التعليم العالي: تقدم 28 جامعة في تصنيف التايمز العالمي للجامعات الناشئة 2024    طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان العلوم    المجلس الأعلى للحوار الإجتماعي يستكمل جلساته برئاسة وزير العمل    «الصحفيين» تدعو قيادات الصحف للاجتماع التحضيري للمؤتمر العام الثلاثاء المقبل    مفتى الجمهورية: الالتزام بالقوانين المنظمة للحج ضمن شرط الاستطاعة ويجب عدم مخالفتها    برلماني عن قانون إدارة المنشآت الصحية: من فشل في الإدارة لن يكون كفء في الرقابة    توريد 200 ألف طن من محصول القمح لصوامع البحيرة    وصول 96 ألف طن قمح على متن سفينتين لصالح هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص    مؤتمر أخبار اليوم العقاري | أحمد العتال: أسعار العقارات لن تنخفض خلال الفترة القادمة    الرئيس السيسي يهنئ نظيره التشادي بفوزه في الانتخابات الرئاسية    محمد حمزة يهزم لاعب التشيك ويضمن ميدالية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى لسلاح الشيش    وسام أبوعلي: سنقاتل للفوز بدوري أبطال أفريقيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    إصابة طالبة بإعدادية الأزهر بالزائدة الدودية في الشرقية    أمن الجيزة يضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء داخل مدرسة بفيصل    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    السجن 3 سنوات ل حارس عقار و2 آخرين بتهمة «السرقة بالإكراه» في منطقة التجمع الخامس    «دراما الشحاذين» يستهل فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح ال31    خفة ظله «سر» شهرته.. ذكرى وفاة الفنان حسن مصطفى    تعرف على النجم الأقل جماهيرية في شباك تذاكر أفلام السينما السبت    «القومي للبحوث» يوجه للأمهات بعض النصائح للتعامل مع الجدري المائي    نصائح مهمة من «الصحة» بسبب الطقس الحار.. تجنبوا الخروج واغلقوا النوافذ    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    وزير المالية: حريصون على توفير تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رئيس النواب يفتتح أعمال الجلسة العامة    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    كيف تستمتع بنوم عميق في الطقس الحار؟    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كسوة الكعبة.. حكايات منسوجة من الإيمان والذهب!
نشر في الأهرام العربي يوم 10 - 09 - 2016


عرفة عبده على


إرسال الكسوة وراء تطوير صناعة النسيج بالعراق

البرقع وكيس المفتاح وستارة السطح توابع الكسوة الشريفة

مصر تبنى دارا خاصة للكسوة وتوقف لها إيرادات قريتين

القباطى المصرية حسمت المعركة السياسية بين الفاطميين والعباسيين


شاهد رحالة الإسلام «ابن بطوطة» فى رحلته الأولى التى بدأت عام 1325 م إحرام الكعبة المشرفة وكسوتها، فى عهد السلطان الناصر بن قلاوون، فقال: “وفى يوم النحر، بعثت كسوة الكعبة الشريفة من الركب المصرى إلى البيت الكريم فوضعت فى سطحه فلما كان اليوم الثالث، أخذ الشيبيون فى إسبالها على الكعبة الشريفة وكسوة سوداء حالكة من الحرير المبطن بالكتان وفى أعلاها طراز مكتوب فيه بالبياض “جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً ...” الآية، وفى سائر جلالتها طرز مكتوبة بالأبيض فيها آيات من القرآن الكريم، وعليها نور لائح مشرق من سوادها، ولما كسيت شمرت أذيالها صوناً من أيدى الناس، والملك الناصر هو الذى يتولى كسوة الكعبة الكريمة، ويبعث رواتب القاضى والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين والقومة وما يحتاج إليه الحرم الشريف من الشمع والزيت فى كل سنة”...
فما حكاية “الكسوة الشريفة” التى حظيت بأعظم مظاهر التبجيل والتشريف وبالاهتمام البالغ من الخلفاء والملوك والسلاطين، حيث كانت تحمل من مراكز القوة السياسية سواء من بغداد “الخلافة العباسية” أو من القاهرة “الدولة الأيوبية”، دولة سلاطين المماليك، “الدولة العثمانية” وكانت الكسوة تحمل إلى الكعبة المشرفة وسط حفاوة رائعة ومراسيم خاصة بحامل من الخشب الفاخر أطلق عليه “المحمل” ..
و”الكسوة الشريفة “.. من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخ الكسوة بتاريخ الكعبة نفسها التى زادها الله شرفاً وتعظيماً، ولها أعظم الأثر عند جميع المسلمين تاريخاً وعقيدة، فهى أول بيت وضع للناس ومن دخله كان آمناً ...
ولقد اختلف المؤرخون فى أول من كسا الكعبة فى الجاهلية، إلا أنهم أجمعوا بأن الكعبة كانت تكسى بالعديد من الكسوات، منها ثياب حمر مخططة يمانية تعرف بالوصايل، ومنها ثياب تنسب إلى قبيلة من همدان تعرف بالثياب المعافرية، وهناك ثياب رقيقة الملمس تسمى بالملاء أو برود يمانية تجمع خيوطها بعد غزلها وتشد ثم تصبغ وتنسج تسمى بالعصب، وهناك ثياب خيوط نسجها من الشعر الغليظ تعرف باسم المسوح ويروي أن أول من كسا الكعبة هو “ تبع الحميرى”، فقد ذكر الأزرقى أنه “ أول من كسا الكعبة كسوة كاملة .... فكساها الأنطاع ثم ... الوصائل ...” وهو الذى جعل للكعبة باباً ثم أسدل عليه ستراً وأنشد شعراً :
وكسونا البيت الذى حرم الله ملاءً معضداً وبروداً
كما كسيت الكعبة الشريفة فى الجاهلية بمطارف الخز الأخضر والأصفر شقاق شعر ونمارق عراقية .
ويقال إن أبا ربيعة بن عبد الله المخزومى كان يكسوها فى كل سنة كسوة مخططة يمانية الأصل تعرف باسم الحبرة .
وورد فى كتب التاريخ أسماء نسبت إليها عادة إكساء الكعبة قبل أن يكسوها تبع منهم النبى إسماعيل وعدنان بن خالد بن جعفر بن كلاب ويقال إنه “ أول من كسا الكعبة بالديباج .... وجد لطيمة يحمل البز ووجد فيها أنماطاً فعلقها على الكعبة “ .
ولم تقتصر عادة إكساء الكعبة على الرجال، فقد لعبت المرأة العربية دوراً لا ينكر فى هذا المجال منذ الجاهلية وصفحات التاريخ تحفظ لنا أسماء العديد من النساء وما خلدنه من أعمال مجيدة ومنهن نتيلة بنت جناب بن كليب المعروفة ب “ أم العباس بن عبد المطلب، كانت قد كست الكعبة بالديباج “ وسبب ذلك أنها ضلت ولدها “ ضرار “ فنذرت إن وجدته لتكسو الكعبة وتحقق رجاؤها فوفت بنذرها .


الكسوة فى العصر الإسلامى
أشرق نور الإسلام واتجه المسلمون إلى الكعبة، أشرف وأنبل مكان يؤدون الصلاة يومياً فيه ويحجون مرة كل عام “ من استطاع “ ويطوفون بالبيت العتيق .
واستمر المسلمون على ما كان أجدادهم عليه ومن سبقهم قبل الإسلام فى إكساء الكعبة وكتب التاريخ تزخر بأسماء من قام بإكساء الكعبة مبتدئة بالرسول الكريم، إذ يروى أنه (صلى اله عليه وسلم) كسا الكعبة ثياباً يمانية وينفق عليها من بيت مال المسلمين، وحرص من جاء بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على إرسال الكسوة إلى الكعبة، فالخليفة أبو بكر (رضى الله عنه) كسا الكعبة بكساء لا نعرف نوعه، ثم كساها الخليفة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) بكسوة سنوية تنسج من القباطى المصرية المصنوعة فى مصر وينفق عليها من بيت مال المسلمين، وكان يأمر بنزع الكسوة القديمة فى كل سنة ويقسمها على الحجاج وسار الخليفة عثمان ( رضى الله عنه ) على نفس المنوال إلا أنه رأى أن تباع الكسوات القديمة وتنفق أثمانها فى سبيل الله .
أما فى العصر الأموى فقد كان الخليفة معاوية يكسو الكعبة مرتين فى السنة الأولى من نسيج القباطى فى نهاية شهر رمضان والثانية من الديباج فى اليوم العاشر من محرم، ويروى القلقشندى أن شيبة بن عثمان سادن الكعبة أيام معاوية كان قد استأذن معاوية بتخفيف الكعبة مما عليها من كسوات قديمة بعضها يعود إلى الجاهلية فأذن له معاوية وطلب منه أن يطيب جدرانها بالروائح العطرة “الخلوق” ففعل ثم قسم الكسوات القديمة على أهل مكة للتبرك بها .
لقد لعب العباسيون دوراً كبيراً فى تطوير صناعة النسيج وإنتاج أنواع متعددة من المنسوجات العراقية يتم نسجها فى دور الطراز الخاصة ودور الطراز العامة فى مدينة دار السلام وغيرها من مراكز النسيج العراقية، ومما لا شك فيه أن عادة إرسال كسوة الكعبة كان لها الفضل الكبير فى تطوير بعض المنسوجات العراقية وكانت دور الطراز فى بغداد تحرص على نسج المنسوجات الخاصة بكسوة الكعبة، فالخليفة المهدى سنة 160ه كان قد كسا الكعبة بكسوة حملها معه من بغداد فى موسم الحج وقد أبدى له سدنة الكعبة خوفهم من انهيار جدران الكعبة لكثرة ما عليها من الكسوات، فما كان منه إلا أن أمر برفع جميع ما عليها من الكسوات ويقتصر على الكسوة الجديدة التى حملها معه، وقيل إنه حمل معه ثلاث كسوات كانت من نسيج القباطى والخز والديباج .
أما المأمون سنة 206 ه فقد كسا الكعبة بثلاث كسوات الأولى من نسيج الديباج الأحمر فى يوم التروية ثم القباطى فى بداية شهر رجب والثالثة فى يوم السابع والعشرين من شهر رمضان تكون من نسيج الديباج الأبيض .
يتضح مما تقدم الدور السياسى الذى لعبته كسوة الكعبة إضافة إلى دورها الفنى فاهتمام الخلفاء العباسيين بإرسال الكسوة كل شهرين أو ثلاثة يدل دلالة واضحة على مدى قوة مركزهم واهتمامهم بكسب رضا الناس عن طريق العناية بالكعبة....
فى عام 358 ه، تمركزت القوة الإسلامية فى مدينة القاهرة على يد الفاطميين وحدث التنافس بينهم وبين العباسيين فى معظم المجالات السياسية والاجتماعية كان من أبرزها استيلاؤهم على الحجاز ثم إرسال كسوة الكعبة، ففى سنة 381 ه كسيت الكعبة من مصر بكسوة بيضاء ثم استبدلوها بكسوة سوداء، وفى عهد الحاكم منصور سنة 397 ه كسيت الكعبة بالقباطى المصري، ثم أرسلت الكسوة من مصر أيضاً فى سنة 423 ه من قبل الظاهر لإعزاز دين الله والى مصر، وفى عهد الخليفة المستنصر بالله (427-487 ه) يرسم لنا الرحالة ناصر خسرو صورة واضحة لصناعة مصر فى هذه الفترة وأبرزها صناعة النسيج وأنواعه ثم يشير إلى كسوة الكعبة بقوله: «وكان السلطان يرسل الكسوة للكعبة كالمعتاد لأنه يرسلها مرتين كل سنة». وكثيراً ما كانت تهدى كسوات الكعبة من المراكز العباسية أو الفاطمية، ففى سنة 466 ه، كسيت الكعبة بكسوة بيضاء من عمل الهند وفى هذه السنة أيضاً حمل السلطان محمد بن سبكتكين كسوة من الديباج الأصفر .
ولم يرد فى الروايات السابقة وصف لكسوة الكعبة، إلا أن ابن جبير فى رحلته يعطينا وصفاً كاملاً لها فى أيامه فى القرن السادس الهجرى .
واهتم مماليك مصر بالكعبة الشريفة وبكسوتها وأوقفت لهذا الغرض واردات قريتين وخصصت لصناعتها دار عرفت باسم دار الكسوة ومن هؤلاء المماليك السلطان الظاهر بيبرس ( 661 ه ) والسلطان إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون ثم السلطان حسن ( 761 ه) وقد رسم لنا الرحالة ابن بطوطة صورة واضحة لكسوة الكعبة فى هذه الفترة سنتعرف عليها فى الصفحات القادمة .
وعندما استولى العثمانيون على مصر وامتد سلطانهم حتى شمل معظم الجزيرة العربية وقع على عاتقهم إرسال هذه الكسوة إلى الكعبة وأوقفت لهذا الغرض أوقاف كثيرة، وأصبحت عادة إرسال الكسوة بعد ذلك فرضاً على كل وال .
وصف الكسوة الشريفة :
واستناداً إلى ما تقدم نستطيع أن نرسم صورة مقربة إلى ما كانت عليه الكسوة منذ فجر الإسلام وعلى مر العصور .
ففى بداية العصر الإسلامى تؤكد المراجع التاريخية أن الكسوة كانت خالية من الزخرفة وأنها كانت سوداء اللون ثم أصبحت تزين بجامات منقوشة بالحرير الأبيض أو مطرزة بأشرطة كتابية بيضاء زينت بأشرطة مطرزة بخيوط صفراء .
وحيث إن الكسوة تتشابه فى المادة والزخرفة على مر العصور إلا أنها تختلف فى جودة الصنع ولهذا فأننا سوف نستعرض بعضاً من وصف المؤرخين والرحالة لنرسم لها صورة واضحة جلية .
فالأزرقى المتوفى سنة 223 ه يصف الكسوة بقوله « ... والبيت كله مستوف إلا الركن الأسود فإن الأستار تفرج عنه مثل القامة ونصف، وإذ دنا وقت الموسم كسى القباطى ... فإذا أحل الناس ذلك يوم النحر حل البيت فكسى الديباج الأحمر الخرسانى وفيه دارات مكتوب فيها حمد الله وتسبيحه وتكبيره وتعظيمه .... »
أما ابن جبير فيذكر فى رحلته وصفاً مفصلاً لما شاهده على الكعبة من الكسوة نفهم منه أن جوانب الكعبة الأربعة مكسوة بستائر من الحرير الأخضر، وهى من عدة قطع يبلغ مجموعها أربعا وثلاثين قطعة أو شقة مقسما على الأضلاع الأربعة للكعبة ففى الضلع المحصور بين الركن اليمانى والركن الشامى “ تسع شقق “ تقابلها بالمثل من الضلع الآخر والمحصور بين الركن الأسود والركن العراقي، أما بين الركن العراقى والشامى فيكون مجموع القطع ثمانى ومثلها ما بين اليمانى والركن الأسود، وقد وصل ما بين هذه الشقق كلها فأصبحت وكأنها ستارة واحدة، والزخرفة فى هذه الكسوة عبارة عن كتابة تنحصر فى شريط عرضه متر ونصف، وطرز بخيوط من الحرير الأخضر أيضاً يقرأ فيه الآية الكريمة : “إن أول بيت وضع للناس الذى ببكة .... “ كما يضم الشريط الكتابى اسم الخليفة العباسى الناصر لدين الله وعبارات الدعاء له وتحف بالشريط طرتان “ جامتان “ حمراوان ملئتا بخط رقيق نقرأ فيه آيات من القرآن الكريم وذكر الخليفة أيضاً، فظهرت الكسوة بأجمل منظر، وكأنها عروس جليت فى السندس الأخضر .
ويخبرنا ابن بطوطة أن الكسوة فى أيامه كانت من الحرير الحالك السواد، وهى مبطنة بنسيج الكتان السميك ويزدان أعلاها بشريط كتانى مطرز بخيوط من الفضة يقرأ فيه آيات من القرآن الكريم .
وحدثنا “ العمرى “عن كسوة الكعبة كما شاهدها عياناً فقال : “ وهى الآن تكسى فى العام مرة واحدة فى وقت الموسم، وتحمل إليها من الخزانة السلطانية بالديار المصرية صحبة الركب ... ولما حجت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، صعدت أنا وأمراء الركب المصرى لتلبيس الكعبة الشريفة، حتى كنا على سطحها، فرأيته مبلطاً بالمرمر والرخام الأبيض، ومن جوانبه جدر قصار فيها حلق لمرابط الستور، تجر فيها الكسوة بالحبال ثم تربط فى تلك الحلق “ ...


وقد ذكر إبراهيم باشا رفعت، أمير الحج عام 1908 فى “ مرآة الحرمين “ إشهاد شرعى حرر فى سنة 1321 ه فى وصف كسوة تلك السنة بقوله “ جميع كسوة بيت الله الحرام المشتملة على ثمانية أحزمة وأربع رنوكات (دوائر) مزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلى بالبندقى الأحمر على الحرير الأسود والأطلس الحرير والأخضر المبطن بالبفت الأبيض والنوار القطن “ .
وكانت تصنع من كسوة الكعبة ستارة تعرف باسم “ البرقع “ وغالباً ما تكون ستارة باب الكعبة من نفس نسيج الكسوة، أما زخارفها فتكون عبارة عن أشرطة كتابية تضم آيات من القرآن الكريم مطرزة بخيوط من الحرير الأبيض والأصفر وخيوط من الفضة والذهب .
وفى ذلك الإشهاد الشرعى وصف لستارة باب الكعبة، وقد جاء فيه: “وستارة بيت الله الحرام المعبر عنها بالبرقع المزركشة بالمخيش الأبيض والأصفر المطلى بالبندقى الأحمر على الحرير الأسود والأطلس الحرير الأخضر والأحمر المبطنة بالبغث الأبيض بها خمس شراشيب حرير أسود وقصب وستة أذررة فضة مطلية بالبندقى الأحمر واثنتا عشرة شمسية مزركشة على الحرير الأحمر “.

دور صناعة الكسوة
وفى معرض حديثه عن مدينة “ تنيس “ المصرية شمال دمياط، يقول المؤرخ العلامة “ المقريزى “ فى خططه : “ كانت من المدن الجليلة تعمل بها الثياب السرية وتصنع بها كسوة الكعبة، قال الفاكهى فى كتابه أخبار مكة : ورأيت كسوة مما يلى الركن الغربى من الكعبة مكتوباً عليها مما أمر به السرى بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجروى سنة سبع وتسعين ومائة، ورأيت شقة من قباطى مصر فى وسطها، إلا أنهم كتبوا فى أركان البيت بخط دقيق أسود : مما أمر به أمير المؤمنين المأمون سنة ست ومائتين .. ورأيت كسوة من كسا المهدى مكتوباً عليها : بسم الله بركة من الله لعبد الله المهدى محمد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه مما أمر به إسماعيل بن إبراهيم أن يصنع فى طراز تنيس على يد الحكم بن عبيدة سنة اثنتين وستين ومائة ... “
كذلك كانت تصنع الكسوة فى قرية “ تونه “ من أعمال تنيس .. فيقول الفاكهى : “ ورأيت أيضاً كسوة لهارون الرشيد من قباطى مصر مكتوباً عليها : بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبد الله هارون أمير المؤمنين أكرمه الله مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل فى طراز “ تونة “ سنة تسعين ومائة .. “.
ومن خلال كتابات مؤرخى مصر الإسلامية نعرف أن “ الكسوة الشريفة “ كانت تصنع ب “ القصر الأبلق “ داخل القلعة .. حتى عام 1213 ه، عندما صنعت بدار أمير الحج “ مصطفى بك كتخدا “، الذى كان أحد قادة ثورة القاهرة ضد حملة نابليون، وبعد أن زج به فى السجن، عهد بصناعة الكسوة إلى الشيخ “ إسماعيل الخشاب “ الذى قام بنقلها إلى دار “ أيوب جاويش “ بجوار مشهد السيدة زينب .. وفى عام 1219 ه، تولى السيد «أحمد المحروقى» شهبندر تجار القاهرة، صناعة الكسوة الشريفة، حيث نقلها إلى “ بيت الملا “ بحارة المقاصيص، التى شيدها الأمير “ بيبرس الحاجب “ أحد أمراء السلطان الناصر قلاوون، وبعد أن استقر محمد على باشا على عرش مصر سنة 1220ه / 1805 م أمر بإعادة صناعة الكسوة بالقلعة .. إلى أن تم إنشاء “ ورشة الخرنفش “ سنة 1232 ه، لتكون مقراً لأرباب المهن والحرف فى خدمة الجيش المصري، وكانت هذه الورشة تضم قسماً لصناعة القطن والحرير والأقمشة المقصبة، فانتقلت إليها صناعة الكسوة الشريفة، ومع انهيار “ حلم الإمبراطورية “ توقفت الصناعات، وانفردت هذه الورشة فقط بصناعة الكسوة، وأطلق عليها “ مصلحة الكسوة الشريفة “، وكانت تتبع وزارة المالية، حتى انتقلت تبعيتها عام 1337ه/ 1919 م إلى وزارة الداخلية، حتى عام 1372 ه / 1953 م، حيث أصبحت تابعة لوزارة الأوقاف وتغير اسمها إلى “ دار الكسوة الشريفة “ ..
وكانت هذه الدار تتوافر بها جميع مستلزمات صناعة الكسوة، بدءاً من تجهيز الغزل وصباغته ونسجه على الأنوال اليدوية، ثم زركشته بأيدى أمهر الصناع المصريين الذين برعوا فى هذا الفن بالوراثة، وكانت تصنع بها أسلاك الفضة “الملبسة” بالذهب .. وتحت إشراف “الأسطى باشى”.
كانت تتم عملية الزركشة التى تمر بعدة مراحل، حيث يقوم كبار الخطاطين بكتابة آيات من القرآن الكريم، ورسم الزخارف المطلوبة على قطع الكسوة، ثم تثبيت هذه الخطوط والزخارف، ثم ملء الخطوط والزخارف بالحشو – خيوط حريرية – ثم يقوم كبار الفنيين بوضع أسلاك الفضة الملبسة بالذهب فوق الآيات والزخارف .. لتكتمل معزوفة إبداع الكسوة ! .. وقد توقفت عملية تشغيل الكسوة الشريفة منذ سنة 1381 ه / 1962 وتحول هؤلاء الفنانون إلى زركشة كساوى أضرحة الأولياء !
وبالإضافة إلى الكسوة، كانت تصنع بالدار أيضاً : ستارة باب الكعبة ( البرقع ) وستارة باب التوبة وكيس مفتاح الكعبة، وكسوة مقام إبراهيم عليه السلام، وستارة باب منبر الحرم المكي، كذلك كانت الدار تقوم بتجديد زركشة “ المحمل “ إلى جانب رعاية “ جملى المحمل “ حيث كان بالدار مكان مخصص لإيواء ورعاية الجملين طوال العام!
وتجدر الإشارة إلى أن تكاليف نفقة الكسوة بلغت 4550 جنيهاً فى سنة 1909 التى حج فيها الخديو عباس حلمى الثاني، وكانت جملة الأموال فى “ صرة المحمل “ مبلغ 18893 جنيهاً، وتشمل مرتبات رجال المحمل لمدة ثلاثة شهور، وراتب أمير مكة، والأموال المقررة لأشراف مكة وتكيتى مكة والمدينة .
وجدير بالذكر أن عملية تسليم الكسوة الشريفة وصرة المحمل، كانت تتم بمقتضى “ إشهاد شرعى رسمى “ يكتب بحضور وزير المالية ووزير الأوقاف وأمير الحج وأمين الصرة ومفتى الديار المصرية وعدد من كبار رجال الدولة...!


إشهاد تسليم الكسوة الشريفة لعام 1380ه / 1961م:
جرت العادة أن يكتب “إشهاد شرعى” بتسليم الكسوة الشريفة من مأمور تشغيلها إلى المحملى ( من فى عهدته المحمل والكسوة ) لتوصيلها إلى البيت الحرام، ويذكر فى هذا الإشهاد : أجزاء الكسوة وأوصافها، وهى لا تختلف فى سنة عنها فى الأخرى إلا فى جودة وفخامة ما تصنع منه، وغالباً ما كان يكتب الإشهاد بمحكمة مصرالكبرى الشرعية، وكان نص الإشهاد الشرعى لسنة 1380ه / 1961م على النحو التالى :
فى يوم الخميس 26 ذى القعدة 1380ه الموافق 11 مايو 1961م، فى الساعة الواحدة والنصف مساء، بمكتب السيد وزير الأوقاف بديوان الوزارة . لدينا نحن أحمد هريدى مفتى الجمهورية العربية المتحدة، بالنيابة ومعنا السيد / عبدالنظيم عبدالهادى القاضى سكرتير دار القضاء .
حضر السيد / محمد إبراهيم صالح رئيس دار الكسوة الشريفة وأخبر بأن الكسوة الشريفة فى هذا العام لبيت الله الحرام كما يلى :
1 - ثمانية أحزمة وأربع كردشيات مزركشة جميعها بالمخيش الفضة الأبيض والمخيش الفضة الملبس بالذهب البندقى على حرير أطلس أسود وأخضر، هذه الأحزمة وما تتبعها من رنوكة عددها أربع وكذلك الكردشيات سالفة الذكر مركبة جميعها على ثمانية أحمال من الحرير الأسود، الكمخ المكتوب بالدالة المعروفة، وهذه الأحمال الثمانية مبطنة بالبفتة البيضاء وعروضها متماسكة بواسطة أشرطة من النوار القطن الأبيض، وتتكون هذه الأحمال من اثنين وخمسين ثوباً من قماش الكمخ المذكور يحتوى كل ثوب على 14,80م، أربعة عشر مترا وثمانين سنتيمترا طوليا بعرض 93 س، ثلاثة وتسعين سنتيمترا .
2 - ستارة باب بيت الله الحرام المعبر عنها بالبرقع وهى مزركشة أيضا بالمخيش سالف الذكر بنوعيه على حرير أطلس أسود وأخضر وأحمر ومبطنة بالبفتة البيضاء ومبطنة كذلك بالأطلس الحرير الأصفر وبها ثلاثة شرابات كبيرة من الحرير الأسود والقصب والمخيش والكنيتر وستة أزرار فضة مطلية بالذهب واثنا عشر شرابة صغيرة من القطن الهندى الأحمر والقصب والكنيتر الفضة الأبيض والأصفر والمخيش العقادى الأصفر، واثنتا عشرة شمسية مزركشة على الحرير الأحمر بالمخيش الفضة بنوعيه ومبطنة بالأطلس الأحمر، والستارة المذكورة مكونة من أربعة أجزاء متصلة ببعضها وهى العتبة والطراز والقائمان الكبير والصغير .
3 - ستارة باب سطح بيت الله الحرام وهو المعروف بباب التوبة داخل البيت الحرام وهى من الحرير الأطلس الأسود والأخضر والأحمر مزركشة بالمخيش بنوعيه ومبطنة بالبفتة البيضاء والنوار القطن، وكذلك الأطلس الحرير الأصفر .
4 - كيس مفتاح الكعبة المشرفة، وهو من الأطلس الأخضر الحرير ومزركش بالمخيش الفضة المذكور بنوعيه وله شرابتان من القصب الفضة الأصفر والمخيش العقادى والكنيتر الفضة الأصفر، وثلاثة أحبال قطن مجدولة تعرف بالمجاديل وواحد وأربعون حبلا ً من القطن تعرف بالعصافير، وهذه الأحبال لتعليق الكسوة الشريفة على الكعبة المطهرة، وإقتان من الحرير الطبيعى الأسود المفتول لإصلاح ما يلزم فى الكسوة الشريفة خلال العام، ويبلغ مقدار المخيش بنوعيه المزركشة به قطع الكسوة الشريفة جميعها 12959 – اثنا عشر ألفا وتسعمائة وتسعة وخمسين مثقالا من الفضة النقية وما يخالطها من الذهب البندقى، وجميع هذه الأحمال والمزركشات والأحبال والحرير المفتول داخل خمسة صناديق خشب ومعها قدران من النحاس بهما ماء ورد زنته مائة رطل لغسل بيت الله الحرام حسب المعتاد .
وقد قرر السيد المقدم عبدالرحمن حلمى الزغبى، مدير مكتب الأمن بوزارة الأوقاف، وهو المنتدب فى حج هذا العام لتسليم الكسوة الشريفة بالأقطار الحجازية والحاضر بالمجلس أنه تسلم الكسوة الشريفة بعددها وأوصافها المذكورة لتسليمها للسادة مندوبى المملكة العربية السعودية بمكة المكرمة، وهم مديرا الأوقاف العام ومدير الحرم الشريف وسادن الكعبة المعظمة أسوة بما اتبع فى العام الماضى .
صدر ذلك بحضور كل من السادة الأستاذ حسن عباس زكى وزير الاقتصاد ورئيس بعثة الحج فى هذا العام والأستاذ أحمد عبدالله طعيمة وزير الأوقاف والمهندس إبراهيم محمد عسكر وكيل وزارة الأوقاف والمهندس على زاهر الوكيل المساعد لوزارة الأوقاف والأستاذ عبدالمنعم مغربى عبدالله سكرتير عام وزارة الأوقاف والأستاذ محمد فريد الجندى, مدير قسم الإدارة والأستاذ عبدالعزيز جاد الحق مدير مكتب وزير الأوقاف والأستاذ محمود عمار مدير مكتب وزير الاقتصاد وسكرتير عام البعثة، وقد تليت هذه الحجة ووقع عليها من الحاضرين : سكرتير دار الإفتاء، مفتى الديار المصرية.
اللهم زد بيتك الآمن العامر الطاهر شرفاً وتعظيماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.