رشا عامر ساعات وتنتهي فترة حكم المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت، الذي جاء إلى الحكم في ظروف استثنائية عقب اندلاع ثورة 30 يونيو التى أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي، وبرغم السخرية والتهكم والاتهامات التى مُنى بها منصور من قبل جماعة الإخوان، لأنه لا يتحدث كثيرا واتهامه بأنه ينفذ فقط التعليمات الصادرة له، فإنه فى الواقع نجح وبجدارة فى كسب حب وتقدير واحترام كل المحيطين به بل وشريحة عريضة من الشعب المصرى بسبب إخلاصه للوطن ودوره الكبير في عودة هيبة الدولة وعمله الدؤوب لمتابعة شئون الدولة والتواصل الدولي من خلال مشاركته في قمتين عربيتين شّرف فيهما مصر ورفع رأسها، خصوصا في القمة العربية بالكويت، حيث وجه رسائل بكل ثبات بأن مصر لا تريد علاقة مع دولة تساند وتدعم الإرهاب وبالطبع لا ينسى أحد تلك النظرة النارية التى وجهها لتميم أمير قطر. كما قام منصور بزيارات للعديد من الدول العربية والغربية، واستقبل عدداً من الشخصيات الدولية لوضع مصر على طريق الديمقراطية والمضى بها نحو خارطة الطريق، ببساطة لقد أعاد المستشار عدلي منصور لرئاسة الجمهورية قيمتها، فبرغم أن خطاباته لم تكن إلا في المناسبات والأحداث المهمة، فإنها تميزت بالقوة والتركيز والاختصار وحسن اختيار الكلمات وقصرها، الأمر الذى جعلها تشبه الطلقة التى تصيب الهدف مباشرة، لذلك كانت دائما تلفت الأنظار تميز عدلى منصور أيضا بإطلالة هادئة ووجه مبتسم جعله يحظى بقبول لدى الشعب المصري، فبرغم أنه الرئيس المؤقت رقم 2 بعد صوفي أبو طالب الذي حكم مصر لمدة 8 أيام في أعقاب اغتيال الرئيس محمد أنور السادات عام 1981 .وبرغم أنه الرئيس رقم 7 منذ إعلان الجمهورية وحتى الآن بعد كل من محمد نجيب، جمال عبدالناصر، محمد أنور السادات، صوفي أبوطالب، محمد حسني مبارك، محمد مرسي فإن هناك أشياء ميزته عن كل هؤلاء الرؤساء وهي أنه أول رئيس مصري يجمع بين منصبي رئيس الجمهورية ورئيس المحكمة الدستورية. وهو أول رئيس مصري يفتح باب الترشح على الرئاسة وهو لا يزال على قيد الحياة وهو أول رئيس يحمل صلاحيات السلطات الثلاث: السلطة القضائية كرئيس للمحكمة الدستورية والسلطة التشريعية بعد حل مجلس الشورى السابق وغياب مجلس الشعب والسلطة التنفيذية كرئيس للجمهورية وهو أول رئيس جمهورية يزور الكاتدرائية لتهنئة البابا بعيد الميلاد وهو أول رئيس مصري يجري مداخلات هاتفية مع قنوات مصرية، آمن عدلى منصور بأنه في مرحلة حرجة ومؤقتة يريد الخروج بها إلى بر الأمان لذلك فقد استمع جيدا لكل الآراء وقرأ جيدا كل صغيرة وكبيرة تقدم له من التقارير، كما أغلق الباب مبكرًا أمام التكهنات بوجود دور له في المرحلة المقبلة، بعد انتخابات الرئاسة، فالرجل سيرفض كل المناصب التي ستعرض عليه ويكتفي بأن يعود إلى عمله رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا وفق ما أكده الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستورى، حيث قال إن رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور من حقه قانونا أن يعود لرئاسة المحكمة الدستورية العليا، وأن يعود إلى منصتها، فى حالة أنه لم يبلغ سن المعاش، وذلك عقب الانتهاء من عملية الانتخابات الرئاسية مباشرة، ولا يوجد ما يمنع عودته لأن تكليفه بتولى شئون الدولة وتطبيق خارطة الطريق ينتهى بانتخاب رئيس جديد للبلاد، فما إن يحدث هذا فإنه يعود إلى وظيفته الأصلية وبرغم أن منصور قد أشار أكثر من مرة أنه لن يجلس على منصة المحكمة بعد توليه منصب رئيس الجمهورية لحساسية الوضع بعد إطلاعه على العديد من أسرار البلاد، فإن المسألة بها العديد من المواءمات السياسية التى ستكشف عنها الأيام المقبلة ودعونا لا ننسى أن الرئيس المؤقت لم يتقاضَ أجرًا أو راتبًا من عمله رئيسًا، فقد اكتفى براتبه من المحكمة الدستورية العليا والتى يؤكد البعض عدم عودته إليها رافضا فى الوقت نفسه كل المناصب التى ستعرض عليه فالسيناريو المفضل له، والأقرب للتحقق، هو عدم العودة إلى رئاسة المحكمة الدستورية العليا، والخروج إلى المعاش، بعد إجراء الانتخابات الرئاسية. ف «منصور» أكد أنه قد يتخذ قراراً بعدم العودة إلى المحكمة الدستورية، استشعاراً للحرج بسبب اشتغاله بالسياسة، وإبدائه آراء سياسية فى مواقف مختلفة، خلال فترة توليه رئاسة الجمهورية وإدارة المرحلة الانتقالية، وهو ما يخالف المبدأ القانوني الذي يقول إن القضاة يجب ألا يشتغلوا بالسياسة. وفى حالة تحقق هذا السيناريو، فإن «منصور» سيقرر الخروج إلى المعاش مع العلم أنه لا يوجد أى مانع قانوني، إذا قرر «منصور» العودة إلى رئاسة المحكمة الدستورية لاستكمال مدته القانونية حتى خروجه إلى المعاش. الطريف أن عدلى منصور هو أول رئيس يتعرض لموجة انتقادات خفيفة الظل أبعد ما تكون عن النقد الصارخ بسبب قرارات أو قوانين أو ما شابه، فبعد أن افتتح الخط الثالث من مترو الأنفاق وظهر بجوار السائق فى كابينة القيادة كتب عمر طاهر مقالا عنه قال فيه "سأفتقد عدلى منصور الرجل الكلاسيكى، ولكن كلاسيكيته تخلو من شبهات الفساد والمصالح والعلاقات والبيروقراطية، وتخلو أيضًا من ثقل الدم، منحته ملامح وجهه بخدود الأطفال المنتفخة وعينيه الضيقتين حضورًا خفيفًا على القلب، كيف يمكن للواحد أن يهرب من ابتسامة ما وهو يرى عدلى منصور محشورًا في كابينة قيادة المترو الجديد، ينظر إلى السائق نظرة لا تخلو من طفولة وكأنه يطلب منه (ما تجيب أسوق شويّة)" فيما وجه له البعض الآخر رسائل تؤكد له أنه لن يرحل عن قلوب المصريين أبدا، وسيبقى دائما رمزا وطنيا جاء فى لحظات حاسمة، لأنه علمهم قيما لم يعرفوها من قبل فى عالم السياسة، أدبا ورقيا وعدلا ووطنية وإنكارا للذات، وأعاد لهم الثقة فى قدرة هذا البلد على أن تنبت من أرضه الطيبة رجالا يرون الحق حقاً و الباطل باطل. وشهد الجميع للرئيس عدلى منصور بحنكته ورزانته فى إدارة المرحلة الانتقالية، وأشاد رجال الفكر والسياسة ووسائل إعلام وحركات وطنية وثورية وأحزاب وغيرها من التكتلات والائتلافات، بجدارة وهدوء "منصور" لعبور هذه المرحلة، فى ظل تحديات داخلية وخارجية، ووضع اقتصادى شبه منهار، وإلى الآن يمارس منصور عمله كرئيس للدولة بصفته رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا، وهو فقط من يملك التحدث عن مستقبله بعد انتهاء الاستحقاق الثانى من خارطة الطريق، الذى بموجبه سيتم انتخاب رئيس جديد للبلاد.