حنان البيلى عندما قامت ثورتا 25 يناير و30 يونيو، كان الشعار الأساسى لها هو «عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية ..كرامة إنسان» والمطلبان الأول والثانى مرتبطان ببعضها بعضا، فلا يمكن تحقيق العيش بدون تحقيق العدالة الاجتماعية، والتى شدد عليها الرئيس عبد الفتاح السيسى، فالعيش لن يأتى إلا بالعمل الجاد والشاق ويبقى المطلب الثالث، الذى يجب أن تعمل على تحقيقه الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة بها، سواء كان ذلك بالاهتمام بالفئات الأولى بالرعاية، وإصلاح المنظومة الضريبية وتشجيع القطاع الخاص بتوفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات، لتوظيف جزء كبير من أعداد العاطلين عن العمل فى عمر الشباب. وفى هذا الإطار جاء القرار الأخير للدكتور هانى قدرى وزير الدولة بفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، مما أثار حفيظة المستثمرين فى البورصة، وأدى إلى خسارة 20 مليار جنيه فى يوم واحد، ثم ارتفع قليلا نظرا لشراء المستثمرين العرب والأجانب لما يبيعه المستثمرون المصريون، وهناك إجماع بين الخبراء أنه لا مفر من إجراء تعديلات ضريبية، لكن اختيار التوقيت لم يكن سليما، وهناك أولويات أهم وأولى يجب إجراؤها لتحقيق العدالة الاجتماعية. عندما أعلن وزير المالية عن ضريبية الأرباح الرأسمالية، أوضح أن تأتى فى إطار تحقيق العدالة الضريبية، وتوفير أموال لخزانة الدولة، لتقليل عجز الموازنة وإعادة توزيع الإنفاق العام لصالح الأكثر فقرا والأولى بالرعاية، حيث ستتم مضاعفة رقم معاش الضمان الاجتماعى من 1,5 مليون أسرة إلى ثلاثة ملايين أسرة فى السنة المالية 2015-2014 لكن رد فعل المستثمرين فى البورصة كان رافضا لتلك الضريبة لأنه سيحدث ازدواج ضريبى لأن الدولة تحصل ضرائب أرباح على الشركات فكيف تعيد تحصيل ضرائب بعد توزيع تلك العوائد على المستثمرين. وهنا يؤكد الدكتور أشرف العربى رئيس مصلحة الضرائب الأسبق، أنه لا يوجد ازدواج ضريبى، لأن هناك شخصين، فالشركة شخص قائم ومستقل بذاته فتدفع الضريبة، ثم تنتقل الأموال إلى شخص آخر وهو المساهم، فليدفع ضرائبه، ولكن قبل فرض ضرائب جديدة، يجب التوقف ودراسة الهيكل الضريبى فى مصر وما هو المردود المنتظر والمتوقع حدوثه نتيجة لهذه الضريبة. فالضرائب على الشركات كانت ٪20 فى عام 2005، ثم فى عهد الإخوان زادت إلى ٪25، ثم فرضت حكومة محلب ٪5 على الرغم من عدم صدور قانونها حتى الآن أى أن الضرائب على الشركات وصلت إلى ٪30 ثم نفرض الضريبة الأخيرة والتى ستصل إلى ٪8، لأن الشركات عادة لا توزع ٪100 من أرباحها، فترتفع التكاليف الضريبية على المستثمر فى مصر لتصل إلى ٪38. ويبقى السؤال الأهم: هل ستظل مصر قادرة على جذب الاستثمارات فى ظل هذه الضرائب المرتفعة، تاريخيا عندما خفضت مصر الضريبية إلى ٪20 خفض كل الدول العربية ضرائبها، وهذا سيجعل مصر من أغلى الدول فى المنطقة من حيث التكلفة الضريبية. أما بالنسبة لما أعلنه وزير المالية من أن الدخل الضريبى الحقيقى يعادل ٪8 من الناتج المحلى الإجمالى وأن هذه النسبة فى الدول المشابهة تصل إلى 24٪ فأكثر، فيرى العربى أن هذا ليس عيبا فى قوانين الضرائب، لكن المشكلة الحقيقية توجد فى الإدارة الضريبية، فلابد من العمل على رفع قدرة وكفاءة الإدارة الضريبية، عندما سيصل الدخل الضريبى إلى ٪20 وأكثر من الناتج المحلى الإجمالى بدون فرض ضرائب. أما الدكتور سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق فيرى أن فرض تلك الضريبة يصب فى إطار تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، لكن التوقيت خطأ، فهذا الإجراء لا يدر عائدا كبيرا بالدرجة المطلوبة، فمن المتوقع أن تصل عوائده إلى 3 مليارات جنيه فى العام، وهذا رقم هزيل جدا ويمكن توفير أموال أكثر من ذلك بكثير، باتخاذ إجراءات أخرى لها الأولوية لتحقيق العدالة الاجتماعية. أول تلك الإجراءات جعل الضرائب تصاعدية، صحيح أن الحكومات وافقت على استحياء ورفعتها من ٪20 إلى ٪25، ولكن إضافة شريحتين أخريين وهما ٪30 و٪35، والإيراد المتوقع من هاتين الشريحتين يتراوح ما بين 15,12 مليار جنيه فى العام. والإجراء الثانى، هو فرض ضريبة على الثروات لمرة واحدة، ولتكن ٪10 لمن زادت ثروته عن 10ملايين جنيه، والحصيلة المتوقعة إذا فرضت هذه الضريبة تتراوح ما بين 40,35 مليار جنيه فى العام. والإجراء الثالث هو تصحيح الخلل الحادث فى إيجارات المساكن، حيث تجد الإيجارات فى منطقة وسط البلد وجاردن سيتى وتلك المناطق العتيقة تتراوح ما بين خمسة جنيهات وثلاثين جنيها، فى حين أن أى شخص محدود الدخل ويؤجر فى منطقة عشوائية يدفع ما بين 450,300 جنيها فى الشهر للإيجار، وإذا أصدرت الدولة قانونا يحدد الحد الأدنى لإيجارات المساكن، سينطق ذلك القانون على نحو 12 مليار عقار، بشرط أن تذهب نصف حصيلة تلك الزيادة إلى الموازنة العامة للدولة لمدة خمس سنوات، والحصيلة المتوقعة سنويا من هذا القانون إذا صدر تصل إلى 20 مليار جنيه سنويا ولمدة خمس سنوات مما سيوفر للخزانة 100 مليار جنيه، هذا بالإضافة إلى توافر أموال لأصحاب هذه العقارات للاهتمام بها وصيانتها. وهذه الإجراءات التصحيحية إذا تم الاهتمام بها ووضعها فى أعلى سلم الأولويات الحكومية ستعطى عائداً أكثر بكثير مما فكرت فيه الحكومة وهو 3,5 مليار جنيه فقط. أما الدكتور شريف الديوانى مدير المركز المصرى لدراسات الاقتصادية، فيرى أن العدالة الاجتماعية هى تمكين المواطنين من تحقيق ذاتهم، إلى أقصى حد فى المجتمع الذى يعيشون فيه وفقا لإمكاناتهم، وبناء على هذا التعريف يجب تحديد الأولويات التى ستحقق العدالة الاجتماعية أولها الاهتمام بالتعليم وتحديدا التعليم الأساسى، فتحسين التعليم يمثل أكبر عائق فى سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية فى مصر، فبدون التعليم لا توجد فرص لنهضة المجتمع وتنميته. الأمر الثانى هو الاهتمام بالصحة، فأغلب القوى العادلة فى سن الشباب لديهم أمراض مزمنة وخطيرة، وهذا يقلل من قدرتهم على العمل، بالإضافة إلى العمل على دمج الاقتصاد الخفى فى الاقتصاد الرسمى وتقنين أوضاعهم وهذا هو الأمر الثالث، أما الرابع فهو مسألة العقارات غير المسجلة، فنحو ٪92 من العقارات الموجودة فى مصر ليس لها سجلات ولا يؤخذ عليها ضرائب وتصل قيمة هذه العقارات إلى 360 مليار دولار. والهدف هنا ليس تحصيل الضرائب أو الجباية، بل تسجيلها ودمجها فى الاقتصاد الرسمى عن طريق التسجيل، ويجب على الحكومة تغيير سياستها الضريبية ولا يكون الهدف الأوحد هو الجباية فقط، لكن إدخالها فى القطاع الرسمى وتشجيع الناس على دفع ما عليهم للدولة لشعورهم بالمسئولية. أما بالنسبة للضريبة على الأرباح الرأسمالية، فإن التوقيت سيىء جدا فلا يمكن أن نتحدث عن جذب المستثمرين المصريين والعرب والأجانب، وتصدر هذه الضريبة، ومن يزعم أن تلك الضربية هى إجراء وقائى أيضا من المضاربة فهو مخطأ، فالمضاربة جزء طبيعى جدا من العمل فى البورصة، والمضاربة التى كنا نخاف منها كانت فى الماضى، لكن الآن توجد شفافية ومراقبة على عمل البورصة، فى صغار المستثمرين يتابعون الشركات التى يستثمرون فيها بأنفسهم، فالإعلام الآن يلقى الضوء على تطوير ولو كان صغيرا فى عمل البورصة. أما الدكتورة سهير أبو العينين الخبيرة الاقتصادية بمعهد التخطيط فهى ترى أن فرض الضريبة الجديدة مهم فى إطار تحقيق العدالة الضريبية، وجزء أصيل من العدالة الاجتماعية، وترى أنه عند وضع وتصميم إستراتيجية التنمية لابد من تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمار، لكن لا يجب أن تعتمد الدولة على القطاع الخاص فقط، فالدولة الآن ليس لها نشاط إنتاجى، وتعتمد على تحصيل الضرائب، وهذا غير صحيح، فلابد من دخول الدولة فى القطاعات التى ترى أنها مهمة للاقتصاد ولإحداث التنمية، وهناك الآن أشكال عديدة منها أن تدخل الدولة مع القطاع الخاص شراكة فى هذا المجال، أو تقوم هى بنفسها بإنتاج تلك السلعة المهمة لكن تكون الإدارة حديثة وليس مثل إدارة القطاع العام، فالدولة يجب أن يكون لها دور فى الحياة الاقتصادية. ولإحداث التنمية المنشودة لابد من الاهتمام بالتعليم الجيد، فهو محور أساسى من محاور التنمية، فأنواع التعليم الآن فى مصر أدت إلى عدم تماسك المجتمع، ولابد من ربط التعليم بالإنتاج، ولابد من اشتراك رجال الصناعة مع الدولة فى وضع مناهج التعليم الفنى لربطها باحتياجات السوق من العمالة المدربة والمتخصصة والتى تلبى احتياجات رجال الصناعة، فنحن فى مدارسنا بجميع مراحلها نهتم بالكم وليس الكيف، وهذا خطأ جسيم. وعلى العكس من ذلك، يرى الدكتور فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية السابق، أن مفهوم العدالة الاجتماعية يفسر وفقا لانتماءات الأفراد فالاشتراكيون يرون أن الضرائب هى الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة الاجتماعية بأخذها من الأغنياء وإعطائها للفقراء. أما الرأسماليون فيرون أن العدالة الاجتماعية يمكن تحقيقها عن طريق تشجيع رجال الصناعة والأعمال على إقامة المزيد من المصانع وتوفير فرص عمل وتحسين دخول العمال، مع مراعاة أن يكون الاستثمار بشكل متوازن، فمعنى أن يتم تشجيع المواطن على أن يكون مستثمرا بدلا من أن يكون مستهلكا وعبئا على الحكومة، وأن يكون منتجا من خلال المشروعات مختلفة الحجم من متناهية الصغر إلى الصغيرة إلى المتوسطة، وأن تغطى جميع المناطق حتى تحول بين الهجرة من الريف إلى المدن. ويقتصر دور الحكومة فى العدالة الاجتماعية على إنشاء المرافق وتحسين أدائها مع الاهتمام بالتعليم، ولنا فى دول جنوب شرق آسيا العبرة، فهم اهتموا بالتعليم وبالمناطق الأكثر فقرا من حيث البنية التحتية والمرافق وتحسين أدائها وشجعوا إقامة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. ويجب على الدولة تقديم الدعم النقدى للفئات الفقيرة والأكثر احتياجا بدون دعم سلعى بأى شكل من الأشكال أى أن العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل لا تتحقق إلا بزيادة استثمار القطاع الخاص وزيادة العمالة لديه، حتى يرتفع مستوى الدخل العام.