رشا عامر كاتب صحفى مؤيد لأردوغان: عمليات القبض العشوائية مرفوضة والديمقراطية لا تزال هشة مصادرة العدد الأخير من صحيفة «ليمان» الساخرة بعد رسمها كاريكاتيرا يصف الانقلاب بأنه مسرحية
منذ الانقلاب التركى الفاشل الذي وقع منتصف هذا الشهر، وساحات تركيا لا تخلو من مظاهرات مؤيدة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ترفع فيها الأعلام التركية دفاعا عن الديمقراطية، ولكن في المقابل أيضا جاءت مسيرات أخرى ترفع أيضا الأعلام التركية مصحوبة بصور مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، في إشارة إلى قلقهم على علمانيتهم وديمقراطيتهم التى هى على شفا الانهيار، بعد كم الاعتقالات التى قام بها أردوغان بزعم التخلص من الانقلابيين الذين يريدون قلب نظام الحكم. وكما جاء الانقلاب فرصة للرئيس التركى، لكى يزيد من قبضته على البلاد، جاء أيضا فرصة لميدان «تقسيم» لكى يمتلئ مؤخراً بالوجوه المحظورة منذ صيف 2013، وعلى رأسهم كمال قليتش دار أوغلو، هذا السياسي الديمقراطي الذي يعد من أقوى الفاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية التركية، إذ هو زعيم المعارضة في البرلمان التركي. وهو زعيم حزب الشعب الجمهوري أقوى أحزاب المعارضة الرئيسية في تركيا، وهو المعارض الرئيسي لأردوغان وحزبه وسياساته بصفته زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية. جاء ظهور كمال قليتش، بعد أيام طويلة من احتلال مؤيدى أردوغان للميدان، حيث جاء مؤكدا رفضه فكرة الانقلابات، ولكن أيضا منددا بحالة الطوارئ التى تم فرضها لمدة ثلاثة أشهر، والتى سينتج عنها كم من المراسيم الحكومية سرعان ما سيوافق عليها البرلمان – والذى يحظى بأغلبية أردوغانية حيث يحتل حزب العدالة والتنمية 317 مقعدا من أصل 550 – ما يعنى تمرير كل ما كان يحلم به أردوغان من قوانين دون أن يكون للمحكمة الدستورية أى قدرة على الطعن عليها. ويرى المعارضون لسياسة أردوغان القمعية تلك، أن علاج الانقلاب كان بمزيد من الديمقراطية وليس فرض حالة الطوارئ، وكذلك كم الاعتقالات الذي وقع بين عشية وضحاها دون تمييز، ليصبح هناك أكثر من 13 ألف شخص خلف القضبان نصفهم على الأقل برئ ولا علاقة له بما حدث. فعملية التطهير التى يقوم بها أردوغان تعد مسألة غير قانونية بالمرة على حد تعبير إبراهيم كابوجلو، أستاذ القانون الدستورى في جامعة مرمرة، ومؤسس حركة الديمقراطية أولا، والذى وصف ما يحدث بأنه مسألة سياسية بحتة لغرض ما في نفس يعقوب لا علاقة لها بما يروج له أردوغان من خشيته عودة محاولة الانقلاب مرة أخرى، وذلك في إشارة إلى أن الأمر برمته كان معدا مسبقاً وفى انتظار أية فرصة للتخلص من كل من رأى أردوغان أنهم يهددون عرشه وإلا ما ذنب القضاة والمعلمون والموظفون المدنيون في انقلاب فاشل قام به أفراد من الجيش؟ لم تسلم إجراءات ما بعد الانقلاب من معارضة الصحف الساخرة أيضا، فجاءت صحيفة “ليمان” الساخرة والتى تعد “شارلى إبدو التركية “ وقد رسمت الانقلاب على شكل مسرحية يقف فيها بعض أفراد الجيش تقودهم يد الإمام جولن أمام بعض مؤيدى أردوغان تقودهم يد أردوغان نفسه، في إشارة إلى أن المسألة برمتها فكرة هزلية وصراع سياسى على مستوى عال ولا علاقة للشعب به، ما أدى إلى مصادرة العدد وغلق مقر الصحيفة وإرسال تهديدات لرئيس التحرير والمحررين، بأن يتم الانتقام منهم على غرار ما جرى لمحررى شارلى إبدو! رئيس تحرير جريدة “ليمان” الساخرة اتهم السلطات صراحة بأنها كانت على علاقة تعاون مع أنصار الإمام جولن.. ولأنه فضح هذا التعاون فقد تمت ملاحقته واستغلال ما حدث لاتهامه بأنه من الانقلابيين. لم تتوقف الانتقادات عند معارضى أردوغان فقط، ولكنها امتدت إلى بعض مؤيديه أيضا، ففى حوار أجرته مجلة “لكسبريس” الفرنسية مع على بايرم أوغلو، أحد أشهر كتاب الأعمدة بصحيفة “ينى شفق” إحدى الصحف المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، أعرب فيها عن قلقه حيال التدابير التى قام بها أردوغان، مؤكدا أن كل من تم القبض عليه أو إيقافه عن العمل هو في الأصل من مؤيدى، الإمام فتح الله جولن، وبرغم أنهم من الممكن أن يكونوا بالفعل تسللوا إلى مناصبهم الحكومية هذه ليحرضوا على الانقلاب، فإن المسألة تعدت حدودها كثيرا فيما يخص حالة الطوارئ وإجراءات القبض على الأشخاص، وإن كان في نفس الوقت لا يقلل من أهمية وحجم الانقلاب الذي أسفر على حد تعبيره عن أكثر من 300 حالة وفاة، وتسبب في أن وجدت أجهزة ومؤسسات الدولة نفسها على حافة الانهيار الحقيقى، ولهذا كان يجب عليها الرد في ظل أن العالم كله على بينة من أهمية حركة الإمام جولن، الذي تسلل بأعضائه إلى أجهزة الدولة وسيطر على العديد من المناصب العليا، وبالتالى فلم يكن من الطبيعى أن جماعة دينية تسيطر على أجهزة الدولة خصوصاً أهم أركانها وهى الشرطة والقضاء وهيئة الأركان العامة للجيش. ويصف بايرام محاولة الانقلاب بأنها نتيجة صراع على السلطة بين فتح الله جولن، الذي كان في يوم ما أحد أقوى وأهم مؤيدى أردوغان قبل أن يتحول إلى عدوه اللدود، وبين حكومة أردوغان نفسها. وقد استخدم كلا المعارضين الخصومة لخدمة مصالحه الشخصية، فاعتمد مؤيدو جولن، على اتهامات الفساد الموجهة لأردوغان، بينما اعتمد مؤيدو أردوغان على وصف أعضاء جولن بأنهم دولة داخل الدولة وبأنهم استغلوا مناصبهم في القضاء لاجراء محاكمات “إيرجينيكون”. وهنا يتوجه بايرام بانتقاده متسائلا عن سبب صمت الحكومة التركية عن مثل هذا التوغل إذا كانت هى اليوم تصفه بأنه السبب وراء كل ما حدث؟ يرفض بايرام الإجراءات المتشددة التى تم اتخاذها من قبل الحكومة التركية حيال أعضاء حركة جولن، وإن كان يؤكد أنه لم يتفاجأ بهذه الإجراءات، ولكنه يرفض العقوبات القانونية والاعتقالات التى صدرت أخيرا، مؤكدا أنها تدابير مبالغ فيها، خصوصاً أن كثيراً ممن تم القبض عليهم أو حتى استبعادهم من وظائفهم بعيدين كل البعد عن حركة الإمام جولن، فكما أن هناك مشاركين في المؤامرة هناك مشتبه بهم سيتم تبرئتهم وهناك أيضا من لا ناقة له ولا جمل، في المسألة برمتها، وبالتالى فإن القبض على كل هؤلاء أمر غير مقبول نهائيا، كما أن عملية القبض على المحامى أورهان كمال جنكيز، في المطار مسألة مرفوضة شكلا وموضوعا، خصوصاً أن كل عمليات القبض هذه تضع علامة استفهام كبيرة حول نوايا السلطة على حد تعبير بايرام الذي أعرب عن قلقه حيال الخيارين اللذان يواجههما أردوغان من استغلال الأحداث لتعزيز سلطته الشخصية أو التعلم، مما حدث لبدء عملية إعادة هيكلة ديمقراطية النظام. ولكن النهج السلطوى للغاية الذي اتخده أردوغان منذ الانقلاب وحتى اليوم يبعث على القلق على حد تعبير بايرام مؤكدا أن الحكومة التركية إذا استغلت الحدث للقضاء على المعارضة، فستصبح المسألة كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معان. فلطالما كان حزب العدالة والتنمية نموذجا للديمقراطية السياسية في المنطقة، كما أنه كان الحركة الأولى التى انبثقت من الإسلام السياسى والتى تبنت نموذج الديمقراطية العالمى، حيث قدم إصلاحات لصالح حقوق الإنسان تم الاعتراف بها من قبل الليبراليين، ولكن للأسف لا تزال الديمقراطية في تركيا غير ناضجة. الطريف أن بايرام وصف أردوغان بأنه ليس ديمقراطيا بطبيعته، ولكن العملية الديمقراطية هى التى دفعته، لأن يصبح ديمقراطيا أو بمعنى أوضح أن يدافع عن الديمقراطية. ويرجع بايرام استمرار أردوغان في رئاسة تركيا ووجوده في صدارة العدالة والتنمية إلى انتهاجه سياسة الأب في تعاملاته.. وهو الشيء الذي يجعل آليات الديمقراطية في الحزب آليات هشة. الصحف الغربية من جانبها وصفت الإجراءات التى اتخذها أردوغان، بأنها إجراءات قمعية واستبدادية وأنه إذا كانت محاولة الانقلاب قد فشلت، فلقد تسببت هذه الإجراءات في حرب أهلية دامية مما يعنى قفز تركيا إلى الهاوية، الأمر الذي يزعج الولاياتالمتحدةالأمريكية التى أصبح لديها اليوم حاجة أكثر من أى وقت مضى في هذا الحليف القابع في حلف شمال الأطلنطى، ليكون حائط صد لها ضد الجهاديين في سوريا والعراق. في الوقت الذي يود فيه الاتحاد الأوروبى التوصل إلى اتفاق مع أنقرة لمواصلة الحد من تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط على بلادهم. وقد وصفت صحيفة لوموند بأن أردوغان ظهرت عليه علامات سيئة كثيرة أهمها جنون العظمة الذي أصابه لدرجة أن يتهم أوباما بالتخطيط للانقلاب، وكذلك رغبته في إعادة عقوبة الإعدام ووجود مثل هذه القوائم التى كانت معدة بالفعل لاعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص دون أية إجراءات قانونية، وأنهت لوموند تقريرها بأنه لو كان أردوغان قد خرج أقوى من هذه الأزمة من وجهة نظره، فتركيا بالتأكيد قد خرجت أضعف.