أنور الدشناوى لقد عُرف على ألسنة الناس وفى المدائح النبوية وفى بعض المراجع، عن غوص قدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى الصخر، وعدم تعليمه على الرمال، فقد ورد عن المقرى التلمسانى فى فتح المتعال، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، لما جاء إلى دار أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه بمكة ووقف ينتظره ألصق منكبه، ومرفقه على الحائط، فغاص المرفق بالحائط فى الحجر وأثر فيه. توجد الآن تسع طبعات لأثر قدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى الصخر، كما ذُكر فى الكتيب الخاص بالآثار النبوية بالمتحف الإسلامى باسطنبول، وأيضا فى كتاب الآثار النبوية لأحمد تيمور باشا أحصى سبعاً منها، أربعة بمصر وواحدة بكل من القدس واسطنبول والطائف. هناك من العلماء من أنكروا صحة ذلك، وهناك فريق آخر أثبتوا ذلك، فمن العلماء الذين أنكروا صحة ذلك، وذكروا أنه لا أصل ولا سند لما ورد فيه، الإمام أحمد بن تيمية فى فتاواه، ونقله عنه تلميذه الإمام ابن القيم، والإمام السيوطى فى فتاواه، والعلامة ابن حجر الهيثمى فى فتاواه مؤيدًا لفتوى السيوطي، والحافظ محمد بن يوسف ومنهم الشمس العلقمي، والعلامة عبد الرءوف المناوي. والعلامة محمد الشوبرى قدوة الشافعية فيما كتبه على المواهب اللدنية، والعلامة على الأجهورى المالكي، والعلامة محمد الزرقانى فيما كتبه على المواهب اللدنية، والعلامة أحمد المقرى فى فتح المتعال، ومن المتأخرين العلامة داود القلعى على ما حكاه عنه الفاسى فى رحلته، ومن أصحاب الرحل أبو سالم العياشى وأبو العباس أحمد الدرعي، وأبو العباس أحمد الفاسي، غير أنهم قالوا: وإن لم يصح فيزار بحسن النية لنسبته فى الجملة للمقام النبوي. ويقول أ.د محمد الكحلاوى أمين اتحاد الآثاريين العرب والأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة: إن بعض الناس تنسب أشياء إلى رسول الله تفتقر إلى عدم الدقة، وليس لها دلالة تاريخية، وكل من تعامل مع هذه الأمور ونسبها إلى رسول الله، إنما هى أنواع من الابتداع والكذب على رسول الله، ومنها موضوع أقدام قيل: إنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن قدم أى نبى لا تزيد على 45.25 سم، بينما الآثار الموجودة والتى يزعم الصوفية، أنها للرسول ببعض المساجد بمصر طول القدم 53 سم، وهذا يدل من وجهة نظرى على نوع من أنواع البدع. أما المثبتون والمقرون بأن آثار الأقدام للرسول الكريم فمنهم الإمام تقى الدين السبكي، والعلامة القسطلانى فى المواهب اللدنية، غير أن شارحها العلامة الزرقانى ردَّ عليه وناقشه فيما أورده، والعلامة شهاب الدين الخفاجى فى نسيم الرياض شرح شفا القاضى عياض، فى خاتمة أوردها عقب شرحه لفصل المعجزات الواقعة فى الجمادات من الباب الرابع الخاص بالمعجزات النبوية من القسم الأول، والعلامة عبد الغنى النابلسى فى الحضرة الأنسية فى الرحلة القدسية، وقد أطال فى محاولة إثبات هذه الآثار، وقال فى رده: الراجح إثبات ذلك ميلًا إلى ما اتفق عليه » على من نفى من العلماء وجود سند لها بأن السند هوعموم الناس، وما اشتهر على ألسنة الخلف عن السلف، وإن لم يكن لهم مستند فى ذلك، فقد يكون لهم مستند وخفى عنَّا، وممن ذهب إلى إثباتها من المتأخرين العلامة أحمد زينى دحلان فى سيرته النبوية، قال العلامة ابن العجمى بعد أن لخص أقوال المثبتين من أهل عصره ومن قبلهم. وحاصل جميع ما تقدم الاعتراف، بأن ذلك لا سند له وأنه على مجرد الشهرة، لأن الخصوصيات لا تثبت بالاحتمالات؛ لأنها من الأمور السمعية المحضة التى لا مجال للعقل فيها بنفسه، فما وجدنا فيه نصٍّا نتحدث به ونعتقده، وما لا نص فيه نكِل علمه إلى لله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نتكلم به لعداه.
مسجد مرزوق الأحمدى أما أولى الأقدام النبوية التى بمصر، فهى بمسجد مرزوق الأحمدى بالجمالية، حيث يقع المسجد بشارع حبس الرحبة بالجمالية (القرن السابع عشر). ويعرف بمسجد المرازقة، ويقع على رأس الطريق الموصل إلى قصر الشوك ودرب الطبلاوى بالجمالية، نسبه: هو القطب الربانى والعابد الصمدانى الحسينى نسبا – الشافعى مذهبا والأحمدى طريقة. ولد باليمن سنة 602 ه، وقد تربى مرزوق الأحمدى فى كنف والده، لكنه لم يكد يشب عن الطوق ويبلغ الحادية عشر من عمره، توفى والده سيدى أحمد بن حسن بن محمد اليمانى سنة 613 هجرية، فكفلته أمه و جدته وربتاه تربية دينية حتى حفظ القرآن الكريم، وبعد زواجه سنة 620 هجرية، سافرت الأسرة إلى مكةالمكرمة، وهناك التقى ببعض علماء المذهب الشافعى، فتتلمذ على أيديهم واعتكف بالكعبة المشرفة حتى ظهرت عليه علامات الولاية . أما عن سبب مجيئه إلى مصر الرؤيا التى رآها، بأن شيخا عربيا تدل عليه أمارات الولاية يأمره بالانتقال من اليمن إلى مصر، حيث يكون له شأن عظيم بها، فعقد العزم على الرحيل فخرج هو وزوجته من اليمن وقصدا مكةالمكرمة، وكان ذلك فى عام 622ه ،وهناك انكب الشيخ مرزوق على الدروس والتحصيل وحضور مجالس التفسير والحديث، وتفقه فى علوم اللغة، وقد أمضى رضى الله عنه المدة التى قضاها فى بلاد الحجاز مرتحلا بين مكة والمدينة وفى سنة 632ه وصل الشيخ مرزوق مصر، حيث آوى إلى المدرسة الكاملية متفقها فى الحديث النبوى الشريف، وفى شهر رمضان سنة 636 التقى الشيخ مرزوق بالقطب النبوى سيدى أحمد البدوى فى رحاب الروضة الحسينية بالقاهرة، فأعطاه البدوى العهد الوثيق يدا بيد وصار من أبرز خلفائه، وقد قام الشيخان بأعمال بطولية إبان الحملة الصليبية التى جاءت إلى دمياط، بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا سنة 648ه فى عهد الملك الصالح نجم الدين الأيوبى، فقد كان كل منهما يقوم بحث الشباب على التطوع فى سبيل الجهاد، بل إنهما ذهبا إلى ميدان المعركة واشتركا فيها بنفسهما، فقد كانت مهمتهما الدخول ليلا فى معسكرات الفرنجة، وإحضار الأسرى، ومن هنا جاء المثل السائر ( الله الله يا بدوى جاب اليسرى (أى الأسرى). ومن دعوات الشيخ مرزوق المأثورة، وصلواته على سيد السادات صلى الله عليه وسلم، اللهم صلى أفضل صلواتك وسلم، أتم تسليماتك على أول التعيينات المفاضة من السماء الربانى، وآخر التنزيلات المضافة إلى النوع الإنسانى، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد أكمل مخلوقاتك وسيد أهل أرضك وأهل سمواتك، النور الأعظم والكنز المطلسم والجوهر الفرد والسر الممتد، الذى ليس له مثل منطوق ولا شبه مخلوق، ومما يروى عن كرامات الشيخ مرزوق تلك الحادثة التى وقعت له مع الجمل المحمل بكسوة الكعبة الشريفة، فقد جرت العادة، بعد الانتهاء من صناعة الكسوة الشريفة للكعبة والحرم النبوى أن تعرض بالمشهد الحسينى، حتى يراها أكبر عدد من الناس، فلما تولت السلطانة شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدين الأيوبى آخر سلاطين الدولى الأيوبية كرسى السلطنة، ابتدعت نظاما جديدا فى عرض الكسوة، بالإضافة إلى عرضه بالمشهد الحسينى، فقد أمرت أن توضع الكسوة فى صناديق على ظهر جمل عليه هودج ويسير الجمل فى موكب من القاهرة، حتى ينتهى فى السويس، حيث ينقل بحرا إلى الأراضى الحجازية، وفى سنة 648 ه، عندما برك الجمل أمام المشهد الحسينى، وحضر أمير الحج يتسلم مقوده ليقف، لم يحرك الجمل ساكنا وتبادل عليه جميع الأمراء وعلية القوم، يحاولون تحريك الجمل وإيقافه، ولكن دون فائدة وكان بين الواقفين الشيخ مرزوق، فإذا به يتقدم الصفوف بدون استئذان ويتناول مقود الجمل من أمير الحج، فما إن رأه الجمل حتى هب واقفا، وأخذ يسرع الخطى والشيخ مرزوق يتقدم ويقوده، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الشيخ مرزوق قائد جمل المحمل، حتى توفى سنة 677ه، وقد بقى هذا التقليد فى ذريته يتوارثه جيلاً بعد جيل، حتى بطل موكب المحمل فى أوائل الثورة المصرية، ولم ينجب الشيخ مرزوق غير ولد واحد فى مصر من زوجته التى دخل بها فى اليمن، وهو السيد عمر مرزوق، ومنه تكاثرت ذرية سيدى مرزوق، والتى أخذت تتوارث مشيخة السادة الأحمدية المرازقة جيلا بعد جيل. وتعد آثار قدم النبى محمد صلى الله عليه وسلم المطبوعة على قطعة من الحجر، والتى أهداها إليه السيد البدوي، من الآثار النادرة الموجودة بالمسجد.