أحمد إسماعيل هناك الكثير من الشائعات والروايات والأساطير التى تناقلتها الأجيال، وبمرور الأيام صدقها البسطاء وأصبحوا يعتقدون فى صحتها.. هذا ما تؤكده حكايات الآلاف من البسطاء مع آبار المياه الموجودة بالمساجد.. رغم أن مياه هذه الآبار غير صالحة للاستهلاك الآدمى وفقا لوزارة الصحة، فإن البسطاء يرفضون هذه الحقيقة العلمية ويصرون على الشرب منها اعتقادا منهم أنها تعالج العقم وتزيح الفقر وتشفى من الأمراض العضوية والنفسية، وأن شربة واحدة من مياه هذه البئر تجلب للبنات أولاد الحلال. وهذا للأسف ما خرجت به «الأهرام العربى» خلال جولتها الميدانية. بدأت الرحلة بجامع الخضيرى بجوار قسم شرطة السيدة زينب، الذى تروى العديد من الحكايات عن وجود بئر تحتوى على ماء زمزم داخل الجامع، وأن ماءه يشفى من جميع الأمراض.. حيث تقابلنا مع "عم أحمد" العامل، المسئول عن نظافة الجامع الذى قضى نصف عمره بين جدرانه وأكد لنا حقيقة وجود هذه البئر، لكنه أنكر فكرة أن ماءه مثل ماء زمزم قائلا: الناس هى مصدر هذه الشائعات، لأن العديد من البسطاء يتوافدون يوميا من جميع أنحاء مصر، لأخذ كميات من هذه المياه للتبرك بها طلبا للشفاء من الأمراض، أو لحل مشاكل عائلية وكذلك فك السحر.. مؤكدا أن هذه المياه لا تصلح للشرب وإنما للاستحمام فقط. أما سيد حسنين، موظف على المعاش، ويسكن فى المنزل المقابل للجامع تحدث قائلا: سمعنا آلاف الحكايات عن قدرة مياه البئر على الشفاء من الأمراض، لكنها فى الحقيقة مجرد أساطير لا تمت للحقيقة بصلة، لأن مياه البئر ما هى إلا مياه جوفية غير صالحة للاستهلاك الآدمى، لكن الناس تأتى لأخذ كميات منها للتبرك بها وهو اعتقاد خاطئ. خرجنا من جامع الخضيرى وتوجهنا إلى جامع الحنفى فى شارع مجلس الأمة لمشاهدة البئر الموجودة داخل المسجد، حيث تقابلنا مع "عم سيد"، أحد عمال المسجد، الذى قابلنا بترحاب شديد وبادرنا متسائلا عن " الجراكن " التى سنحمل بها المياه، وعندما أخبرناه أننا صحفيون وأتينا لمشاهدة البئر والتأكد مما يدور حولها من روايات ومعتقدات، وهنا تغيرت طريقة كلامه وأصبح كالمرشد السياحى الذى تعود على مقابلة الزائرين للتحدث عن تاريخ الجامع وحقيقة البئر حيث تحدث قائلا إن السلطان الحنفى أقام زاويته فى هذا المكان منذ 700 عام، وكان الدروايش من أتباعه يتوضأون ويشربون من هذه البئر، ومياه البئر منذ ذلك الحين لم تجف أو تنقص، بل والعجيب فى الأمر أنها تكون باردة فى الصيف، ودافئة فى الشتاء، وعندما أقام الخديو عباس حلمى الثانى الجامع الحالى تم توصيل ماسورة من البئر إلى الميضأة ليتوضأ منها الناس، لكن تمت إزالتها أثناء ترميم المسجد بعد زلزال سنة 1992 ويأتى الكثير من الناس للشرب من مياهها تبركا بها وطلبا للشفاء. مضيفا: يأتى إلينا فى الجامع كثيرون ممن يحملون ورقة أو توصية من مشايخ وصفوا لهم ماء بئر الحنفى للعلاج. وعن أغرب الحكايات التى عاصرها تحدث قائلا: منذ فترة طويلة حضرت سيدة بصحبة إبنها الصغير وكانت فى شدة السعادة وطلبت أن تتكفل بكل احتياجات الجامع، لأنه وحسب ما جاء على لسانها أن ابنها الصغير كان " أبكم " ولا يستطيع التحدث لكنه بعد أن شرب من مياه البئر استطاع التحدث . مضيفا: ورغم أن مياه البئر غير صالحة للشرب، فإن العديد من الناس يحرصون على تناولها رغم تحذيرى لهم، خصوصا من جانب الفتيات الراغبات فى الزواج. أيضا تحدث كمال على، موظف التقيناه داخل الجامع وبسؤاله عن موقفه من مياه البئر قال: إنه يشرب من مياه بئر الحنفى ولا يعنيه كثيرا ما يقال عن تحليل وزارة الصحة الذى يثبت تلوثها، ويؤكد أنهم إذا قاموا بتحليل مياه الحنفيات فى المنازل أو مياه الزجاجات المعبئة فلن يجدوها مطابقة للمواصفات العالمية. كذلك تحدثت السيدة خديجة السيد ربة منزل، من سكان حى السيدة زينب، تؤكد أنها تشرب من مياه البئر منذ أن كانت طفلة، بل تغتسل منها أحيانا، لأنها بركة، وتؤكد أن من يعتقد فى شيء يشفه بإذن الله.
البئر المسحورة تركنا مسجد الحنفى وذهبنا إلى بيت «الكريتلية» المجاور لجامع " بن طولون، الذى تمت تسميته بهذا الاسم نسبة لسيدة يونانية من «كريت» كانت آخر سكان البيت. عندما تدخل هذا البيت تجد نفسك وسط حوش كبير يقبع البئر المسحور فى طرفه الأيمن داخل حجرة صغير تتزين جدرانها بالعديد من اللوحات التى تحكى العديد من الأساطير التى دارت حول المنزل والبئر مثل قصة أن سفينة سيدنا نوح رست على جبل يشكر الذى تم بناء البيت فوقه.
من الدروشة إلى قدسية الآبار يقول الدكتور محمد ناصر – مدرس العمارة والآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة أسوان: بصفة عامة كانت هذه الآبار الوسيلة الوحيدة لتوفير المياه للناس، حيث كانت البلاد فى الغالب تعانى من الجفاف بعد انتهاء موسم الفيضان وانخفاض منسوب المياه فى النيل، بالتالى كانت هذه الآبار هى الوسيلة الوحيدة لمواجهة موسم الجفاف، حيث كان يتم ملء الخزانات والصهاريج الملحقة بالمساجد فى القاهرة والفسطاط، وكان العديد من القادرين يقومون بعمل الأسبلة كوسيلة للتقرب إلى الله، لكن مع مرور الوقت وازدهار الحركة الصوفية والدراويش، مع نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى، أصبحت هذه الأسبلة تتسم بالقدسية نتيجة انتشار الجهل بصفة عامة، نتيجة الحكم العثمانى الذى كان يهمه جمع المال فى المقام الأول وإرساله للدولة العثمانية، وبالتالى زادت المعتقدات الاجتماعية حول قدرة هذه الآبار على شفاء الأمراض وجلب العرسان وعلاج العقم. كما حذر الدكتور مغاورى شحاتة، خبير المياه ورئيس جامعة المنوفية السابق من خطورة مياة الآبار فى مساجد القاهرة قائلا: هذه المياه ملوثة بالصرف الصحى وهى غير صالحة للاستهلاك الآدمى، وتسبب العديد من الأمراض مثل القيئ والإسهال والفشل الكلوى، وكثرة تناولها تؤدى للإصابة بمرض السرطان، ويجب ردم هذه الآبار سريعا، وبرغم أن وزارة الصحة أكدت أكثر من مرة أن هذه المياه غير صالحة للشرب، فإن الجهل والمعتقدات القديمة الموروثة هما السبب فى إقبال البسطاء على تناولها، لذا يجب ردمها سريعا أو تركيب محطات تنقية إذا كانت هناك ضرورة لاستخدامها، ويجب أن نعرف أن هناك من يستغل هذه المياه فى النصب على المواطنين بالترويج لقدرتها على شفاء الأمراض، وهى معتقدات بالية وتجارة ضد الدين .