أحمد سعد الدين على مدار أكثر من خمسين عاماً، طالب المخرجون والكتاب والنقاد بإلغاء الرقابة على المصنفات الفنية، لما يمثله كسيف مصلت فوق رءوس المبدعين، والذى يحد بالتالى من عملية الإبداع، فهناك إيمان بأن المبدع حر فى طرح فكرته بالطريقة التى يرتأيها دون أى تدخلات من قبل الرقابة، لكن الحال تبدلت بعض الشىء بعدما صرح رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، الدكتور عبد الستار فتحى، أنه بداية من شهر إبريل المقبل سوف يتم تطبيق التصنيف العمرى فى دخول صالات العرض السينمائى، والذى يتيح قدر كبيرا من الحرية فى عرض الأعمال السينمائية صاحبة الأفكار الجرئية، عن جدوى التصنيف العمرى وهل سيتم تطبيقه بالفعل أم لا وهل هذا القرار سوف يعيد الجمهور إلى صالات السينما الإجابة فى التحقيق التالى؟ فى البداية التقينا الدكتور عبدالستار فتحى، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية الذى قال لابد من توضيح شىء مهم، وهو أن الرقابة مستمرة فى عملها فى مشاهدة الأفلام وإبداء رأيها فى حذف أى مشهد خارج عن المألوف، وهذا يرد على من قال إن الأفلام سوف تعرض دون المرور على الرقابة، وهذا غير صحيح بالمرة، فالعمل الرقابى كما هو، وعن نفسى أعرف تماماً أن لفظ "رقابة" هو لفظ مكروه من كل المبدعين على اختلاف ميولهم، لكن علينا أن ننظر بعين الاعتبار للفترة التى نعيشها حالياً وحالة الاحتقان الموجودة فى الشارع، والتى من الممكن أن تضع المبدع وجهاً لوجه فى مواجهة الجمهور، فلو قدم المبدع فكرة جريئة ليست على هوى رجل الشارع من الممكن أن يشتبكوا، وهو ما يدفع بعض الناس للهجوم على دور العرض، لذلك فوجود الرقابة شيء مهم لحماية الطرفين، ونحن لم نخترع العجلة وإنما فقط نوجهها فى الطريق الصحيح، وهو جعلنا نفكر فى آلية التصنيف العمرى لمشاهدة الأفلام ونقوم حاليا بعمل تهيئة للجو العام، حتى نجد آلية تضمن التزام أصحاب دور العرض والجمهور بهذا التصنيف الموجود فى العالم كله، وكل متفرج يذهب للفيلم الذى يلائم الفئة العمرية الخاصة به،وهو ما سينعكس على مستوى الجمهور الذى سيذهب لصالات العرض . فى المقابل يرى المخرج الكبير مجدى أحمد على، أن الرقابة لا تزال تسير بنفس العقليات القديمة لعدة أسباب أولها أن القائمين على قراءة ومشاهدة الأعمال يتمتعون بعقلية الموظف، بمعنى أن الرقيب نفسه غير مؤهل للحكم على عمل إبداعى يعكس واقعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالى يهتم الرقيب بالوقوف على بعض الأمور التى نرى أنها تافهة لأنها شكلية فى سبيل أن صلب الموضوع بعيد تماماً عن ذلك، فنحن نطالب بإلغاء الرقابة من زمن طويل، لأن المبدع لديه من الحرية ما يستطيع أن يعبر بها عما يدور فى رأسه دون رقيب، أما موضوع التصنيف العمرى الذى يتحاكون عنه فالمسألة يجب أن ننظر لها بعين العقل وليس بالشعارات، بمعنى أنه طالما هناك تصنيف عمرى إذن فعليك أن تعرض الفيلم كاملاً دون حذف، فهل فكرت الرقابة فى ذلك؟ أشك ثانياً طالما هناك تحديد لمن هو أقل من 16 سنة وأقل من 18 وفوق هذه السن فعليك أن تضع الضوابط الحقيقية فى هذا الموضوع، لأن ما جاء على لسان رئيس الرقابة يناقض ما قيل، فمثلاً عند عرض أى فيلم سينمائى سواء مصريا أم أجنبيا للفئة فوق 18 عاماً من المفترض أن تتم مشاهدته كما هو، لكن ما سمعناه أن الرقابة سوف تشاهد الفيلم وتحذف منه بعض المشاهد الجريئة ثم تضعه فى التصنيف العمرى كيف؟ فى هذه الحالة أستطيع أن أقول إن كل ما حدث ويحدث حالياً هو زيادة المساحة التى يتحرك فيها الرقيب والتى أصبحت أكثر مما كانت عليه، بالإضافة إلى أن الأزهر أصبح يعترض على بعض الأفلام كما حدث فى فيلم "نوح" إذن نحن أمام عملية مضاعفة الرقابة وليس إلغاءها . أما الناقدة نعمة الله حسين، فقالت: هناك نقطتان فى غاية الأهمية النقطة، الأولى أن هذا القرار كان يجب أن يتم العمل به منذ خمس سنوات على الأقل، وهو بداية لتقدم الرقابة وتحضرها، فجهاز الرقابة هو الجهة الوحيدة المنوط بها التصريح بتصوير الأفلام وإجازتها، لكن فى نفس الوقت موضوع التصنيف العمرى يرمى الكرة فى ملعب أصحاب السينمات الذين من الممكن أن يمنعوا أو يسمحوا للشباب أقل من 16 سنة بمشاهدة الأفلام التى تحتوى على المشاهد الجريئة، إذن نحن نضع أنفسنا تحت المزاج العام لأصحاب دور العرض الذين يبحثون عن الربح المادى أولا، برغم أنه فى فترة السبعينيات والثمانينيات كان هناك تشديد على منع فئة الشباب أقل من 18 من مشاهدة أفلام الرعب، أما النقطة الثانية فتتمثل فى كلمة الرقابة بمفهومها الشامل، فكلمة رقابة فى حد ذاتها شيء عفا عليه الزمن، فمع التقدم التكنولوجى فى وسائل الإتصال الحديثة لم تعد للرقابة معنى كما كانت من قبل، فأى فيلم أو موضوع يتم منعه نجده فى نفس اللحظة موجودا على الإنترنت، وفى مصر لا توجد أفلام بها مناظر جريئة بالمعنى المتعارف عليه فى الخارج، لأن الشعب المصرى فى أساسه يميل للتدين، لذلك أتحدى أى شخص يقول إن هناك مبدعا مصريا يصنع فيلما جنسيا أو فيلما عن الإلحاد مثلاً. أما الفنان سامح الصريطى، وكيل نقابة المهن التمثيلية، فقال: علينا أن نصارح أنفسنا بعدة حقائق مهمة، وهى أن التصنيف العمرى شىء مهم جداً، لأن قدرة الشباب على استيعاب الأشياء تختلف عن قدرة الأطفال، وبالتالى لا يمكن أن يتعرض الطفل أقل من 12 سنة أو حتى أقل 18 سنة لبعض الأعمال التى تخاطب مرحلة عمرية أخرى، من هذا المنطلق لابد أن نصنف الأعمال التى يدخلها الأطفال والتى من الممكن أن تجعله يفكر بشكل خاطىء تماماً، وفى هذه الحالة تكون فكرة العمل ذهبت فى الاتجاه الخطأ، لكن نحن كشعب مصرى تعودنا أن نصطحب أطفالنا للسينما بصرف النظر عن مضمون الفيلم الذى يعرض، وهذه فى حد ذاتها كارثة يجب أن نصحح هذا المفهوم الخاطىء حتى فى التليفزيون وليس فى السينما فقط، فمن الملاحظ مثلا أن الطفل الذى يشاهد عملا فنيا به عنف يحاول تقليد هذا العمل ويصبح سلوكه عنيفا، وفى رأيى أن هذا التصنيف لن يؤثر بأى شكل من الأشكال على عمل الفنان، لأن الرقابة هنا تكون لاحقة، بمعنى أنها بعد الانتهاء من تصوير العمل والفنان يبحث أولاً وأخيرا عن السيناريو الجيد، سواء كان هذا العمل موجها للأطفال أم للكبار، المهم أنه يوصل رسالة لها مضمون حقيقى.