عادل أبوطالب أعادت المفاوضات التى استضافتها العاصمة العمانيةمسقط منتصف الأسبوع الماضى إلى الأذهان تفاصيل الاتصالات السرية التى سبقت الاتفاق الإيرانى - الغربى الشهير، حول برنامج طهران النووى – وهو الاتفاق الذى شهدت جنيف تفاصيله فى نوفمبر من العام الماضى- بعد إشارات أرسلتها إيران عبرت فيها عن رغبتها فى حل الصراع مع الغرب.. وكانت العاصمة العمانيةمسقط قد استضافت جولة مباحثات رفيعة المستوى، لبحث تطورات البرنامج النووى الإيرانى قبل انتهاء المهلة المحددة للتوصل لاتفاق بين إيران والدول الست الكبرى، بشأن البرنامج النووى فى الرابع والعشرين من الشهر الجارى. وسط مؤشرات ترجح أن تكون مسقط المحطة الأخيرة للتوصل إلى الاتفاق، تأكدت من تصريحات نائب وزير الخارجية الإيرانى بقوله: إن بلاده لا ترى بديلا عن إيجاد تسوية دبلوماسية مع القوى العالمية الست بشأن برنامجها النووي. وأضاف "لا يريد أحد العودة إلى أوضاع ما قبل اتفاق جنيف". ويشير اختيار مسقط لاستضافة المفاوضات الإيرانية - الغربية حول البرنامج النووى إلى أن الطرفين اختارا الوسيط العمانى لإكمال الدور للتوصل إلى اتفاق نهائى، وهى مسالة ربما تعيد إلى الأذهان بداية الطريق أيضا فى رواية تكشف عنها مصادر سياسية مطلعة ل «الأهرام العربى» تقول إن الإيرانيين أبلغوا أصدقاءهم فى الخليج مع بداية مفاوضات جنيف أنهم مهتمون بحل الصراع لتدور الاتصالات فى سرية تامة، بعيدة عن عيون المتابعين والمراقبين تحسبا للفشل الذى قد يستدعى دفن القصة برمتها أو النجاح الذى ينتظر.. واختارت طهران إدارة العملية بحنكتها المعروفة لتنطلق منها عملية أطلق عليها "ربط الخيول" ليخرج منها وإليها مبعوثون سرا لجس النبض، وصاغ أمريكيون وإيرانيون شروطا وانطلقت القناة السرية فى طريقها فى شهر مارس العام الماضى من وراء ظهر الرئيس السابق أحمدى نجاد. وفى واشنطن حددوا مجموعة قليلة من المطلعين على السر فإما أن تنضج الاتصالات وإما أن تدفن المغامرة. وتطورت الأحداث سريعا: فقد أُرسل وليام بيرينس، نائب وزير الخارجية، وجيك سليفان، مستشار نائب الرئيس، ليتفحصا مع وفد إيرانى، هل يمكن إنشاء تفاوض ظاهر فى تعليق البرنامج الذري؟ وطلبت واشنطن خطوات بناء ثقة وجاء الإيرانيون مع سلة مشتريات مليئة. وبعد شهرين هبطت طائرة عسكرية فى الخليج. وروج وزير الخارجية جون كيرى لذرائع لزيارته آنذاك. ونجحوا فى الإبقاء على الحوار سريا والتمهيد للطريق إلى جنيف... وفى يونيو الماضى أُجريت الانتخابات فى إيران، وأصبح روحانى يستطيع أن يسمح لنفسه بفتح صفحة جديدة وبإسقاط العقوبات. الروايه تقول – وفقا لمصادر الأهرام العربى - يتبين الآن أنه تمت خمسة لقاءات عمل فى الطريق إلى اتفاق جنيف. وأن مفاوضات مسقط هى المحطة الأخيرة... لقد تداخلت عوامل عدة مع بعضها لتجعل سلطنة عمان رقما مهما فى معادلة قضية البرنامج النووى الإيرانى؛ منها ما هو تاريخى وجغرافى، ومنها ما هو يعود إلى دور القيادة السياسية ومتانة العلاقات التى تربط السلطنة بأطراف المعادلة. وباتت سلطنة عمان تلعب دورا إقليميا فى العملية يؤهل الطرفين لتضييق هوة الخلاف بينهما، تمهيدا للتوصل إلى اتفاق نهائى وشيك لعبت فيه عدة عوامل داخلية وإقليمية ودولية دورا كبيرا ... وهى كلها محددات تجيب عن سؤال لماذا مسقط...؟ يأتى فى مقدمة هذه الأولويات سعى عمان المستمر لضمان الاستقرار الإقليمى كأحد أهم الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية العمانية، لذا فعلى مدى العقود الماضية وصبت التحركات العمانية باتجاه تحقيق التوازن بين تحالفها مع الولاياتالمتحدة وعضويتها فى مجلس التعاون الخليجى من ناحية، وعلاقاتها الوطيدة التى تربطها بإيران من ناحية اخرى. وما ساعد السلطنة على تحقيق ذلك أنها ظلت دوما خارج الانقسامات السياسية التى دبت فى المنطقة لأنها وضعت تحقيق المصالح العمانية فى المقدمة، مما مكنها من الحفاظ على سياسة خارجية مرنة للغاية وبناء شبكة معقدة من التحالفات والعلاقات وسط تكرر احتمال حدوث مواجهة عسكرية بين الغرب وإيران أكثر من مرة.كما عززت سياسة سلطنة عمان القائمة على تهدئة التوترات وخفض مستويات الصراع من ثقة الأطراف الإقليمية والدولية، ومكنها من أن تلعب دورا بارزا وشبه مفصلى فى قضية البرنامج النووى الإيرانى، وهو دور عززه أيضا قيامها بدور الوساطة فى تأمين إطلاق سراح أفراد البحرية الملكية البريطانية فى عام 2007 وثلاثة سياح أمريكيين، كانوا محتجزين كرهائن فى إيران فى عامى 2010 و 2011.كما كان السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان هو أول زعيم عربى يزور إيران بعد الانتخابات التى فاز فيها الرئيس الإصلاحى حسن روحانى ففى 25 أغسطس 2013 . على أن هذه العلاقات الوطيدة مع إيران لم تمنع سلطنة عمان من الوقوف ضد أى تهديد باغلاق مضيق هرمز المهم للتجارة العالمية أو تعطيل لإمدادات النفط نظرا لأهمية هذه القضية للسلطنة التى يقع ميناء مسندم بها على مضيق هرمز ويبعد نحو 60 كيلومتر فقط عن إيران.ومعروف أن مضيق هرمز يتحكم فى نحو 40 بالمائة من تجارة النفط العالمية، وهو ما جعله ذا أهمية إستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجى وللقوى الغربية على حد سواء. وترتبط السلطنة وإيران بعلاقات اقتصادية متينة تعززت بإبرام مذكرات التعاون المتعلقة بالنفط والغاز، ومن ذلك توقيع الدولتين على مذكرة التعاون عام 2005 بشأن التطوير المشترك لحقوق الغاز، فضلا عن توقيع اتفاق مبدئى لبناء خط أنابيب غاز يورد للسلطنة 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا ويبلغ طوله 350 كلم من محافظة هرمزغان الإيرانية إلى صحار، بجانب توقيع مذكرة تفاهم لمشروع بتروكيماويات مشترك بقيمة 800 مليون دولار. وتشير التقديرات إلى إيران ستجنى من وراء اتفاق توريد الغاز لعمان على مدى السنوات ال 25 المقبلة 65 مليار دولار، ومن المقرر أن تبلغ تكلفة ؤنشاء خط الغاز مليار دولار ويستغرق ثلاث سنوات.كما أن نجاح الوساطة العمانية فى تمهيد الأجواء لإبرام اتفاق نهائى بين الغرب وإيران يظهر عمان كدولة ذات ثقل دبلوماسى ذى طبيعة هادئة، كما يعزز العلاقات الاقتصادية مع طهران ويضمن المضى قدما فى تنفيذ صفقة تصدير الغاز لاسيما فى حال رفع العقوبات كليا عن طهران، مثلما يعزز أمنها من خلال إبعاد شبح الحرب فى المنطقة. فى النهاية يمكن للسياسة العمانية أن تجلب الهدوء إلى المنطقة عبر تهيئة الأجواء لتفاهم إقليمى يتجاوز المشكلات الخلافية، لكنه لا يتجاوز القضايا الجوهرية التى إن ظلت على حالها فإن المنطقة ستكون عرضة للاشتعال فى أى لحظة. فالقصة بدأت بمبادرات من دول الخليج لتسوية الأمر مع إيران درءا للمخاطر التى يمكن أن تمثلها الأطماع الإيرانية فى منطقة الخليج، لكنها درء لا يندرج فى الصيغة الجماعية أى عن كل دولة على حدة، ولعل هذا ما يفسر مسارعة دول الخليج كلا على حدة من خلق أجواء ثقة بينها وبين إيران بعد إعصار اتفاق جنيف الأخير. يندرج فى هذا الصدد الاتصالات الإماراتية - الإيرانية الأخيرة من ناحية، والإيرانية - السعودية من ناحية أخرى أيضا... إيران من جانبها سعت إلى طمأنة دول الخليج، ولعل تصريحات وزير خارجيتها التى أدلى بها أخيرا خلال زيارة قام بها لسلطنة عمان من أن الإصرار على السلاح النووى ضرب من الجنون.. تصريحات قد يبدو مجملها مطمئن ويحمل فى طياته رسالة إلى دول الخليج بأن إيران لا تمثل تهديدا لها..