عبد الرحيم رجب عزيزي القارئ هل تساءلت يومًا عن سبب ما نحن فيه من خوفٍ واضطرابٍ وعدم الشعور بالأمان؟ هل تساءلت يومًا عن سرِّ نزع البركة من الأرزاق والأعمار؟ وما ترتَّب عليه من انتشارٍ للفقر والجوع والأمراض؟ السرُّ يكمن في كلمة واحدة غابت عنا فغبنا، وضلت طريقها فينا فضللنا؛ وهي العدل، غاب عندما ظلم القوي فينا الضعيف، وسحق الغني الفقير، فتولدت فينا أسوء الأخلاق وأرذلها؛ فالعدل أساس بناء الأمم، وسرّ قوتها، ورمز نجاحها وتقدمها، فما انتشر في أمةٍ إلا وهم في أمنٍ وأمانٍ وسعةٍ ورخاء، وما غاب عن أمةٍ إلا وتهدَّمت أركانها فاندك بنيانها؛ فالعدل يهدف إلى المساواة بين الناس والعدل فيما بينهم وإعطاءهم الحقوق دون تفرقة بينهم. ولقد كشف لنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه سرُّ هلاك الأمم السابقة وضياعها حين قال "فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وذلك عندما أراد الصحابي الجليل أسامة بن زيد أن يشفع في امرأة مخزوميَّة شريفة سرقت، فغَضِب النبي لذلك غضبًا شديدًا؛ ليرسي بذلك مبدأ العدل والمساواة في دولة الإسلام، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في العدل، وسار على نهجه أصحابه الكرام، فأين نحن الآن من عدلهم؟! فها هو ذا رسول الله يَصفُّ الجيش في غزوة بدرٍ فيضرب أعرابيًا على بطنه ضربةً خفيفةً لتخلفه عن الصف وعدم استواءه به، فقال له الأعرابي واسمه سواد: أوجعتني يا رسول الله أريد القصاص!!وكيف يكون ذلك؟! قائد جيشٍ يصفُّ جيشه وينظمه، فيخرج له جندي من بين الجنود يطلب القصاص من قائد الجيش!! ولكن رسولنا الكريم يكشف عن بطنه الشريف، ويقول للأعرابي: "اقتص يا سواد"، فإذا بالأعرابي يقترب من الرسول ويضع خده ووجه على بطن نبينا الكريم، فيسأله النبي "ما حملك على هذا يا سواد؟" فيقول "أردت أن يمس جلدي جلدك قبل أن يدركني الموت يا رسول الله". ويجتمع نبي الرحمة في مجلسٍ مع عبد الرحمن بن عوف، وهو من أعز أصحابه وأكرمهم عنده ومن العشرة المبشرين بالجنة، فيحضر عبدٌ من العامة يُخاصِم عبد الرحمن في شيءٍ، وإذ بعبد الرحمن بن عوف يغضب من العبد، ويقول له "يا ابن السوداء!" فيسمع النبي ذلك فيحمر وجهه غضبًا ويعنف عبد الرحمن، ويقول"ليس لابن بيضاء على ابن سوداء سلطان إلا بالحق"، فاستخذى عبد الرحمن بن عوف واعتذر للعبد ووضع خدَّه على التراب، وقال للعبد: "طأ عليه حتى ترضى!!". وقد ادَّعى يهوديٌّ على عليّ بن أبي طالب في حضرة عمر بن الخطاب، فقال عمر"قم يا أبا الحسن ساوِّ خصمك"، فظهر على وجهه أثر الغيظ ثم قام وجلس بجانب اليهودي. وبعد انتهاء المحاكمة، قال الخليفة عمر رضي الله عنه لعلي كرم الله وجهه "لعلك اغتظت من قولي لك: "قم يا أبا الحسن ساوِّ خصمك؟" قال" لا، وإنما اغتظت لأنك كنّيتني أمام خصمي"، فكان ينبغي أن تقول "قم يا علي ساوِّ خصمك!!"، فلم يرد عليّ التعظيم ولو بمجرد كُنية له بجانب خصمه!!. فتلكم هي الديمقراطية التي يجب على الأمم أن تنشدها، وهذه هي المساواة التي ينبغي عليها التحلِّي بها، حفاظًا على بقاءها واستمرارها وعدم هلاكها واندثارها، فهذا هو عدل الإسلام الذي جاء به نبينا الكريم فزرعه في نفوس أصحابه حتى أصبح طبعًا وسجيَّة فيهم. كيف نكتسب العدل؟ وما فوائده؟ يكتسب الإنسان العدل بالتحقق من الأشياء قبل الحكم عليها. بالعدالة في النقد وتدارك الأخطاء ومعالجتها. بإحقاق الحق بالشهادة للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساته. بالصدق والوضوح يكتسب الإنسان العدالة. بترك اتباع الهوى، والتخلي عن رغبات النفس. بابتغاء مرضاة الله في جميع أقوالنا وأفعالنا. بمطالعة سيرة رسولنا الكريم والتعلم منها، وبالتعلم من عدله بين زوجاته وبين أصحابه الكرام. وأما عن فوائد العدل فهي كثيرة نذكر منها: العدل يديم الملك.من حكم بالعدل نال محبة الله، ومحبة الناس.بالعدل يعم التعاون والتماسك بالمجتمع. بالعدل يستقر الأمن في البلاد.بالعدل يطمئن الناس على أعراضهم وأموالهم.بالعدل ينتشر الخير والبركة في البلاد.