سهير عبد الحميد العنوسة والبطالة حدا السيف اللذان يغتالان أجمل ما فى هذا البلد. الشباب الذى تتحطم أحلامه الوردية على صخرة الواقع المرير الذى لا يفلت منه إلا أصحاب الواسطة حتى صار المبدأ السائد « قيراط حظ ولا فدان شطارة « فلا مجال لتلك الشعارات القديمة «من جد وجد « و»من زرع حصد». لذا تتحول الأحلام المشروعة إلى أحلام مؤجلة إلى ما شاء الله، والحصيلة اكتئاب وإحباط لمن تمسك بمبادئ دينه. أما من حاد عن الطريق فقد يلجأ إلى المخدرات كى تغيب عقله، أو إلى علاقات محرمة أو إلى التحرش أو الاغتصاب. كى يعبر عن غضبه ويشبع حرمانه. هذه المشكلة التى ينظر البعض إلى الحديث عنها بوصفها ضربا من العيب وتجاوز الأصول هى ما يجب أن نتناوله، وإلا سترتفع معدلات الانحرافات الجنسية ومنها الزواج العرفى الذى لجأ إليه الشباب فى السر وهم يوهمون أنفسهم بأنه حلال وشرعى. ولعل لى أن أتساءل عن أسباب تعرض محمد أمين مؤلف فيلمى "بنتين من مصر " و"فيلم ثقافى " إلى هجوم ونقد وصلا إلى حد اتهام البعض فيلمه الأول بأنه يسىء إلى بنات مصر، وأن الثانى يدعو إلى الفسق. وهو ما يجافى المنطق، لأن صانعى الفيلم كشفوا الضمادات عن الجرح بحثا عن وسيلة للعلاج . يقول المؤلف والمخرج محمد أمين: الشباب من حقه أن يبدأ حياته مبكرا لكن فى بلد مثل مصر يعانى من مشاكل اقتصادية طاحنة يصعب أن يحدث هذا. هى مشكلة جبارة وكنت أنتظر من السيد الرئيس أن تكون هناك تصادمات مع الأفكار والثقافة السائدة فى مصر وأولها ثقافة السكن وهو ما تندرج تحته عشرات الأفكار، فهناك مثلا 2 مليون شقة مغلقة فى مصر، وبعض الآباء رغم إقامتهم مع الأبناء يرفضون التفريط فى شققهم بدعوى الحفاظ على الذكريات. وتدخل الرئيس فى هذه الأمور نوع من الفاشية الإيجابية. وهناك مشكلة البطالة التى تحتل وفق الأرقام القومية 12 % وهى نسبة مرتفعة للغاية. أضف إلى ذلك أن جيلنا لم يعان مثل الجيل الحالى المعرض لإثارة الغرائز بشكل مهول، فهو فى أتون جحيم بسبب القنوات الفضائية التى تقدم له على مدار اليوم إثارة مبتذلة. وكان ينبغى على الدولة كما تقوم بإغلاق القنوات الدينية المثيرة للفتنة، أن تقوم بإغلاق تلك القنوات التى تعتمد على الإثارة وحسب. وكذلك تلك القنوات والبرامج المستفزة التى تعرض أنواعا من الطعام والديكور يستفز الفقراء حتى الدراما موجهة للأغنياء. لذا أرى أن مدخل الرئيس لمكافحة الإرهاب مدخل ثقافى وليس اقتصاديا. الشباب فى حالة غضب لأنهم يريدون أن يبدأوا حياتهم وتلك البداية تتأخر كثيرا، وعلى الدولة أن تخرج من الصندوق القديم وتستمع للشباب الذى يستشعر أن الإدارة لا تريد إلا سماع لحن واحد فقط. وقد حاولت فى " بنتين من مصر " أن أضع يدى على مشكلة العنوسة بوصفها مشكلة اجتماعية لا بد من تناولها وفق الأمانة الفنيوة. وقد عالجها الفيلم بشكل محترم غير جارح وقد لاقى الفيلم إعجاب الكثيرين. وصانع الفن فى رأيى عليه واجب مهم فى عرض مشكلات مجتمعه. و"فيلم ثقافى "أراد أن يناقش رسالة أخرى بصورة كوميدية، وهى أنه من العيب أن شبابا فى مقتبل العمر يضيع عمرهم هكذا. دائرة الإحباط والعنف فى عام 1943 وضع إبراهام ماسلو نظرية " الدوافع الإنسانية " وطور نظريته عام 1954. .ووضع هرم للاحتياجات الإنسانية يعرفه علماء النفس ب" هرم ماسلو " ومن الاحتياجات الفسيولوجية التى تجسد قاعدة الهرم والتى رآها أساسية للحفاظ على وجود الإنسان جاء الإشباع الجنسى أحد هذه العوامل. وأشار ماسلو إلى أن الإنسان فى حاجة يقف وراءها دائما للدفاع، هذه الحاجة تؤثر بالطبع على سلوكياته وإذا لم يتم إشباعها تسبب آلاما نفسية وإحباطا مما يدفعه إلى اتباع العديد من الحيل الدفاعية التى تحميه من هذا الإحباط . د. نشوى زكى حبيب مدرس علم النفس بآداب القاهرة ترى أن الإحباط يولد العنف الذى يتم التعبير عنه فى صورة عدوان لفظى أو جسدى. وتأخر سن الزواج هو أحد أهم مسببات الإحباط الذى يولد العدوان. فى حين ترى أن التحرش الجنسى ليس حرمانا بل هو تعبير عن اختلال فى منظومة قيم المجتمع، وهو يظهر غالبا فى لدى فئة عمرية ومجتمعية محددة كنوع من أنواع التنفيس وانعدام الأخلاق. وردود الفعل إزاء الحرمان الجنسى تختلف من مستوى ثقافى لآخر ومن طبقة اجتماعية لأخرى ونمط الحياة التى يمارسها الفرد. ويرى د. محمود غلاب المعالج النفسى، أن موضوع الجنس شائك فى ثقافتنا، رغم أنه غريزة فطرية تشبع عاطفة الحب، لأنه لا يوجد من يمارس الجنس مع عدو له إلا المغتصب الذى يتحول الجنس فى وجدانه إلى أداة للعدوان. وفى مرحلة المراهقة والبلوغ لدى الشباب تتوهج الرغبة الجنسية ويصبح أمامه أحد حلين إما أن يشبعها بالطريقة السوية وإما أن يلجأ إلى الوسائل غير المشروعة والتى يشعر بعدها بالألم النفسى والندم. ومن لا يستطيع إشباعها ولديه من الضمير ما يمنعه من اتباع الوسائل غير المشروعة فإنه يلجأ إلى كبت رغباته مما يسبب له قدرا هائلا من التوتر قد يتحول إلى رغبة تدميرية. أما التحرش فهو نوع من العدوان لإشباع رغبة الجنس لكنه ليس إشباعا دائما. وكلما زادت الرغبة زاد التوتر وأصبح الشخص مشتت الذهن، مما قد يفضى به إلى الإصابة بالاكتئاب، مما قد يدفعه فى نهاية المطاف إلى الاغتصاب أو ممارسة العادة السرية . الأستاذة الدكتورة رباب الحسينى، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية ورئيس قسم المجتمعات الحضرية والمدن الجديدة: ترى أننا لا يمكننا إطلاق آراء تخص الشباب فى العموم، لأن الشباب ليسوا كتلة متجانسة، هناك شباب الريف والحضر والعشوائيات وكل فئة بها شرائح مختلفة، إضافة لاختلاف المستوى الاقتصادى والاجتماعى. وحتى الآن لم يبذل الجهد الكافى بحثيا لفهم الشباب ومشكلاتهم واحتياجاتهم، لذا قد نفاجأ من ثورتهم وغضبهم برغم أن هذه الثورة وهذا الغضب له أسبابه الموضوعية من البطالة والفقر وسوء السكن وارتفاع سن الزواج. ولابد أن ندرك أنهم يمثلون بحكم تركيبتهم الفسيولوجية ومرحلتهم العمرية ما نسميه " ثقافة الشباب " بطبيعتها ثقافة فرعية فهى مرتبطة بالثقافة العامة للمجتمع وهى ثقافة "مضادة " لأنها تنشد التغيير. ولذا نجد أن التغيرات الكبرى فى شتى بقاع العالم تزعمها الشباب، وأى أمل فى التغيير لا يتم إلا من خلالهم، ولابد لذلك من تدعيم فكرة الإيمان باختلافات الشباب وقدراتهم خصوصا فى مجال التكنولوجيا. وتضيف، نحن مجتمع ملىء بالتناقضات ففى الوقت الذى يعانى فيه من ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وخريجو الجامعات تحديدا تقابلها عمالة أطفال. وفى الوقت الذى تنتشر فيه ظاهرة تأخر سن الزواج يقابلها زواج القاصرات. وحل المشكلات يبدأ بمواجهتها فأجمل ما فى الشباب هو الإحساس بالأمل، وأن المستقبل أفضل والخطورة كل الخطورة أن يفتقد الشباب الأمل. ولذا لابد من وضع حلول منها التيسير فى مسائل الزواج وتسهيل الحصول على المسكن والمغالاة فى المهور. على الرجال الباحث بعلم الاجتماع السياسى يرى أن انتشار حوادث العنف من تحرش واغتصاب بالإضافة إلى حالات الزواج العرفى هى مؤشر بلا شك أن هناك مشكلة، يضاف إليها العنف السائد فى العلاقات الزوجية، ونستطيع أن نستشف الأمر من حالة التأزم الموجودة بصورة شبه دائمة فى الشارع المصرى وحالة التشنج الدائم وعدم الرضا. فالحاجة إلى إشباع الغريزة الجنسية بالوسائل المشروعة حق طبيعى لكنها أزمة فى مجتمعنا ليس فقط بسبب المشاكل الاقتصادية، ولكن لأن المجتمع لا يريد الاعتراف بأن الحرمان منها أزمة فى ظل حقيقة موجعة أن الجسد الأنثوى يصبح عبئا على الفتاة فى مجتمع يعاملها على أن جسدها جريمة، حتى تشعر هى شيئا فشيئا بالعداء إزاء جسدها.