مصطفى السعيد معارك ضروس تدور على الأراضى السورية، قد تحسم مصير الشام وخريطة المنطقة، موجات متتالية من الهجمات المكثفة لتنظيم «داعش» على مطار دير الزور شرق سوريا فى محاولة مستميتة لاقتحامه وإسقاطه، ومقاومة باسلة من الجيش السورى على مدى أيام طويلة، وتتكسر موجات الهجمات على محيط المطار، مخلفة مئات القتلى من «داعش»، بملامحهم المتنوعة، من شيشان وسعوديين وتونسيين وداغستانيين وأوروبيين، جاءوا جميعا لما يعتقدون أنه تحرير الشام، وإقامة دولة الخلافة. جبهة أخرى تتوالى عليها هجمات داعش فى نبل والزهراء، عادة ما تبدأ بدفع عربات مفخخة، يقودها انتحاريون، وتحمل أطنانا من المتفجرات، تليها موجات المهاجمين من مسلحى «داعش»، وتلقى نفس مصير معركة دير الزور، ويبقى السؤال: لماذا يتراجع داعش فى العراق، ويحاول التقدم فى سوريا؟ بداية خيط المخطط نجده فى كلمات وزير الخارجية الأمريكى جون كيري، الذى قال الأسبوع الماضى «إن التحالف الدولى بقيادة أمريكا، والجيش العراقى والجيش «السنى» يحققون تقدما كبيرا أمام مسلحى داعش فى غرب العراق». هل كانت كلمة «الجيش السنى» ذلة لسان من وزير الخارجية الأمريكى؟ التوضيح يأتى من ممثلى عدد من زعماء العشائر السنية فى العراق، والذين طالبوا بتزويدهم بالسلاح المتوسط والثقيل، وتشكيل قوات من مسلحى العشائر السنية، وإلا فإنهم سيتخذون إجراءات تندم عليها الحكومة العراقية. فى الوقت نفسه أعلنت أمريكا أن نجاح مواجهة داعش فى العراق مرهون بتشكيل قوات للعشائر السنية، تنسق معها العمليات على الأرض، وأنها مستعدة لإرسال الأسلحة والمدربين. هكذا تخطط أمريكا لأن تنهى مهمة «داعش» فى العراق، على أن يحل محلها «جيش السنة» لتضمن تقسيما فعليا للعراق، وأن ينتقل تنظيم «داعش» للعمل بكل طاقته فى سوريا، ليمهد الأرض أمام تحقيق المهمة الأكبر، وهى احتلال شرق وشمال سوريا، ليأتى التحالف الدولى، ومعه «الجيش السورى الحر» والجماعات «الإرهابية المعتدلة» لتقسيم سوريا، بالتنسيق مع تركيا، التى طالبت بمنطقة عازلة بعمق 40 كيلو مترا فى شمال سوريا. لكن لماذا دخلت إسرائيل على خط المواجهة مع سوريا، وشنت غارات جوية على أطراف دمشق؟ كان الفشل الذريع لمسلحى "داعش" فى اقتحام مطار دير الزور وكل من نبل والزهراء فى الشمال الشرقى لسوريا الدافع الأهم للتدخل الإسرائيلي، لإرباك الجيش السوري، وجر اهتمامه إلى الغرب، وزعزعة ثقة الجيش السورى التى تعززت بانتصارات متوالية على جبهات حلب ودير الزور، ورفع معنويات تنظيمات داعش وجبهة النصرة والجيش الحر وغيرها من الجماعات الإرهابية المتراجعة على طول الجبهات مع الجيش السوري. وجاء إعلان قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام فى الجولان، ليؤكد الترابط القوى بين إسرائيل وعدد من الجماعات الإرهابية المقاتلة فى سوريا، وأعلنت أنها رصدت عشرات اللقاءات، وعمليات خروج ودخول للإرهابيين من الجانب الإسرائيلي، بعضها نقل لجرحى من الإرهابيين، والبعض الآخر لقاءات بين ضباط إسرائيليين وقادة للجماعات الإرهابية على طرفى الجولان السورى. وكانت إسرائيل قد سعت إلى تعزيز سيطرة جماعة "جبهة النصرة، على الشريط الحدودى فى الجولان مع سوريا، وأن تحاول مد هذا الشريط إلى حدودها مع لبنان، بما يذكرنا بتجربة "الجيش اللبنانى الحر" بقيادة أنطوان لحد، والذى انهار عام 2000 أمام حزب الله اللبنانى، لكن هذه المرة تريد إسرائيل الاحتماء بقوات إسلامية سنية، ترفع راية "الجهاد فى سبيل الله". فى الوقت نفسه تواصلت الرحلات المكوكية للمبعوث الأممى ستيفان دى ميستورا بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة فى حلب، للتوصل إلى اتفاق بتجميد القتال على جبهة حلب، التى يحاصرها الجيش السورى من الشرق والجنوب والغرب، ويواصل زحفه على الجبهة الشمالية لاستكمال الحصار الشامل لأهم جيوب المسلحين فى أكبر محافظة سورية، لكنه وجد أن القوات المدعومة من تركيا تفرض شروطا غير معقولة، بلغت حد المطالبة بتنحية الأسد وإقامة حكومة مؤقتة بقيادتهم، مقابل تجميد القتال، بينما الجيش السورى على وشك محاصرتهم من كل الجهات، وهو ما أثار دهشة المبعوث الأممي، الذى أخرج لهم خريطة حلب، التى طوقها الجيش السوري، ولم يبق أمامه سوى بضعة كيلو مترات قليلة، وعندها ستكون مطالبهم أن يخرج المسلحون بملابسهم. هكذا تتضح على أرض الواقع بعض خيوط المخطط الأمريكي، ودور تنظيم "داعش"، الذى لا يزال يتلقى الإمدادات من سلاح وذخيرة ومسلحين عبر الأراضى التركية، بينما يتصدى الجيش السورى ببسالة منقطعة النظير كل هذه المؤامرات والقوات التى تكالبت على سوريا من كل حدب، لتسقط أهم القلاع التى تقف عائقا أمام تقسيم المنطقة، وتوزيع أجزائها على أمريكا وإسرائيل وتركيا والشريكة الصغيرة قطر.