وفاء فراج الهندسة الوراثية كما كانت سببا فى ثروة علمية هائلة واستفاد منها ملايين البشر، فإنها أيضا تمثل خطرا كبيرا على حياة الإنسان، خصوصا مع استخدامها غير المسئول مع المنتجات الزراعية والغذائية بهدف الربح أو النصر العلمي، دون النظر إلى المخاطر التى يتعرض لها الإنسان وبيئته، كما أنها سبب لتلوث التراث الجينى لكل بيئة مما ينذر بضياعها، ودائما ما يقع العالم فى إشكالية دائمة وتناقض ما بين اتفاقيات التجارة وبين اتفاقيات البيئة وهى إشكالية مستمرة وليس لها حل، من هنا ظهر مفهوم "السلامة الإحيائية" الذى أطلقه العالم بعد بروتوكول «قرطاجنة» عام 2000 والذى وقعت عليه 190 دولة من بينهما مصر لكى يضعوا قيودا على تصدير أو استيراد المنتجات المحورة وراثيا، وعلى الرغم من أهمية هذا القانون للحفاظ على البشرية فإن مصر منذ توقيعها على الاتفاقية عام 2003، بالإضافة إلى أن قانون السلامة الإحيائية جاهز من وقتها وتم تقديمه إلى متخذى القرار، لكن إلى يومنا هذا لم يتم إقرار القانون، ذلك الأمر الذى يشوبه الغموض والتساؤل لكل الجهات المعنية التى وضعت مشروع القانون وتنتظر منذ 11 عاما إقراره دون جدوى أو مبرر واضح لعدم الإقرار، هنا يطرح السؤال نفسه: ما السر وراء عدم خروج قانون السلامة الإحيائية للنور ولمصلحة من لم يتم إقراره حتى الآن؟ وخلال السطور التالية نتعرف أكثر على هذا القانون وهدف المشروع ونحاول الرد على ذلك التساؤل. أكد الدكتور مصطفى فودة المنسق الوطنى لمشروع السلامة الإحيائية، أن الموضوع خطير ومهم ويجب الإسراع بإقرار القانون، قائلا: إننا اكتشفنا خلال عملنا على ذلك المشروع منذ 11 عاما مشاكل مصر البيئية الحقيقية، وقد حاربنا طويلا من أجل ذلك القانون وإقراره منذ عام 2003، وقد بدأ العالم فى التحدث عن وضع ضوابط حاكمة لمنتجات الهندسة الوراثية بداية من توقيع اتفاقية التنوع البيولجى فى التسعينيات، حيث نصت الاتفاقية الدولية على ضرورة إعداد بروتوكول للسلامة الحيوية للمنتجات الهندسية الوراثية، بناء عليه تم عمل بروتوكول قرطاجنة للسلامة الإحيائية عام 2000 . وأشار إلى أن مصر قد وقعت على الاتفاقية برغم عدم وجود قانون يحمى المواطن من أخطار المنتجات المهندسة وراثيا، أو لتفعيل دور الاتفاقية لحماية السلامة الحيوية للمجتمع، وكان عدد الدول التى وقعت 190 دولة ضمنهما مصر، لكن عدد الدول التى أصدرت بالفعل قوانين بهذا الشأن هى 94 دولة، مصر ليست من ضمنهم، وأوضح فودة أن ضوابط تداول المنتجات المهندسة التى وضعها برتوكول قرطاجنة هى أن الكائنات المهندسة وراثيا حالة خاصة تستدعى تشريعا دوليا خصوصا لدى النقل عبر الحدود، كما أن مجال تطبيق البروتوكول شامل لجميع الكائنات المهندسة وراثيا، ونص البروتوكول على إلزام حصول الدول المصدرة على الموافقة المسبقة بعلم من الدول المستوردة فى كل شحنة قبل الشحن. لذا طالب باحتياج الوطن إلى زيادة الوعى المجتمعى والشعبى حول معرفة أخطار وإيجابيات السلامة الإحيائية والهندسة الوراثية، لكى يعرف كل مواطن حقوقه، خصوصا إذا علمنا أن هناك حوالى ٪15 من المنتجات اكتشفت الجهات الرقابية فى مصر أنها مستخدم فيها الهندسة الوراثية ومخالفة للقانون، وتم إيقافها ومعاقبة مستورديها، موضحا للمواطن أن أى منتج يحمل علامة «GMO» يعنى أنه محور وراثيا وهى علامة موجودة على عدد من المنتجات فى الأسواق. أما الدكتور عادل عبد الله مدير مشروع السلامة الإحيائية يقول: إن الهدف الأساسى للمشروع هو أن تمتلك مصر بحلول عام 2015 مشروعا وطنيا فعالا وشفافا للسلامة الإحيائية بالتوازى مع أولوياتها التنموية والتزامتها الدولية، والمشروع تابع لمرفق البيئة العالمية وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة، وهو مشروع قديم جديد، وقد أكد نجاحا فى كل فعالياته ومشكلته الوحيدة هى عدم إصدار القانون المنظم له، قائلا: إننا قد حددنا من قبل كل المجالات التى يمكن أن يدخل فيها الهندسة الوراثية وأيضا المنتجات والتى فيها خطورة على الإنسان، بالإضافة إلى أننا نسجل كل جديد يظهر فى التحور الوراثي، ومن أهم المحاصيل الزراعية والمنتجات التى يستخدم فيها الهندسة الوراثية منها الذرة، وفول الصويا، والزيوت المستوردة، لذلك نحذر من دخولها إلى مصر، ذاكرا أنه بسبب عدم وجود قانون حتى الآن هناك العديد من المنتجات المحورة تم إدخالها فى وقت الانفلات الأمنى إلى مصر، وقد تم إعدام معظمها مثلما حدث من قبل محافظ المنوفية منذ فترة بقرار جرىء منه. وأشار عبدالله إلى أن مشروع السلامة الإحيائية هناك 9 وزارات معنية لتنفيذ القانون التابع لها وهى البيئة، الصحة، الصناعة والتجارة، الزراعة، التعاون الدولي، المالية، البحث العلمى والتكنولوجيا، الخارجية ومصلحة الجمارك، ومن خلال تلك الجهات سيتم إنشاء لجنة وطنية للسلامة الإحيائية ليوجد مندوب لكل جهة من هؤلاء بداخلها، ليباشر مهام عمله وسيكون المسئول عن هذه اللجنة وزارة البيئة. وأكد عبد الله أن الأمر يظهر أنه صعب أمام العموم، لكن الموضوع بسيط وليس معقدا اكتشافه واحتواءه لأننا إذا سرنا على القانون بعد تفعيله سنكون قمنا بخطوات محددة ومتتالية، من خلال الموافقات المسبقة من قبل الدول التى ستصدر أى منتج محور إلى مصر وهناك عدة تأكيدات واختبارات من الدولة قبل دخول المنتج، بالإضافة أن مشروع القانون ينص على: فى حالة أن الشحنة أو المنتج المحور غير مطابق للمواصفات أو دخل عن طريق التهريب، فيتم إعدامه وتغريم المصدر والمورد غرامات بداية من 50 ألفا وتصل إلى مليون جنيه، وأحيانا سجنه، بالإضافة أننا نجبر المخالف على إعادة الوضع لأصله وهو أمر فى غاية الصعوبة والتكلفة، وبالفعل كل الجهات تم تدريبها على معرفة المنتج المحور وكيفية التعامل معه، بداية من موظف الجمارك إلى الإدارى والمعملى وغيرهم وليس لهم صلاحية، إذن فإن منظومة العمل تقريبا جاهزة والجميع فى انتظار إقرار القانون للعمل الفعلي. كما أضاف أن القانون تعثر كثيرا جدا ولا نعرف أسباب التعثر، خصوصا أنه تمت مناقشته مع جميع الوزارات والجهات المعنية، وكان إما يؤجل لأسباب ومبررات مبهمة لمصالح ناس معينة، أو يؤجل بسبب الظروف الأمنية للبلد من اضطرابات، ولقد جلسنا مع متخذى القرار لشرح أهمية الموضوع وناقشنا كثيرا من الجهات الرافضة لبعض المواد أو التى لديها ملاحظات على مشروع القانون حتى تمت الموافقة عليه بالإجماع من الجميع، وبرغم ذلك لم يصدر حتى الآن القانون الذى فيه أهمية كبرى للمواطن والمجتمع المصري، وهناك غموض غير مبرر ولقد انتهى القانون وسلمناه لرئيس الوزراء لإقراره والبت فيه، وننتظر شيئين: إما أن يتم إقراره من قبل الرئيس بمرسوم بقانون أو ينتظر مجلس الشعب المقبل، لكننا نتمنى التصرف الأسرع. ومن ناحيته يؤكد الدكتور أسامة الطيب أستاذ بكلية صيدلية بجامعة القاهرة أن الهندسة البشرية نعمة على البشر وأكثر فوائدها علاج الأنسولين، وقد بدأت الهندسة الوراثية فى العالم منذ السبعينيات وأول إنتاج لها كان فى الثمانينيات، ولكن تحتاج إلى ضوابط وقوانين تحكم استخدامها وتقننه بما بفيد البشرية، وليس بما يفيد أصحاب رءوس المال، وهناك اتفافيات تتم فى الدول المحترمة تسمى اتفاقية المسئولية والجبر التعويضى عن أضرار الهندسة الوراثية، ولكن فى مصر ودول كثيرة رفضت شركات التأمين والبنوك التوقيع وتطبيق تلك الاتفاقية، لأنها ستتسبب فى خسارة فادحة للبنوك، مشيرا إلى أن هناك صلة وطيدة بين الأمن القومى و السلامة الإحيائية، خصوصا إن كانت استقلالية القرار أمنا قوميا، موضحا أن كان متخذو القرار لا يستطيعون إقرار قانون من شأنه حماية مجتمع سواء بسبب إملاءات خارجية أو مصالح داخلية فهذا يعنى عدم استقلال للقرار، فإن هذا من وجهة نظرى ضد الأمن القومي، مضيفا أن السلامة الإحيائية قضية تداخل مع مصالح رجال التجارة العالمية، لأنها مافيا لا تحترم حدود الدول إلا بالقوة لحماية حدودها الواقعية والإنشائية. وأضاف الطيب أن ما يقرب من 190 دولة وقعت وصدقت على بروتوكول قرطاجنة وأغلبها طبق القانون الخاص بالسلامة الإحيائية إقليميا، ولكن فى حقيقة الأمر أن بعض الدول يتم الضغط عليها من قبل دول أخرى أكبر لعدم تطبيق هذا البروتوكول حتى تجد لتجارتها ومشاريعها وأبحاثها مكانا للتسويق بعيدا عن بيئتها نفسها. مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبى عندما وقع الاتفاقية كان قد جهز القوانين واللجان الوطنية أنشئت فى نفس الوقت لتفعيل البروتوكول، بالإضافة أن مصر لم تتأخر فقط فى إصدار قانون الهندسة الوراثية وتفعيل للسلامة الإحيائية أمام الدول المتقدمة بل حتى أمام نظيراتها من الدول العربية، خصوصا أنه قد سبقتنا فى ذلك كل من السعودية والإمارات والمغرب وسوريا واليمن، وغيرهم قد أصدرت القوانين الوطنية لديها وفعلت بروتوكول قرطاجنة. واستكمل الطيب كلامه قائلا: إن تضارب المصالح وتدخل عناصر من خارج الوطن من خلال الشركات متعددة الجنسية التى تصدر مثل تلك المنتجات إلى مصر هما السبب الرئيسى فى تعطيل القانون ويجدون من يساعدونهم داخل أجهزة الدولة المختلفة فى تعطيل وتجميد المشروع من خلال البيروقراطية والنسيان واختلاق الأعذار والمبررات لإعادة مراجعة مادة هنا أو هناك فى القانون، خصوصا أن القانون إذا صدر سيفيد فى تقنين طرق تداول المنتجات المحورة وراثيا فى التصدير والاستيراد ونشره فى المجتمع المصري، كما أن هذا القانون سيحافظ على الموروث الجينى المصرى والبيئى من عدم تلوث ذلك الموروث بعناصر غير معلومة من الخارج مما ينذر بضياعه، موضحا أن هذا القانون قد أخذ مجهودا كبيرا جدا فى دراسته من كل العناصر والجهات، مما أدى إلى خروجنا بقانون جيد جدا، فهو حالة فريدة أن القانون يأخذ وقتا طويلا ليحظى على موافقة كل الأطراف ثم لا يصدر، تضارب مصالح أكثرها لا صلة له بمتخذى القرار. ماذا تعنى السلامة الإحيائية؟ مفهوم السلامة الإحيائية: هو منع العدوى أو الضرر للعاملين والبيئة الداخلية فى المعامل البحثية وحماية البيئة على اتساعها من الإطلاق المعتمد أو غير المقصود لكائنات مهندسة وراثيا، أو مكوناتها فى المعامل البحثية أو حقول التجارب المعزولة بشكل أو بآخر وما إليها أو فى البيئة المقترحة بما فى ذلك أوراق التداول.