رشا عامر منذ عدة أشهر تم تعزيز حماية ضريح سليمان شاه وعهد به إلى قوات النخبة. ولكن رغم كون هؤلاء الجنود الأتراك من أفضل الجنود، فإنه لا يمكن استبعاد أن يكونوا قد استطاعوا الإفلات من أعضاء داعش الموجودين فى العراق ولبنان. ومنذ يوم الخميس 2 أكتوبر بعد موافقة البرلمان التركى على التدخل فى سورياوالعراق ضد تنظيم داعش، كان الهاجس الأول لدى الأتراك فور وقوع أول هجمة لتركيا، هو عدم استبعاد الانتقام من داعش، فالضريح العثمانى من الممكن أن يكون هدفا رئيسيا لهؤلاء المتطرفين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم جنود الخلافة. وقد قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أكثر من مرة، إن الهجوم على الضريح سيتم اعتباره هجوما على تركيا نفسها. فالدفاع عن هذا المكان المقدس هو بمثابة تربيت على النسيج القومى للرأى العام التركى الذى كان فى غاية التردد من فكرة التدخل العسكرى فى سوريا. من هنا تطرح العملية التى قامت بها تركيا فى الأراضى السورية بهدف نقل رفات سليمان شاه، جد مؤسس الدولة العثمانية من موقعه الحالى إلى موقع آخر داخل الأراضى السورية، أيضا تطرح سؤالا غاية فى الأهمية، وهو هل يمكن لتركيا إطلاق عملية عسكرية فى جزء من الأراضى السورية التى تسيطر عليها داعش دون الدخول فى معركة معها؟ الإجابة هى نعم والدليل ما حدث بداية الأسبوع الماضي. فلقد أجرى الجيش التركى عملية توغل عسكرى لمسافة 37 كم داخل الأراضى السورية لنقل رفات سليمان شاه من ضريحه، ونقل الجنود الذين يحرسون هذا الضريح إلى مكان آخر، وإذا كانت السهولة التى تمت بها العملية - رغم اعتبارها انتهاكا صارخا لسيادة دولة أخرى - تبدو سهلة فإن تنفيذها فى ظل وجود فوضوى مسيطرة على هذه المنطقة، ودون الدخول فى معركة واحدة مع تنظيم إرهابى يسيطر على هذا المكان.. فهنا تقع التساؤلات: هل كان هناك تنسيق بين أركان الجيش التركى وبين أعضاء داعش؟ هل يؤكد ذلك ما تداولته الشائعات بوجود تحالف مفترض بين الطرفين، وهذا يبرر بشكل منطقى عدم الاعتداء؟ مجلة «لوريون لوجور» الفرنسية، استعرضت رأى المحلل رومان كاييه، المتخصص فى شئون الحركات الجهادية، والذى أكد وضوح الفرضية الأخيرة، حيث يقول: إن هناك فى الواقع اتصالات بين الأتراك وداعش، وهذا الاتفاق لا يدخل فى إطار التحالف وإنما يقتصر فقط على مجرد اتفاق بعدم الاعتداء . فكلا الطرفين ليست له مصلحة فى مهاجمة الآخر . فتركيا تستطيع منع المقاتلين الأجانب من الانضمام إلى صفوف داعش، وذلك عن طريق إغلاق حدودها. وعلى العكس يمكن لمقاتلى داعش ارتكاب هجمات إرهابية على الأراضى التركية ما سيتسبب فى انهيار السياحة. بالإضافة إلى أن المافيا التركية هى الوسيط المتميز لداعش فى عمليات إعادة بيع النفط وتهريبه. وعلى الرغم من ترابط المصالح الواضح بين الطرفين فإن تركيا لا تلعب لعبة مزدوجة، فهى تعتبر داعش منظمة إرهابية، على حد تعبير "كاييه". فالأخطر من داعش هو حزب العمال الكردستانى، فالوضع يعكس ميزان القوى بين هذه الكيانات فى هذه المنطقة. ويشير كاييه إلى أن الجيش التركى كان قد قام من قبل بعملية مماثلة لعملية ضريح سليمان شاه إلا أن الإعلام لم يسلط عليها الضوء. ولعل اتفاق عدم الاعتداء يفسر عدم وجود قتال إبان العملية، ومع ذلك فإنه لا يفسر لماذا احتاجت تركيا ل527 من الجنود و40 دبابة لمجرد نقل رفات 38 جنديا لا أكثر ولا أقل؟ هل يمكن رؤية هذا المشهد غير المتناسب نهائيا بل والسيئ أيضا على أنه نوع من استعراض العضلات أمام النظام السورى، خصوصا أنها اتفقت على هذه العملية مع الائتلاف الوطنى السورى "الجيش الحر"؟ هل هى إشارة جديدة على أن الأمور ستسير سريعا، خصوصا عقب الاتفاق مع الولاياتالمتحدة لتدريب المعارضة السورية؟ يبدو أن أنقرة كانت تريد أن ترسل ثلاث رسائل. الأولى للنظام السورى، والثانية للمقاتلين الأكراد والثالثة للتحالف الدولى. فهذا التّحالف لم يكن راضيا عن أداء تركيا، وكان قد وصفها عدة مرات بانتهاج السلبيّة خصوصا إزاء المعارك فى كوبانى". كما أن تركيا أصبحت اليوم مرتبكة بسبب تزايد النّفوذ الإيرانى والدّعم اللا محدود الذى توفّره إيران لنظام الأسد، ووجود المقاتلين الإيرانيّين وعناصر حزب الله. من هنا فقد أرادت تركيا أن تقول لهذه القوى الشّيعيّة إنها موجودة وجاهزة، ويجب عدم تجاهلها وأنه يمكنها الاعتماد على قوتها العسكرية إذا لزم الأمر لفرض أجندة سياسية خاصة بها، وأنه لن يكون من السهل إقناعها بالعدول عن رأيها كما أرادت أيضا أن تفنّد الاتهامات الموجّهة لها بالتّعامل مع تنظيم داعش. من جانب آخر استطاعت فعليا الإعلان الرسمى عن سيطرة الجيش التركى على بلدة «أشمة» السورية لنقل رفات سليمان شاه إليها، وتشييد ضريح جديد له فيها واستخدام رفاة هذا الجد كمسمار جحا لمنازعة السوريين على السيادة على بعض المناطق الأخرى.