الطيب الصادق يلعب القطاع المصرفى دورا كبيرا فى رسم خريطة الاستثمار، وذلك بعد أن توقف النشاط الائتمانى بشكل شبه كامل فى معظم البنوك المصرية لأكثر من ثلاثة أعوام بسبب الأحداث التى شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير، وعدم وضوح الرؤية السياسية لمستقبل البلاد، ولكن مع الجمهورية الجديدة ينتظر الجميع الدور الفعلى للبنوك فى تمويل المشروعات التنموية بدلا من الدخول فى أذون الخزانة والسندات الحكومية، لذلك يحتاج الاقتصاد فى هذه الفترة إلى دور وطنى فاعل للبنوك لتمويل المشروعات الكبرى ذات العائد التنموى وإعطاء مزايا ائتمانية للصناعات الحيوية والإستراتيجية، إلى جانب تخصيص جزء من خطتها الائتمانية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال الصناعات والمنتجات المتخصصة والبسيطة التى تغذى الصناعات الكبرى بجزء من احتياجاتها وتسهم فى خطط التصدير. رغم أن البنوك تجد ربحيتها فى أذون الخزانة والسندات لأنها تحصل على فائدة مرتفعة مضمونة، بدلا من القيام بتمويل المشروعات فضلا عن المخاطر القليلة لكن يجب عليها القيام بدورها الحقيقى فى التنمية وتغيير فى بعض إستراتيجياتها، نظرا لأن المناخ الحالى مهيأ لاستقبال مشروعات عربية وأجنبية ومحلية جديدة مما يؤكد على أهمية الدور الذى يجب أن تقوم به البنوك فى الفترة القلية المقبلة. ولو نظرنا إلى معدل السيولة المحلية نجدها ووصلت حسب آخر تقرير للبنك المركزى المصرى إلى تريليون و440 مليار جنيه فى نهاية مارس الماضى، مما يعزى إلى تزايد الأموال بالبنوك لأنها أصبحت الملاذ الآمن للمدخرين بعد حالة عدم الاستقرار الاقتصادى الذى شهدته جميع القطاعات الأخرى بسبب الانفلات الأمنى وعدم الاستقرار السياسى فى الفترة الماضية، لذلك طالب خبراء البنوك بضرورة تسهيل الإجراءات مع دخول البنوك فى تمويل المشروعات الاستثمارية التى سيتم إنشاؤها فى الفترة المقبلة، ولكن مع وجود ضمانات حقيقية تضمن هذه الأموال لأنها بالأساس أموال المودعين لكن يجب أن تتخلى البنوك عن سياستها التعسفية فى تمويل المشروعات الكبرى والإقلال من الاهتمام بالتجزئة المصرفية والبطاقات التى توسعت فيها البنوك فى الفترة الأخيرة بشكل لافت للأنظار . هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى يؤكد أن مصر عانت خلال الثلاث سنوات الماضية أحوالا اقتصادية سيئة تأثر بها عدد كبير من القطاعات الاقتصادية بما فيها قطاع البنوك. وقد أدى عدم الاستقرار السياسى إلى تدهور الاستثمار وانكماش الائتمان وتراجع حجم الأعمال فى قطاع التجزئة المصرفية بالإضافة إلى التأثير على موارد النقد الأجنبى، مما أدى تأخير تلبية طلبات المستوردين لتوفير عملة أجنبية للاستيراد وتواكب مع هذه الظروف الاعتصامات والمظاهرات والمطالب الفئوية، مما دفع عددا من البنوك إلى إغلاق أبوابه والتوقف عن أداء خدمة مصرفية منتظمة للعملاء. وتوقع أبوالفتوح أن ينعكس مناخ الاستقرار المرتقب بعد أن تم اختيار رئيس منتخب للبلاد إلى التأثير الإيجابى على مختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع المصرفى وقطاع الاستثمار فمن المتوقع أن تتأهب البنوك خلال الفترة المقبلة للاستجابة إلى طلبات المستثمرين لتمويل مشروعاتهم الجادة ومع الدعم المنتظر من الدول العربية المانحة استجابة لدعوة المملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن نشاهد تدفق استثمارات عربية وهو ما سينشط عمل البنوك خلال الفترة المقبلة، كما نأمل أن يساعد هذا المناخ الجديد على العودة مرة أخرى إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولى والمؤسسات الدولية للتمويل وعوده الاستثمارات الأجنبية لمصر. وأضاف أنه يجب على البنوك فى المرحلة المقبلة أن تسعى بجدية إلى تنفيذ مبادرة البنك المركزى لتمويل الإسكان المتوسط والصغير لصالح محدودى الدخل إذا استجابت الحكومة بتذليل أهم العقبات التى تواجه التمويل العقارى وهى تسجيل الوحدات السكنية، لأن البنوك لا تستطيع أن تمول عقارا غير مسجل طبقا لقانون البنوك، مطالبا البنوك بأن تضع المسئولية الاجتماعية على رأس الأولويات فى المرحلة المقبلة من أجل دعم الشراكة مع الجمعيات الأهلية ومؤسسات الدولة لبناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة، لذلك يتعين على البنوك أن يكون لديها تمويل لبرامج اجتماعية واقتصادية وثقافية مستدامة تلبى احتياجات الفئات المهمشة ومحدودى الدخل، ومن الخطأ أن ينظر إلى المسئولية الاجتماعية على أنها مرادف للأعمال الخيرية والتبرعات، لأن البنوك تحقق ربحية غير مباشرة من وراء مساهماتها الاجتماعية من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادى والسلم الاجتماعى الذى يعود على البنوك بالنفع. ويؤكد الدكتور وليد الحداد، الخبير الاقتصادى أنه لا يمكن القيام بالتنمية إلا بالاعتماد على ثلاثة أشياء، وهى البنوك والمناخ العام للاستثمار والمستثمرين ويكون الرابط بينهم الثقة، وكلما ازدادت الثقة زادت النتائج الإيجابية فى العلاقة بين البنوك والمستثمرين، مشيرا إلى أن دور البنك الأساسى هو التمويل، لذلك تعد البنوك ممولا فقط وليست مستثمرا، ونحتاج إلى جيل من المستثمرين يكون بينهم وبين الدولة علاقة إستراتيجية وثقة، بحيث يأتى تحرك المستثمرين فى إطار التوجهات الإستراتيجية للدولة، ويتم ذلك من خلال تفاهمات غير مكتوبة وحزمة من القوانين المشجعة والموجهة للاستثمار فى اتجاه معين. وأشار إلى أنه بالنسبة لعمل البنوك فى مصر فهناك دراسة تثبت أن تكلفة التمويل الاستثمارى فى مصر هى الأقل فى معدل الدول التى تماثلنا فى حجم الاقتصاد، فلو نظرنا إلى أبسط المعادلات، وهى أن سعر الفائدة الحقيقى أو التكلفة الحقيقية للاستثمار هو ناتج طرح سعر الفائدة من معدل التضخم وتكون النتيجة هى سعر الفائدة الحقيقى، لذلك فإن هذه المعادلة لها دلالتها الخطيرة من ناحية، ومن ناحية أخرى لابد من دراسة التوازن بين حجم السيولة المتاحة لدى البنوك ومزاحمة الدولة لتلك السيولة بمعنى ارتفاع طلب الدولة على السيولة المتاحة للبنوك من خلال السندات الحكومية على حساب السيولة المتاحة لإقراضها للمشروعات الاستثمارية، خصوصا أن الاستثمار فى السندات الحكومية أكثر ضمانا واستقرارا، لكن هو استسهال للبنوك وغير مفيد للتنمية. وأضاف أن معظم البنوك الآن تتوسع فى تجارة التجزئة المصرفية وتفضل القروض الصغيرة الشخصية على حساب القروض الاستثمارية بضمان المرتب مثلا أو التمويل الاستهلاكى بصفة عامة، ولم تعد هذه مشكلة البنوك وحدها لكن مشكلة مناخ اقتصادى واستثمارى عام، مشيرا إلى أن البنوك من الممكن أن تغير من إستراتيجياتها مع الاتجاه نحو الاستقرار وإقامة مشروعات جديدة بشرط وجود مناخ عام من الثقة وظهور مستثمرين جادين موضحا أن سعر الفائدة الحالى يعد مقبولا فى الوضع الحالى للبلاد مقارنة بالتضخم، ولكن يجب أن يتم وضع إستراتيجية طويلة المدى للسيطرة أولا على معدلات التضخم وفى هذه الحالة يمكن خفض معدلات سعر الفائدة بالتدريج. ويشير الدكتور فؤاد شاكر، أمين عام اتحاد المصارف العربية سابقا، إلى أن البنوك لم تتوقف عن أداء وظيفتها، لكن الظروف التى مرت بها البلاد فى الفترة الماضية أدت إلى انكماش عمليات تمويل المشروعات الكبرى نتيجة لعدم تقدم مستثمرين للبنوك للحصول على إقراض بسبب توقف العديد من المشروعات بسبب الظروف والأحداث السياسية التى مرت بها مصر منذ يناير 2011 مطالبا البنوك بالعودة إلى وظيفتها الأولى والأساسية فى تمويل المشروعات بعد دخول مستثمرين فى مصر بعد الانتهاء من الاستحقاق الثانى من خارطة الطريق وعودة الاستقرار النسبى للبلاد بعد انتخاب الرئيس الجديد، كما طالب بضرورة توجيه مزيد من الاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتى لها دور أساسى فى حل مشكلة البطالة إلا أن البنوك كانت تحجم عن تمويلها لعدم وجود ضمانات كافية . وأشار إلى أن البنوك اتجهت للاستثمار فى أدوات الدين العام خصوصا أذون الخزانة، لأن العائد عليها مضمون ومرتفع ونسبة المخاطرة تكاد تكون معدومة، لأن الدولة رغم كل الضغوط الشديدة الواقعة عليها اقتصاديا ملتزمة بسداد الديون الداخلية فى الوقت المحدد، لذلك اتجهت معظم البنوك إلى استثمار السيولة فى أدوات الدين العام مما حرم المشروعات والشركات من الحصول على هذه القروض.