سهير عبد الحميد تبدو القصة القصيرة جدا الآن فى الموقع نفسه الذى احتلته قصيدة النثر يوما وكذلك شعر العامية ألا وهو موقف الدفاع عن الوجود، فى ظل انتقادات ترى ال "ق.ق.ج" مجرد لون تابع للقصة القصيرة وليست جنسا أدبيا مستقلا، ودعاوى أخرى ترى أنها ضرب من الاستسهال، وأن ما يسمى بالقصة القصيرة جدا، مجرد خواطر أو ومضات لا ترقى إلى مصاف الأدب. على الرغم من ذلك كله يسعى كتاب ال"ق.ق.ج" لإثبات وجودهم، والتأكيد أن القصة القصيرة جدا لون أدبى مستقل ومولود شرعى ينبغى أن يحظى بشهادة ميلاد رسمية. فؤاد نصر الدين مؤسس صفحة القصة القصيرة جدا على الفيس بوك يؤكد أن هذا اللون الأدبى، وهو جنس أدبى جديد غير معروف فى الوطن العربى عدا المغرب وسوريا واليمن، فهى أكثر الدول التى تميزت فى كتابته. والمغرب أكثرها قراءة وتأليفا بحكم قربها من أوروبا، فالترجمات تتيح لهم متابعة القصة القصيرة، لذا هم أكثر نشاطا ويعقدون مؤتمرا سنويا فى مدينة الناطور. بينما أوقفت الحرب فى سوريا النشاط الأدبى عموما. وقد نبهتنا إلى هذا الجنس الأدبى ناتالى ساروق، الكاتبة الفرنسية الشهيرة من خلال كتابها " انفعالات ". وفى الثمانينيات أطلق عليه الناقد فتحى العشرى " القصة القصيرة جدا ". .أما عن الجروب فيقول: لقد أسسته كى أجمع 100 قصة قصيرة جدا يمكن أن أقدمها للقارئ فى كتاب، ففوجئت بمئات القصص من كل أرجاء العالم العربى بل ومن العرب المقيمين فى أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإيران وهولندا وقمت بجمعها، ليقوم الدكتور أحمد المصرى الأستاذ بجامعة الإسكندرية بإعداد دراسة عنها ضمنها كتابه "قصص عربية قصيرة جدا ". ديسمبر 2013 كافحنا لعقد مؤتمر للقصة القصيرة جدا تحت رعاية مكتبة الإسكندرية، وقد حصلت فيه على درع مؤسس أحسن جروب للقصة القصيرة جدا على مستوى الوطن العربى من الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا فى المغرب وشهادة تقدير على مجمل أعمالى. ونحن بصدد عقد أول مؤتمر دولى للقصة القصيرة جدا سيعقد فى الإسكندرية يومى 15 و16من يناير الجارى وسيعقد على شاطئ جليم، حيث أعددنا مبنى خاصا "ساقية جليم " لهذا الغرض. وهو ما أكده الناقد فتحى العشرى، وهو أول من أطلق مصطلح القصة القصيرة جدا على ذلك اللون الأدبى الوليد : كانت الأجناس الأدبية المعروفة تتراوح ما بين الرواية والقصة وعندما وقع بين يدى كتاب انفعالات وجدته يحتوى على قصص لا هى بالرواية ولا القصة القصيرة فأطلقت عليها اسم "القصة القصيرة جدا" ونشرت الكتاب والمجموعة القصصية ولاقت نجاحا، وكنت أقرأ من حين لآخر قصصا للمخزنجى بالنهج نفسه. ونبهنى الناقد فؤاد نصر الدين إلى أننى أول من ابتكر المصطلح. ومع هذا لا يبدو العشرى راضيا عن مستوى الكتابات التى خرجت تحت عباءة واسم القصة القصيرة جدا، إذ إن هذا الجنس الأدبى- كما يقول - له مقومات من مضمون وشخصية وفكرة لكن البعض حولها إلى مجرد خواطر أو ومضات، لذا سيكون الهم الأول للمؤتمر الدولى للقصة القصيرة جدا الذى سيتم عقده فى الإسكندرية وضع قواعد وعمل تقنين لمصطلح القصة القصيرة جدا بحيث تتضح الفوارق بينها وبين الومضات التى تنشر على الفيس بوك. الروائى إبراهيم عبد المجيد: الفنون قماشتها واسعة ولا مانع من وجود القصة القصيرة جدا.لكن المهم أن تكون هناك قصة ومعنى. لأن معظم ما أقرأه حاليا مجرد أفكار وخواطر. أو مقال فى سطرين ولم أجد مقومات القصة إلا لدى شريف عبد المجيد فى كتابه " جريمة كاملة " فما قدمه يحمل مقومات القصة من حيث الفكرة والحدث. شريف عبد المجيد، أحد الأقلام المتميزة فى مجال كتابة القصة القصيرة جدا حيث قدم 5 مجموعات قصصية وحصل عام 2007 على جائزة ساويرس يؤكد أنها جنس أدبى مارسه كبار الكتاب ومنهم نجيب محفوظ الذى قدمها فى كتابه "أصداء السيرة الذاتية" عام 2000 كما قدمها محمد المخزنجى فى مجموعته "رشق السكين". وهو فن مارسه أعظم الأدباء حول العالم وهو فن صعب يعتمد على فكرة التلخيص للمعنى بأقل عدد من الكلمات. والفكرة أننا فى حاجة إلى حركة نقدية تكون مهمتها تقييم الأعمال وينبغى أن ندرك أن الفن المزيف يتساقط سريعا. من جانبه يطرح الكاتب والروائى سعد القرش، سببا مغايرا للانتقادات التى وجهت للقصة القصيرة جدا وهو تخصيص جائزة الدولة التى خصصت للقصة القصيرة جدا وهو ما يثير الريبة والشك تماما كما حدث من قبل وتم تخصيص جائزة لكتاب السيرة الذاتية حتى تمنح لشخص بعينه. ورفض القرش تصنيف القصة القصيرة جدا، مؤكدا أن ما يقنع القارئ هو أدب بغض النظر عن التصنيف، فالشعراء منذ أكثر من قرنين لم يهتموا بتصنيف قصائدهم حتى جاء الخليل أحمد ووضع البحور والأوزان.و القصة القصيرة جدا كقصيدة النثر ليس لها معيار نقدى، وهى تكتسب ملامحها من صدقها أو قدرتها على إقناع القارئ بأنها فن مستقل بذاته. فبقاء الفن حتى لو لم تكن له قواعد نظرية مرهون بقدرته على إقناع القارئ ومنذ سبعين عاما كان كتاب القصة القصيرة قليلين، فقد ظهر يوسف إدريس وجيل الستينيات ثم السبعينيات، ولأن هذا اللون أقنع القارئ فقد عاش وازدهر. على العكس من ذلك لا يرى الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة أن تخصيص جوائز الدولة هذ العام للقصة القصيرة جدا لون من الانتصار لها على حساب القصة التقليدية، ففى كل عام يتم تحديد الصنف الأدبى الذى سيتم منحه القصة. ويرى أن القصة القصيرة جدا ليست فنا دخيلا فنحن نعيش عصر تآزر الفنون فالأدب يتآزر مع الموسيقى والرقص. والتقسيمات الكلاسيكية القديمة"الرواية والقصة والملحمة والسيرة " لم تعد ملائمة لعصرنا، فالألوان الأدبية تتداخل وتتآزر وليس من الملائم أن نضع تخوما فيما بينها. وقد ظهر هذا اللون الفنى أول ما ظهر فى فرنسا أواخر السعبينيات من خلال قصة عدد كلماته لا تزيد على ال 60 كلمة، وقد اندهشنا نحن العرب منها وقال يحيى حقى وقتها إن آخر ما انتهينا إليه من الألوان الأدبية اللوحة. فالقصة القصيرة جدا أو "القصوصة " كما اتفقنا على تسميتها مع يحيى حقى قد لا تتجاوز عدد كلماتها الخمسين فى حين كانت القصة القصيرة جدا تتشكل من 1000 كلمة كما كتبها روادها المصريون أمثال يوسف إدريس والعالميين كتشيكوف، فهى جنس أدبى مستقل بذاته يمكننا من خلال استخدام كلمات بسيطة لتوصيل معانى عديدة فهذا هو التكثيف الذى قد تستطيعه الومضة المباغتة فالقصة القصيرة جدا هى لحظة تنوير وومضة. د.شريف عابدين مؤسس الرابطة العربية للقصة القصيرة بالمغرب هو جراح اختطفه الأدب من الطب، وفى يقينه أن هناك الكثير من عوامل التلاقى بينهما، فالجراحة حاسمة التأثير وتتسم بإحداث التغير السريع كإسلوب علاجى مقارنة بالفروع الأخرى، وهذا التأثير قد يتماهى ديناميكيا مع سرعة الحكى وتأثير نتيجته على المتلقى فى السرد القصير جدا. إذا كان الطب يتناول تشريح الجسد فإن الأدب يتعامل مع تشريح النفس والنفس البشرية تمثل محور الكتابة، الإدراك مثلا يرصد الواقع ويتفاعل معه كمصدر دائم للتوتر. يؤكد د.شريف عابدين أن رابطة القصة التى أسسها فى المغرب مشروع إبداعى تنموى يراهن على القصة القصيرة جدا كنموذج للتطور السردى على خلفية التراجع القرائى الناتج عن إيقاع العصر وسطوة الملتيميديا فهى دعوة للاقتضاب مجاراة للسرعة ودعوة للإثارة فى مواجهة التبلد. أما القصة القصيرة جدا، فهى تمثل فى يقينه تحديا للكاتب فمن خلال النص المقتضب يحقق القاص رهانه فى إضفاء المتعة والمعرفة على المتلقي.وهى نموذج للتطور السردي، تمثل مستقبل السرد على خلفية التراجع القرائى الناتج عن إيقاع العصر وسطوة الملتيميديا؛ فهى دعوة للاقتضاب مجاراةً للسرعة ودعوة للإثارة فى مواجهة التبلد. ويرى أن الهجوم الذى تتعرض له القصصة القصيرة جدا، هجوم غير مبرر، باعتبار أن هذا الجنس الأدبى يعترف به العالم منذ عقود، ويكفى أن نذكر بأن هناك يوما قوميا للاحتفاء به فى بعض الدول المتقدمة مثل بريطانيا كما أن هناك العديد من المؤتمرات والمسابقات العالمية، تقام كل عام وليديا ديفيس الحائزة على جائزة المان بوكر كاتبة قصة قصيرة جدا. ويؤكد د. شريف عابدين أن القصة القصيرة جدا هى الأصعب من الفنون السردية فى كتابتها لأنها تلزم الكاتب بالتكثيف والحكائية وإثارة الدهشة لدى المتلقى وتعتمد على السرد الدائرى والانزياح والمفارقة، وتلك تقنيات لا يجيدها إلا كاتب متمرس. فى شبكات التواصل الاجتماعى تسود حالة من الاستسهال وغالبا ما ينشر ملخص قصة قصيرة أو صورة مجازية أو خاطرة أو ومضة خبرية على اعتبار أنه قصة قصيرة جدا.