عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم في بداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    تراجع سعر الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الإثنين 6 مايو 2024    الأقصر تحددد شروط التصالح فى مخالفات البناء وبدء تلقي الطلبات الثلاثاء    انطلاق قطار مفاجآت شم النسيم من القاهرة حتى سيدي جابر    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات عنيفة شمال بيت لاهيا    تزامنا مع بدء الإخلاء.. تحذير من جيش الاحتلال إلى الفلسطينيين في رفح    عاجل.. أوكرانيا تعلن تدمير 12 مسيرة روسية    محمد صلاح يُحمل جوزيه جوميز نتيجة خسارة الزمالك أمام سموحة    مصرع طالب ثانوي وإصابة آخرين في حادث تصادم بدائري الإسماعيلية    موعد وقفة عرفات 1445 ه وعيد الأضحى 2024 وعدد أيام الإجازة في مصر    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    سعر التذكرة 20 جنيها.. إقبال كبير على الحديقة الدولية في شم النسيم    أخبار التكنولوجيا| أفضل موبايل سامسونج للفئة المتوسطة بسعر مناسب وإمكانيات هتبهرك تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo وOnePlus Nord CE 4 Lite    بمناسبة ذكرى ميلادها ال 93، محطات في حياة ماجدة الصباحي    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    موعد مباراة نابولي ضد أودينيزي اليوم الإثنين 6-5-2024 والقنوات الناقلة    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابهوا الإعدام والنفى والسجن والهرب والموت.. جرائم الطغاة أمام محاكم الشعوب
نشر في الأهرام العربي يوم 12 - 12 - 2014


إيمان عمر الفاروق- محمد وطنى- زينب هاشم
أثار حكم محكمة جنايات القاهرة السبت الماضى والذى تضمن تبرئة عدد من أبرز رموز نظام حكم الرئيس الأسبق مبارك، وعلى رأسهم مبارك نفسه كثيرا من اللغط والسجال ما بين مرحب ومؤيد للحكم من جهة ورافض للحكم ومطالب ب»القصاص» من جهة أخرى.
وبعد أن هدأ الغبار قليلا بدا أن الأمر الوحيد القابل للاتفاق بين الفريقين هو أن نوعية محكمة محاكمة مبارك ونجليه والعادلى ومساعديه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم قامت على أسس خاطئة، وبطبيعة الحال هذا ليس تعليقاً على الحكم بل على طبيعة ونوع المحكمة نفسها وأنه كان الأجدر بالمصريين الذين أسقطوا النظام بثورتهم أن يحاكموا رموزه وفق قوانين خاصة محاكمة سياسية لا محاكمة جنائية لا يمكن إثبات أركانها، وأدلة إدانة المتهمين فيها بشكل قاطع يقينى يدفع القاضى لإصدار حكم قاطع إن إدانة أو تبرئة، فمعظم المصريين سواء من أيدوا الحكم ورحبوا به، أم الذين عارضوه وطالبوا بإعادة المحاكمة مجددا يتفقون - أم هكذا بدا مما نقلته وسائل الإعلام (محلية وعربية ودولية) أن عصر مبارك تضمن سلبيات كثيرة ارتقت إلى حد الجرائم التى توجب الحساب، والتى ستظل أجيال من المصريين تدفع ثمنها ربما لسنوات طويلة مقبلة.
وطبعا ينطبق نفس المنطق على محاكمات محمد مرسى .
نرصد فى الصفحات التالية عددا من أشهر محاكمات الرؤساء ورموز الأنظمة الحاكمة التى سقطت بأيدى شعوبها، أو أسقطت بتدخلات خارجية فى عدد من دول العالم فى التاريخ المعاصر، ربما يكون من المفيد التذكير بها الآن، خصوصا أنها اتفقت جميعها تقريبا فى أنها لم تكن محاكمات جنائية بالأساس، وقام معظمها وفق قوانين خاصة.
صدام حسين.. محاكمة تحت حراب الاحتلال..الإعدام صباح العيد!
بعد استقرار الأمور للقوات الأمريكية المحتلة وحلفائها فى العراق عقب إعلان سقوط بغداد، أعلن عن تشكيل محكمة خاصة لغرض محاكمة رموز النظام العراقى تحت اسم المحكمة الجنائية العراقية العليا بتاريخ 10 أكتوبر 2003، وأعلن أن المحكمة مختصة بمحاكمة المتورطين فى «الجرائم ضد الإنسانية»، خلال الفترة ما بين 1968م، و2003م (تاريخ احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين)، وأنها «مستقلة» لا تخضع لأى جهة - بما فيها القضاء العراقى نفسه أو المحاكم الجنائية الدولية- كما لا تخضع لأى إشراف قانونى عراقى أو دولي، وذلك بقرار مما عرف آنذاك ب»سلطة الائتلاف الحاكم للعراق»، الممثلة لقوة الاحتلال برئاسة الأمريكى بول بريمر.
بعد إعلانها نبأ القبض عليه، أعلنت القوات الأمريكية المحتلة للعراق أنها قامت بتسليم "الولاية القانونية" على الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين و11 قياديا ومسئولا بارزا من أركان نظامه إلى الحكومة العراقية المؤقتة فى 30 يونيو 2004م، لتفعيل "محاكمتهم" فى قضايا: "جرائم حرب"، و"إبادة جماعية"، و"انتهاكات لحقوق الإنسان" مع احتفاظ القوات الأمريكية بالسيطرة العملية عليهم، حيث ظلت القوات الأمريكية تعتقل صدام فى معسكر تابع لها بالقرب من مطار بغداد الدولي.
تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة صدام ورفاقه:
بعد أكثر من عام على هذا الإعلان، وتحديدا فى 18 يوليو 2005م، وجهت محكمة خاصة عرفت باسم المحكمة الجنائية العراقية المختصة اتهاما رسميا لصدام بالضلوع فى عملية إبادة جماعية لأهالى قرية الدجيل عام 1982م، وذلك إثر ما وصف بإجراءات دموية اتخذها النظام ضد أهالى القرية إثر تعرض موكب لصدام لمحاولة اغتيال أثناء زيارة لها.
وبرغم قيام أسرة الرئيس العراقى الأسبق بتوكيل لجنة للدفاع عنه تألفت من 22 محاميا، وكانت تتخذ من الأردن مقرا لها، فإن الأسرة أعلنت حل هذه اللجنة فى 8 أغسطس 2005م، إثر قرار المحكمة بضرورة أن يتولى الدفاع محامون عراقيو الجنسية، لتقوم الأسرة بتوكيل المحامى العراقى خليل الدليمى ليترأس الفريق الذى تولى الدفاع عنه، والذى شمل فى عضويته عددا كبيرا من المحامين غير العراقيين كان من أشهرهم رامزى كلارك، وزير العدل الأمريكى الأسبق من 1967 إلى 1969، ووزير العدل القطرى الأسبق نجيب النعيمي، ومع بدء جلسات التحقيق الأولية ومع تكرار رفض عديد الطلبات من هيئة الدفاع، وسيادة شعور بعدم موضوعية وعدالة المحكمة، أعلنت منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش أن "معايير المحكمة الجنائية المختصة التى تتولى محاكمة صدام ورفاقه لا ترقى للمعايير القانونية الدولية".
وكانت المحكمة قد تشكلت فى البداية برئاسة القاضى رزكار محمد أمين، الذى ترأس ثمانى جلسات للمحكمة منها واحدة سرية، إلا أنه تقدم باستقالته فى 15 يناير 2006م، بعد انتقادات عديدة لأسلوبه فى إدارة جلسات المحكمة، ليخلفه محمد سعيد الهماشي، إلا أنه تمت تنحيته إثر شيوع مزاعم بانتمائه لحزب البعث العراقي، ليخلفه رؤوف رشيد عبد الرحمن فى 23 يناير 2006م.
أهم الانتقادات التى وجهت للمحكمة:
وعلى مدار عدة أشهر أثارت المحكمة وجلساتها العديد من الانتقادات على المستوى الدولي، واعتبرت فى نظر محامين ومنظمات قانونية وحقوقية عالمية مرموقة أنها "محكمة احتلال" لا يجوز الاعتداد القانونى بإجراءاتها أو أحكامها، ما أسفر عن نأى الأمم المتحدة بنفسها عن إجراءات المحاكمة، ل"عدم التزامها بأى قوانين أو معايير دولية مرموقة، ولترجيح صدور حكم بالإعدام ضد صدام ورفاقه"، وهو ما حدث بالفعل.
وتضمنت أبرز الانتقادات التى وجهت للمحكمة كذلك أن اختيار قضية الدجيل تحديدا لمحاكمة صدام ورفاقه تمت باقتراح أمريكي، وأنها قضية "صغيرة" إذا ما قورنت باتهامات أخرى وجهت لصدام ورموز نظامه، ومنها الاتهام باستخدام أسلحة كيماوية محرمة ضد مدنيين أكراد، وشن حربى الخليج الأولى والثانية، وجاء تبرير ذلك بالابتعاد عن القضايا التى قد تفضح جلساتها تورط الأمريكيين وحلفاء لهم فى دعم النظام العراقى فى أوقات سابقة، ما قد يؤدى لاتهام مسئولين بارزين فى هذه الدول، وهو نفس السبب الذى أشير إليه عند الحديث عن إنشاء محكمة "عراقية خاصة"، وعدم نقل وقائع المحاكمة إلى ولاية قانونية دولية، كان الممثل الأفضل لها - وفق قانونيين - هو المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي.
كما كان من أبرز الانتقادات القانونية التى وجهت للمحكمة، أنها أنشئت تحت ظل سلطة احتلال، وبقرار من إدارة يترأسها ممثل الاحتلال الأمريكى للعراق، كما شهدت جلسات المحكمة فوضى عارمة وسجالات بين المتهمين والقضاة، خرجت بالمحكمة عن إطار المحاكم الجنائية لتدخل فى فى إطار آخر تبادل فيه القضاة والمتهمون الأدوار على مدار جلسات عدة، وأخيرا كان الانتقاد الأهم هو خضوع المحكمة للسيطرة الأمريكية (سلطة الاحتلال) التامة بدءا من قرار تأسيسها، والقانون المؤقت الذى استندت إليه وصولا إلى اختيار قضاتها وممثلى الادعاء فيها، وحتى القضية التى حوكم المتهمون فيها، بل إن بث جلسات المحاكمة أسند لشركة أمريكية خاصة تعمدت تأخير البث نحو 20 دقيقة، وخضوع جميع المواد التى يتم بثها للمراجعة، وحجب فقرات عديدة من مجريات المحاكمة.
الحكم بالإعدام وتنفيذه أول أيام عيد الأضحى
فى 5 نوفمبر 2006 أصدرت المحكمة حكمها ضد كل من صدام حسين، وبرزان إبراهيم، وعواد البندر بالإعدام شنقا، فيما قضت بسجن طه ياسين رمضان مدى الحياة، وعلى دايح وعبد الله كاظم رويد ومزهر عبد الله بالسجن 15 عاما، وأفرج عن محمد عزاوى لعدم كفاية الادلة.
وفى 26 ديسمبر 2006م أصدرت الهيئة التمييزية فى ذات المحكمة قرارها بتثبيت حكم الإعدام على صدام حسين وبرزان إبراهيم وعواد حمد البندر، وأوصت بتشديد الحكم على طه ياسين رمضان، ليصبح لزاما على الحكومة العراقية تنفيذ حكم الإعدام شنقا على صدام ورفاقه خلال ثلاثين يوما تبدأ فى 26 ديسمبر 2006.
وفى الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة من فجر يوم السبت الموافق 30ديسمبر2006 م الموافق للعاشر من شهر ذى الحجة 1427 ه - اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك - تم إعلان تنفيذ حكم الإعدام شنقا على الرئيس العراقى السابق صدام حسين، ورفاقه. وتم تسريب مقاطع مصورة لعملية الإعدام.
إريك هونيكر.. النموذج الأقرب لمبارك.. فساد وأوامر بالقتل والمنفى مصيره
لم تهتد المحكمة التى تولت محاكمة إريك هونيكر آخر رؤساء ألمانيا الشرقية إلى أمر كتابى يفيد بإصداره أوامر بقتل مواطنى ألمانيا الشرقية، أثناء محاولتهم الهروب إلى ألمانيا الغربية، لكن مع ذلك لم تتم تبرئة ساحته، ونظرا لتشابه لائحة التهم المنسوبة إليه بتلك التى يواجهها مبارك، فقد عقد البعض مقارنة بين المحاكمتين .
وقد ولد هونيكر فى أغسطس 1912 وتوفى فى مايو 1994 وتولى رئاسة ألمانيا الشرقية عندما خلف ولتر أولبرخت فى منصب سكرتير أول للحزب الشيوعى، وسيظل اسم الزعيم الشيوعى إريك هونيكر مرتبطا فى سجلات التاريخ باسم جدار برلين، فقد انتهى حكمه قبل 22 يوما فقط من سقوط جدار برلين.
حكم هونيكر ألمانيا الشرقية لمدة 14 عاما، تمتع خلالها بشعبية كبيرة داخل صفوف الحزب الشيوعى وكان هونيكر صاحب شخصية صارمة، وكان الرجل المقرب من السوفييت، لذا صعد نجمه بسرعة كبيرة داخل صفوف الحزب .
لكن حظوته فى صفوف الحزب الشيوعى لم تقابلها شعبية مماثلة فى الشارع الألمانى الشرقي. فقد فشل نظامه فى تحقيق مستوى معيشة ملائم للشرقيين مماثل لما حظى به إخوانهم الغربيين .
وفى الثمانينيات من القرن الماضى تصاعد عدد الرافضين من الألمان الشرقيين لغياب الحرية تحت حكم هونيكر. كما هربت أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا الغربية عام 1989 وعندما تدافعت حركة المظاهرات فى أكتوبر من العام ذاته قرر المكتب السياسى للحزب الشيوعى عقب نهاية الاحتفالات مباشرة إقالة الرئيس هونيكر من منصبه ومنحه إجازة لكى يستجم، وكان ذلك معناه تحديد إقامته فى مكان بعيد عن برلين. وعندما سقط سور برلين وأصبح من المحال إيقاف عجلة التوحيد عن الدوران سافر هونيكر إلى موسكو هربا من احتمال ملاحقته قضائيا إلا أن أحداث الإتحاد السوفيتى نفسه دفعت بالحكومة الروسية إلى إعادته إلى برلين ليواجه تهمة إصدار أوامر ضرب النار على من يحاول الهرب من الشرق للغرب لحرس الحدود أثناء حكمه، وتجدر الإشارة إلى أنه سبق توجيه تهم إليه بالفساد لكنه لم يُحاكم عليها .
وفى عام 1991 نقل المسئولون السوفيت هونيكر إلى مستشفى بالاتحاد السوفيتى السابق للعلاج من سرطان الكبد. وقد طلبت الحكومة الألمانية عودته. لكنه ذهب إلى المنفى فى تشيلى وبقى فيها إلى وفاته هناك عام 1994.
تشارلز تيلور.. حاول الهرب والمناورة واستعطاف القضاء..السجن 50 عاماً نهاية رئيس ليبيريا
الحكم بالسجن 50 عاما كان نهاية رحلة المطاردة لرئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور الذى طالما حاول الهروب والمناورة واستدرار عطف القضاة بالحديث عن عمله «واعظا بالكنيسة»، لكن ذلك لم يُفلح أمام لائحة الاتهامات التى بلغت 11 تهمة ضد الإنسانية.
ولد تايلور عام 1948 فى ليبيريا لأبوين تم تحريرهما من العبودية من قبل أسرة أمريكية. ودرس الاقتصاد ثم عاد لبلاده ليتولى منصبا حكوميا رفيعا تحت حكم الرئيس صمويل دو آنذاك. وتمكن تايلور من تحقيق مكاسب هائلة من هذا المنصب بعد أن أصبح فى موقع يخوله الرقابة على الممتلكات العامة للدولة، وبعد أن دب الخلاف بينه وبين الرئيس صمويل دو، طُرد تايلور من وظيفته بعد اتهامه باختلاس مبلغ مالى هائل، مما دفعه للهرب إلى الولايات المتحدة.
وفى الولايات المتحدة، ألقى القبض عليه، لكنه تمكن من الهرب من السجن والعودة إلى ليبيريا وسط غموض وتكهنات متباينة حول كيفية هروبه.
وبدأ تايلور أثناء وجوده بأمريكا معارضته الشديدة للرئيس الليبيرى صمويل دو، وانتهى الأمر بوقوع انقلاب فى البلاد عام 1989 الذى أعلنه تايلور للعالم من خلال حوار له مع إذاعة " بى. بى. سى".
وقد نجح التمرد الذى قاده تايلور بسبب التحالفات الناجحة أيضا التى استطاع أن يصنعها مع العديد من الفصائل فى ليبيريا التى كانت مفاجئة فى بعض الأحيان.
وبعد كسب المعركة من الناحية العسكرية على الأرض، نجح تايلور فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت عام 1997وتولى حكم البلاد.
ويقول المنتقدون لتايلور إنه تمكن من الفوز بمنصب الرئيس بعد أن استطاع أن يخدع الناخبين ويشترى أصواتهم. ونُقل عن عدد من الشباب المؤيدين له أثناء حملته الانتخابية هتافهم القائل: "قتل أمى، وقتل أبى، وسوف أُصَوت له." وحينما سئل تايلور عن ذلك فى حواره مع بى بى سى، قال: "نعم هم يعنون ذلك، وكما تعلم هم يحبونني».
وبعد أربعة أعوام من رئاسته، اندلعت حركة تمرد من الشمال. وكان شعارها المصالحة والديمقراطية. ويقال إنها حظيت بدعم خفى من الولايات المتحدة. واستطاعت الحركة أن تحاصر العاصمة ثلاثة أشهر من يونيو إلى أغسطس2003. واضطر تايلور إلى التخلى عن منصبه ومغادرة البلاد متجها إلى نيجيريا، ولكن لم يهنأ بالعيش فى المنفى، فقد اتهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية من قبل المحكمة الخاصة بسيراليون.
وفى نوفمبر 2003 صدرت مذكرة توقيف دولية بحقه. وتقول هذه المحكمة بان تايلور غذى بدءا من مارس 1991حركة تمرد الجبهة الثورية الموحدة فى سيراليون التى أمدته بالألماس مقابل الأسلحة والألماس. وقد مارست هذه الجبهة المتمردة تحت قيادة فوداى سانكو، الترهيب وارتكبت أعمالاً وحشية بحق السكان المدنيين فى تلك الدولة الصغيرة الثرية بالألماس. وفى مارس 2006 وافق الرئيس النيجيرى أولوسيجون أوباسانجو تحت ضغوط دولية على تسليمه إلى ليبيريا ونُقل إلى لاهاى.
ومثُل تايلور أمام المحكمة عام 2007 وعقدت المحكمة العديد من الجلسات منذ ذلك الحين، حتى انتهت المحكمة فى إبريل 2012 بإدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بعد خمس سنوات من التحقيقات وصدر الحكم بالسجن 50 عاما .
وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة وحكومة سيراليون أنشأتا "المحكمة الخاصة بسيراليون"، لكى تتولى إجراءات التحقيق والمحاكمة فيما يتعلق بمن يتحملون القدر الأكبر من المسئولية عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والجرائم الأخرى بموجب القانون المحلى، التى ارتُكبت فى سيراليون منذ 30نوفمبر 1996.وقد اتخذت من مدينة فريتاون بسيراليون مقرا لها أمام محاكمة تشارلز تايلور فقد نقلت إلى لاهاي. بناء علي طلبا رسميا قدمته "المحكمة الخاصة" إلى هولندا كى تستضيف محاكمته، مستندةً إلى مشاكل أمنية. وثارت مخاوف من احتمال أن تكون هذه الخطوة قائمة على اعتبارات سياسية وليست أمنية.
وفى 16 يونيو، صدر قرار الأمم المتحدة رقم 1688 الذى نقل المحاكمة من فريتاون إلى مقر "المحكمة الجنائية الدولية"فى لاهاى بهولندا. وفى 20 يونيو نُقل تشارلز تايلور رسميا إلى لاهاي. وخُفض عدد تهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الواردة فى لائحة الاتهام الموجهة لتشارلز تايلور من 17 إلى 11 تهمة. وفى إبريل أنكر تشارلز تايلور رسميا التهم المنسوبة إليه. وعُقدت جلستان سابقتان على المحاكمة التى كان من المقرر أن تبدأ في2007.
وفى شهادتها أمام المحكمة فى جلسة عقدت عام 2010، قالت المساعدة السابقة لعارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومى كامبل إن الرئيس الليبيرى وعد كامبل بمزيد من قطع الماس خلال حفل عشاء حضرته فى جنوب افريقيا عام1997. وكانت الممثلة الأمريكية ميا فارو قد أفادت فى شهادتها أمام المحكمة فى وقت سابق أن كامبل حصلت على"ماسة كبيرة" من الرئيس الليبيرى السابق تايلور.
سوهارتو..الموت أنقذه من المحاكمة.. متهم بقتل 50 مليون شخص وسرقة 570 مليون دولار
الرئيس الإندونيسى سوهارتو اتهم باختلاس 571 مليون دولار، لكنه أفلت من العدالة القضائية بفضل مرض بالدماغ أفضى إلى وفاته .
ولد سوهارتو فى 8يونيو 1921 إبان الاستعمار الهولندى، لأسرة تشتغل بالزراعة فى وسط جزيرة جاوا، وعاش متنقلا بين أمه وأبيه وأقاربه بعد انفصال والديه ولم يكن قد جاوز عمره السنتين.
تلقى سوهارتو تعليمه فى مدرسة جاوية محلية، ثم عمل لفترة قصيرة فى أحد البنوك ليلتحق بعد ذلك بجيش الاحتلال الهولندى سنة 1940. وفى سنة 1942 رقى سوهارتو لرتبة رقيب.
وبعد اجتياح القوات اليابانية لإندونيسيا إبان الحرب العالمية الثانية اقتنع سوهارتو بإمكانية تحرير إندونيسيا من الاستعمار الهولندى، فانضم إلى القوات اليابانية.
وفى سنة 1945 التحق بالجيش الإندونيسى حديث التأسيس بعد استسلام اليابان فى نفس السنة وإعلان إندونيسيا الاستقلال، وشارك فى حرب السنوات الخمس ضد هولندا والتى انتهت باحتلال القوات الهولندية للعاصمة جاكرتا ومدينة يوغاربكارتا. غير أن عمليات عسكرية قادها سوهارتو مكنت من استعادة يوغاربكارتا ومن ثم موافقة هولندا على الانسحاب من كامل الأراضى الإندونيسية باستثناء إقليم إيريان جايا الذى قاد سوهارتو حملة لاسترجاعه سنة1960.
بعد الاستقلال تدرج سوهارتو فى سلم الرتب العسكرية حتى انتهى إلى قيادة القوات الخاصة بحماية الأمن القومى والتى قاد بها العديد من العمليات العسكرية الناجحة للقضاء على حركات التمرد فى مناطق متفرقة من إندونيسيا.
كما استطاع سوهارتو أن ينقذ حكم الرئيس سوكارنو سنة 1965 بقضائه على المحاولة الانقلابية التى شارك فيه أعضاء من الجيش الإندونيسى بالتحالف مع الحزب الشيوعى، وقاد بعدها سوهارتو حملة تطهير واسعة ضد الشيوعيين.
وفى عام 1966 أقنع سوهارتو الرئيس سوكارنو بأن يمنحه سلطة إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، والتى كانت نقطة التحول فى الدور السياسى لسوهارتو حيث عينه البرلمان رئيسا بالوكالة سنة 1967 ثم رئيسا منتخبا سنة1968 ليصبح الرئيس الثانى لإندونيسيا.
عرف عن سوهارتو اهتمامه بالجانب الأمنى لإندونيسيا، وقد زاد تركيزه عليه بعد توليه الرئاسة، ففى سنة 1975أرسل قوات إندونيسية لتضم إقليم تيمور الشرقية إلى إندونيسيا بعد خروج الاستعمار البرتغالى منه.
كما سعى إلى إعادة العلاقات السياسية مع الدول الغربية فأعاد عضوية إندونيسيا فى الأمم المتحدة بعد أن كانت قد انسحبت منها فى عهد الرئيس سوكارنو بسبب اختيار ماليزيا فى عضوية إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، كما أعلن سوهارتو احترام إندونيسيا لجارتها ماليزيا. وعمل فى بداية حكمه على تجميد العلاقات مع الصين.
ومن ناحية أخرى قوى سوهارتو مكانة بلاده الإقليمية فقادت إندونيسيا فى عهده منظمة شعوب جنوب شرق آسيا "آسيان".
ففى عهده ازدهر الاقتصاد الوطنى وأقدم المستثمرون الدوليون على الاستثمار فى إندونيسيا.
غير أن ملامح أزمة اقتصادية حادة بدأت تلوح على إندونيسيا وبدأت الروبية الإندونيسية تفقد قيمتها وارتفعت نسبة التضخم بشكل كبير واتسعت دائرة البطالة وأعلن مدراء صندوق النقد الدولى استحالة استقرار الاقتصاد الإندونيسى مع وجود سوهارتو فى الحكم.
ومارس سوهارتو إجراءات تقشف اقتصادية سنة 1998، وقد أحدثت الإجراءات أزمة ثقة فى نظامه على المستوى الداخلى.
وفى مارس 1998 أعاد مؤيدو سوهارتو فى البرلمان انتخابه رئيسا للبلاد للمرة السابعة.
ولم تمض من ولاية سوهارتو إلا شهور قليلة حتى خرج الطلاب فى مظاهرات عارمة استحلوا أثناءها العاصمة جاكرتا وحاصروا البرلمان مطالبين بإصلاحات ديمقراطية لينتهى الأمر باستقالة الرئيس سوهارتو فتولى نائبه حبيبى رئاسة البلاد لفترة مؤقتة إلى حين قيام انتخابات عامة.
وتقول جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة إنه تسبب فى مقتل ما يقرب من مليون شخص من المعارضين.
واستقر سوهارتو بعد مغادرته للحكم برفقة أسرته فى إحدى ضواحى جاكرتا، متواريا عن الأنظار والظهور الشعبى إلا قليلا. وضع سوهارتو سنة 2000 فى بيته تحت الإقامة الجبرية عندما بدأت السلطات بالتحقيق فى ثروته. ولم يحضر سوهارتو المحاكمة التى اتهم فيها باختلاس571 مليون دولار، لتمويل مشاريع يديرها أفراد من أسرته، نظرا لحالته الصحية المتدهورة .
ثم أعلن عن محاكمته من جديد سنة 2002، لكنها توقفت بعد أن أعلن الأطباء عن إصابة سوهارتو بمرض فى الدماغ، ثم تكاثرت عليه الأمراض بعد ذلك، الأمر الذى أجل محاكمته إلى حدود سنة 2005 وقد أعيد فتح ملف محاكمته سنة 2006، وطولب بإجراء فحوصات طبية على سوهارتو لإثبات إمكانية محاكمته لكن دون جدوى إلى أن توفى فى يناير 2008.
بينوشيه.. ديكتاتور تشيلى أفلت من المحاسبة.. وكان حساب الله أسبق!
«كنا نأمل أن تطاله العدالة الدولية ونشهد القصاص منه.. لكن عذرنا أن نال عقابه فى الضمير الشعبى منذ عقود. وليس أعدل بعد ذلك من حكم التاريخ وذاكرة الشعوب!!»
كانت تلك هى الكلمات التى علقت بها إحدى التشيليات على وفاة الديكتاتور التشيلى أوجستو بينوشيه والذى لم يكن مفاجئا أن يخرج إلى الشوارع ابتهاجا بموته عشرات الآلاف من التشيليين سواء فى تشيلى أم فى بقية بلاد العالم التى هرب إليها تشيليون خلال حكمه وطلبوا اللجوء السياسي. وإن كان هؤلاء اختلطت لديهم مشاعر الفرح بمشاعر الإحباط بسبب عجز العدالة الدولية عن القصاص من طاغية راح ضحية انتهاكاته لحقوق الإنسان ثلاثة آلاف قتيل كما تعرض 28 ألف شخص للتعذيب فى فترة حكمه حيث قضى بينوشيه 27 عاما فى الحكم كان فيها كما يقول محللون مخلب القط الأمريكى فى المنطقة..وكان ولاؤه الأساسى لواشنطن وليس لشعبه .. فبمجرد قيامه بالانقلاب حل الكونجرس التشيلى، و علق الدستور، وأعلن تشكيل المجلس العسكرى الحاكم، و حرم الأحزاب السياسية اليسارية و مارس الإرهاب السياسي. و أعلن صراحة بأنه يطمح ل: "جعل تشيلى أمة من رجال الأعمال، لا البروليتاريين" . إنه الرجل صاحب المقولة الشهيرة : "لا تتحرك ورقة شجرة فى هذا البلد إذا لم أحركها بنفسى، فليكن هذا واضحا"!
فى السنوات الأخيرة من حكمه لاحقته منظمات حقوق الإنسان بدعاوى قضائية تطالب بالقصاص لضحاياه بعد ثبوت تورطه فى تهريب عشرات الآلاف من الدولارات من المال العام إلى خارج البلاد وقيامه بالتزوير الضريبى، غير أن العدالة الدولية البطيئة أمهلته إلى أن حان أجله الطبيعى رغم أنه تم اعتقاله ومحاكمته، ففى عام 1998 ألقت السلطات البريطانية القبض على الجنرال بينوشيه بلندن وبالرغم من تسريحه بعدها لظروفه الصحية إلا أن ذلك شجع القضاء التشيلى على البدء فى التحقيق فى بلاغات القتل الجماعى إبان رئاسته مما أدى إلى سلسلة من الاعتقالات فى حقه وضعته فى حالة من الدفاع حتى موته فى 2006 بعد أن كانت السلطات القضائية وضعته قيد الإقامة الجبرية تمهيدا لمحاكمته فى الدعاوى القضائية المرفوعة ضده عن الجرائم الوحشية ضد معارضيه أثناء حكمه الذى استمر أكثر من عشرين عاما، حيث وجهت له تهم بالمسئولية عن مقتل واختفاء الآلاف من معارضيه بعد استيلائه على السلطة فى انقلاب عسكرى عام 1973. لتأتى وفاته واضعة نهاية للمعركة التى دارت رحاها فى المحاكم حول ما إذا كان ديكتاتور شيلى سوف يعاقب أم لا. وقد قرر القاضى جوزمان أيضاً أن الدكتاتور السابق ليس فاقداً لقواه العقلية، ويستطيع التمييز بين الصواب والخطأ. وهو قرار فى غاية الأهمية، حيث إن بينوشيه كان يسعى إلى استصدار قرار برفض محاكمته بحجة انعدام أهليته العقلية. حيث إن الجلطة التى أصابته أخيراً، والتى أرسل على إثرها إلى مستشفى عسكرى حيث استعاد وعيه وقدرته على الحركة ستقدم له الحجة التى سيطالب على أساسها بتوقيع الفحص الطبى عليه من جديد، وبالتالى المزيد من التأجيلات مع تقدم الدعوى القضائية الجنائية المقامة ضده. وبالفعل تذهب الجهود التى بذلها جوزمان لكى تأخذ العدالة مجراها مع ذلك الديكتاتور سدى، ولولا إصرار القاضى الإسبانى "بالتسار جارزون" على ملاحقة القضية، لكانت محاكمة بينوشيه قد باتت فى حكم المستحيل. ويرجع هذا إلى المعارضة القوية من قِبَل طبقة الأثرياء ورجال الإعلام فى شيلي. كما كان إفراط حكومة شيلى فى الحذر من حالة عدم الاستقرار بعد سقوط الديكتاتورية سبباً من الأسباب التى أعانت بينوشيه على مراوغة العدالة، حيث مجرد التفكير فى مثول بينوشيه أمام العدالة كان من المستحيلات لولا النضال البالغ الأهمية فى ساحات حقوق الإنسان، والذى خاضته منظمات أسسها الضحايا، وأسر الضحايا، وجهابذة القانون الذين ظلوا رغم كل المصاعب مخلصين لقضيتهم لعقود من الزمان. وبسبب تماسك وصبر أهل شيلى وحماستهم العارمة فى مطالبة الدولة بالوفاء بالتزاماتها تجاه حماية حقوقهم، فقد وجد بينوشيه نفسه وقد وقع فى قبضة العدالة رغم وجود "البينوشيزمية" فى شيلي. فهناك مناصرون له من ذوى السلطة والنفوذ ما زالوا يدافعون عنه، مستعينين فى ذلك بكل وسيلة ماكرة ملتوية تسنح لهم ورغم نجاح أهل شيلى مع الوقت فى التصالح مع الماضى حيث الآن تتعايش وجهات نظرهم المختلفة ويعيشون معاً فى سلام إلا أن صدور الحكم القضائى بإدانة بينوشيه لهو بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام حتى وإن كان الحكم الإلهى أسبق.
فرديناند ماركوس.. مكن المستغلين من نهب البلاد.. ديكتاتور الفلبين الهارب
تعد الثورة الفلبينية فى فبراير 1986 النموذج الأمثل للثورة الوطنية فى الربع الأخير من القرن العشرين. فقد نجحت المقاومة الوطنية فى الإطاحة بالديكتاتور فرديناند ماركوس الذى تولى رئاسة الفلبين منذ عام 1965 إلى عام 1986 قبل أن يفر هو وعائلته - بعد إضرابات شهدتها الفلبين ضد حكمه - إلى هاواى ليموت بعد ثلاث سنوات وتوضع جثته حتى الآن فى قبو مجمد ببلدته شمال البلاد بعد إصرار زوجته إميلدا ماركوس – ذات الثلاثة آلاف حذاء - على دفنه فى مقبرة الأبطال القوميين التى يرقد فيها كل رؤساء الفلبين السابقين، إلا أن طلبها يرفض حتى الآن لأن ماركوس كان ديكتاتورا وحكم الشعب بالحديد والنار . فهو طاغية الفلبين الشهير الذى قضى على الحياة الديمقراطية فى بلاده وحكمها مع أسرته أكثر من عشرين عاما حكما استبداديا مطلقًا مكن فيه بطانة من المستغلين والمنافقين ليحكموا البلاد معه وبنهبوها ويدمروها .
أحكم ماركوس قبضته على كل شئون البلاد وكانت زوجته " إميلدا " وزيرة للمستوطنات البشرية ومحور كل نشاط نسائى فى الفلبين والداعمة الأولى لحقوق النساء حيث ترعى عشرات من المؤسسات النسائية. وفى عصرها أصبحت لكل فئة من النساء نقابة تدافع عن حقوق المهنة. وكان هؤلاء جميعا دائما فى مقدمة مستقبليها بالمطار وكُنّ العمود الفقرى للمظاهرات النسائية التى كانت تهتف لها فى شوارع مانيلا . أما فرديناند الابن فكان يشغل منصب نائب محافظ .
يأتى عام 1986 ويزداد التدهور الاقتصادى ويصبح على ماركوس إثبات أنه مازال الرجل القوى القابض على مقدرات الأمور كلها رغم إصابته بالسرطان والفشل الكلوى فيعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة ولكنه يواجه معارضة قوية تحت زعامة "كورازون أكينو" زوجة الزعيم الراحل " بنينو أكينو" الذى كان يعد واحدا من أشهر رجال المعارضة فى الفلبين، وكان من أقوى المرشحين للرئاسة، وتم التضييق عليه بواسطة الجيش السرى الخاص بالرئيس ماركوس، واعتقل دون محاكمة وأصدرت المحكمة العسكرية حكماً بإعدامه فى 1975، ولم ينفذ الحكم لخوف ماركوس من مغبة الأمر، وفى 1978 تم نفيه إلى أمريكا وهناك أعلن المقاومة وعمت الفوضى والمظاهرات والعصيان المدنى الفلبين، وقرر «ماركوس» التفاهم معه فى منفاه لإقناعه بالعودة إلى الفلبين والمشاركة فى الحكم. وفى طريق عودته فى 21 أغسطس 1983، وصلت الطائرة المقلة ل«أكينو» ومرافقيه إلى مطار مانيلا وكان الآلاف فى انتظاره، وعند سلم النزول أطلقت رصاصة على مؤخرة رأسه فمات على الفور!
وفى يوم الانتخابات الرئاسية يتجمع الآلاف وينزلون جميعاَ إلى الشوارع لمساندة" كورازون أكينو". ورغم النجاح الساحق لها فإن ماركوس لم يستسلم وأصر على أنه هو الفائز.. وأنه مستمر فى رئاسة الجمهورية. هنا تفجر الموقف وزحفت الجماهير تهتف بسقوط الديكتاتور معلنة أنها لن تغادر مكانها حتى رحيل ماركوس الذى أمره حرسه الخاص بالقضاء على المتمردين إلا أنهم رفضوا الانصياع لأوامره ووقفوا إلى جانب الشعب. فى نفس اللحظة اتصل الرئيس الأمريكى آنذاك رونالد ريجان بماركوس مخبرا إياه بضرورة التخلى عن السلطة، وأن هناك طائرة تتجه إليه الآن فى القصر الرئاسى لتقله وأسرته إلى الولايات المتحدة لتطوى الفلبين صفحة سوداء من تاريخها الحافل بالأحداث بعد استقرار ماركوس فى هاواى، لكن تتدخل الولايات المتحدة على طريقتها وتقرر محاكمة الرئيس "الهارب" بتهمة اختلاس أموال الشعب الفلبينى وشراء عقارات بتلك الأموال القذرة فى "الولايات المتحدة الأمريكية! لم تكن المشكلة الأساسية فى عقارات ماركوس و ولا أحذية زوجته إميلدا، بل فى عقارات لا حصر لها تملكها جماعته ونخبة الحكم الفلبينية فى كل من أوروبا وأمريكا، مضافاً إليها آلاف الفلبينيين المتسوّلين فى الداخل والخارج . لقد بدا ماركوس فى أيامه الأخيرة وكأنه لا يمتلك أى مشروع للفلبين سوى مسدسه. وعليه سئمه الشعب الفلبينى على نحو مريع. ولكن تأتى وفاته فى منفاه بهاواى فى 28 سبتمبر 1989 لتسقط عنه حساب الدنيا دون أن يمثل أمام أية محكمة لتبقى جثته بدون دفن حتى الآن كشاهد عيان على سوء الخاتمة.
نورنبيرج.. النازيون دفعوا الثمن.. محاكمة المنتصر للمهزوم
يعتقد كثيرون خطأ أن المحكمة الدولية العسكرية (IMT) والتي عرفت تاريخيا بمحكمة نورنبيرج، وشهدت محاكمة عدد من قيادات ألمانيا النازية عقب إعلان انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا النازية وحلفائها، قد تشكلت عقب توقيع وثيقة استسلام ألمانيا النازية فعليا فى 7 مايو 1945م، إلا أن الحقيقة - وكما عرفت فيما بعد هذا التاريخ - أن فكرة محاكمة القادة العسكريين وبعض المدنيين فى ألمانيا النازية قد بدأت قبل هذا التاريخ بنحو عامين، ففي أواخر عام 1943م، وعلى مائدة عشاء ثلاثية ضمت كلا من: جوزيف ستالين، وفرانكلين روزفلت، وونستون تشرشل، على هامش مؤتمر طهران، تم طرح الموضوع بجدية، واتفق قادة الدول الثلاث الحليفة روسيا وأمريكا وبريطانيا على تشكيل المحكمة عقب الإجهاز على قوات النازيين الذين كانت إرهاصات هزيمتهم قد بدأت فى الظهور بجلاء خلال هذا التاريخ.
لم يستغرق الاتفاق على تشكيل المحكمة وقتا طويلا، فعقب توقيع وثيقة استسلام ألمانيا النازية 7 مايو 1945م، وبعد ثلاثة أشهر فقط، تم فى 8 أغسطس عام 1945 إعلان ميثاق المحكمة العسكرية الدولية (IMT) فى مؤتمر بالعاصمة البريطانية لندن، ونص الإعلان على أن تتألف المحكمة من 4 قضاة من كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمى، والاتحاد السوفيتي، ثم فرنسا، وتم الاتفاق على أن تجرى وقائع المحكمة فى قصر العدل بمدينة نورنبيرج الألمانية.
نورنبيرج ولائحة الاتهام
تقع مدينة نورنبيرج على ضفة نهر بيجنيتز، فى مقاطعة بافاريا جنوبي ألمانيا، وقد شهدت أروقة قصر العدل فيها وقائع محاكمة 22 من كبار قادة ألمانيا النازية الباقين على قيد الحياة آنذاك، وتضمنت لائحة اتهامهم 4 تهم هي:
- التآمر لارتكاب التهم 2 و3 و4.
- ارتكاب جرائم ضد السلام. وتم تعريف هذه التهمة بأنها: الاشتراك فى تخطيط وشن حرب عدوانية بما ينتهك اتفاقيات دولية عديدة.
- ارتكاب جرائم حرب. وتم توصيف هذه التهمة بأنها: انتهاك القواعد المتفق عليها دوليًا لشن الحرب.
- ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتم تحديد هذه الجرائم بأنها: القتل والإبادة والاستعباد والترحيل وما وصف بالأفعال غير الآدمية المُرتكبة ضد أي مدنيين، قبل أو أثناء الحرب أو الاضطهاد على أساس سياسي أو عرقي أو ديني فى تنفيذ أية جريمة داخل قضاء المحكمة العسكرية أو ما يتصل بها، سواءً كانت أو لم تكن ضمن انتهاك القانون المحلي للدولة التي تم ارتكابها فيها.
قائمة المتهمين والأحكام:
شملت قائمة المتهمين كل من:
- هيرمان جورنج (أحد كبار القادة، واختير ليكون خليفة لهتلر). أدين وحوكم بالإعدام.
- رودلف هس (نائب زعيم الحزب النازي). أدين وحوكم بالإعدام، وخففت العقوبة للسجن المؤبد لظروف صحية.
- يواكيم فون ريبنتروب (وزير الخارجية). أدين وحوكم بالإعدام.
- فيلهلم كيتل (رئيس القيادة العليا لجيش الدفاع الألماني). أدين وحوكم بالإعدام.
- مارتان بورمان (أمين عام الحزب النازي). أدين وحوكم غيابيا بالإعدام.
- فيلهلم فريك (وزير الداخلية). أدين وحوكم بالإعدام.
- فالتر فونك (وزير الاقتصاد). أدين وحوكم بالسجن المؤبد.
- هانز فريتشه (رئيس قسم الأخبار فى الإذاعة الألمانية). تمت تبرئته.
- إرنست كالتنبرنر (رئيس قوات الأمن). أدين وحوكم بالإعدام.
- هانز فرانك (المحامي العام لألمانيا النازية والحاكم العام لبولندا المحتلة). أدين وحوكم بالإعدام.
- كونستانتين فون نوراث (وزير الخارجية، ثم حاكم بوهيمياوموريفيا). حوكم بالسجن لخمسة عشر عاما.
- إريش رايدر (قائد البحرية النازية). حوكم بالسجن مدى الحياة.
- كارل دونيتز (قائد القوات البحرية وخلف هتلر كرئيس لألمانيا). أدين وحوكم بعشر سنوات سجنا.
- ألفريد جودل (رئيس أركان القوات المسلحة). أدين وحوكم بالإعدام، وتمت تبرئته بعد تنفيذ الحكم بسنوات.
- ألفريد روزنبرج (المنظر الرئيسي لسياسات الحزب النازي). أدين وحوكم بالإعدام.
- بالدور فون شيراخ (رئيس منظمة شباب هتلر). أدين وحوكم بالسجن 20عاما.
- جوليوس شترايخر (ناشر صحيفة دير ستومر، ونشر 3 كتب وصفت بمعاداة السامية). أدين وحوكم بالإعدام.
- فريتزساوكل (رئيس مناطق العمل بالسخرة). أدين وحوكم بالإعدام.
- ألبرت شبير (وزير التسليح). أدين وحوكم بالسجن 20 عاما.
- آرثر سايس إنكوارت (الحاكم العام لهولندا المحتلة). أدين وحوكم بالإعدام.
- جوستاف كروب (رئيس مؤسسة كروب الألمانية للصناعات الثقيلة). لم يحاكم لأسباب صحية.
- روبرت لي (رئيس الجبهة الألمانية للشغل). انتحر قبل بدء المحاكمة.
- فرانز فون بابن (مستشار وسفير لدى النمسا وتركيا). تمت تبرئته.
- هيلمار شاخت (رئيس البنك المركزي الألماني ووزير الاقتصاد قبل الحرب). تمت تبرئته.
حول شرعية وقانونية المحكمة:
ثارت العديد من الملاحظات حول شرعية وقانونية المحكمة، لعل من أهمها أن المحكمة التي وصفت بالعسكرية الدولية لم تكن محكمة بالمعنى المعروف، وإنما أقرب لمحاكمة المنتصرين فى الحرب لقادة الدولة المهزومة، إذ تألفت المحكمة فى البداية من ثلاثة قضاة أمريكي وبريطاني وسوفيتي، ثم أضيف إليهم قاض فرنسي، ولم يكن بينهم أي قاض ألماني أو من جنسية أخرى، كما لم يمكن المتهمون من اختيار أي محامين للدفاع عنهم، كما أن القضاة الذين أوكلت إليهم مهمة محاكمة المتهمين لم يستندوا أثناء صياغة لائحة الاتهام إلى قانون أي من الدول الأربع التي ينتمون إليها، كما تمت المحاكمة دون أسانيد قانونية واضحة، ما جعلها أقرب للانتقام منها للمحاكمة القانونية، دون أن يخفف هذا الوصف من الفظائع التي ارتكبها النازيون وحلفاؤهم على مدار سنوات الحرب الطوال.
بول بوت.. ارتبط اسمه ب «الخمير الحمر»..كمبوديا.. مصرع السفاح
«مصرع السفاح الأكثر دموية فى تاريخ المنطقة»، «موته كان أسهل طريقة للفرار»، «مات دون محاكمة»، تلك كانت عناوين صحف آسيا تعليقا على وفاة بول بوت..
لم يكن بول بوت سوى طالب متخلف يميل بطبيعته إلى الغموض والكتمان والبقاء بعيدا عن الأضواء وكان هذا التخلف هو السبب فى تحوله إلى أحد أكبر السفاحين فى القرن العشرين، حيث أعدم عدة مئات الآلاف من الكمبوديين وبلغ الذين قتلهم خمس سكان البلاد، وذلك على أيدى المنظمة الشيوعية التى كان يترأسها والتى اشتهرت فى العالم أجمع باسم "الخمير الحمر" والذين كانوا يميلون باستمرار إلى التطرف فى جميع الأمور فإذا أضفنا الهدوء إلى التطرف يصبح القتل بدم بارد هو النتيجة المنتظرة.
ارتبط اسم «الخمير الحمر» باسم هذا السفاح الذى كان فى الأصل قائدا كمبوديا استولى على الحكم فى مطلع السبعينيات. قاد الشيوعيين الماويين -"الخمير الحمر"- . وقد انقلب هذا القائد إلى ديكتاتور، و مجرم قاتل حيث اقتيد الملايين من أبناء الشعب الكمبودى إلى معسكرات الاعتقال حيث تمت إبادتهم وقتلهم، وكانت هناك متاحف كبيرة من جماجم الكمبوديين الذين قتلهم نظام بول بوت.
بدأت القصة عندما اجتاحت ميليشيات بول بوت العاصمة الكمبودية بنوم بنه، وأسقطت نظام المارشال لون نول، الذى سبق أن أطاح بحكم الأمير نوردوم سيهانوك. وما إن هيمنت حركة "الخمير الحمر" حتى شرعت فى تنفيذ مخطط الإبادة الذى كان معد سلفا، حيث صدرت أوامر صارمة بإخلاء العاصمة، وطرد سكانها إلى المناطق الريفية، وتم اغتيال المثقفين والمهنيين تحت شعار الانتقام الطبقى، ويبدو أن التحاق بول بوت بالثوار فى أدغال كمبوديا فى عام 1963 بمنطقة قريبة من الحدود مع فيتنام، حيث أمضى فيها تسع سنوات من حياته فى الغابات كانت لها عظيم الأثر وراء اكتسابه هذه الذهنية المتوحشة، فوراء سلوكياته القمعية اللاحقة نجد أنه حاول أن يفرض على الكمبوديين نمط حياة قريبا إلى حد كبير من ذلك النمط الذى عاشه فى الغابة. لدرجة أنه حتى بعد الإطاحة بحكمه من الجيش الكمبودى عام 1978، عاش بول بوت فى الأدغال حتى عام 1994. مختفيا بذلك أكثر من عشرين عاما بينما كانت وقائع جرائمه تغطى صفحات الكتب والمجلات. لم يتساءل أحد كيف يمكن لشخص متهم بحرب إبادة جماعية أن يعيش كل هذه السنوات دون أية ملاحقة دولية !
إنها ما يمكن أن يسمى باللامبالاة السياسية والإعلامية. ولكن لأن بعض المنشقين من الخمير الحمر قرروا ذات يوم دعوة العالم لحضور "محاكمة" سفاح كمبوديا. فقد ظهر السفاح كهلاً بشعر أبيض لا يستطيع السير. يستمع إلى "محاكمته" ويجلس بدون وعى أمام سيل من الاتهامات من قتل وتعذيب وفساد غير عابئ بالطبع بالدفاع عن نفسه بينما جلس بجانبه بعض أعوانه ممن ربطت أياديهم.
أمام هذا الضعف والعجز وآثار المرض طفا السؤال على السطح: كيف لهذا العجوز أن تكون لديه هذه القدرة الدموية على القتل والتخريب. كيف له بقتل نحو مليونى شخص خلال حكم الرعب الذى ساد فى عهد الخمير الحمر فى كمبوديا (1975-1979) .
تمت المحاكمة بتهمة «الخيانة» وحكم عليه بالسجن المؤبد على يد رفاقه القدامى خلال هذه المحاكمة الشعبية " التى جرت فى 1997. ولكن القدر لم يمهل أحدا لتنفيذ الحكم، إذ بعد تسعة أشهر من الاختفاء مجدداً ظهر بول بوت كجثة هامدة. وتضاربت الأقاويل حول سبب الوفاة فالبعض أكد أنها سكتة قلبية بينما رأى البعض الآخر أنها جريمة قتل عن طريق الخنق.. وفى اللحظة التى ناشد فيها الكمبوديون تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة كانت شبكات التليفزيونات العالمية تنقل وقائع التهام النيران لجثمان بول بوت ليصرخ جيمى كارتر عن خيبة أمله لوفاة بوت دون محاكمة !
التايم الأمريكية: الحكم إزهاق لما تبقى من روح حركات الربيع العربى..وهل كانت لقطات ضرب المتظاهرين فوتوشوب!
ما قالته وسائل الإعلام الأجنبية عن محاكمة القرن: البراءة لمبارك.. والإعدام لثورة 25 يناير!
"البراءة لمبارك والإعدام لثورة 25 يناير" كان هذا هو العنوان والمعنى والمضمون الأبرز لمعالجة الصحافة الأمريكية والبريطانية على حد سواء فى تغطيتها لمحكمة القرن، و لم تخرج معظمها فى تحليلها للحدث عن سياق واحد شبه ثابت ومكرر فى أغلبها مع تنويعات بسيطة يبدأ برصد تفاصيل الجلسة رصدا لم يغفل عن أدقها مثل رابطة عنق القاضى و محاولة كل من علاء وجمال مبارك إخفاء والدهما كسلوك فطري، ثم استعراض تاريخ مبارك منذ أن كان نائبا للرئيس الراحل أنور السادات . ووجهت معظم التحليلات سهام النقد للنظام القضائى المصري .
مجلة "تايم" الأمريكية ذهبت فى تحليلها إلى أبعد من ذلك حيث رأت أن الحكم فى قضية القرن ليس فقط ضربة قاضية لثورة 25 يناير بل إزهاق لما تبقى من روح حركات الربيع العربى، وذلك فى تقرير لها على موقعها الإلكترونى استند إلى تصريحات عدد من الخبراء الأجانب وفى مقدمتهم سارة لى وتيسون-المدير التنفيذى بمنظمة هيومان رايتس واتش لمنطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا- والتى قالت " إن الحكم الصادر بتبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك هو صفعة قاسية على وجه الشعب المصرى الذى توقع أن تحمل له ثورته العدالة والمساواة، وثمة تناقض فى أحكام القضاء المصرى، ففى الوقت الذى أخفقت فيه محكمة القرن فى الحصول على أدلة تثبت مسئولية مبارك عن قتل المتظاهرين بالشوارع إبان ثورة 25 يناير، فإن المحاكم المصرية تُصدر أحكام إدانة ضد المئات لمجرد مشاركتهم بالمظاهرات ".
ويشاركها الرأى ناثان برون- أستاذ العلوم السياسية والمتخصص بالنظام القضائى المصرى تحديدا بجامعة جورج واشنطن- قائلا: "هذا الحكم هو بلا شك انتصار لما يسمى بالدولة العميقة، والمحاكمة كانت منذ بدايتها مسيسة وإن كان هذا لا يعنى أن الحكم من الناحية القانونية باطل أو غير شرعى، ولكننى أعنى أنه طالما أن لائحة الاتهامات المنسوبة للرئيس الأسبق حسنى مبارك جنائية بحتة وليست سياسية فكان يجب أن تحظى بتعاون كامل من جانب الأجهزة الأمنية لإمدادها بالأدلة اللازمة للحكم، لأن القاضى حكمه مرهون بالأوراق التى بين يديه، لكن من الواضح أن المحاكمة لم تحظ بتحقيق كامل واف".
وتساءلت المجلة على لسان أحد المتظاهرين قرب ميدان التحرير عشية إعلان الحكم "من الذى قتل المتظاهرين؟ هل قتلوا أنفسهم؟ أم أن ما شاهدناه كان فوتوشوب!
تلك الحالة من الحيرة والتناقض عبرت عنها أيضا مجلة "الإيكونوميست "فى تقرير لها بعنوان "محاكمة القرن تستند إلى نظرية المؤامرة لتبرئة مبارك " واصفة إياها بالمحاكمة بالغة الحساسية والإثارة، راصدة ردود الأفعال التى تباينت ما بين الغضب لدى البعض والفرحة لدى البعض الآخر والسخرية لدى فريق ثالث سلطت عليه المجلة الضوء، حيث اعتبرت أنه نجح فى إيجاز واختزال الحدث برسوم الكاريكاتير والنكات التى برع فيها الشعب المصرى، وأوردت المجلة مثالا لنكتة بأحد أبرز الصحف المصرية وإن لم تسمها ولكنها تعبر عما يدور بالشارع المصرى والمقاهى وأذهان البعض، وهو رسم كاريكاتورى يصور أحد ضباط الشرطة يعنف متهما بسرقة ملابس من أحد المحال المتخصصة بأعمال النظافة، لإصراره على أنه برىء فما كان من المتهم إلا أن قال له "مثلما لم تقتل أنت المتظاهرين!
وأعربت المجلة عبر تقريرها عن دهشتها من إخفاق المحكمة فى العثور على أدلة تدين الرئيس الأسبق مبارك أو وزير الداخلية حبيب العادلى أو أيا من مساعديه برغم مشاهد ولقطات استهداف الشرطة للمتظاهرين ودهس بعضهم والتى التقطتها عدسات كاميرات الهواتف النقالة للمواطنين خلال الثمانية عشر يوما عُمر الثورة المصرية.
واللافت للنظر أن أغلب وسائل الإعلام الغربية ركزت بشكل كبير على الفريق الساخر، بالطبع كان للقطاعات الغاضبة التى خرجت للشوارع نصيبا وافرا فى تغطية الصحف العالمية ولكن كان للنكات والتعليقات الساخرة التى اجتاحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعى حظا لا بأس به بالتغطية العالمية فها هى "السى إن إن" بتقرير لها بعنوان " البراءة لمبارك .. ولكن لا تزال الدراما مستمرة " تورد بعض تعليقات المواطنين عبر "الفيس بوك" فيما يخص شائعات مرض مبارك التى رافقت محاكمته منذ بدايتها على شاكلة أن الطبيب المعالج للرئيس الأسبق عندما زاره بالمستشفى نصحه بأن يكف عن الموت لأن ذلك الأمر ضار جدا بصحته !
أما صحيفة "النيويورك تايمز" فقد نشرت عبر موقعها الإلكترونى فور إعلان الحكم مباشرة تقريرا يفيد بأن هذا الحكم جاء منسجما مع المناخ السياسى العام الذى تعكسه وسائل الإعلام التى دأبت أخيرا على وصف ثوار 25 يناير بأنهم " طابور خامس" وترافق ذلك مع فتح أبواب السجون ليخرج منها رموز النظام السابق.
معهد " بروكيينجز" قام بنشر تقرير مختصر أعدته تامارا كوفمان- مدير وحدة دراسات الشرق الأوسط بالمعهد –يفيد بأن هذا الحكم لم يمثل مفاجأة أو صدمة بل على العكس كان متوقعا لدى خبراء القانون الذين هم على دراية بهشاشة الأدلة التى تُعد فى عُرف القانون مجرد قرائن لا يمكن الاستناد إليها .
ولكن الفئة الأكثر تأثرا بطبيعة الحال هى أهالى الضحايا الذين باتوا اليوم ينتظرون مستقبلا سُلبت منه أحلام ذويهم وآمالهم حتى فى أحكام عادلة لترتاح أرواحهم بمرقدها .
وأخيرا يبقى السؤال: إذا ما كانت ثورة 25 يناير هى المُدانة هل من فرصة لاستئناف الحكم أو الطعن عليه؟
لم تختلف الصحافة الفرنسية عن مثيلاتها البريطانية والإنجليزية، إذ اشتركت معهما فى كون الحكم رغم توقعه فإنه صادم بخاصة حكم براءة حبيب العادلى . ففى تحليل لإذاعة صوت فرنسا قالت ناتالى برنارد، وهى محامية ومديرة أبحاث معهد "سيبيد" إن الحكم خطوة إلى الوراء، ولكن الشىء المدهش أن يأتى هذا الحكم بعد الحكم الأول بسجن مبارك مدى الحياة وذلك عام 2012 ! وعليه فإذا كان القاضى الذى أصدر حكم البراءة برر حكمه بعدم كفاية الأدلة وانعدام المستندات أو نقصها، فمن أين حصل الذى سبقه على المستندات التى بررت بالسجن مدى الحياة؟ وعليه فإن الأحكام مسيسة، وتلك هى مشكلة القضاء المصرى، على حد تعبير المحامية الفرنسية، حيث رأت أن توريث مهنة القضاء واستقلاله التام بهذا الشكل هى الكارثة الحقيقية وعليه لابد من إصلاح هذا النظام.
خبراء القانون يقدمون الإجابة.. كيف نحاكم مبارك «سياسيا»؟
الطعن وقانون الغدر أقصر الطرق لإدانة الإفساد السياسى
هل أفلت مبارك ونظامه من أى عقاب؟ وهل ما ارتكبه من أفعال لا يمكن محاسبته قانونيا عليها؟ وماذا يمكن أن يقدم رجال القانون من جهود لتحقيق العدالة مع نظام ارتكب ما ارتكبه فى حق مصر وشعبها؟ أسئلة عديدة ثارت بعد إعلان المستشار محمود كامل الرشيدى قاضى محاكمة «قضية القرن» براءة مبارك ونجليه، والعادلى ومساعديه، السطور المقبلة تكشف عن أن رجال القانون لم يفقدوا الحيلة، وأن هناك طرقا عديدة يمكن سلوكها لإدانة مبارك.
من جانبه يرى المستشار بهاء الدين أبو شقة السكرتير العام لحزب الوفد أن تفعيل قانون الغدر واستخدامه فى مثل هذه المحاكمات هو الحل الأفضل، خصوصا أن إصداره الأول عقب ثورة 1952 كان خصيصا لمثل هذه الحالات من المحاكمات، ويستكمل حديثه قائلا:"الأساس فى دولة القانون هو أن يحكمها الدستور، لأن الأصل فى الأحكام والتى لا تزول إلا بحكم تنظمه قواعد محددة رسمتها القوانين المنظمة لذلك وسواء كانت هذه القوانين مدنية أو جنائية فليس لدينا فى القانون المصرى من النصوص التى تحاكم الحكام على الأخطاء السياسية، مستندة فى ذلك على قانون سياسى لهذه الوقائع التى ينظمها قانون عقوبات فى الأصل".
ويمضى المستشار أبو شقة فى الحديث عن إيجاد حلول بديلة مستكملا: "لابد من أن ننتبه إلى أنه على الرغم من صدور قانون الغدر فى أعقاب ثورة 1952 والذى يعاقب على جريمة الإفساد السياسي، والتى تقضى بفرض عقوبة السجن ردا على الوقائع التى تتعلق بالأخطاء السياسية ما لم تندرج تحت نصوص عقوبية، ومن هنا جاء من قبل قرار تفعيل هذا القانون أكثر من مرة لأنه بمضى الزمن لابد أن يعود هذا القانون ويفعل لأنه لم يلغ".
ويستطرد المستشار أبو شقة قائلا:"لابد من تحريك الدعوة السياسية من النائب العام حتى يتسنى لنا أن نتلافى القصور التشريعى غير المفعل للنص التشريعى الذى يجابه من يمارس الإفساد السياسي، ومن هنا جاء قانون الغدر ليتلافى الأصل لكن المبدأ الأساسى أنه لا جريمة أو عقوبة إلا بنص القانون الدستورى ولا عقوبة تقع على المذنب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون، وبحكم قانونى واضح، فلا نستطيع أن نسن قانونا جديدا الآن لنحاسب به مبارك ورموز نظامه، وإلا أصبح قانوناً غير دستورى، مثلما فعل الإخوان بتشريع قانون العزل السياسي، وأقرينا عند إصدار هذا القانون أنه قانون غير دستوري، لأنه يعاقب على وقائع سابقة على صدور القانون، أى بأثر رجعى للفعل، ونحن أمام قانون قائم منذ عام 1952 وصالح للتطبيق، ولكن كل ما هناك أننا بحاجة إلى ضمانات لتفعيل هذا القانون للعزل السياسي، وهى ضمانات أن تكون الإحالة إلى المحكمة من النيابة العامة بعد تحقيق تجريه مع المدان".
ويؤكد أبو شقة ضرورة أن تنظر المحكمة إلى الواقعة وتقرر فيما إذا كان إفسادا سياسيا أم لا، وفى حالة ثبوت ذلك يتم البحث فى مدى تأثير هذا الإفساد السياسي، ومن هنا تحول القضية إلى محاكم الجنايات، وبذلك نكون قد حققنا عدة خطوات، حيث إننا أمام نصوص تحاكم عن الإفساد السياسي، كما أننا نبتعد عن شبهة عدم الدستورية، أى أننا أمام ضمانات إجرائية تتعلق وتكفل جميع حقوق المتهمين فى أن يدافعون عن أنفسهم ضد أى تهمة فى هذا القانون، وحتى لو تهمة إفساد الحياة السياسية، وفى آخر الأمر فإنه بالنسبة لمن يقترحون إجراء محاكمات ثورية استثنائية فللأسف فإنها تأتى فى لحظات انفعالية، وأثبت الواقع العملى سابقا أنه يؤدى إلى نوع من أنواع الظلم، ولا يجب أن ننسى بعد الثورتين اللتين قام بهما الشعب المصرى فى 25 يناير و30 يونيو أنهما كانتا ضد الظلم واغتيال الديمقراطية، وكان من المطالب الرئيسية للشعب المصرى سيادة القانون، وأن نكون أمام محاكم عادية، والشعب رفض المحاكم الاستثنائية.
ويشترك مع نفس وجهة النظر المحامى والفقيه القانونى عصام الإسلامبولى، والذى يرى أن الجريمة والعقوبة لابد وأن تكونا بقانون وأفعال لاحقة تصدر من الشخص المدان، ولا يمكن أن تسرى على أفعال سابقة لإصدار القانون، ويضيف قائلا:"لماذا نبحث عن قانون جديد نعيد به محاكمة البعض، ونحن بالفعل لدينا قوانين نعالج بها ونتعامل مع جميع المشكلات القانونية ومن بينها تهمة إفساد الحياة السياسية والذى صدر له بالفعل قانون يحكمه فى عام 1952 وهو قانون الغدر الذى عُدل بعد ذلك عام 1953 ثم عدل للمرة الثالثة عام 2011 وهو قانون دائم ويجب علينا تطبيقه.
ويضيف الإسلامبولى قائلا:"يجب على الجهات المختصة أو المعترضين على أى حكم أن تكون هناك مطالب تقدم إلى المحاكم الثورية بضرورة تطبيق هذا القانون الدائم فى محكمة الجنايات وباقى محاكم مصر، وإن كان فى الأساس موجها لإفساد الحياة السياسية وما يترتب عليه من سلوكيات وأفعال قد تضر بالبلد بأكمله على جميع المستويات فى فترة من الفترات، وهو أمر خطير لابد من الالتفات إليه، لأنه لا يمكن إصدار قانون جديد مع كل حدث يستجد داخل البلاد لكن لو لدينا بالفعل قانون لماذا لا نفعله ويتم تطبيقه أيضا.
بينما يشير المستشار نور الدين يوسف رئيس محكمة استئناف القاهرة إلى أنه يجب انتظار الحكم النهائى للمحكمة، خاصة أننا لا يمكن المطالبة بإصدار قانون جديد فى هذه المرحلة.
ويضيف المستشار يوسف قائلا:"لماذا نتعجل بالحكم ونحن مازلنا فى انتظار الطعن عليه، خصوصا أنه لا يمكن لأى شخص أو هيئة أو جهة التقدم للمحكمة ومطالبتها بتطبيق قانون ما، لأن المحاكم لا يمكن أن تستجيب لرغبات شعبية ولا يجوز لأحد أن يلجأ إليها إلا من كان طرف فى القضية بشكل أساسي، وهى قوانين الدولة وأطراف القضية فقط هم من يستطيعون التعقيب على الحكم، وأيضا النيابة العامة التى من الممكن لها الطعن فى الحكم، لكن من الممكن تكوين هيئة دفاع مؤلفة من مجموعة من المحامين للطعن على الحكم بعد الحصول على توكيلات من ذوى الشأن بهدف مساعدة الناس والتعبير عن رأيهم.
ويستكمل رئيس محكمة استئناف القاهرة قائلا:"بشكل خاص القانون الجديد لابد وأن يصدر من البرلمان المقبل، وأعتقد أنها مرحلة تجاوزناها، لأننا اقتربنا من أن نكون دولة مؤسسات، ولدينا تشكيلات كاملة للدولة، بمعنى أننا لدينا رئيس وحكومة ولدينا أيضا كل الهيئات والجهات الاستثنائية، وانتهت فترة الحكومة الانتقالية أو المحكمة الثورية التى تختص ببحث الأمور فى فترات عدم الاستقرار، وأهمها فترة الثورات أو الطوارئ، بالإضافة إلى أنه لا يشترط أن يكون كل الأشخاص المقدمين للمحاكمة مدانين، ومن هنا لابد لنا من حتمية وضرورة انتظارالطعن لأننا لدينا قانون للطعن والأحكام الصادرة من المحاكم وهو قانون الاستئناف، خصوصا أن كل الأحكام التى تصدر لها طرق طعن تختلف عن بعضها قضية ولا يوجد قانون يلزم القاضى أن يعيد النظر فيها على خلاف طرق الطعن المتاحة.
ويعقب د.على الغتيت المحامى لدى محكمة النقض وأستاذ القانون الدولى والاقتصادى المقارن قائلا:"لابد لكل المعترضين سواء كانوا من عامة الشعب أو من أسر الشهداء والجرحى والمصابين، اللجوء إلى النيابة للطعن على الحكم لقراءة أسبابه وتفاصيله، وذلك حتى تهدأ حالة الغضب الموجودة فى الشارع المصري، كرد فعل لحكم المحكمة، لأن الحديث عن إجراء محاكمات خاصة فى مصر بشكل أو بآخر ليس محل تفكير وهو أمر غير وارد على الإطلاق إلا فى وجود قضاء موافق على ذلك، لكن القانون بالفعل رسم طريق للطعن على الحكم، ولابد تطبيقه فى هذه القضية وفى القضايا الأخري، فيصبح من الطبيعى أن يتقدم المعترضين على الحكم بعرائض إلى النائب العام ليطلبوا فيها استكمال التحقيقات، لأن إذا أقرت المحكمة بأن الفاعلين مجهولون وهو أمر غير طبيعى وغير منطقي، وإذا كانت هذه المجموعات براء ولم يرتكبوا هذه الجرائم، فمن إذن المرتكب لها؟ ولابد للجميع أن يتفهموا أن الانفعال المتحقق والواقع بين الأفراد الآن مفهوم على المستوى الشخصى والأسرى والمجتمعي، لكن فى النهاية لابد من التعرف على الأسباب والإجراءات والتحقيقات التى شرعها القانون وممكن أن تستوفى الحقوق لمن يشعر بضياع وهدر حقوقه.
ويضيف د.على الغتيت قائلا:"من ناحية أخرى لا يمكن لشخص ما أو جهة معينة أن تتقدم بالشكوى إلى المحكمة أو غير ذلك فى محاكمات سياسية، مع العلم أنه يجوز فى محاكمات أخرى سواء فى قضايا قتل وإصابات وهناك تحقيقات أجرتها لجنة تقصى الحقائق أعلن تقريرها منذ أيام، وتشير إلى مسائل فى هذا الصدد لما جرى فى فترات سابقة، وهى بحاجة إلى تحقيقات جنائية على مستوى عال جدا، ولا يمكن أن تتحقق إلا فى إطار القضاء والنيابة، ويصبح عليهم متابعة النيابة فيما بعد لاستكمال التحقيقات، وللاطلاع عليها، فلابد من إجبار النيابة للمشاركة فى التحقيقات وهى الأمور التى لابد وأن يفهمها الجميع.
ويضيف د.على الغتيت قائلا:"من المهم جدا أن نعطى النصيحة العاقلة ولا نفسد مسعاهم فكل مرحلة لابد وأن تسير فى إطارها، وعندما يصدر الحكم لابد من دراسته، خاصة أنه لا يمكن لمن لم يكونوا أطرافا فى القضية أن يطعنوا عليها لذلك من الصعب عليهم أن يقدم عرائض لرئيس الجمهورية والنائب العام مثلا". ويؤكد د. على الغتيت أن الإشكالية الحقيقية أن مبارك وجماعته حوكموا على جرائم ارتكبوها بعد الثورة، ولكن لم يحاكموا على جرائم ارتكبوها قبل الثورة والتى بسببها قامت الثورة، وبقيت المشكلة فيما يتعلق بالشهداء والمصابين والجرحي، وهم جميعا أشخاص لابد وأن توضع آراؤهم ومشاعرهم فى الاعتبار، لأن هذه الأحكام يجب أن تشفى غليلهم، وهم من يجب عليهم المتابعة مع النيابة العامة وعرائضها لاستكمال التحقيقات والطعن عليها، وليس بالشكوى فى وسائل الإعلام، فليس من الممكن أن تكون التحقيقات تمت ولا يوجد متهمون، وهو ما أشار إليه أيضا قرار لجنة تقصى الحقائق الأخير خاصة بالنسبة للجهد الحقيقى والتى يجب أن تعيد النيابة النظر فيه.
ويختتم د. على الغتيت حديثه قائلا:"هذه مسائل لابد أن تدرس دراسة وافية ولو بعد عشر سنين لما جرى أثناء ثورتى يناير ويونيو وماتلاهما من أحداث".
نور فرحات يقترح إقامة دوائر محاكمات للفساد السياسى
اقترح الفقيه الدستورى محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون وتاريخه بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، أن يصدر قرار بقانون من رئاسة الجمهورية بإنشاء دوائر محاكمات الفساد السياسى تتولى محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء عن هذه الجرائم.
وقال الفقيه القانونى فى تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك»: لو كانت الدولة راغبة فى محاكمة رموز النظام السابق عن جرائم الفساد السياسى لأصدرت القانون التالى:
رئيس الجمهورية
بعد الاطلاع على الدستور وعلى القانون رقم 247 لسنة 1956 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والقانون رقم 79 لسنة 1958 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء
مادة (1): تختص محكمة استئناف القاهرة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء عن الجرائم التى وقعت منهم أثناء تأدية وظائفهم والمنصوص عليها فى القانونين رقمى 247 لسنة 1956 و 79 لسنة 1958، وتنشأ بمحكمة استئناف القاهرة دوائر تسمى دوائر محاكمات الفساد السياسى تتولى محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء عن هذه الجرائم
مادة (2) تتولى النيابة العامة التحقيق والاتهام فى الجرائم المذكورة؛ وتنشأ بمكتب النائب العام نيابات يرأس كل منها محامى عام تسمى نيابات الفساد السياسى تتولى التحقيق والاتهام فى هذه الجرائم.
مادة (3) تتبع أحكام قانون الإجراءات الجنائية فى التحقيقات والمحاكمات التى تجرى عن الجرائم المنصوص عليها فى القانون رقم 247 لسنة 1956 والقانون رقم 79 لسنة 1958، ولا تنقضى الدعوى الجنائية بمضى المدة بالنسبة للجرائم المنصوص عليها فى هذين القانونين، ولا يسرى الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى بالنسبة لهذه الجرائم.
مادة (4) يلغى كل حكم يتعارض مع نصوص هذا القانون.
مادة (5) ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.