية بنحو360 مليار دولار أي ما يتجاوز2 تريليون و500مليار جنيه, ويقول إن الإحصاءات كشفت عن أن عدد الذين يعملون في القطاع غير الرسمي أي في مشروعات غير مرخصة بعيدا عن القوانين يصل إلي10 ملايين عامل مقابل6.8 مليون في القطاع الخاص الرسمي و5.9 في القطاع الحكومي. وفي مصر يتعاظم دور القطاع غير الرسمي من بعد ثورة يناير ويزيد عدد الذين يفترشون الميادين وأرصفة الشوارع كل يوم, ويدفع كل منهم عشرات الجنيهات يوميا إتاوات للبلطجية مقابل حمايتهم وتركهم يسرقون الكهرباء من الأعمدة ويقفون أمام المحلات المرخصة رغما عنها, والبعض يدفع في ظل الفساد الإداري المنتشر رشاوي لبعض العاملين بإدارات الأحياء أو شرطة المرافق مقابل إبلاغهم عن موعد المحلات قبل قيامها بوقت كاف ليكون لديهم الوقت لسحب البضائع وتخزينها في العمارات والمخازن القريبة, لدرجة أن بعض الضباط كان يقوم بالحملات بدون إبلاغ معاونيه عن المكان الذي سيتجهون إليه. حكومة المهندس إبراهيم محلب لن يميزها شيء عن حكومة د. الببلاوي سوي ثلاثة أمور مهمة وسريعة, الأول: هو اتخاذ قرارات جرئية لمواجهة المشكلات التي نعرضها جميعا ولكن الحكومات السابقة كانت تخشي من مواجهتها ومنها تقنين الدعم بشكل متدرج حتي لا تحدث قفزات تضخمية يعجز السوق عن استيعابها خاصة في الوقود الذي يدخل كجزء من التكلفة في كل عمليات الإنتاج والنقل حتي للخضراوات والسلع الأساسية. والأمر الثاني السريع هو ضبط إيقاع الشارع المصري وإخلاؤه من الباعة الجائلين والبلطجية. الأمر الثالث هو توفير المناخ وبيئة الأعمال المناسبة لاستمرار الأعمال الرسمية ومحاولة دمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي بتخفيف الالتزامات والأعباء والرسوم والضرائب والتأمينات عليها, وإلا فإن المتهربين من القطاع الرسمي سوف يتزايد عددهم ويتزايد معهم عجز الموازنة العامة للدولة. [email protected]