جاءت مناقشة اتحاد جديد لمجلس دول التعاون الخليجي باسم «الاتحاد العربي الخليجي» مع عقد القمة التشاورية لقادة دول المجلس الأخيرة بالرياض، على وقع تطورات أملتها الهواجس الأمنية وضرورة مواجهة الأطماع الإيرانية، ببحث تسريع خطوات التحول إلى اتحاد وفقا لدعوة أطلقها في ديسمبر الماضى خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. الكيان الجديد الذي سيحمل اسم «الاتحاد العربي الخليجي» وإن كان هدفه غير المعلن امتصاص التطورات الداخلية خصوصا بالقرب من المنطقة الشرقية للسعودية التي تحتوي على أغلبية شيعية وعلى حقول ومرافق بترولية، فإنه يبدو ولا شك الحل الوحيد للتصدي للمد الإيراني وللحيلولة دون أن تلاقي البحرين مصير الجزر الإماراتيةالمحتلة من إيران التي طالما ادعت ملكيتها للبحرين، وتسعى للهيمنة على المنطقة وذلك بتحريك بعض من مناصريها لإثارة أكبر قدر من التشويش في الداخل تحت شعارات مختلفة بعضها مطلبي وبعضها فئوي وفتح أبواب المعركة الإعلامية على مصاريعها عن طريق بث ما لا يقل عن أربع وعشرين محطة تليفزيونية موجهة إلى الخليج أساسا والاستفزاز العسكري من مناورات متكررة وفتح معركة على الجزر الإماراتية. وإذا كان الرد الخليجي هو أن يكون هناك كيان سياسي موحدا وقادرا على مواجهة التحديات، ليوجه رسالة صريحة لطهران بأن المساس بأمن أي من أعضائه مساس بأمن الخليج كله. .. فإن المفارقة في الأمر تبدو في أن أكبر المعترضين على أي نوع من «الاتحاد» أو «الدمج» أو «الضم» ليست هي إيران فحسب بل من داخل المجتمع الخليجي ذاته.... فمنذ تسرب خبر «الاتحاد السعودي- البحريني» لم تتوقف وسائل الإعلام الإيرانية عن مهاجمة ما اسمته بمحاولة السعودية شرعنة احتلالها للبحرين من خلال ما سمي باتحاد بين أكبر دول الخليج وأصغرها..على الجانب الآخر فإن مصادر سياسية خليجية مطلعة تحدثت ل«الأهرام العربي» قائلة:إن البحرين قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تفكر جديا في مثل هذا الاتحاد، متسائلة عما يمكن أن تجنيه قطر أو الإمارات أو الكويت على سبيل المثال من اتحاد خليجي؟ وأكدت المصادر أن قطر في ذروة شعبيتها الدولية في الوقت الحالي وهي أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي، ولا يبدو أن التخلي عن أية سلطات سيفيد الدوحة بأي شكل من الأشكال. إن الكويت منشغلة بمشاكلها مع وجود هذا البرلمان المشاكس- ومازال الحديث للمصادر ذاتها- دائما فيما الشيء الوحيد الأكيد بالنسبة لوجود الكويت في هذا الاتحاد بين دول مجلس التعاون هو أنه سيعقد ويفاقم من مشاكلها البرلمانية المستعصية. ولفتت النظر إلى أن العديد من الشيعة البحرينيين عبروا عن امتعاضهم من الاتحاد السعودي- البحريني، قائلين على مواقعهم الإلكترونية: إن القصد منه هو تغيير تركيبتها السكانية وإعطاء مبرر لوجود القوات السعودية فيها والتغطية على كل تجاوزاتها. وقالت إنها وحدة ملفقة لن تكتب لها الحياة لأنها لا تعبر عن إرادة الشعبين البحريني والسعودى، وأن الشعب البحريني هو من يقرر مصيره عبر استفتاء شعبي وأن الحل الأفضل لخلاص البحرين هو إشراك الشعب في الحكم. على أن الأمر ذاته كان حديث العديد من الدوائر الإعلامية السعودية التى شاركت وجهة النظر المعارضة: وكان على رأسهم المحلل السعودي عبدالعزيز الخميس الذي وصف الخطوة بأنها تدخل جراحى استدعته الحاجة الطارئة، ولن تكسب منه السعودية سوى أن تشرعن ما يسمى بالبحرين الكبرى، حيث يعمل الانفصاليون في المنطقة الشرقية والبحرين على صياغة هذا المشروع، مؤكدا أن هذا الاتحاد تشريع سياسي للحلم بانفصال المنطقة الشرقية في السعودية وانضمامها للبحرين لتشكل دولة البحرين الكبرى. وقال الخميس: إنه تحالف شيوخ وليس وحدة شعوب، وإنه فيما قال المحلل السياسي السعودي محمد العسكر إن العلاقات السعودية - البحرينية هي الأقرب بين دول المجلس الست لأنها ترتكز على الهواجس الأمنية التي بموجبها تتداخل هموم الطرفين تجاه عدم التراخي مع أي إصلاحات قد تفسر على أنها تنازلات لقوى المعارضة الوطنية ذات الدلالة الطائفية في غالبيتها. وأضاف أن الرياض بدأت في بناء تقارب إستراتيجي منذ السبعينيات الميلادية وصل إلى حد التنسيق الدقيق في مجالات حيوية منها النفط السعودي الذي يسير عجلة المصافي البحرينية عبر تنازلات عن الحقول المنتجة المشتركة وإنشاء الجسر الذي يربط بين البلدين والمزمع إقامة سكة حديدية عليه تتخطى النقل والمواصلات، وكذلك دعم المؤسسات البنكية والإعلامية في المنامة. على أى حال يبدو الأمر في التحليل النهائي معبرا عن مخاوف عديده تحيط بهذه الخطوة وهي مخاوف مشروعة تنطلق من طبيعة المجتمعات الخليجية التى تخشي من انعكاسات الخطوة على حق أي دولة في اتخاذ ما تراه أصلح لمواطنيها أو التدخل في قرارات الدول الأعضاء وشأنها السياسي الداخلي. وتبدو قضية الحريات الاجتماعية والسياسيه واحدة من أهم المخاوف التى تثير الاهتمام والتساؤلات عديدة ربما يكون أهمها ما طرحه البعض من أسئلة عما إذا كان الاتحاد الخليجي المقترح يعني أن تلغي الكويت نظامها البرلماني ومفهوم المشاركة السياسية عبر الانتخاب لإرضاء السعودية أو الإمارات أو عمان. وأيضا ما إذا كانت البحرين أو دبي ملزمة بتطبيق أنظمة الكويت أو السعودية في تقييد الحريات الاجتماعية فتمنع دور السينما أو السياحة أو الخدمة الفندقية، أو إذا كان يعني ذلك منع المرأة القطرية من قيادة السيارة انسجاما مع الأنظمة السعودية. وما إذا كان يفرض عليها نمط تعليم واحدا أو يساوي بين صحافة السعودية الأكثر حرية نسبيا، مقارنة بصحافة قطر ولا مع تقييد حرية الإعلام في الكويت لتكون مثل بقية الدول الخليجية التي هي أقل سقفا وحرية. « لا نريد أن تنتقل أمراض الكويت السياسية من تحزبات قبلية وطائفية إلى بقية دول الخليج ولا نريد اتحادا ينقل النزاعات الطائفية في البحرين إلى الدول الخمس الأخرى». ...هذه العبارة كانت على لسان المصدر السياسي السابق وهي لا شك تعبر عن الكثير من المخاوف وتطرحها على المشتغلين في مشروع الاتحاد الخليجي. على أن دوائر مجلس التعاون الخليجي تؤكد أن الاتحاد لا يقيد أي دولة أو يلزمها بقوانين الأخرى, فالبحرين ستحافظ على شخصيتها الاجتماعية والكويت على تاريخها ومكاسبها السياسية وسلطنة عمان على نظامها ومناهجها التعليمية والإمارات بصيغتها الاتحادية. وربما يكون الاتحاد هو الخيار الأفضل للدول الخليجية الخمس، أما السعودية صاحبه المشروع فهي أقل انتفاعا. وقد تبنت دول الخليج مشروع إنشاء هيئة عليا لتنسيق قرارات الدول الست تسير وفقها القرارات أو المقترحات الخليجية كجهة مراقبة أو جهة تنفيذية تهتم وتتولى متابعة تنسيق القرارات وتوحيد الرؤية الخليجية الموحدة. ويشير مسار اجتماعات القمة التشاورية الأخيرة في الرياض إلى أن هناك خطوات جادة وفعلية في هذا الاتحاد فيما تسرب من معلومات عن احتمال النظر في مقترح يقضي ويتطلب تحويل الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى مفوضية تعمل على تنسيق المواقف الخليجية الموحدة من جانب وتتولى أدوار الأمانة العامة ولكن بشكلٍ أوسع.هناك توقعات وترقب للإعلان عن تحويل الأمانة لمفوضية شريطة تأسيس خمس هيئات تعمل في إطارها المفوضية لمواصلة التكامل الخليجي المنشود والمأمول به. ويشترط تحويل الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، ضرورة وجود هيئات للشئون السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية والقانونية لتشكل منظومة تبدأ من حيث انتهت إليه الأمانة في إدارتها للشأن الخليجي من الناحية الفنية. ويأتي قرار التحويل بناء على مقترح تقدمت به شخصية خليجية للأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، وتمت دراسته ضمن عدة مقترحات تقدم بها بعض السياسيين الخليجيين وذلك في أعقاب دعوة العاهل السعودي لدول مجلس التعاون للانتقال من مرحلة التعاون لمرحلة الاتحاد. وسيضمن التحويل إيجاد خطوات تنفيذية ربما تعطي الشأن الخليجي وقعا أكبر من حيث التعامل مع قضايا المنطقة العربية والشرق الأوسط لتكون تلك الخطوات مكملة لموقفٍ خليجي موحد يعتمد بالدرجة الأولى على وحدة الرأي الخليجي من جانب ولتحقيق تكامل بين دول المجلس يتوقع أن يكون له الوقع الأكبر والأكثر من حيث المواقف الخليجية, وتأثيرها في القضايا العالقة في المنطقة من جانب آخر. إن مفوضية تضمن وجود نواة خليجية مؤسسة في الأساس منذ أكثر من ثلاثين عاماً سيُعطي وقعا أكبر بشكل مؤكد للمواقف الخليجية الموحدة التي تراعي بالدرجة الأولى مصالح دول المجلس من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في ذات الوقت. وهناك ضرورة وجود سعي سياسي حثيث من قبل جميع دول المجلس لإدراك مقتضيات المرحلة الزمنية الحالية التي تستدعي أكثر من غيرها وجود موقف خليجي لا يقبل التنازلات بأي شكلٍ كان ليعطي في نهاية المطاف الموقف الخليجي وقعا أكبر وتأثيراً تقتضيه المرحلة الحالية في ظل ما تعيشه المنطقة من اضطرابات.