نبيل سيف «أنا خلاص بقيت كويس».. كانت هذه الكلمات الأربع آخر ما نطق بها الفنان فريد الأطرش، فى تمام الساعة الثامنة مساء يوم 26 ديسمبر قبل 42 عاما، أى عام 1974، من على سريره بالغرفة رقم 205 بمستشفى «الحايك» بلبنان، قبل أن يتوقف قلبه عن النبض إلي الأبد عن 65 عاما، وسلم روحه إلي خالقه بعد رحلة من الفن والحياة والدنيا جعلت منه أسطورة فنية خالدة فى التاريخ. تأكد فريد الأطرش أن لحظة رحيله قد حانت بعدما تعرض لموقفين، الأول ليلة وفاته وللمرة الأولى، حينما حلم فريد الأطرش بوالدته السيدة علياء المنذر، ترتدى لون السواد، وهى تحضنه في المنام، وأيقن وقتها أن ساعة رحيله قد اقتربت بشدة، والثانية قبل شهرين من رحيله حينما ضاع منه المصحف الذهبى الصغير الذى أهدته له الفنانة «سامية جمال» وظل معه 25 عاما بجيب بنطلونه لا يفارقه، وكان يشعر بأنه يعطيه قوة جبارة، حتى ضاع منه خلال تمثيل آخر أفلامه «نغم فى حياتى»، ومن وقت ضياعه وهو يشعر بنهاية أجله. فى صباح يوم وفاته كان آخر موعد لحقنة السيروم، ووعده طبيبه بالخروج من المستشفى، ثم طلب من خطيبته سلوى القدسى، وخادمته سنية، رفعه عن السرير كى يمشى قليلا، وفرك يديه لأنها تتألم من الحقنة، وطلب تناول ملعقة مهلبية وقطعة موز، وحينما سمع أذان المغرب من الإذاعة، طلب العودة للسرير، وأخذ قرصاً من الدواء لعلاج حرقان المعدة قبل النوم، إلا أنه فجأة شعر بضربات قلبه غير منتظمة، فطلب من سلوى أن تجلسه على السرير، وتدلك قلبه قليلا وحضرت ممرضته الفرنسية بجهاز أكسجين وضعته على فمه وأنفه، فقال لها آخر كلماته «خلاص أنا بقيت كويس». خرجت خطيبته مسرعة من الغرفة لاستدعاء الطبيب، وحينما عادت وجدت رأسه قد اصطدم بحافة السرير، واستلقى على الفراش، وأسرع الطبيب بعمل تدليك للقلب لمدة ربع ساعة، ولكن بلا فائدة، فى نفس اللحظة كانت «دينيز» سكرتيرته, قد ذهبت لمطار بيروت للبحث عن حقيبته الضائعة التي فقدت منه وهو عائد من لندن إلي بيروت قبل ساعات، وعادت إلي المستشفى لتجد فريد الأطرش قد أسلم الروح، فقد كان مرض فريد الأطرش الرئيسى الذى قتله هو «الذبحة الصدرية» التى أصيب بها 5 مرات، حيث كان يعانى فتقا فى الحجاب الحاجز يدخل منه جزء من المعدة إلي تجويف الصدر ويضغط على القلب، مما كان يجعله يشعر بالاختناق، ثم بدأ يعانى من سقوط فى البطين الأيسر وضيق مفاجئ فى الشرايين، فطلب الأطباء منه إنقاص وزنة ليخفف الضغط على القلب والمعدة ويستريح من الألم الذى كان يشبه فريد بأنه «زى المسامير». فى عام 1955 أصيب فريد بأول ذبحة صدرية، والتى أصابته ليلة رأس السنة بعد أن قرأ ما كتبته «أصيلة هانم» والدة ملكة مصر الأولى ناريمان (التى تقرب منها فريد بعد طلاقها) فى إحدى الجرائد بأن ابنتها لن تتزوج من فريد الأطرش، والتى ذكرت على حد قولها أن الأستاذ فريد الأطرش، مطرب صديق للعائلة، وأن فكرة مصاهرته غير واردة وإن كان يبحث عن الشهرة، فليسع إليها فى مكان آخر وليس على حساب بنات الأسر الكريمة»!. فى يوم من الأيام هبطت سيدة فقيرة تدعى «ألمظ» على الأميرة علياء المنذر، والدة فريد الأطرش، التى تقيم بالقاهرة، وكانت ألمظ بمثابة خادمة لوالدة فريد، لكنه وقع فى غرامها، وحملت منه، وعقد فريد زواجه عرفيا عليها، حيث أنجبت «سميحة»، التى تربت مع والدة فريد الأطرش بعد وفاة والدتها «ألمظ» فى منزلها بالمعصرة بحلوان، حيث كانت والدة فريد قد تزوجت عام 1949، من المأذون الشرعى (إمام محمد الدسوقى)، واستمرت الزيجة 7 سنوات قبل أن تنتهى بالطلاق، حيث كانوا يعيشون بفيلا فى منطقة المعصرة بالقاهرة، وظل فريد يتكفل بمصاريف ابنته سميحة، رافضا الاعتراف بها كابنة حتى لا يفقد شهرته الفنية، وأدخلها مدرسة فرنسية، وحينما كبرت سميحة ودخلت طور المراهقة تقدم لزواجها المهندس حسن نادر، الذى كان قد شاهدها فى منزل الدكتور إبراهيم عبده، صديق فريد الأطرش، وتم الزواج، وأقاما فى فيلا بالفيوم، حيث كان فريد الأطرش دائم زيارتهما هناك، لدرجة أنه اختار فيلا ابنته كمكان لتصوير أغلب أفلامه، حيث توفيت سميحة فى حياة فريد الأطرش بأزمة قلبية بعدما تركت 4 أطفال أحفاد لفريد الأطرش هم «فريد، آمال، ليلى، جمال»، الذين دخلوا فى صراع قانونى مع أعمامهم على تركة جدهم فريد الأطرش. بناء على وصيته بأن يدفن بجوار شقيقته أسمهان بالقاهرة، تقرر نقل جثمان فريد الأطرش لمصر للدفن، ولكن طائفة الدروز فى لبنان اعترضت على دفنه بمصر، وحضر منهم 400 شخص بالمدافع الرشاشة، فأقنعهم شقيق فؤاد الأطرش بأنها وصية فريد نفسه، وتم تحنيط جسده فى المستشفى بلبنان طبقا لطقوس أسرته من الدروز، وفى العاشرة من صباح يوم 27 ديسمبر، تم نقل الجثمان إلي مطار بيروت وسط حشد هائل من المعزيين والجماهير، وعلى الطائرة كانت معه سكرتيرته «دينيز» وخطيبته «سلوى القدسى»، حيث وصل الجثمان لمطار القاهرة ومنه إلي مستشفى القوات المسلحة بالمعادى، وفى اليوم التالى تم نقل الجثمان إلي مسجد عمر مكرم، ولكن الحشود الهائلة وطوفان البشر تسببا فى إلغاء الجنازة، وإخراج الجثمان من باب البدروم فى عربة رأسا إلي مدافن البساتين، وسط هتافات هيستيرية من الجماهير الله أكبر..الله أكبر مع السلامة يا فريد، كما تقدم أصدقاؤه الفنانون أمام النعش ومنهم محمد عبد المطلب ومحمد سلطان ومديحة يسرى، وهدى سلطان، وحسين فهمى، وصلاح ذو الفقار، وسمير صبرى، وليلى فوزى. لعبت النساء دورا كبيرا فى حياة الفنان فريد الأطرش، فقد كان أول حب فى حياته وقت طفولته، مع بنت الجيران فى شارع إدريس بباب البحر بمنطقة «رمسيس حاليا» وعلى إثر علقة ساخنة من أقاربها انتهت القصة، لتأتى سامية جمال فى حياته عام 1944، حينما كان يسهر فى الأوبرج مع صديقة له اسمها «زوزو» كانت سيدة مجتمع راقية وغنية وجميلة وثرية، وطلقت من زوجها بعد سقوطها فى غرام فريد الأطرش، وخلال وجودهم فى الأوبرج أعلن المذيع عن الراقصة الناشئة سامية جمال، التى رقصت رقصة خاصة تحية لفريد الأطرش، الأمر الذى أشعل غضب زوزو، وسرعان ما تدهورت الأمور بصفعة من فريد على وجه زوزو لتنتهى علاقته بها، وتبدأ علاقته مع سامية جمال، وعاشا معا فى منزل واحد وستديو واحد، وملهى ليلى واحد، حتى طلب الملك فاروق ذات يوم سامية جمال للرقص فى القصر، وكانت بداية نهاية علاقته بسامية جمال، ومع فيلم « ودعت حبك « سقط فريد فى غرام الفنانة شادية التى كانت وقتها زوجة للفنان عماد حمدى، الذى أحس بهذا الحب فطلقها، وفى اللحظة التى قرر فريد الزواج منها كانت شادية قد تزوجت بالمهندس الإذاعى «عزيز فتحى»، بعدما ماطلها فريد فى الزواج عدة مرات وفى آخر مرة سافر فجأة خارج البلاد، وقد وصل عشق شادية لفريد أنها حاولت الانتحار بالحبوب المنومة، وتم إنقاذها فى اللحظات الأخيرة بغسيل معدة، لتنتهى علاقة فريد بشادية، وتبدأ علاقته مع الفنانة الشقراء ليلى طاهر، التى كانت وقتها زوجة للفنان يوسف شعبان، الذى كان غارقا فى حب الحسناء نادية شيرين، فإن فريد لم يكن ينوى الزواج من ليلى طاهر، ويستقر أسريا، فانتهت العلاقة مع ليلى طاهر، لتبدأ علاقة مع الفنانة الشابة سميرة أحمد، التى دامت فترة وعندما أحست سميرة أن فريد الأطرش يريدها عشيقة، رفضت هدايا فريد، خصوصاً السيارة الإسبور الأنيقة، وأخيرا جاءت «سلوى القدسى»، التى كانت زوجة صديقه اللبنانى «نور الدين القدسى»، الذى توفى على إثر إصابته بجلطة، نتج عنها شلل نصفى انتهى بالوفاة لتلازم سلوى القدسى فريد الأطرش، فى كل تحركاته خصوصاً فى أيامه الأخيرة، حيث كان فريد يردد أنها «خطيبته». ترك فريد الأطرش تركة شملت «شقة بالعمارة 76 شارع النيل بالجيزة، ومبلغ 70 ألف جنيه نقدا، ومجموعة من الخواتم الذهبية وأزرار القمصان المرصعة بالذهب بقيمة 10 آلاف جنيه، و12 سجادة شيرازى لا تقدر بثمن، وسيارة كرايزلر مستعملة موديل 56 تقدر قيمتها ب1500 جنيه، وسيارة باكار قديمة بقيمة 1000جنيه، ومنقولات وتحفاً بالفيلا رقم 5 شارع العادل أبو بكر الصديق بالزمالك، حصة فى عقار بالميراث بفيلا والدته «علياء المنذر « بحلوان بقيمة 40 ألف جنيه، وشقة بعمارة الكويتيين برشدى بالإسكندرية، و130 ألف فرنك فرنسى مودعة ببنك سوستيه جنرال بباريس.