ما هي أكلات الجمعة العظيمة عند الأقباط؟    الوزراء يتلقي شكوى في مجال الاتصالات والنقل والقطاع المصرفي    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رواتب تصل ل 12 ألف جنيه.. 3408 وظيفة ب16 مُحافظة - الشروط والأوراق المطلوبة    اليوم.. وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يفتتحان مسجد محمد فريد خميس بالعاشر من رمضان    وأنت في مكانك، خطوات تجديد بطاقة الرقم القومي أونلاين    اعرف سعر الدولار اليوم الجمعة 3-5-2024 فى البنوك المصرية    رغم المقاطعة.. كوكاكولا ترفع أسعار شويبس جولد (صورة)    تحرير 38 محضر إشغال طريق وتنفيذ 21 إزالة فورية بالمنوفية    الرئاسة في أسبوع.. قرارات جمهورية هامة وتوجيهات قوية للحكومة    أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    تسلا تعرض شاحنتها المستقبلية سايبرتراك في ألمانيا    طريقة تشكيل لجان نظر التظلمات على قرارات رفض التصالح في مخالفات البناء    بعد استهدافها إيلات الإسرائيلية.. البحرين : سرايا الأشتر منظمة إرهابية خارج حدودنا    حرب غزة.. رسائل مصرية قوية للعالم لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    أكسيوس: اجتماع أعضاء من «الشيوخ» الأميركي و«الجنائية الدولية» في محاولة لإنقاذ قادة الاحتلال    الزوارق الحربية الإسرائيلية تكثف نيرانها تجاه المناطق الغربية في رفح الفلسطينية    حماس تثمن قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرائيل    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام أبها| حمد الله يقود الهجوم    عبد المنصف: عرض سعودي ل مصطفى شوبير.. وأنصح الأهلي يبيع ب 4 مليون دولار    كلوب عن أزمته مع محمد صلاح: تم حل الأمر ونحن بخير    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    «الأرصاد» تحذر من طقس الأيام المقبلة: انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الأمواج    خلافات سابقة.. ممرضة وميكانيكي يتخلصان من عامل بالمقطم    ننشر استعدادات صحة القليوبية لاحتفالات عيد القيامة واعياد الربيع .. تفاصيل    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مخزن ملابس بالعمرانية    استعدادات غير مسبوقة في الشرقية للاحتفال بأعياد الربيع وشم النسيم    حكم تلوين البيض وتناول وجبات شم النسيم.. الأزهر العالمي للفتوى يوضح    ذكرى وفاة زوزو نبيل.. عاشت مع ضرتها بشقة واحدة.. واستشهد ابنها    "مانشيت" يعرض تقريرا من داخل معرض أبوظبى الدولى للكتاب اليوم    بول والتر هاوزر ينضم ل طاقم عمل فيلم FANTASTIC FOUR    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    ألونسو: قاتلنا أمام روما..وراضون عن النتيجة    الشارقة القرائي للطفل.. تقنيات تخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر بالعلاج بالفن    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    إشادة حزبية وبرلمانية بتأسيس اتحاد القبائل العربية.. سياسيون : خطوة لتوحيدهم خلف الرئيس.. وسيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الحريات.. صعود وهبوط
نشر في الأهرام العربي يوم 25 - 01 - 2016


هشام الصافورى
نجاد البرعى: انتكاسة لقانون الجمعيات ومحاولات للتضييق على المنظمات الأجنبية
د. محمد محيى الدين: الحلول الأمنية للمشاكل السياسية تؤدى إلى تقييد الحريات
عبير سليمان: إقرار قانون التظاهر دون تعديل يؤكد عدم وجود نية للإفراج عن المسجونين
عصام محيى الدين: الحرية الحقيقية تزدهر فى ظل توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة
ثورة الشعب سلمية تنشد تحقيق الكرامة الكاملة للمواطن دون الاعتداء عليه
منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، لا يستقر مؤشر الحريات فى مصر على حال، فتارة نجده فى صعود وتارة أخرى يهوى إلى القاع، وكثيرا ما يتعطل فلا يغادر مكانه .ومع ارتفاع سقف الحريات لأقصى مستوياته بعد 25 يناير 2011 ، لدرجة يراها البعض فوضى وليست حرية، نرى الآن تراجعا ملحوظا فى هذا الملف بدعوى محاربة الإرهاب، واعتمادا على الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد . وما بين مؤيد لإجراءات قمع الحريات وبين معارض لها، ولكل أسبابه التى تدفعه لذلك، حاولت «الأهرام العربى » استقراء الواقع، والعودة إلى ذكريات ما بعد ثورة 25 يناير وحتى الآن، لنفتح معا هذا الملف، لنتعرف على منحنياته صعودا وهبوطا خلال هذه الفترة.
نجاد البرعى، الناشط الحقوقى والمحامى بالنقض، يؤكد أن الحريات وحقوق الإنسان فى مصر مرت بمرحلة من الازدهار فى الفترة من يناير 2011 إلى فبراير 2013، على الرغم من وجود انتكاسه فيما يخص قانون الجمعيات، ومحاولات التضييق على الجمعيات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير المسجلة وبعض حوادث التعذيب، التى كانت تتم هنا وهناك، ولم يتم التحقيق فيها، لكن بشكل عام كان هناك حراك قوى واهتمام بالقضية، ومن يناير 2013 إلى اللحظه الحالية هناك تراجع بشكل متسارع فى ملف الحريات، حتى وصلنا الآن إلى القول بأن حقوق الانسان فى عهد مبارك وخصوصا فى السنوات من 2005 إلى 2010 كانت أفضل من الآن. وتابع البرعى: عمليا كل الحقوق الأساسية مهدرة، فلا التظاهر مسموح به، ولا الإضراب مقبول، ولا توجد حرية فى الإعلام، والمنع من السفر الآن يتم بقرارات إدارية، والحبس الاحتياطى طويل المدى، أصبح بديلا عن الاعتقال، بالإضافة إلى قانون الطوارئ، وعدد أحكام الإعدام التى لم تحدث فى تاريخ مصر فى أى فترة. وأشار البرعى إلى الظروف الصعبة التى تمر بها الأحزاب، وإلى النظام الانتخابى الذى تم تصميمه بقصد إخراج برلمان يستبعد الحزبيين، لإعطاء الفرصة لبناء تكتلات لا نعرف بالضبط من يديرها ولا ماذا يراد منها، هذا كله بالإضافة إلى تشويه ثورة يناير الذى أصبح مادة دسمة لدى إعلاميين قريبين من الحكومة، وكذلك أوضاع السجون التى لا تبشر بخير، وعدد الشباب صاحب الرأى المختلف يتزايد يوما بعد يوم فى السجون. وقال البرعى: لقد فشلنا فى إقناع الناس بأن الحريات وحقوق الإنسان أمرا مهما، والسنة التى حكم فيها الإخوان زاد إيمان الناس بأن الديمقراطية والحريات التى ستأتى بالإخوان، يكون التعذيب والانتهاكات أفضل، وهذه هى المصيبة التى تسبب فيها الإخوان، مؤكدا أنه غير متفائل بأن مناخ الحريات الذى كان متوفرا قبل يناير، وظل مستمرا بقوة حتى يناير 2013، ثم اختفى تدريجيا، يمكن أن يعود قبل سنتين إلى أربع سنوات من الآن، وبالتالى فإن هذه القضية مجمدة حتى إشعار آخر . ومن جانبه أكد د. محمد محيى الدين، عضو مجلس الشورى السابق، أن ثورة الخامس والعشرين من يناير هى ثورة الحريات بلا منازع، وبرغم أن الحريات لم تكن المطلب الوحيد من مطالب الثورة، فإنها المطلب الوحيد الذى بدا للبعض فى فترات سابقة أنه تحقق بصورة تلقائية فى ظل عدم القدرة على تحقيق العدالة الإجتماعية ولقمة العيش بصورة فورية تلبى طموحات الثوار والشعب المصري. وأضاف محيى الدين: مر ملف الحريات بمراحل عدة سياسيا ودستوريا منذ الثورة المجيدة وحتى هذه الحظة، المرحلة الأولي، وهى مرحلة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة والظروف الأمنية الصعبة والسياسية المرتبكة وللركاكة الفكرية والسياسية، بل والأخلاقية للكثيرين ممن قدمهم الإعلام للشعب، ولا أعلم تعمدا أم عن جهالة، على أنهم هم الثوار الأنقياء الأبرياء، وللجشع والنهم السياسى لتيارات الإسلام السياسى للسلطة، وجشع العديد من الفئات والمواطنين فى تحقيق مكاسب مادية سريعة، ولضعف النخب السياسية والحزبية بصورة لم تكن متصورة قبل الثورة، تميزت هذه المرحلة بتجاوز سقف الحرية المعتاد ديمقراطيا إلى مرحلة الانفلات التام سياسيا وشعبيا وأمنيا وأخلاقيا وتم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء التى تميز بها المجتمع المصري، حتى إن حرق المجمع العلمى كان عملا ثوريا فى نظر البعض، وتداول وثائق أمن الدولة كان عملا نبيلا فى نظر البعض الآخر، والإضراب وتعطيل مصالح الدولة والشعب من أجل جنيهات معدودة كان عملا يحقق مطلب هذه الفئات من الثورة، وهو "العيش" دون التفكر فى أية آثار لمثل هذه الكوارث، والمرحلة التالية هى مرحلة "دسترة" الحقوق والحريات من خلال الجمعية التأسيسية التى وضعت دستور 2012 التى تشكلت فى عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وانتهى عملها فى فترة حكم الرئيس السابق دكتور محمد مرسي، التى شرفت بالانتماء إليها، حيث تم وللمرة الأولى فى التاريخ الدستورى المصرى النص الواضح القطعى على جميع الحقوق والحريات التى نادت بها مواثيق حقوق الإنسان العالمية مثل التظاهر وتداول المعلومات وحرية الفكر والرأى والإبداع وكانت فى إجمالها مطلقة لا يقيدها قانون، وتزامن هذا مع القضاء على كل معوقات مرحلة مبارك فتم المنع الدستورى لحل الأحزاب أو مجالس إدارات الجمعيات والنقابات إلا بحكم قضائى بات نهائى، واعتبار التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم وتم تنظيم تقييد الحرية (القبض) وتقييد الحبس الاحتياطي، وغير ذلك من المكتسبات التى حافظت عليها وأكدتها لجنة الخمسين عند قيامها بعمل تعديلات 2014. وتابع: فى هذه المرحلة تطور الأداء الأمنى لجهاز الشرطة بصورة باتت ملموسة مع تراجع مستويات الانفلات السابق الإشارة إليها، إلا أن صدور الإعلان الدستورى من الرئيس السابق محمد مرسى دفع بالبلاد قبل صدور دستور 2012 إلى حافة الهاوية السياسية فتكونت جبهة الإنقاذ وتلتها تمرد، وكانت هذه نقطة التمهيد لخلع نظام الإخوان رغم إلغاء الإعلان الدستورى لاحقا التى تطورت تلقائيا على المستوى الشعبى وعلى المستوى التنظيمى وربما المؤسسى وصولا إلى المد الثورى فى 30 يونيو 2013.
أما عن المرحلة الأخيرة فيقول د. محمد محيى الدين لقد بدأت من 3 يوليو 2013 بعد إعلان خارطة الطريق وتولى الرئيس السابق عدلى منصور ثم الرئيس عبد الفتاح السياسي، وتميزت هذه الفترة إجمالا وتزامنا مع أحداث شديدة الأثر مثل فض اعتصامى رابعة والنهضة والحرب على الإرهابيين والخوارج والدواعش فى أنحاء الدولة وفى سيناء خصوصا أن تصنيف تنظيم الإخوان إرهابي، ومد هذا التصنيف لكل أعضائه، صالحهم قبل طالحهم، وشبابهم قبل قياداتهم، بالتراجع الكبير للكثير من الحقوق والحريات حتى تم تقييد بعضها بصورة فعلية، وعادت الحلول الأمنية للمشاكل السياسية وباستخدام آلة الإعلام الرهيبة فى ترسيخ قيم سلبية مثل التقسيم والتخوين والتشويه وهى المرادفات التى تؤدى تلقائيا إلى استمرار تقييد الحريات، علما بأن كل هذه الإجراءات، قولا واحدا، تخالف الدستور الذى كان الخطوة الأولى من خارطة الطريق. وطالب محيى الدين أن ينتبه الرئيس ومجلس النواب بعد استكمال خارطة الطريق، أن الديمقراطية الحقة لا تكون إلا باحترام كل حرف فى الدستور، وبالتأكيد على أن الحرية وتصحيح ما ينتج عن ممارستها من أخطاء فى بدايات التجارب الديمقراطية هو وقود استمرار هذه الديمقراطية وهى دروس تأكدت بممارسات دول كثيرة سبقتنا ونحن دولة ذات حضارة عظيمة لا تحتاج إلى إعادة إختراع العجلة الديمقراطية. من ناحيتها قالت عبير سليمان، رئيس منظمة ضد التمييز إن ثورة 25 يناير الشعبية قامت ضد احتكار الحكم والسعى إلى التوريث وقلة الحريات السياسيه وحالة الطوارئ وزيادة الفقر وصعوبة وجود فرص العمل وتوحش رجال الشرطة، والافتقار للسكن، وغلو المعيشة، وانتشار الفساد، وعدم وجود انتخابات حرة نظيفة وانعدام حرية التعبير، لذلك كانت ثورة الشعب سلمية تنشد السلام والعدالة الاجتماعية، وتحقيق الكرامة الكاملة للمواطن المصرى دون الاعتداء عليه بالضرب أو السب أو التعذيب أو الخطف خارج القانون. وأوضحت سليمان أنها تبريء شباب الثورة والشعب المصرى كونهم غير منظمين، وأن الكيانات الأكثر تنظيما هى التى قضت على مكتسبات الثورة، التى كانت تصر على كرامة المواطن وحق المعيشة العادلة والكريمة، مشيرة إلى أنه بعد اندلاع ثورة مصر العظيمة شهدت البلاد منحنيات ومرتفعات لمؤشر الرأى العام وللممارسات والحريات، والممارسة الإعلامية، وأنها لا تستطيع أن تسعد بها أو تحزن، حيث إن الوصف الأمثل سيكون الهرج وعشوائية الأداء من الجميع، عدا من كان ينظم ويستقرئ الواقع من خلال رؤيته الكاملة، وهذا لم يتوفر للكثيرين، لذا فإن مشاهد التصدى لبعض الاعتداءات مثل الاعتداء على وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع لا أستطيع أن أصفها بأنها قمع للحريات، وإلا سنكون مثل من يرى الصور من جانب واحد ويبتر تفاصيل أخرى . وبناء على ذلك ترى سليمان أن مصر شهدت فى السنة الأولى بعد 25 يناير حالة من الشعور العام بالنضال والكفاح الشعبى الباسل وبعث الأمل فى ربوع مصر، نظرا لاستجابة الرئيس الأسبق مبارك بالتنحى عن الحكم وقفل ملف التوريث دون رجعة، هذا ما جعل أحلام الشعب تحلق وتتوهم حياة مليئة بالعدالة والرخاء وانعدام الفساد، لكن شباب الثورة ووقودها لم يدركوا حينها أن هناك صراعاً قوياً لم ينته، ولم يحسم لصالح مؤسسات أسهمت فى إسقاط نظام مبارك بمسارها القاتل للحريات، لم يدرك الأغلب الأعم أن عددا من مؤسسات الدولة العميقة بقت رافضة كارهة لاستتباب الأمر ورسوخ أعمدة هذه الثورة، لم يدرك الغالبية من الحزبيين أو من العوام أن الكيانات المنظمة التى تتفاوض على الثورة هم أيضا جانب آخر من القمع والاستبداد وتقيد الحريات وأن الديمقراطية لا تعنى لهم سوى سلم يصل بهم إلى أدوات استبداد واحتكار أخرى، لنرى أن محاولات التقييد فى السنة الأولى والثانية كانت تتم على استحياء أو ربما تتم، لكن ببعض الضغط يتم الرجوع عنها، حتى ظن الجميع أنه بعد انتخابات الرئاسة سيتفق الجميع وسيأتى دستور جديد يقر جميع الحريات، ثم حدثت فى بداية السنة الثالثة انتخابات الرئاسة، وتولى الإخوان، ليكون محمد مرسى رئيسا لمصر، شهدت تلك الفترة مناخا واسعا من حرية الرأى وحرية الإعلام لدرجة تصل إلى مستوى تصدير عدم الفهم للمواطنين والاعتراض المستمر، واجتهد الإخوان فى مغازلة الشعب ببعض قوانين تخص الحريات التى وضعت فى دستورهم، التى لاقت استحسان عدد من النخبة السياسية، لكن كان هناك على الجانب الآخر مظاهر احتكار للسلطة وبطش وانتهاك للحريات بشكل واضح ومستفز، من بداية الإعلان الدستورى، وصولا لصدام مباشر مع النظام ومساراته، وأصبح النظام يتعامل من منطلق الصوت الواحد وأشارت سليمان إلى أنه بعد سقوط نظام الإخوان، وبداية خارطة الطريق، تعافت العلاقة بين الشرطة والشعب لمدة قصيرة، لكننا شاهدنا حالات فردية متكررة تنبأ بأنه لا يزال هناك مسارات قمعية، وانتهاكات للحريات، وعدم الخوف من أى محاسبة، وبرغم أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على أداء البرلمان، فإن إقرار قانون التظاهر دون تعديل، ينبيء بأنه برلمان له توجه بعينه لا يميل للإفراج عن المسجونين تحت مظلة قانون التظاهر. أما عصام محيى الدين، الأمين العام لحزب "التحرير" الصوفى، فيرى أن الحرية كانت من أهم دوافع ثورة 25 يناير، التى عملت على تحريك القطاعات المختلفة من الشعب المصرى وعلى رأسها قطاع الشباب المصرى، وتصارع الجميع على إعادة تعريف معانى بما يتناسب مع تحقيق حلم إنشاء الجمهورية الثانية على قواعدها، لكن سرعان ما تبددت تلك الأحلام بوصول الإخوان إلى الحكم وإصرارهم على عدم التوحد مع دعاوى الحريات، ومحاولاتهم بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية نزع هوية البلاد الليبرالية وقولبته فى قالب الفاشست الدينى بقوة ضغط لم يعتدها الشعب المصرى، التى أدت إلى توحد صفوفه وقيامه باستدعاء الجيش لمساعدته فى القيام بثورة ثانية وهى ثورة 30 يونيو، ونجح الشعب والجيش فى إقصاء هذا الفيلم، وبدأ حلم الثورة من جديد فى تحقيق الحرية وتأسيس الجمهورية الثالثة على تلك القواعد. وأوضح محيى أن هذا الحلم ما زال بعيد المنال لعدة أسباب مختلفة تتلخص فى الآتي: أولا، طول فترة الحياة الثورية التى قاربت الآن على خمس سنوات، وبسبب عدم اعتياد الاجيال المعاصرة على هذ النمط الحياتى، اختلفت مفاهيم الحرية واضطربت، بحيث إنها لم تثبت على مفهوم معين يتفق عليه الجميع، فأصبح ما يراه البعض من أصول الحرية، رآه البعض الآخر إهدارا لحقوق الوطن وسلامته، ثانيا، فقه الأولويات عند النظام الحالى يضع أولوية تحقيق الحريات بعد تحقيق أولوية الأمن والاقتصاد، وهو معذور فى ذلك، لأن مصر تتعرض لحرب مخابراتية شنعاء، تعمل على تفكيك مفاصل الدولة التى توشك على الانهيار الأمنى والاقتصادى، بينما ترى قطاعات أخرى أن الحرية هى التى تحقق الأمن والتقدم الاقتصادى، ثالثا، تعارض المصالح ما بين المتضررين من ثورة يناير والمتضررين من ثورة يونيو، أدى إلى صراع مرير على أرض الواقع، أضر أشد الضرر بفكرة التوافق على رؤية موحدة تنهض بالبلاد وتؤسس لدولة قوية، وهذا الصراع أدى إلى ضرر حقيقى لملف الحريات والشباب. ويرى محيى الدين أن الحل الأمثل لهذه الإشكالية هى التكليفات المباشرة لجميع القطاعات الشعبية بلا استثناء، بأدوار محددة وأعمال بعينها لها خطة زمنية ونتائج إلزامية، من خلال خطة قومية يشارك الشعب فيها النظام فى النهوض بالبلاد من عثرتها، فالعمل العام أصبح إلزاميا على كل فرد حتى يلمس بيده حجم المشكلة الحقيقى ومدى خطورتها، ولا يسمح للخيال أن يجرف الجميع فى أوهام تعمل على تمزيق الدولة وتجعلها عرضة للأخطار الخارجية، عندها سيتفق الجميع على مفاهيم متشابهة تجمع الصف وتوحد الرؤى وترتب الأولويات عمليا وتحقق الحريات المثلى التى تنهض بالأمة.
ومن ناحيته يؤكد ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل أن ثورة 25 يناير 2011 حملت شعارات عظيمة منها عيش.. حرية ... عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية، والأهداف الأربعة مرتبطة ببعضها، ويوجد ارتباط وثيق ومتين بين الحرية والكرامة الإنسانية، فالكرامة الإنسانية لن تتحقق إلا فى ظل حرية حقيقية، ولقد مارس الشعب المصرى حريته على نطاق واسع عقب إصدار الرئيس الأسبق محمد مرسى الإعلان الدستورى، فكانت الاجتماعات والمؤتمرات والمظاهرات، حتى كانت ثورته التصحيحية الكبرى فى 30 يونيو 2013، واسترد بها كرامته الإنسانية، والحق أن الشعب المصرى مارس حريته كاملة فى إيقاف المخطط الأمريكى والإطاحة بحكم الإخوان وإعداد دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس.
وقال الشهابى: علينا أن نعترف أن مساحة الحرية ضاقت بعض الشىء خاصة بعد إخفاق الحكومة فى توفير العيش وتحقيق العدالة الاجتماعية مما انعكس على إقباله على المشاركة فى التصويت فى انتخابات البرلمان، الذى كان أقل نسبة تصويت بعد ثورة 25 يناير، مما جعل المال السياسى الحرام والتصويت الطائفى وراء حسم النتائج الانتخابية، مما يضع نقطة مظلمة فى سجل الحرية، وإن كان قانون التظاهر قد ضبط هامش الحرية الواسع الذى كاد يجعل من الفوضى الناتجة عن التظاهر العشوائى إحدى أدوات المخطط الأجنبى الهادف لإفشال الدولة المصرية، لكن علينا أن نعترف أنه فى ظل ترحيبنا بعودة الشرطة وتعافيها من انكسارها فى يناير، حدثت ممارسات فردية من بعض أفراد الشرطة سجلها الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي، تركت نقاط سوداء فى سجل الحريات.
وتابع: أنه فى ظل استمرار المخطط الغربى الصهيونى المعادى لنا فإن الشعب لديه استعداد للتجاوز عن بعض الأخطاء، لكن الحرية الحقيقية تزدهر وتنمو إذا وفرنا للشعب الحد الأدنى من الحياة الكريمة وحققنا له عن طريق سياسات حكومية واضحة العدالة الاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.