للمرة الأولى منذ اندلاع حرب السادس من أكتوبر، في العام 1973، لم تول وسائل الإعلام الإسرائيلية، المنشورة باللغة العبرية، الاهتمام المفترض بها، وكذا المسؤولين الصهاينة على مشاربهم كافة، في ظل الاهتمام بقضايا آنية وراهنة لم ترق لمستوى الحرب، من الأساس! منذ انطلاق شرارة حرب " يوم كيبور " حرب أكتوبر باللغة العبرية، وفي كل عام تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبار وتقارير ومقالات ودراسات جديدة، وتقريبًا، في كل عام كان هناك الجديد، إما حوار مع شخصية سياسية أو عسكرية، أو حتى جندي صغير، يتحدث فيها عن ذكرياته المؤلمة إبان الحرب، ومدى أثرها السلبي عليه وعلى بلاده، أو إصدار كتب وكتيبات عن الحرب، أو نشر تقارير مطولة، أو على الأقل نشر مقالات لعدد من الكُتاب الدائمين الكبار! بيد أن العام الجاري 2016، لم تهتم تلك الوسائل بهذه الحرب، وكذا المسؤولين السياسيين والعسكريين، وكأن هناك لغز ما أو سر ما لم تفصح عنه إسرائيل، حتى كتابة هذه الكلمات! إذ اهتمت تلك الوسائل المنشورة باللغة العبرية بجملة من القضايا رغم أهميتها ومدى أثرها السلبي أو الإيجابي على مستقبل الكيان، لكنها لم ترق لمستوى حدث مرور 43 عامًا على حرب أكتوبر المجيدة بالنسبة للكيان الصهيوني، وهي الحرب التي انتزعت الحقوق المصرية المغتصبة، والتي أعادت العزة والكرامة للمصريين والعرب معًا! من بين جملة القضايا التي اهتمت بها إسرائيل إبان حلول الذكرى ال 43 لحرب " يوم كيبور "، استمرار البكاء والرثاء على روح شمعون بيرتس، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس الكيان الصهيوني السابق، فقد نشرت هذه الوسائل الإسرائيلية المئات من التقارير والدراسات والمقالات عنه شخصه، وعما قدم لبلاده، وكيف تحايل على المجتمع الدولي لترسيخ الشرعية الإسرائيلية وسط المؤسسات الدولية، وكيف مهد الطريق، في البداية، لوجود شرعية في الأساس لكيانه المزعوم، في حالة من الفخر والزهو للشخص الذي اعتبرته أحد مؤسسي دولة " إسرائيل "، واحتل ملف بيرتس الأهمية العظمى لتلك الوسائل منذ وفاته قبل أكثر من عشرة أيام ! تلى ملف شمعون بيرتس قضية الجندي الصهيوني، آريئيل أزاريا، الذي يُحاكم بتهمة قتل الفلسطيني، عبد الفتاح الشريف، عمدًا، في الضفة الغربية، قبل عدة أشهر، ومدى عناية المسؤولين الإسرائيليين بهذا الجندي، فضلاً عن ملف الاحتفال بالأعياد اليهودية ورأس السنة العبرية، التي حلَّت الأسبوع الماضي، وذكر الشخصيات الصهيونية التي نالت الأهمية الكبرى خلال العام المنصرم، ما بين قتلى مثل بيرتس، أو من نالوا جوائز عالمية أو أوليمبية، مثل المصارع أور ساسون الذي واجه مصارع الجودو المصري، إسلام الشهابي، في ألعاب ريودي جانيرو 2016، وغيره من الشخصيات الصهيونية المهمة التي نالت التقدير والاحترام في بلادها العام الفائت! نال ملف حرب لبنان الثالثة، والمحتملة مع الكيان الصهيوني الاهتمام الكبير في ظل تزامنه مع ملف الاهتمام بحركة المقاومة الإسلامية ( حماس )، حيث توالت المقالات والتحليلات والتقارير المهمة حول ضرورة مواجهة حماس في قطاع غزة، وتلقينها درسًا لن تنساه، وكذا احتمالية مواجهة حزب الله اللبناني للمرة الثالثة، في ظل إجراء مناورات على هذه المواجهة المرتقبة، وعلى اعتبار أنها " مجرد مسألة وقت " فحسب! على النقيض من هذا الاهتمام، فإن وسائل الإعلام العبرية نشرت عدة مقالات عن حرب أكتوبر المجيدة، ربما ثلاثة أو أربعة، حتى مساء السابع من أكتوبر؛ من بينها مقال بصحيفة " يسرائيل هايوم " للكاتب والمحلل السياسي، أفيطال جابي، ذكر فيه أهمية حرب الاستنزاف للطرفين، المصري والإسرائيلي، خاصة الجانب المصري بالطبع، معتبرًا أن المصريين بقيادة الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، استفادوا تمامًا من فترة وقف إطلاق النار، وما سبقها من زمن حرب الاستنزاف في جلب الأسلحة السوفييتية المتقدمة، والتجهيز والإعداد الجيدين للحرب، أهمهما الرغبة المصرية القوية والجارفة في استعادة الراضي المحتلة، وإعادة الكرامة الوطنية، وربما معها فجوة الاستخبارات بين الحروب المصرية الإسرائيلية السابقة، وحرب أكتوبر، على وجه التحديد. يتبقى عدم إيلاء اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية، الصادرة باللغة العبرية، لحرب أكتوبر سر أو مغزى كبيرين ستفسر عنه الأيام القادمة!