نور ذوالفقار - على المدى الطويل مصر مستقبلها جيد ولن تصل إلى وضع ليبيا وسوريا لأنها دولة متجانسة وليست منطقة قبائل
- التجربة المهنية فى «الجزيرة» سقطت تماما.. وما زالت «BBC» الأفضل مهنيا
أثار الانتباه منذ بدايته العملية المبكرة بتمكنه من أدواته، وتقديمه لصورة الإعلامى المهنى الجاد عبر العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، التى عمل فيها على مدار سنوات طويلة، ومع الوقت تحول إلى واحد من أكثر الشخصيات الإعلامية إثارة للجدل.. «البحث عن الحقيقة» كان الشعار الذى سعى الإعلامى المصرى حافظ الميرازى للالتزام به طوال مسيرته المهنية كما صرح مرات عديدة.. يرى أنه حتى «الحقيقة» أصبحت تحتاج إعلاميا جريئا لبثها وتوثيقها فى زمن صُعب على الشاشات أن تنقل أوجاعا وتسجل للتاريخ قسوة ما نحيا. بدأ الميرازى حياته الإعلامية من خلال إذاعة صوت العرب، ثم انتقل إلى إذاعة صوت أمريكا ومنها إلى إذاعة ال»BBC» كمقدم لبرنامج إذاعي، ومع نشأة قناة الجزيرة القطرية اتجه الميرازى للعمل فى الإعلام التليفزيونى، وانضم لفريق عمل الجزيرة، حتى أصبح مديراً لمكتبها فى واشنطن عام 2000م . انتقل الميرازى بعد ذلك لقناة «العربية» لتقديم برنامج أسبوعى بعنوان «استديو القاهرة»، والذى تم إعفاؤه من تقديمه ومن العمل بالقناة عقب استضافته للإعلامى حمدى قنديل، الذى انتقد الإعلام السعودى بشكل حاد. كما قدم أيضاً برنامجا على قناة الحياة من واشنطن، وبرنامجا آخر تحت عنوان «بتوقيت القاهرة» فى التليفزيون المصرى على شاشة الفضائية المصرية والقناة الثانية. عايشنا الميرازى فى حوار تحدث خلاله عن حال الإعلام المصرى والعربي، وإلى أين وصل «هامش» الحرية. وإلى نص الحوار:
• ما أهم «محطات» الإعلام فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة؟ تشهد حرية الإعلام الآن انتكاسة وردة تزيد على ما كُنا عليه فى الفترة من 2005 إلى 2015 التعددية التى كانت موجودة ،خصوصا فى فترة حكم المعزول محمد مُرسى، ولو أنها كانت تتخذ أحيانا شكل الاستقطاب؛ إلا أنه كانت هناك وجهات نظر مختلفة تطرح الرأى والرأى الآخر مع الوضع فى الاعتبار ضعف الاقتصاد فى تلك الفترة الزمنية؛ ورغم ذلك كانت هناك برامج رائجة وهذا لا يعنى إيمان فصيل الإخوان المسلمين السياسى عند حكمه بالمبادئ الديمقراطية والحريات، وقد أثبتت تجربتى معهم، أنهم كانوا أسوأ من الحزب الوطنى أثناء حكمه، ولكن ما ساعد حينها فى وجود التعددية، وإتاحة هامش واسع من حُرية الإعلام، هو ضعف الدولة العميقة، وبالتالى كانت هناك حُرية إعلام واسعة.
•كيف تغيرت لغة الخطاب الإعلامى فى مصر منذ حكم مبارك؟ إذا عقدنا مقارنة بين العهد السابق والحالى لوجدنا الفارق بينهما ظهور مُمارسات محدودة للبلطجة الإعلامية تُمارس على استحياء، فى آخر سنوات حُكم مبارك. كان مبارك يعطى لبعض الصحفيين حصانة برلمانية عن طريق تعيينهم فى مجلس الشورى ليقوم الواحد منهم بدوره فى مهاجمة معارضى الرئيس دون خوف من الملاحقة القانونية، التى قد تتمثل فى رفع قضايا سب وقذف ضدهم. أما خلال الأعوام الأربعة السابقة؛ فقد تبنّى مجموعة من الإعلاميين دور «المخبرين الرسميين» لتنفيذ «البلطجة الإعلامية»، وتحقيق هدفين: الأول تصفية حسابات مع المُعارضين ومد الإعلاميين بتسجيلات سوداء لضرب الناس تحت الحزام، والثانى تشويه صورة الإعلام. وذلك بعد أن تم ضخ أموال خارجية من دول خائفة من التغيير الذى حدث فى مصر، وبعض المؤسسات فى مصر أيضا ضخت أموالا هائلة فى مجال الإعلام، فبدا أن هناك رواجا فى الإعلام فى الفترة ما بين 2012 و 2013. أما الآن فقد انتهى الوضع فبدلا من النظر إلى الإعلام كضحية تم اعتبار الإعلام كله مسئولا. مما أدى إلى فقدان المصداقية وهو المطلوب إثباته، فالمطلوب عدم تصديق الإعلام مهما قال لتثبيت الوضع القائم إلى الأبد.
•كيف ترى زيارة الملك سلمان أخيرا لمصر؟ الزيارة مقلقة للشعبين المصرى والسعودى فى علاقتنا على المدى الطويل لأنها ربما زرعت نزعة قٌطرية بغيضة. والذى تم خلال الزيارة هو جزء من سياسة محلية،بمعنى أن الشعب السعودى غير مستفيد بجزيرتى « تيران» و»صنافير» ولكن رأيى أن هذه الخطوة تصب فى مصلحة توريث محمد بن سلمان على أساس تقديم الدليل على أن الجيل الجديد استطاع أن يرد للمملكة «حدودها» و»أرضها»، وأنه انتزعها من بين كل الناس المحيطة مثلما خاض الحرب فى اليمن لهدف مماثل. لدى أكثر من تجربة مع السياسة السعودية، ففى التسعينات كنت أُقدم برنامجا يُبث للعرب فى واشنطن، واشترت شركة «ام بى سى» القناة مُقدمة البرنامج وقامت بغلق برامجنا الحرة وقدمت الحلقة الأخيرة مع معارض سعودى مما استدعى سرعة غلق كل برامجى وقتها. وفى عام 2011 انتقلت للعمل على شاشة قناة العربية، وكنت أُقدم برنامج «ستديو القاهرة» وكان ينقل أحداث الثورة، وفى اليوم التالى للإطاحة بنظام مبارك قُلت إن المحطة أجرت محاولات لمنع ضيفى حمدى قنديل من الظهور معى، مع أنه بسقوط مبارك كان من المفترض أن نكون قد تحررنا سياسيا، ولم يكن هناك مبرر لأن يُواصل منع الإعلاميين انتقاد أى دولة. المؤسف جدا أن الهيمنة السياسية السعودية كانت تمتلك سيف الحاكم المحلى فى كل البلدان العربية، ويمنعك فى إعلامك المحلى أن تتحدث عنه أو تنتقده. وصلنا إلى مرحلة أسوأ الآن ونتحسر على كرامة إعلامنا.
• ما رأيك فى تغطية وسائل الإعلام المصرية لموضوع جزيرتى مضيق تيران؟ يدل على أن السعودية مدت ملكيتها وسيادتها وحدودها إلى أغلب أراضى الصحافة والتليفزيون والإذاعات المصرية قبل أن تمدها إلى جزيرتى «صنافير» و»تيران «.
• هل تُدار سياسات مصر الخارجية وفق إستراتيجية مدروسة؟ وفى رأيك إلى أين تنتهى أزمة الشاب الإيطالى «جوليو ريجينى» ؟ للأسف الشديد نعيش تجربة أقرب لعدم إعطاء الاعتبار لكل مؤسسات الدولة، وهذا شيء مؤسف.. وفيما يخص قضية الشاب الإيطالى «جوليو ريجينى» دعونا نرى نمط التعذيب الذى تعرض له ريجينى نحن ك»مصريين» تعودنا عليه أكثر من الغرب، ونعرف الجهة التى تتبع هذا النمط الممنهج من التعذيب، ومعروف عالميا أنه تم تعذيب كل من «خالد سعيد ومحمد الجندى وسيد بلال» بنفس الطريقة . أما الإنكار وتلفيق التهم والكذب فلا يفيد شيئا بل بالعكس تجعل الأمر أشد تعقيدا. ومن يحرص على خدمة نظام الحُكم هو من يهتم بحل مشكلة إيطاليا، وأنا لست مع «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، فهو منطق مرفوض وسلوك لم يسلكه الرسول عليه الصلاة والسلام لأن المبادئ لا تتجزأ، وبالتالى فكرة أنه ليس من حق أى أحد أن ينتقد «المسئول» خاطئ تماما. خصوصا أننا ضعاف وإن لم نتمسك بالمبادئ سنُدهس من القوى العظمى فى العالم، ومن مصلحة الضعيف التمسك بالقانون والمبادئ لأنها هى فقط التى تحميه. وكثيرا ما نقول إن الغرب منافق ويكيل بمكيالين، وهذا صحيح فى بعض الأحيان، ولكن الفرق أن هذه الدول تحترم حقوق المواطن، ولكن لدينا العكس كل ما يُقال من قبل المدافعين عن الأجهزة الأمنية، إننا نقدر نقتل المصرى لكن الأجنبى مستحيل وهذا ما يعنينى ويحز فى نفسى .. الأجهزة الأمنية فى مصر تعلم أن دول الغرب لا تترك أبدا حق مواطنيها وتظل تبحث وراء الرُفات عشرات السنين حتى تصل إلى الحقيقة، وهم يدركون أن القضية لن تغلق أبدا سواء من جانب أسرته أو حكومته .
• إلى أين تذهب مصر فى رأيك ؟ الله أعلم هو بالتأكيد أُعمم السؤال ليس فقط مصر حتى لا نظلم أى فصيل، الوضع الآن مجرد بداية تغيير للمنطقة بأكملها، السعودية نفسها مقبلة على التغيير ونحن وضعنا أفضل كثيرا منها. على المدى الطويل مصر مستقبلها جيد ومصر لم تصل إلى وضع ليبيا وسوريا لأنها دولة متجانسة قديمة وليست منطقة قبائل. المنطقة يمكن أن تشهد تفككا وصراعات دموية، لكن على المدى الطويل الوضع سوف يتغير، فالتغيير قادم.
• ماذا ينقصنا لإنشاء وكالة أنباء عربية تتمتع بالمهنية والمصداقية؟ ينقصنا بلد يتمتع بالمصداقية والمهنية، نظامه السياسى والاقتصادى والاجتماعى ثابت، وألا نجزئ الأمور. الأزمة أزمة بلد، والصحافة تحديدا لا تنفصل عن الحياة السياسية. وإن لم يكن لديك حرية سياسية، فهل ستكون لديك حرية إعلامية؟!
• هل ترى أن الإعلام العربى على مدى عقود أهمل ليبيا قبل وبعد عهد مُعمر القذافي. وما القنوات العربية التى لا تزال هناك ؟؟ لا علاقة للموضوع بمُعمر القذافي. الإعلام قبل الربيع العربى وحتى قبل حرب العراق الأخيرة كان يهتم بالقضايا العربية بشكل لكن كثرة المصائب المحلية الخاصة بكل بلد على حدة، جعلت كل واحد مشغولا فى مصيبته. مللنا من مناظر القتل فى العراق بجانب الوضع فى الربيع العربي. قل الاهتمام بالقضايا العربية الواسعة، وتم الاهتمام بالقضايا المحلية، وهو ما يعتبر أمرا جيدا، من المفروض أن نتحدث عن أوضاعنا قبل ليبيا.
• هل التغطية الإعلامية للحرب فى اليمن محايدة ؟ بالطبع لا، نحن لا نعلم إلى الآن ماذا يحدث فى اليمن. منذ مدة تركت العمل على شاشة الجزيرة نتيجة تغيير سياستها وتوجهها لتبنى الإسلام السياسى لتحقيق أغراضها، وأنا لست ضد الإسلام السياسى ك»فصيل» موجود ولكن لا يتحكم فى الساحة الإعلامية. قطر سمحت بصفقة سياسية بأن تُجند فصيل الإسلام السياسى عندما اضطرت المملكة العربية السعودية أن تتوقف عن تمويل الفصيل تحت ضغط من الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب أحداث 11 سبتمبر، وتوقفت فعليا حتى لا تُضرب بدلا من العراق. قطر وجدت أن الفرصة قد سنحت للقفز وأخذ هذا الميراث، وعندما حدثت المصالحة بين قطر والسعودية انتهت تماما تجربة الجزيرة فى أن تُغرد خارج السرب،منذ 96 وحتى نهاية 2008 كان التوتر السعودى القطرى محتدما، وكانت الجزيرة متروكة لتقدم وجهة النظر المخالفة للسعودية. ولكن بعد المُصالحة أصبحت الأجندة الخليجية هى الفيصل، وأحيانا يكون الخلاف فقط أن قطر تُهاجم مصر أو الإعلام السعودى يمدح فى مصر، لكن أى خبر يحمل توافقا خليجيا يمنع الاقتراب منه، مثل «اليمن وسوريا والبحرين» وغير مسموح إلا بالرواية الخليجية وغير ذلك يتم التعتيم. ظاهرة نجوم الميديا .. وأن يطرح كل إعلامى رأيه الشخصى فى شتى الموضوعات.
• هل ترى فى ذلك تجاوزا أم هامش حُرية؟ أولا هناك بلطجة إعلامية. لكن من الممكن قبول برنامج يقدمه معلق سياسى صاحب رأى مثل أعمدة الرأى التى يقوم بكتابتها شخص ما. لكن عليه ألا يُعرف نفسه إعلاميا أو صحفيا، لكن يُعرف نفسه على أنه الناشط السياسى اليمينى - اليسارى أيا كان.
• هل من الصحيح أن يتبنى الصحفى وجهة نظر سياسية مُعلنة؟ عندما أصبح هيكل يكتب بكل صراحة صفحة كاملة، أصبحت عدوى أن كل رئيس تحرير يكتب رأيه وهو ما أسميه « عُقدة هيكل». عندما ننظر إلى الإعلام الأمريكى على سبيل المثال إذا سألنا من يكون رئيس تحرير نيويورك تايمز لا أحد يعرف، لأن هناك فصلا حقيقيا ما بين كاتب الرأى وكاتب الخبر، الناشط السياسى يُضحى بمصالحه ويُعرض نفسه للخطر لكن الصحفى يجب أن يتمتع بقدر عال من المهنية ولا يعرض وجهة نظر واحدة ويتبناها.
• بصفتك متخصصا ما المصادر التى نستطيع أن نصفها موضوعية أو قريبة من الموضوعية؟ ما زلت أعتبر أن ال BBC» «، ورويترز هما المنبر المهنى الأول، واختلافى مع BBC كان بيروقراطيا وإداريا ولم يكن من الناحية التحريرية. وفى رأيى أن المنبر الإعلامى الناطق بالإنجليزية يكون الأفضل لأن هناك موازنات ومواءمات من الجانب العربى، وأهم شيء هو أنى أسمع كل وجهات النظر من الطرفين. أما التجربة المهنية على شاشة الجزيرة فقد فشلت.
• هل ترى أن لغة الحوار الإعلامى تدنت أم اقتربت من الواقع، وكيف ترى المستقبل فى هذا السياق؟ تدنت بالواقع .. الإعلاميون هم قادة الرأى عندما تم رفع الحوائط الموجودة ما بين العشوائيات والعادى يصبح الفرق بينهما معدوما.