نجوى العشرى الحديث عن عدم وجود معايير موضوعية فى منح جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية ليس جديدا، فقد تسبب ذلك فى حرمان مبدعين كثيرين من هذا التقدير لإبداعاتهم وعطائهم الفكرى، وهناك رواد فى مجالات متعددة تعرضوا لهذا الحرمان وشعروا بالظلم البين، لكن البعض لم يستسلم للحزن، وقرر الدفاع عن حقه للحصول عليه بالقانون إيمانا بالعدالة التى تنصف المظلومين، ومن هؤلاء الفنان فتحى جودة الأستاذ بكلية الفنون التطبيقية - جامعة حلوان. «جودة» هذا الفنان الرائد الذى سبق عصره وجدد الخط العربى بعد خمسة قرون من الجمود، يستحق لقب «أمير الموهوبين» عشق فن عصر النهضة ثم فن المدرسة التأثيرية والفن الحديث عامة وفن الرسم وفن الكاريكاتير والعلامات والرموز وتحول إلى عاشِق للخط العربى الذى تعلم قواعده فى مرحلة ما قبل الجامعة .. وعلى مدى 50 سنة فن منذ عام 1962 قدم جوده إبداعات جديدة مبتكرة فى مجال عمله ومن خلال تخصصه. وهو الموقف الذى أيده مجلس قسم الزخرفة بالكلية الذى سجل اعتراضه على قرار عميد الكلية بترشيح أستاذ آخر لجائزة الدولة التقديرية فى مجال الفنون، بالرغم من أن مجلس الكلية سبق وأن رشح الدكتور فتحى جودة فى 12 نوفمبر الماضى، وطالب أساتذة القسم العميد بالعدول عن قرار الترشيح المخالف. سألته فى البداية عن رحلته مع الخط العربى؟ عشقت الخط العربى وسنى 7 سنوات من خلال لافتات المحلات التجارية بأسيوط وتعلمت مبادئه بمدرسة الصنايع على يد أستاذ موهوب، وكان لى بعض اللافتات على بعض المحلات التجارية بعد أن تعلمته، ولانشغالى بالمواد الدراسية بالكلية لمدة أربعة أعوام قل اهتمامى بالخط العربى إلا ما ندر فى فن الإعلان المقرر علينا، أما مشاريع التصوير المقررة بقسم الزخرفة فكانت متنوعة من مفردات الطبيعة وعلى أسلوب التكعيبية التحليلية، ثم عملت بجريدة الجمهورية رساماً وكنت طالبا بالسنة الأولى وبعدها عملت بالدار القومية للطباعة والنشر -وكنت فى السنة النهائية - رساماً ومصمماً للإعلانات والإخراج الصحفى، فى تلك الفترة وقع على رأسى مشاكل الخط العربى فقبل ذلك لم أعرف للخط العربى مشاكل تذكر، فالممارسة العملية قد وضعتنى ملازماً للمشكلة، فكان أمامى على طاولة العمل الصحفى وأول المشاكل، لأننى وجدت أنه لا يليق بأمة الإسلام والعرب أن ينحصر الخط العربى فى مجال المطبوعات على خط النسخ فى المتن الصحفى والخط الرقعة فى العناوين بينما الصحافة الأجنبية زاخرة بالآلاف من الخطوط والتى أعطتها تميزاً جمالياً فى الصحافة والإعلان والإخراج الصحفى، فى ذلك الوقت أيقنت أنه يجب تطويع الخط العربى لفنون الطباعة مع زيادة أعداده بدون تحديد حتى وصل ما لدى إلى أكثر من 40 نوعاً مع اختصار صور الحرف الواحد حتى وصل عدد حروف أبجدياتى إلى 57 حرفاً بعد أن كانت فى صندوق الحروف بالمطبعة الأميرية 470 حرفاً، ولدينا عدد أربعة أنواع من الخطوط زادت من عدد الأسطر فى الصحيفة اليومية إلى 100 % مع الوضوح الأكثر إيجابية وعليه بدأنا التفكير بطريقة بحثية متعمقة فى إطار المحافظة على جمال الخط العربى فى حدود الوظيفة، ومن محاسن الصدف أننى قد أحببت الخط العربى منذ الصغر ولى قليل من الموهبة فى الخط التراثى وكانت أول تجربة عملية فى التطوير فى 10/10/1972 فى جرية المساء أى عشر سنوات متواصلة أعمل على تطوير الخط العربى سواء فى الفنون التطبيقية كالطباعة والإعلان والعلامات الإرشادية وغير ذلك . ماذا عن أعمالك فن التصوير؟ لم يخطر ببالى أننى سأكرس من عمرى 50 سنة للخط العربى حتى وصل الأمر أن كل أعمالى فى التصوير من البداية حتى هذه اللحظة للخط العربى فقط يستثى من ذلك اللوحة الحائطية بمبنى الإذاعة والتليفزيون فكل أعمالى التى اقتنتها الدولة ومايوجد بمتحف الفن الحديث عن الخط العربى فقط، رغم إنى أجيد الرسم كعصر النهضة والمدرسة التأثيرية وكان لى لوحتان (بورتريه) للزعيم جمال عبد الناصر بالقصر الجمهورى قبل دخولى كلية الفنون التطبيقية ولوحة أخرى لجمال عبد الناصر فى بهو جريدة المساء عام 1957 والشاهد على ذلك الناقد الفذ الفنان حسن عثمان وهو حى يرزق. لكنك ألم تقلد الخط العربى القديم؟ نعم عشقت الخط العربى القديم وما زلت أعشقه ومنذ البداية لم أقلد الخط القديم على الإطلاق، ولكنى قلدت فقط النسبه الإلهية الفاضلة فى الخط العربى، كما قال الخطاط ابن مقلة رحمه الله فبعد أن نلت جائزة الصالون الأولى قال لى أستاذى الفاضل رحمه الله الدكتور سعيد خطاب .. «خللى بالك كل من سبقوك الذين تناولوا الخط العربى قد دخلوا (حارة سد)» وطمأنته أننى لن أكرر ما سبق فكان الابتكار دائما شغلى الشاغل بدأت من خلال التكعيبية التحليلية، أما العناصر فكانت من الخط العربى، ثم بعد ذلك أوجدت لنفسى أسلوباً جديداً أعتقد أنه ملائم بعد أن وهبنى الله أبجديات حروفية متوافقة مع روح الفن الحديث حتى وصلت إلى العالمية ففى عام 1976 من بينالى فينيسيا كنت من ضمن أحسن سبعة فنانين فى العالم وبيعت لى لوحة لأحد نقاد الفن بإيطاليا ودعيت إلى حركة جديدة فى الفن مسماة ( SURYA ) اسم الشمس فى اللغة الهندية جمعت ال 7 فنانين مع كتاب ونقاد ومفكرين وأول معرض للحركة كان عام 1977 بمدينة ميلانو بإيطاليا. من هنا أتمنى من كل مسئول رعاية الموهوبين فى الخط العربى حتى لا ينقطع حبل الوصل بين الماضى الجميل والحاضر البغيض، فالخط العربى قد أصبح يتيماً وإن صح التعبير لقد وقع الخط العربى مغشياً عليه، ولولا أننى أعطيته قبلة الحياة لمات وضاع فى بئر النسيان رغم أنه فن يعمل فى اتجاهات عديدة ومتنوعة ولا غنى عنه، ولكن الجحود به قد وصل إلى منتهاه بعد أن وقع فريسة التجار غير الموهوبين يبيعونه للصحافة والإعلام فى غفلة من معايير الثقافة الناجعة حتى مدارس تحسين الخطوط تلقى الإهمال ومحاربتها بالإغلاق تيمناً بأفكار عدوانية على تراث جميل قد أبهر العالم . ما المؤثرات التى شكلت وجدانك ورؤيتك الفنية التى مررت بها؟ لقد مكث الخط العربى ساكناً على حاله التراثى 515 سنة بعد اختراع آلة الطباعة، ولم يطور ولم يجرؤ أحد من الفنانين التشكيليين على تطويره أو بالأحرى لا يوجد من يراه أنه يحتاج إلى إعادة نظر إلا الذى اكتشف قصوره فى الوظائف الطباعية وغير ذلك عام 1962وقمت بإنجاز قرابة 45 نوعاً متنوعاً من الخط العربى تؤدى باقتدار فى جميع الاستخدامات المتنوعة، أما الخط العربى فى الفنون التشكيلية، فكل من سبقونى كانت أعمالهم من الخط العربى مستنبطة من التراث أو من المتداول اليدوى.. وأحمد الله الذى هدانى إلى الابتكار النقى فى تناول صياغة الخط بطريقة لم يألفها ولم يرها أحد من قبل فى أنحاء العالم، وأحمد الله أنه وفقنى لابتكار خط جديد للعلامات المرورية الإرشادية مطابقة للمواصفات العالمية والذى اختبر بمعامل أبحاث الطرق بإنجلترا، ولولا هذا الخط لما استطاع أحد أن يصمم علامات إرشادية بمواصفات قانونية مانعة للحوادث ومسهلة لسير المركبات، واختتم قولى بأن الله وفقنى بإنجاز عدد 9 أبحاث كلها مفيدة، وأخص بالذكر أبحاث اللون التى لا غنى عنها لكل من يعمل فى فنون (الجرافيك) والجديد الذى لا يعرفه كثيرون إنى نلت براءة اختراع لمحرك يعمل بالجاذبية الأرضية وليس هذا بغرابة، فقد كان الفنان" ليناردو دافنشى" صاحب لوحة (موناليزا) له ابتكارات واختراعات هندسية. كيف ترصد ملامح الحركة التشكيلية الآن؟ الحركة التشكيلية تعانى وسوف تعانى لعقود مقبلة بعد ذهاب الرواد وهم قليلون الآن إلى ربهم بسبب ندرة الموهوبين، وبسبب نظام الالتحاق بكليات الفنون المتخلق وربما يكون نظام الالتحاق وامتحان القدرات فاسد عن قصد، حيث يفضل المجموع الكبير على الموهبة، وأرى أن اللوحات الحائطية المسماة (جرافيكية) التى رأيناها فى ثورة 25 يناير فهى تنم عن طاقات غير موجودة فى مكانها الصحيح . هل ترى أنك حصلت على التقدير الذى تستحقه؟ - وجدت التقدير من جهات معنية بنشاطى فى مصر ومن خارجها، أما فى مصر فقد عوقبت من قبل كلية الفنون التطبيقية وجامعة حلوان، لقد رشحتنى لجنة شكلتها الكلية لجائزة الدولة التقديرية وسلمت أوراقها ومستنداتها للجامعة مع جهد 50 سنة عطاء يحتاج إلى ثلاثة أيام متتالية لفحصه نظراً للمجالات المتنوعة التى قدمتها، وبعد يوم واحد عز على الكلية أن أنال التقدير المناسب فأرسلت منافساً لى ليزاحمنى واختارت الجامعة المزاحم لى ولم تطلع الجامعة على مستنداتى بدليل لو اتطلعت عليه لأنصفت ما قدمته للوطن لمدة 50 سنة عطاء بلا حدود. جوائز الدولة.. هل ترى أنها تذهب لأصحابها الحقيقيين؟ -أغلب الجوائز لم تذهب لأصحابها الحقيقيين بسبب قيمتها المادية التى يتكالب عليها البعض، وقد يموت فى الهرولة إليها دهساً بالأقدام إناس يستحقونها فالموضوع ضمير غائب، ويحتاج إلى آليات ونصوص قضائية حتى يمكن معاقبة من سولت له نفسه قبول رشاوى من نوع ما يسمى المحسوبية .. وياليت تكون جوائزها ( أدبية) فقط وإذا لزم الأمر أن تكون مادياتها رمزية حتى ينصلح حال النفوس كما هو متبع فى الدول المتقدمة.