ريم عزمى الشعب التركى .. شخصية عنيدة وطموحات راسخة وثقافات متعددة
بائع الذرة والسميط جزء من منظومة العمل .. وعامل النظافة التركى يعتد بمهمته
المواطن التركى ودود وصارم ويغازل السائح العربى باللهجة السورية
إذا كنا ننظر إلى الهند باعتبارها بلد العجائب، فلا شك أن تركيا بلد المتناقضات، ويرجع ذلك للشخصية المركبة لشعبها، وهذه التناقضات نابعة من تراكم ثقافى عبر العصور، وهناك مقولة تستحق التأمل وهى أن “الدولة العثمانية حبلى بأوروبا وستلدها فى يوم ما، وأوروبا حبلى بالإسلام وستلده فى يوم ما” وهى تنبؤات المتصوف التركى الراحل بديع الزمان النورسى الذى عايش فترة سقوط الخلافة العثمانية، وهى مقولة تبدو غريبة لكنها متماشية مع هذا الشعب الذى لديه طموحات راسخة فى وجدانه. ولا شك أن الشعب التركى صاحب تجربة تاريخية استثنائية ضاربة فى العمق، وسواء تعاطفنا معه أم لا فهو جدير بالدهشة والدراسة. ربما تكون هناك دول إسلامية قدمت نموذجا للحداثة، لكن مازالت تركيا نموذجا فريدا يحمل الأمل فى إمكانية العبور إلى آفاق جديدة! وقديما، قطع رجال أشداء ونساء قويات رحلة شاقة، فجاءت القبائل التركية من وسط آسيا واتجهت غربا لتمر بمراحل متعددة من التطور مثل السلاجقة، حتى تبلورت فى صورة العثمانيين الذين وصلوا إلى أبواب فيينا فتوقفت فتوحاتهم فى أوروبا، وبمرور الوقت تقلصت دولتهم فى حدود الجمهورية التركية، وتخطى الأتراك الحواجز القديمة عن طريق الهجرات التى انتشرت فى غرب أوروبا، خصوصا ألمانيا التى استعانت بهم لإعادة بناء البلاد عقب هزيمة قوات المحور فى الحرب العالمية الثانية، والآن تركيا أحد أعضاء حلف شمال الأطلنطى، ولا تزال تناور لكى تنضم للاتحاد الأوروبى بصورة رسمية! ولن يغمض لها جفن حتى تحقق مشروعها هى الأخرى. التركيبة الثرية تركيا وبالتحديد مدينة اسطنبول تقع بين قارتين فكما تقع مصر بين إفريقيا وآسيا تقع تركيا بين آسيا وأوروبا ولكنها تجمع بين العالمين نهاية الشرقى وبداية الغربى، وهى حالة فريدة من نوعها، وليس فقط من حيث الشكل مثل البيوت ذات أسقف القرميد على الطريقة الأوروبية، أو الأخرى المزينة على الطريقة الشرقية، بل أيضا من خلال الحياة اليومية ذات المظاهر المتفرنجة فى المدن أو المحافظة فى الريف، كما نجد منهم الصرامة ونجد اللطف فى آن واحد، أو التجهم والابتهاج بحسب الشخص، والنظافة طبع فى الأتراك وليست مفروضة عليهم كما فى أوروبا، والعكس صحيح فالنظام مفروض عليهم وليس طبعا فيهم كما فى أوروبا، فأكثر الأماكن التى تبدو شعبية نظيفة تماما كما فى أزقة إسطنبول، حتى إننا لا نرى أوراق الشجر المتساقط على الطرقات الذى يبدو مشهدا طبيعيا فى كل الدنيا، وعلى العكس فى مجال النظام فيمكن تجاوزه إذا سنحت الفرصة مثل عبور الطريق من أى مكان كما فى شوارع القاهرة! وتعمل الشرطة بلا هوادة وربما تظهر بمظهر شرس من أجل الحفاظ على الضبط والربط فى كل مكان! وتستوقفنا شخصية عامل النظافة أو الكناس التركى، وهو يعمل بهمة ونشاط ويشعر بأهميته ويبدو سعيدا. فهو ليس متسولا يتخذ من المقشة وسيلة أخرى لكسب تعاطف الآخرين كما فى بلادنا أحيانا، وليس تعيسا كما فى أوروبا، لأنه مضطر أن يعمل عملا حقيرا من وجهة نظره ليوفر لقمة عيشه! ولو شاهدنا سيارة القمامة لاعتقدنا أنها سفينة فضاء أو عربة متطورة للآيس كريم من جمال تصميمها! واستكمالا لمشاهد الجمال تبدو شخصية بائع السميط البسيط مثيرة للاهتمام، فيقف أو يجلس على كرسيه الأنيق وهو مقبل على العمل أمام عربته الصغيرة الملونة فيضع قطعة من قلبه فى لفة السميط وهو يقدمها للزبون، فتتحول اللقمة فى فم الأخير إلى عمل سحرى، ويشعر المرء كأنه يأكل سميطا فائق العادة ولا يمت لكوكبنا بصلة!! ونشعر أن أى بائع متجول مثله ومثل بائع الكستناء المشوى أو الذرة المشوية، يعمل ضمن منظومة، ومهما كان الترس حجمه صغيرا، فهو فعال فى المجتمع. لذا فالسياحة فى تركيا لا تعتمد على أنشطة فردية واجتهادات بعض الأشخاص بل على خطة محكمة. وهى تأتى فى مراتب متقدمة على مستوى العالم. أما الأمر الذى يثير الإعجاب حقا فهو تمكن تركيا فى زمن قياسى من النفاذ إلى مجموعة العشرين لأقوى اقتصاد على وجه الأرض!! لذا يبدو غريبا بعض الشىء محاولة تركيا التمسك بالغرب، لأنها ليست أمة ولدت حديثا تبحث عن كيان لتنتمى إليه، إنها أمة قديمة ولديها كل الإمكانات الشابة لتنطلق على طريق الحضارة، الذى يزور تركيا، تنتابه حالة من المشاعر المختلفة ورغبة فى إعادة الاطلاع على تاريخ الأتراك الملىء بالقصص وبالفعل لا تنتهى أبدا حواديتهم، فنحن ننتمى إليهم من خلال امتزاج الأعراق والتاريخ المشترك.والأتراك بحلوهم ومرهم لايمكن تجاوز سيرتهم سواء فى الشرق أم الغرب.الأتراك حموا العالم الإسلامى لكنهم تركوا بعض الحساسيات لدى العالم العربى كما سعوا لعدم تطويره من أجل السيطرة عليه، ولا سيما فى مصر منذ هزيمة المماليك بقيادة طومان باى أمام العثمانيين بقيادة سليم الأول، حيث كانت هناك منافسة عظيمة بين الحضارتين، وأخذ العثمانيون الخلافة الإسلامية من العرب، ثم أسقطها نظام مصطفى كمال أتاتورك بطل معركة جاليبولى الشهيرة فى بداية القرن العشرين، ومن هذه اللحظة ابتعد الأتراك عن العرب وعن العالم الإسلامى بعد تحولهم للعلمانية والتركيز على القومية التركية، ثم عادوا لإصلاح هذه الفجوة بعد فوز الإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية بما أنهم لا قوميين، وتحول رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان إلى نموذج ناجح للإصلاح الاقتصادى، ومن هنا ازداد تعلق العرب بتركيا خصوصا وأنها الدولة القريبة من منطقة الشرق الأوسط التى يمكننا قضاء وقت ممتع فيها والاستمتاع بالتسوق. والبعض يلاحظ عندما يزور تركيا أن الأتراك ما زالوا متعالين ويتكلمون بعنجهية، والبعض الآخر ينفى ويقول إنهم على العكس يرحبون جدا بالعرب، حتى إن الباعة يفاجئوننا بإجادتهم للعربية باللهجة السورية بفعل القرب الجغرافى بين تركيا وسوريا، ومن لا يعرفها يلجأ إلى استخدام فكاهة بالإنجليزية لكسر الحواجز بين الثقافات، كما أن هناك أتراكا ينحدرون من أصل عربى، وبعد اندلاع الثورات العربية فضل الكثيرون المجىء إليها، فالدول التى لم تطلها الثورات بعد يبحث سكانها عن أجواء مشابهة لتلك التى اعتادوا عليها فى الدول العربية المجاورة، ولو تعرفوا على المصريين يسألون عن حال مصر خصوصا فى الفترة التى تلت ثورة 25 يناير. الاعتزاز بالقومية الأتراك شديدو الاعتزاز بأنفسهم وبثقافتهم وعرقهم ومحبون لبلادهم، ونلاحظ فخرهم بعلم بلادهم المميز باللون الأحمر، وفى المنتصف الهلال والنجمة باللون الأبيض، وهو موجود بشكل مكثف ولم يتغير منذ عام 1844حتى بعد تغير النظام وبالنسبة لأهالى إسطنبول فهم غالبا لا يعيشون فى الجزء الأوروبى نظرا لارتفاع الإيجارات، وربما يذهبون فقط للعمل بما أنها منطقة سياحية مهمة ويسكنون فى الجانب الآسيوى من المدينة، وهناك عدد من الكبارى فوق مضيق البوسفور التى تربط الجانبين. والنساء التركيات صاحبات أشكال متباينة، منهن الإسكندنافيات بشعر أشقر بلاتينى وعيون زرقاء، ومنهن الأوروبيات التقليديات متدرجات فى بياض البشرة والشعر الكستنائى، ومنهن الآسيويات الأشبه بالعربيات ذوات البشرة الخمرية والشعر الداكن المتموج، ومنهن أيضا الآسيويات الخالصات ذوات العيون المسحوبة على الطريقة المنغولية والشعر الأسود الناعم، ومنهن من يرتدين الحجاب بطرق ربطات تركية أصيلة ومنهن السافرات اللائى يلتزمن الحشمة ومنهن المتفرنجات على الطريقة الغربية ويسمحن بأزياء تبرز مفاتنهن، ويرجع ذلك ربما لامتزاج العرق التركى بأعراق مختلفة وتعدد ثقافاته، وكثير من المصريات سوف يحاولن ربط الإيشارب المربع على الطريقة التركية إما إعجابا بالتركيات أو تأكيدا وإعتزازا منهن أن عائلاتهن تنحدر من أصول تركية!سنجد أيضا النساء العربيات اللائى جئن مع عائلاتهن ويحتفظن بأزيائهن التقليدية الخليجية، ونشاهد المنقبات يتجولن براحة وسط شعب يرحب بالتعددية الثقافية، ونشاهد الأجنبيات أيضا اللائى يحرصن على وضع غطاء الرأس عند دخول المساجد حفاظا على التقاليد الإسلامية.ونجد باعة جائلين وغالبا من الأطفال ينادون باللغة العربية"ماى بارد ماى بارد"، وهى جملة كافية بتهدئة الأعصاب، لأن درجة الحرارة فى الصيف تتراوح ما بين 28 و30 درجة بالتأكيد أن جوها أهون من باقى دول الشرق الأوسط فى هذه الفترة من السنة، لكن تظل شمسها قوية ورطوبتها عالية!ولهواة المكيفات هناك القهوة التركية المعروفة للجميع، وهناك الشاى الذى يتم إعداده بشكل مختلف فيوجد دائما إبريقان، إبريق الشاى المكثف وإبريق ماء مغلى لتخفيف الشاى حسب الدرجة المرجوة، وهناك كذلك أنواع من التبغ ومقاه لتدخين النرجيلة، ومن أشهر المقاهى التى تجمع بين كل ما سبق من وجبات وحلوى ومكيفات، نجد قهوة العرب التى يرتادها العرب بالتأكيد، فى ميدان تقسيم فى قلب إسطنبول التى ستذكرنا فورا بفيلم “عوكل” الكوميدى للفنان محمد سعد عندما استيقظ فوجد نفسه فى مدينة غريبة، واعتقد فى البداية أن مصر تعرضت للاحتلال ثم سمع صوت السيدة أم كلثوم الآتى من قهوة المصريين فى أحد أحياء إسطنبول، فى مشهد بالغ العبث ينجح فى إضحاكنا بشكل هستيرى!وبخلاف التوترات أحيانا بين الأتراك والعرب، نجد أن شعوب دول جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق أو المسلمين فى البلقان يكنون لتركيا كل التقدير باعتبار أن الجذور واحدة أو متقاربة، وعندما فتحوا شرق أوروبا نجحوا فى نشر الدعوة، لكنهم خلفوا ورائهم بعض الضغائن لدى الآخرين، ومازالت آثارها ظاهرة حتى الآن، أما أوروبا الغربية فمازالت أسيرة لكراهية الماضى بفعل روايات قديمة أو اختلاف الثقافات، ومازال الرجل الأوروبى الغربى يحاول تقبل فكرة أن جاره تركي، فمن ناحية يريد أن يؤكد لنفسه قدرته على تقبل الآخر والتحلى بالتسامح، لكن من ناحية أخرى هو يرى أمامه شخصا له ثقافة مختلفة تماما عنه ويفاجئه بتصرفاته! قلعة تجارية أغلب السائحين القادمين إلى تركيا من مصر بالتحديد هم من الجنس اللطيف، والسبب هو الرغبة فى التسوق، ففى موسم الصيف تبدأ التنزيلات فى المتاجر وكثير من السيدات لا يفضلن الانضمام للأفواج الذاهبة للمزارات السياحية ويركزن على شراء الأزياء التى حظت بشهرة طيبة فى مجال جودة التصنيع والأسعار، لا سيما الأسواق الشعبية التى تقع فى منطقة أمينونو، فأول ما يقابلنا هو السوق المصرى أو المعروف أيضا بسوق البهارات، وهو ثانى أكبر سوق مسقوف بعد السوق الكبير، بنى السوق المصرى فى عام 1660 بناء على طلب من السلطانة خديجة لجلب التوابل من مصر، وهو الأقرب لوسط المدينة فى ميدان تقسيم. وبجانب التوابل يشتهر الآن السوق المصرى ببيع أنواع الملبن التركى والمكسرات والتذكارات والهدايا الفولكلورية مثل الأطباق الخزفية والمصابيح الزجاجية والمكسرات، وعملية الفصال فى السعر مشهورة هناك، لو كان السعر عاليا، أما لو كان بسيطا فربما يتعصب البائع التركى وسيقولها مباشرة إن المبلغ لا يستحق الفصال!وعلى بعد 5 محطات بالتروماى نجد محطة بايزيد نسبة للسلطان بايزيد الثانى، حيث نجد السوق الكبير أو الجراند بازار، ويتشابه مع السوق المصرى من حيث المعروضات الفولكلورية، لكنه يركز أكثر على الحلى من ذهب وفضة وأحجار كريمة ولوحات الخط العربى، وكذلك السجاد الفاخر ونجد أيضا حقائب اليد وأغطية الرأس. وبجانب السوق الكبير نجد سوق الكتب، ولن يخطر فى بالنا أن القطط تتسكع هناك أيضا بكل تثاقل، كما فى شوارعنا أو تتودد لزبائن المقاهى وهو ما يتعجب منه الأجانب!وهناك تنوع سياحى بين مدن تطل على ساحل البحر الأسود فى الشمال أو مدينة بورصة الجبلية أو أنطاليا المطلة على البحر الأبيض المتوسط. التليفزيون والسينما كنا نتساءل ونحن ذاهبون إلى تركيا عن مدى تقبلهم لنا بعد كل هذا الميراث التاريخى، وهل الأتراك يمثلون الصورة النمطية على شاشات التليفزيون والسينما؟ مثل هذا الباشا الذى يتحدث اللغة العربية المكسرة ويتعالى على الآخرين، وينعت المصرى بأنه فلاح خرسيس؟ أو هذه الهانم الشقراء المتعالية على غرار نازك السلحدار؟بالتأكيد فهمنا الصورة أكثر من خلال غزو المسلسلات التركية التى قربت لنا إيقاع الحياة اليومية هناك، ولمسنا اهتمامهم بالجانب الاجتماعى ورقيهم وجمال بلادهم. لكن تظل بداخلنا تساؤلات، فمنذ وقت طويل يعرف العرب الموسيقى والغناء التركى، لكن ظهرت الدراما وبدأت المسلسلات التركية المدبلجة للهجات العربية مثل “سنوات الضياع”و”فاطمة” التى جعلت حياتهم مألوفة أكثر، ربما ارتبطنا بها لأننا نفتقد هؤلاء الأبطال والبطلات مثل كيفانتش تاتليتوج المعروف باسم شخصية”مهند”، واعتمادها على بطء الإيقاع الذى يسمح لنا أن ننجز أعمالا أخرى جانبية ونحن نتابع الحلقات اليومية، إلى جانب الرومانسية المفرطة التى نفتقدها على شاشاتنا وفى الواقع، كما أن تلك الأعمال تعرض صورا للأماكن الرائعة التى يسكنونها. وبعد الإنتاج الدرامى أخذت تركيا على عاتقها تقديم إنتاج سينمائى ضخم من خلال فيلم “الفاتح” عن فتح السلطان محمد الفاتح للقسطنطينية فى عام 1453 وتحويلها إلى إسلامبول أى مدينة الإسلام ثم تحولت إلى إسطنبول. وكذلك قررت هوليوود التركيز فى أفلامها على تركيا مثل فيلم “أرجو”، واختار جيمس بوند هذه المنطقة لعمل معارك مخابراتية، فينقلنا فيلم “سكايفول” إلى إسطنبول وأضنة وشاطىء كاليس فى مدينة فتحية، وهى المرة الثالثة التى تظهر فى أفلام جيمس بوند بعد “من روسيا مع حبى” فى 1963 و”العالم لا يكفى” فى 1999، وكل الذين زاروا هذه المدينة سيتعرفون بسهولة على الأماكن التى يفتتح بها جيمس بوند مغامراته على الإيقاعات الشرقية ويضعنا الفيلم وسط الجو الشعبى فى منطقة “أمينونو” حيث السوق المصرى ومسجد السليمانية، ثم مسجد السلطان أحمد ومتحف آيا صوفيا، وحتى السوق الكبير بجانب مسجد بايزيد الثانى، وبرغم بعد المسافة التى تفصل بين هذه المناطق عدة محطات بالتروماى، فقد بدت كما لو كانت فى منطقة واحدة كنوع من التكثيف لاستعراض روعة إسطنبول، وهناك أيضا الفيلم الفرنسى الشهير “السيد إبراهيم وزهور القرآن” فى عام 2003 بطولة الراحل عمر الشريف. المساجد الأسطورية المساجد فى تركيا تختلف عن مصر ففى تركيا طراز معمارى مكرر، لكن اهتمام الأتراك بالنظافة والصيانة يفوق الوصف، وفى مصر الطرز مختلفة ما بين فاطمية ومملوكية وعثمانية بفضل غزارة ثقافتها، لكنها تفتقد للرعاية الكافية.. وتتشابه إسطنبول مع القاهرة من حيث كثافة عدد المساجد. والطراز العثمانى فيها متأثر بالعمارتين البيزنطية والفارسية معا، وأهم ما يميز العمارة العثمانية هو أسلوب التغطيات، فاستخدمت القباب المركزية وحولها أنصاف قباب أو قباب صغيرة، كما تميزت بتقسيم المسجد إلى قسمين: قسم مغطى جميعه بالقباب، والآخر حرم المسجد والمكون من صحن به نافورة رخامية تحيط به أروقة، بالإضافة إلى المآذن العثمانية الشهيرة، وتنتهى بشكل مخروطى يشبه القلم الرصاص مثل جامع محمد على بقلعة صلاح الدين. ويقوم الأتراك بعمل دعاية للمساجد فى إطار خطة محكمة للسياحة، فنجد الخرائط التى توضح الموضع بسهول وشبكة المواصلات الهائلة من مترو النفاق وتروماى وأتوبيسات، وخارج المسجد يوجد دليل بالصور لإعطاء معلومات عنه. وعند دخول المسجد نجد أغطية رأس أو سيقان، وحتى الرجل الذى يرتدى الشورت عليه وضع هذا الغطاء عند دخول المسجد، بالإضافة للشنطة البلاستيكية التى نضع فيها الحذاء ونحمله معنا ثم نعيدها عند خروجنا. ويقف رجل أمن على الباب لمراقبة مدى التزام الزائرين، ولا نرى أى متسولين يضايقونهم! ولا عجب أن تكون المساجد والأبنية القديمة على هذا المستوى الفنى العالى، لأننا كما درسنا سابقا فإن العثمانيين أخذوا الحرفيين المصريين ليعملوا فى بلادهم. وأشهر المساجد فى تركيا هو جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق ويقع فى مدينة إسطنبول، وهو جامع مذهل فى عمارته ويشتهر بالخزف الأزرق ومعروف باسم أزنيك، وأنواره بالليل تشد الأنظار، تعلو المسجد ست مآذن، وخارج المسجد نرى المسلة المصرية لتحتمس الثالث والتى جاء بها البيزنطيون. وعلى بعد خطوات نقابل الصرح المميز آيا صوفيا الذى كان كنيسة ثم تحول لجامع، وأصبح حاليا متحفا يضم الرسوم الجدارية المسيحية بجانب النقوش الإسلامية الخلابة. وجامع السليمانية نسبة للسلطان سليمان القانونى الذى أطلعنا على فترة من حياته فى الجزء الأول من مسلسل”حريم السلطان”، ويقع قرب محطة أمينونو والسوق المصرى وجامع بايزيد من أكبر مساجد إسطنبول الذى بناه السلطان العثمانى بايزيد الثاني، ويحكى أنه كان كثير الغزوات والجهاد فى سبيل الله. ومسجد أيوب سلطان الذى يحمل اسم الصحابى الجليل أبى أيوب الأنصارى رضوان الله عليه الذى توفى فى إحدى الغزوات فدفنوه بالقرب من القسطنطينية ثم أقام له العثمانيون المسجد قرب القبر فيما بعد عند فتح القسطنطينية، فى منطقة القرن الذهبى، ولا ننس مدى الاهتمام بالأضرحة خصوصا ضريح مولانا جلال الدين الرومى فى مدينة قونية.