إبراهيم العشماوى هل انقلب السحر على الساحر فى اليمن بعد استكمال جماعة الحوثيين سيطرتهم على كامل المشهد السياسى بإعلان دستورى لم تعترف به دولة واحدة فى العالم، وترفضه القوى السياسية والحزبية؟ فى 6 فبراير الجارى اتخذ الحوثيون إجراءات، قالوا إنها لمعالجة الفراغ فى السلطة شملت إعلانا دستوريا وترتيبات لمجلس رئاسى ومجلس وطنى من 551 عضوا وحكومة جديدة، فى الوقت الذى لا يزال الرئيس عبد ربه منصور هادى، ورئيس وزرائه خالد بحاح رهن الإقامة الجبرية فى صنعاء، وعلى الرغم من تزايد الاحتجاجات الشعبية والحزبية ضد هذا الإجراء الذى ينظر إليه قطاع واسع من اليمنيين على أنه انقلاب مكتمل الأركان، فإن عبدالملك الحوثى زعيم أنصار الله الحوثيين يبدو ماضيا بثقة فى تثبيت أركان حكمه الذى يعتبره تتويجا لثورة شعبية جديدة اسمها ثورة 21 سبتمبر، تاريخ سيطرته على صنعاء وفق مبدأ توسع وسيطر ثم تفاوض فيما بعد دون تنازلات. اليمنيون تنفسوا الصعداء مع أنباء زفها إليهم المبعوث الأممى جمال بنعمر الذى زار الرياض لساعات ثم عاد إلى صنعاء دون شرح أية تفاصيل عن استئناف الحوار بين القوى السياسية الإثنين الماضى، بحضور ممثلين عن جماعة الحوثى بأحد الفنادق الكبرى بصنعاء، لكن آمالهم تبخرت أو تضاءلت عندما انسحب ممثلو حزبى الإصلاح والوحدوى الناصرى من الاجتماع بسبب تهديدات مندوب الحوثيين لهم ورغبته فى فرض قناعاته على كل المتحاورين . حوار أخير وكشفت مصادر سياسية يمنية ل (الأهرام العربى) عن أن الأممالمتحدة ودول الخليج، قررت منح الفرصة الأخيرة للحوار السياسى بين الفرقاء فى اليمن، وحددت زمنا ليس طويلا للتوافق على حلول مرضية تخرج البلاد من أزمتها المعقدة قبل أن يلجأ مجلس الأمن إلى خيارات صعبة ربما تؤثر سلبا على المواطن اليمنى المطحون أصلا من تفاقم الأوضاع الاقتصادية. وأضافت المصادر أن جماعة الحوثى دشنت حملة دبلوماسية فى أوساط السفراء العرب والخليجيين والأجانب لشرح الظروف التى أجبرتهم على إصدار الإعلان الدستورى، حيث قام حسين العزى رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس السياسى لأنصار الله الحوثيين بإجراء لقاءات مكثفة مع عدد من السفراء من بينهم سفير مصر بصنعاء الدكتور يوسف الشرقاوى وسفراء أوروبيون بهدف طمأنتهم بخصوص الفترة المقبلة. وأعلنت مصادر قريبة من الحوثيين أن وفدا منهم طمأن السفير المصرى بصنعاء بأن ما يثار من مخاوف من أنصار الله تجاه مضيق باب المندب غير صحيحة، وأن أنصار الله يدركون الأعراف والتقاليد الدبلوماسية والمعاهدات، وأنهم أوضحوا كثيرا من الغموض . وأكد السفير المصرى حرص القاهرة على أمن وسلامة اليمن ورفض أى تدخل خارجى فى شئون اليمن أو التهديد باستخدام العنف. واستمع الشرقاوى لشرح وجهة نظر الوفد الحوثى من قبل فى التطورات التى حدثت فى اليمن خلال الفترة الماضية، خصوصا أن الجماعة تقدر دور مصر الريادى فى المنطقة العربية، كما أنهم متأكدون من اهتمام مصر بأمن واستقرار اليمن . وكشفت نفس المصادر أن سفراء الخليج رفضوا الالتقاء بمبعوث الحوثيين، وأصروا على الالتزام بقرارات مجلس التعاون برفض الانقلاب الحوثى وضرورة العودة إلى سياق المبادرة الخليجية فى التسوية. وأكدت المصادر أن العواصم الخليجية تراقب باهتمام بالغ سير عملية الحوار وفرص نجاحه، وأنها ترتب لإجراءات تصعيدية بالتنسيق مع واشنطن والدول الأوروبية تجاه الحوثيين فى حال لم يظهروا المرونة الكافية للتوافق وعدم الانفراد بالسلطة من بينها سحب السفراء وطرح سفراء اليمن، فضلا عن إجراءات اقتصادية تتمثل فى قطع المعونات المالية التى يعتمد عليها الموازنة اليمنية بشكل كبير . بن عمر متهم ويحمل سياسيون يمنيون المبعوث الأممى مسئولية تسوية الأرض لجعل الحوثى متفردا بالسلطة من خلال إدارته الفاشلة للعملية السياسية وإخفاقه فى إعطاء التنبيهات المبكرة لمجلس الأمن عن تنامى نفوذ الحوثى وتقييد قرارات دولية استهدفت معاقبة المتسببين فى إجهاض الحل السلمى فى اليمن . ويقول المحلل السياسى اليمنى عبدالناصر المودع: إن الحوثيين عندما بدأوا مهاجمة صنعاء بعد حصارها، كان جمال بن عمر يتفاوض معهم فى صعدة، وخلال تلك المفاوضات تم إسقاط صنعاء واحتلالها من قبلهم. وبدلا من أن يدين بن عمر هذا الفعل الذى يلغى العملية السياسية التى يتولى بن عمر رعايتها، قام بالتغطية على جريمة سقوط صنعاء، من خلال جر القوى السياسية للتوقيع على الوثيقة التى صاغها هو والحوثيون، والتى سمّيت "اتفاقية السلم والشراكة الوطنية"..كان ممثل جماعة الحوثى فى الحوار مهدى المشاط أطلق تهديدات إلى عبدالله نعمان ومحمد قحطان ممثلى حزبى الإصلاح والوحدوى الناصرى وأجبرهما على عدم الحديث وعدم إبداء أى ملاحظات أو اعتراضات على الإجراءات التى يفرضونها بالقوة، وهو ما دفعهما إلى الانسحاب"، مؤكدين رفضهما أى حوار تحت التهديد، وقبل سحب ما يسمى بالإعلان الدستورى وكل الإجراءات الباطلة المترتبة عليه والإفراج عن المعتقلين من قبل المليشيات المسلحة، والكشف عن المخفيين قسرا، وإلغاء القرار الصادر من قبل وزير الداخلية والقاضى بعدم السماح بالمظاهرات السلمية. وتمسك ممثلا الحزبين بالمطالب السابقة المتمثلة برفع الإقامة الجبرية عن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وتطبيع الأوضاع وإعادتها إلى لحظة اتفاق السلم والشراكة الوطنية، فيما نفى الرئيس اليمنى السابق على صالح رئيس حزب المؤتمر الشعبى أى تحالف له مع الحوثيين قائلا: إن أبرز وأكبر قرارات الحوثى استهدفت البرلمان ذا الأغلبية المؤتمرية، بما يعنى تماماً وحصرياً استهداف المؤتمر حزباً ورئيساً . ويعتبر الكاتب اليمنى عبد السلام الأثورى أن الأحزاب الخشبية فى اليمن أصدرت بيانات النعاج بتعبيرات التأسف عن صدور الإعلان الدستورى، وهى تعكس حالة فقدان الوزن، ولم تعبر تلك البيانات عما يجب فعله ما عدا بيان التنظيم الوحدوى الناصرى الذى كان صريحا وواضحا وصادقا وصدر مباشرة دون تلكؤ وانتظار. تبعات الإعلان الدستورى ويؤكد قانونيون يمنيون أن الإعلان الدستورى للحوثيين لن يؤسس حالة استقرار مطلقا، لأنه وضع الدولة اليمنية تحت نفوذ جماعة واحدة وصلت إلى سدة الحكم بقوة السلاح وليس بانتخابات ديمقراطية، وأنه جعل اللجنة الثورية العليا لها الكلمة الأولى فى تعيين مجلس رئاسى ورئيسه والمجلس الوطنى والحكومة، وهذا ينسف كلية التعددية السياسية ويعود بالبلد إلى الحكم الدكتاتورى ..ويضيف رجال القانون، أن الإعلان الدستورى حاول الالتفاف على الدستور الحالى بالإقرار أنه سارى المفعول، ولكنه وضع عبارة تجب ذلك عندما قال " بما لا يتعارض مع الإعلان الدستورى " أى أن الإعلان جاء أقوى وأعلى من الدستور المستفتى عليه، مشيرين إلى أن الإعلان فتح المجال أمام أعضاء البرلمان اليمنى فرصة طلب الانضمام إلى المجلس الوطنى فى محاولة لكسب ولاءاتهم، وهذا يعنى أن المجلس الوطنى سيكون بلا معايير شفافة، وأن أعضاءه سيكون وجودهم صوريا فقط، قدم 13 عضوا فى البرلمان المنحل أسماءهم للحوثيين للحصول على عضوية المجلس الوطنى منهم 11 عضوا من حزب الرئيس السابق على صالح . واللافت للنظر فى الإعلان أنه لم يتطرق إلى القضية الأهم فى حياة اليمنيين وهى الأزمة الاقتصادية والشلل الحاصل فى مؤسسات الدولة بصورة مروعة، فلم يتضمن رؤية اقتصادية عاجلة لمعالجة هذا الأمر فى ظل التراجع المخيف للموارد المالية والحصار الخارجى المحتمل . توسع المواجهات تداعيات الوضع المعقد والملتهب فى اليمن دفعت العديد من الأطراف والمحافظات تتحرك فى اتجاهات مختلفة، فبينما اتفقت 13 محافظة تمثل إقليمى سبأ وآزال على إعلان انفصالهما عن المركز فى صنعاء وتهديدهما بوقف تصدير النفط إذا لم يتراجع الحوثى عن إعلانه الدستورى، أقرت اللجنة الأمنية بمأرب عدم التعامل مع صنعاء، وأنه سيعقد خلال الأيام المقبلة لقاء موسع لجميع قبائل الإقليميين. وأبرز المحافظات التى لا تزال ترفض دخول الحوثيين إليها هى تعز، جنوبى غرب البلاد، مدينة الثقل السكانى الكبير وتشرف على باب المندب، وكذلك مأرب، المحافظة النفطية وسط البلاد، بالإضافة إلى البيضاء والجوف. وتضاف إليها المحافظات الجنوبية والشرقية، التى كانت ضمن حدود الشطر الجنوبى قبل الوحدة، وهى محافظات الضالع، ولحج، وعدن، وأبين، وشبوة، وحضرموت، والمهرة، وسقطرى، وتمثل نحو ثلثى مساحة البلاد، التى أعلنت جميعها فى بيان مشترك للسلطات المحلية، رفضها لانقلاب الحوثيين وعدم التعامل مع قيادته فى صنعاء. ويؤكد وزير الصحة المستقيل رياض ياسين عبدالله، أن الجنوبيين حريصون على اليمن الاتحادى لكنهم فى الوقت ذاته سيعملون على التوحد مع أقاليم الجند ومأرب وتهامة فى العمل معاً لتجاوز هذا الانقلاب. ودعا ياسين، وهو جنوبى المناطق اليمنية غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى أن تحكم نفسها ذاتيا، وأن يكون فيها استتباب للأمن والاستقرار وتعزيز الاستقلالية الإدارية والمالية..وتوقعت مصادر عسكرية يمنية أن يتوسع الصدام بين الحوثيين والقبائل فى بعض المحافظات فى ظل المعلومات عن تمكن مئات المسلحين من الجيش اليمنى وجماعة الحوثى من الوصول إلى مناطق قريبة من يافع بمحافظة لحج الجنوبية بعد استيلائهم على مناطق واسعة من مديرية "ذى ناعم" بمحافظة البيضاء عقب أيام من المواجهات المسلحة مع عناصر من القاعدة ومسلحى القبائل. وأضافت المصادر أن التقدم المسلح لجماعة الحوثى إلى مناطق قريبة من مناطق جنوبية كيافع ومكيراس سيمنحهم فرصة التقدم صوب الجنوب، وهو الخطر الذى يرى قطاع واسع من الجنوبيين بأنه بات "داهما" خصوصا بعد استيلاء جماعة الحوثى على الحكم فى صنعاء أخيرا ..قبل أربع سنوات وبالتحديد فى 11 فبراير 2011 انتفض شباب اليمن ضد سلطة الرئيس على صالح فيما سمى بالربيع العربى، لكنه لم يكن ربيعا أبدا بالنسبة لليمن الذى يعيش حاليا حالة اضطراب تهدد كيان الدولة، وتنذر بحرب طاحنة يمكن أن تتعدى آثارها مساحة جغرافية أكبر فى الجزيرة العربية والخليج، ويتمسك المتفائلون بخيط رفيع من الأمل بأن تنقذ الحكمة اليمانية الموقف بتنازلات مشتركة قبل أن تذهب البلاد إلى مهب التشرذم .