محمد الخولي ربما لم تكن أزمة أهالي النوبة الأخيرة، لتحدث لو قام البرلمان بدوره في الالتزام بالدستور، وطبق المادة 236 ، والتي تنص في نهايتها على أن "..تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون"، هذا ما أكده عدد من أعضاء لجنة الخمسين التي أعدت دستور 2014، بينما حاول عدد من النواب البحث عن مخرج لإلقاء المسئولية على الحكومة وحدها. بينما المسئولية مشتركة برأي عدد آخر من النواب. النائب أمين مسعود، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، حمل الحكومة مسئولية تأخير إصدار القوانين المكملة للدستور والتي من بينها، القانون الذي ينظم عودة أهالي النوبة إلى أرضهم، وفقا للنص الدستوري الملزم في المادة 236. فيما يري الدكتور صلاح فوزي رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة المنصورة وعضو لجنة العشرة التي شاركت في إعداد الدستور، أن البرلمان هو صاحب سلطة التشريع، وفقا للمادة 101 من الدستور، والتي تنص على أن "يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين في الدستور". وأضاف فوزي إلى أن هذه المادة واضحة، وتؤكد على أن البرلمان من حقه إصدار أي قانون دون انتظار القوانين التي ترسلها الحكومة له، مشيرا إلى أن المادة 122 من الدستور حددت الجهات التي من حقها التقدم بمشروعات قوانين أو مقترحات بقوانين، إذ نصت على أنه "لرئيس الجمهورية، ولمجلس الوزراء، ولكل عضو في مجلس النواب اقتراح القوانين. ويحال كل مشروع قانون مقدم من الحكومة أو من عُشر أعضاء المجلس إلى اللجان النوعية المختصة بمجلس النواب، لفحصه وتقديم تقرير عنه إلى المجلس...”. ولفت فوزي إلى أهمية أن يكون هناك توافق بين الحكومة والبرلمان في أجندة المشروعات التي يعملون عليها، لكن هذا لا يسحب حق التشريع الأصلي من مجلس النواب، وأشار إلى أن المواد المكملة للدستور هي مواد في غاية الأهمية لأنها هي الطريقة التي يترجم بها النص الدستوري إلى واقع فعلي يطبق، فالعاملين في المؤسسات لا يطبقون الدستور بل يطبقون القانون، والقاضي في العادة يحكم بالقانون، وإذا أحس أن القانون مخالف للدستور، يحيله إلى المحكمة الدستورية العليا التي تفصل في صحة ذلك من عدمه. ويتفق مع هذا الرأي الذي يحمل مجلس النواب المسئولية، عن إصدار القوانين المكملة للدستور، أحمد عيد، عضو لجنة الخمسين إذ أكد على أن المواد التي نص عليها الدستور تحتاج إلى إرداة حقيقية من نواب المجلس لتحويلها إلى قوانين، وأضاف بأن أزمة المادة 236 المتعلقة بوضع قانون ينظم عودة النوبيين إلى أراضيهم الأصلية، ليست الأزمة الوحيدة، لأنه ليس القانون المكمل الوحيد الذي تقاعس البرلمان عن إقراره، مشددا على أن هناك قوانين أخرى كثيرة، مثل المحليات، وإنهاء ندب القضاة، والعدالة الانتقالية، وقوانين الإعلام، والصحافة. ووفقا للمادة 121 من الدستور فتم النص على أنه ".. تعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات و الهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور، مكملة له." ووفقا لدراسة لمركز الاستشارات البرلمانية فالقوانين المنظمة للحقوق والحريات التي وردت في هذه المادة هي قانون التعذيب، وقانون الإرهاب، والقوانين الخاصة بالأديان مثل ازدراء الأديان، وقانون المفوضية العليا للتمييز، وقوانين الصحافة، وقانون الجمعيات الأهلية، وقوانين بشأن الحبس والتحقيق والتلبس والحبس الاحتياطي الواردة في قانون الإجراءات الجنائية والعقوبات، والقوانين الخاصة بسجون وطريقة تنظيمها، والقوانين الخاصة بالمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال، وقوانين الإنترنت، وقوانين خاصة بالتبرع بأجزاء من جسم الإنسان بعد الوفاة، وقوانين الهجرة، وقوانين الجنسية، وقوانين تنظم السفر والإقامة، و قوانين بشان المنع من السفر، وقانون التهجير القسرى، وقانون أبناء النوبة، وقوانين الأبحاث العلمية والابتكارات والاختراعات، وقوانين السينما والتمثيل والأعمال الفنية، وقانون التظاهر، وقوانين النقابات والاتحادات، وقوانين النقابات المهنية، وقوانين الصحة، وقوانين السكن والإيجارات، وقوانين العشوائيات، وقانون الطفل، وقوانين التعليم، وقوانين المصريين في الخارج. ويرى الدكتور صلاح فوزي، أنه لا توجد رقابة على ما يسمى بالإغفال التشريعي، مشيرا إلى أن قانونا مكملا كقانون العدالة الانتقالية والذي نص الدستور في مادته 241 على أن يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ الدستور بإصداره ليكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وفقا للمعايير الدولية، ورغم ذلك لم يقر القانون في دور الانعقاد الأول، ولا توجد مسئولية قانونية على البرلمان في ذلك. بدوره قال أحمد عيد إن لجنة الصياغة بلجنة إعداد الدستور، كانت حريصة في استخدام ألفاظها، فجاءت أغلب الصياغات تقول "تلتزم الدولة"، غير أن ذلك لم يحدث، والسبب برأي عيد هو وجود أولوليات لدى الحكومة والبرلمان لا علاقة لها بالقوانين المكملة للدستور. وقال النائب أمين مسعود، إن الحكومة مشغولة بالملف الاقتصادي، ومعالجة الوضع السيئ الذي ورثته من الحكومات السابقة لافتا إلى أن هذا السبب هو ما جعل غالبية القوانين التي وضعت على الأجندة التشريعية للحكومة في الفترة الماضية هي قوانين متعلقة بهذا الملف، وتسبب في تأجيل إرسال القوانين المكملة الأخرى. وشدد مسعود على أن المجلس سيعمل على إقرار القوانين المكملة للدستور، في حال استمرار تأخر الحكومة في تقديم هذه القوانين كما فعل في قانون الجمعيات الأهلية الذي انتظره البرلمان كثيرا لكن الحكومة لم تتقدم به وبالتالي تحرك نواب المجلس وأقروا قانونا ينظم عمل الجمعيات الأهلية.