فى أحدث إصدارت مركز الأهرام للنشر صدر هذا الأسبوع المجلد الثاني من كتاب "بصراحة" للكاتب العربى الراحل محمد حسنين هيكل والذى يضم بين دفتيه مقالات هيكل المنشورة عن عامي 1960 و1961؛ وهي المقالات التي كانت ينشرها هيكل تحت عنوان "بصراحة" وبعضها الآخر تحت عنوان "تحقيق يكتبه محمد حسنين هيكل"، المجلد 79 مقالا؛ ويقع الكتاب في 520 صفحة من القطع الكبير. "بصراحة" يجمع مقالات لهيكل عن عامي1960/1961 ويضم الكتاب 79 مقالا كتبها هيكل، ولعل أهم المقالات التي كتبها هيكل في عام 1960 كانت آخر مقالة كتبها في ذلك العام تحت عنوان "القنبلة الذرية وإسرائيل"؛ ففي هذا الوقت المبكر من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين كانت هناك تقارير صحفية تؤكد سعي إسرائيل لامتلاك قنبلة نووية؛ ويؤكد هيكل أن التحليلات الإخبارية للصحافة العالمية كانت تجمع على أن مساعدة فرنسا لإسرائيل في امتلاك قنبلة نووية هي من أجل إثارة غضب عبد الناصر الذي كان يساعد الجزائر؛ وبعد مضي أكثر من نصف قرن على هذه التقارير لم نمتلك حتى اللحظة سلاحا نوويا وأضحى لدى إسرائيل ترسانة نووية .. المقالة الأبرز، والتي أدهشت كاتب هذه السطور بشكل شخصي كانت تحت عنوان "جلالة المحرر"، والتى نشرت في الثاني عشر من أغسطس 1960؛ ومكمن الصدمة في تلك اللهجة التي كان يتحدث بها هيكل عن حاكم دولة عربية ويصفه في صدر مقالته بأنه [قطعة من الخيانة]؛ وقبل أن ينهي هيكل مقالته تأتي عبارة تستوقف القارئ كثيرا، والتى يقول هيكل فيها [شعب فلسطين أبدى رأيه فى جد جلالة المحرر فى المسجد الأقصى بالقدس، وحرر نفسه منه إلى الأبد بست عشرة رصاصة]. كيف كانت الصحافة شاهدة وأحيانا أخرى كثيرا فاعلة أو محرضة؟ .. فالقارئ الذي لم يعاصر هذه الحقبة، سيقف كثيرا أمام العبارة، وربما يسأل نفسه: هل الكاتب كان يبارك القتل وإزهاق الأرواح؟ هل فرح باغتيال الملك حسين؟.. انها حقبة يرصدها الكاتب ممزوجة بمرحلة ساخنة لم تتحرر خلالها معظم النظم العربية الحاكمة بالفعل من الاستعمار، بينما كانت القاهرة على طرفي نقيض مع بغداد عبد الكريم قاسم ومع عمان والملك سعود، وعلى وفاق فقط مع قيادات ثورية في الجزائر وفي غيرها من البقاع التي تقود حربا ضد الاستعمار. في هذا المجلد كان هيكل يرسم ملامح طريق عن القطاع العام والاتحاد القومي والقومية العربية والصحافة وملكيتها وأزمة المثقفين؛ وفي القلب من كل هذا لم يغب الحديث في مقالة من المقالات عن شخص عبد الناصر. فهيكل يقدم لنا "جمال عبد الناصر فى دوره المجيد الجديد، وفى دور الزعيم، وفى دور الثائر، وفى دور السياسى، بل انه يرصد أروع أدواره جميعاً وهو دور المعلم".. فلا غرور أننا اليوم لا نذكر هيكل إلا وذكرنا عبد الناصر، ولا نذكر عبد الناصر إلا من خلال كتابات هيكل.