محمد وطنى العور قرية صغيرة تقع إلى الغرب من مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، وتتبعها إداريا، لا تختلف كثيرا عن مئات القرى الفقيرة التابعة لمحافظة من أفقر محافظات مصر رغم إمكاناتها الهائلة، وشاء القدر أن تتبع القرية واحدا من أكثر مراكز المحافظة تجاهلا رغم أنه من المراكز الأقرب لعاصمتها. العور كمعظم قرى ريف سمالوط التى يطلق عليها سكان المدينة "الغروب"، وهى من القرى الصغيرة الأقرب إلى العزبة منها إلى القرية، ترتبط بالمدينة من خلال قرية السوبى الأكبر مساحة والأكثر سكانا، وتقع القرية الصغيرة وسط مئات الأفدنة الزراعية، ويعمل معظم سكانها بالزراعة، والمئات إن لم يكن الآلاف من أبنائها لا يجدون فرصا للعمل مما يدفعهم إلى ترك القرية والبحث عن لقمة عيش خارجها، وربما خارج البلاد، حتى وإن كانت فى بلد مزقت الحرب الأهلية أوصاله مثل ليبيا. تشى شوارع القرية الضيقة وغير الممهدة، ومنازلها المتراصة والمبنى معظمها بقوالب الحجر الجيرى الذى يسميه الأهالى "البلوكات" بمستوى معيشة سكانها، الذى لم يتغير ربما لعشرات السنين، ونسبة كبيرة من أبناء القرية من المسيحيين، لذا تحتل كنيسة القرية موقعا مميزا، وتعتبر المبنى الأكثر ثراء فى القرية. إذا امتلكت سيارتك الخاصة فستعانى نسبيا إذا أردت التوجه من مدينة سمالوط إلى "العور" أما إذا أردت الذهاب بالمواصلات العامة كمعظم أبناء القرية فالوسيلة الوحيدة المتاحة هى السيارات "ربع النقل" المخصصة أساسا لنقل البضائع، عليك أن تذهب إلى "الموقف" الخاص بالقرية فى مدينة سمالوط، ثم انتظار السيارة حتى تستوعب أكبر عدد ممكن من الركاب، ومعظمهم من البسطاء الذين تضطرهم ظروف المعيشة للذهاب إلى المدينة للعمل أو الدراسة أو الحصول على متطلباتهم اليومية التى تعجز "دكاكين" القرية الصغيرة عن توفيرها.. مع امتلاء السيارة، وبدأ التحرك فى الطريق إلى القرية، لابد أن توازن جلستك، فمطبات الطريق غير مأمونة العواقب، ومع خروج السيارة من سمالوط وسيرها فى طريق "المحيط" والذى يعرف بهذا الاسم نسبة إلى المصرف الزراعى الذى يسير بمحاذاته، ويحمل نفس الاسم، وبمجرك مرور السيارة على الكوبرى المتهالك على المصرف تدهشك روعة الطبيعة حولك، واللون الأخضر الذى يصافح عينيك طول الوقت، والهدوء الذى يغلف المكان، إذ تستمر السيارة على هذا الطريق لفترة قصيرة قبل أن تصل قرية السوبي، ومن ثم تتوجه إلى العور. بمجرد أن تهبط من السيارة تحس أن هناك فارقا زمنيا كبيرا بين مدينة كالمنيا أو حتى سمالوط، وبين العور، القرية متشحة بالحزن لفاجعة أبنائها، منازلها بسيطة ورقيقة الحال، معظم شوارعها ضيقة وغير معبدة، وبعضها لا يتسع لمرور السيارات، الأطفال يمرحون هنا وهناك ربما منتشون بالحركة المحمومة التى تشهدها قريتهم أخيرا بعد نشر الفيديو المشئوم، غير مدركين ربما لحالة الحزن الشديد التى يحس بها أهاليهم، رغم أن نحيب وصياح النساء لا ينقطع تقريبا. هناك غضب مكتوم، وحزن كبير فى أعين رجال القرية ربما ليس سببه الوحيد رحيل أبنائهم بهذه الصورة البشعة، وإنما ربما يرجع - فى جزء منه على الأقل - إلى إحساسهم بالعجز عن الثأر لأبنائهم الذين ذبحوا بدم بارد، وهو ما يمكن أن يفسر تقديرهم الكبير لسرعة وقوة الرد المصرى على جريمة "داعش". كغيرها من الحوادث المفجعة ستطوى الأيام ذكرى مأساة أهالى العور، كما طوت الأيام مأساة أهالى سمالوط إثر غرق نحو 30 من أبنائها فى حادثة سقوط سيارة من "معدية" على النيل فى أكتوبر الماضى، والذى تكرر عدة مرات من قبل كما تكرر بعد ذلك، ولم يحرك أحد ساكنا، وستبقى الذكرى الأليمة فى قلوب أهالى الضحايا، وستظل القرية الصغيرة، تابعة للمركز المنسى التابع بدوره للمحافظة الفقيرة.