مهدى مصطفى تركنى الشيخ مصطفى وحيدا. تحيا الجمهورية العربية المتحدة ثلاث مرات، يعيش الرئيس جمال عبد الناصر ثلاث مرات أخرى، كان العجوز يعود إلى البيت، يتخذ مكانه المعتاد على الأريكة العتيقة. أمرنا كبير المتأنقين بعصا طويلة بالمشى فى صفوف منتظمة. النحيف المخيف يقودنا إلى غرف واسعة عالية الجدران ذات أبواب عملاقة، على الجدران صور وخرائط ملونة، بها مقاعد مرصوصة بانتظام، أمام المقاعد توجد ألواح خشبية تقف على أرجل نحيفة، لها أدراج، كان مشهدا مثيرا. الأستاذ ذو الهيبة البالغة يطالبنا بالجلوس، ثم بصوت صارم: قيام، جلوس، نيام، كنا ننصاع دون حركة إلا واحد أثار جلبة هائلة، لم نتبين من هو، فقد كنا جميعا نياما ندفن رءوسنا بين أذرعنا على الألواح الخشبية. سمعنا صوتا مخيفا يطالب صاحب الجلبة بالخروج إلى السبورة، سمعنا صوت أقدام تهرول سريعا حيث السبورة التى لم نكن نعرف ما هى؟ عم الصمت الرهيب، علت الأنفاس الملتاعة، صوت لطمة قوية على الوجه، أعقبها صرخة: ما اسمك يا حمار. ضج الأطفال ضاحكين وهم على هيئة دفن الرءوس، وجدها الواقف على رأس الملطوم فرصة لنرى حتى نرتدع عن إثارة الشغب، فقال:جلووووس! رفع الجميع أعينهم إلا أنا، ذهب خيالى إلى حيث يتخذ العجوز مصطفى مكانه على الأريكة، سافرت إلى خارج الجدران، أصابنى خوف من ألا يأتى الشيخ مصطفى، طار بى الخيال إلى حكاية الذئب المحفورة بذاكرتى. كنت فى العام الأول، أخذنى أبى إلى الأرض المزروعة بالقطن، أقام لى خيمة بجوار الساقية على رأس الأرض، ترك بين يدى قطعا من الحلوى، ذهب هو ومن معه، بالكاد كنت أعى ما يدور، سمعت صوته: كن رجلا لا تخف ..لا تبك.. سوف أأتى لك بحلوى أخرى. كل ما أراه: شجرة، ساقية، مياه جارية، ألوان خضراء ممتدة، أضواء حمراء من قرص كبير، شعرت بالخوف. رأيت شبحا واقفا على رأسى، له قرصان صغيران أحمران فى رأسه، ارتجفت، بكائى يعلو دون توقف، لا أدرى كم مر من الزمن حتى سمعت صوتا هائلا يشق الفضاء: ذئب عند الولد.. أصوات صرخات وأقدام تهرول، فرقعة هائلة، بندقية أبى صرعت الذئب بطلقة واحدة بين عينيه، كان عجوزا، يقال إن الذئاب لا تظهر فى النهار، إلا إذا كانت طاعنة فى السن، غير قادرة على الصيد فى ظلام الليالى كالذئاب الصغيرة! هذا الذئب، طاعن السن كان حظى، حين عرفت تفسير الكلام حكيت لهم، كانوا فاغرى الأفواه لا يصدقون لولا أنهم كانوا شهودا منقذين. كنت غارقا فى حكاية الذئب، لولا لطمة قوية أيقظتنى على صيحات استهجان وضحكات ساخرة من نائم، سيجد نفسه مصطفا مع صاحب الجلبة، رافع الذراعين فى مواجهة الحائط!