جيهان محمود كثير من الجدل يبدأ مع كل انتخابات رئاسية جديدة فى مصر تثار حول البرنامج الانتخابى للمرشح الرئاسى، ولعل ما يهم المواطن البسيط كيف ينفذ ما يطرحه الرئيس المحتمل من حلول لقضايا حياتية، والحصول على المأكل والمسكن والرعاية الصحية التى سيقدمها له، ويحلل الخبراء كل برنامج ومدى إمكانية تطبيقه على أرض الواقع، فالبعض يرى أن برنامج مرشح بذاته مجرد كلام عام، وأن الآخر قد يكون الأقرب إلى التحقيق مستقبليًا، والبعض يخاطب مشاعر الناخب ويستعطفه لصالحه لنيل أعلى الأصوات، كل هذا نناقشه مع عدد من الخبراء والسياسيين فى التحقيق التالي: يرى د.أسامة الغزالى حرب رئيس حزب المؤتمر أن البرامج السياسية للمرشحين لها أهمية ثانوية نسبية، وليس شرطًا أن كل مرشح يحاول أن يضع برنامجه متضمنًا خططا وأفكارا بما يسمح أن تعطيه الناس أصواتها، وبشكل عام سواء فيما يتعلق بالبرنامج المكتوب أو بالتصريحات التى تتعلق ببرنامج المرشحين، فيلاحظ أن برنامج السيسى يتركز حول إنجازات مستقبلية مادية محددة، فيتكلم – مثلا - عن تعمير سيناء، وتعديل وضع المحافظات وكثافتها إقليميًا، ومشروعات عملاقة كمحور قناة السويس وغيره، فى الوقت الذى لم يتحدث كثيرًا عن النظام السياسى والأحزاب والديمقراطية، وإن كان هذا شيئا مطلوبا، لكن ليس هو الموضع التركيزي، فالسيسى يتحدث باعتباره رجلا عسكريا يريد إنجاز مشروعات على أرض الواقع، بصرف النظر عن التوصيف السياسى لهذه المسائل. وكما يرى فإن صباحى يتحدث بوصفه رجلا سياسيا يناقش الشعب بما يجب أن يكون، ولديه أفكار كثيرة، لكن الأهم السياق السياسى الذى تحدث فيه والديمقراطية وأهداف الثورة، وهذا الكلام غير واضح لدى السيسى الذى لا يعطيه أهمية كبيرة، وربما هذا يجعل كلام السيسى أقرب إلى المواطن العادى الذى يلمس بأيديه إنجازات معينة: فى التعليم، الصحة، الإسكان، والأمور الحياتية اليومية. ويعتقد «الغزالي» أن هذه النقطة واضحة فى برنامج السيسى الذى هو أقرب إلى الواقع من خلال تصريحاته، منوهًا أن المشير عبد الفتاح السيسى قضى عمره فى الجيش المصرى وترقى فيه، ودرس فى الخارج وكانت له معرفة مباشرة بأمور الدولة على كل المستويات، إنما حمدين كان نظريًا بحكم الأمور، والأهم من ذلك أن الدولة ستكون حاضرة أكثر لدعم السيسى فى تنفيذ مشروعاته أكثر من صباحي، وهذا إذا اعتبرناه شيئا جيدا أو سيئا، وافقنا عليه أم لا، ومن هنا ترجح كفة السيسى، والواقع يؤكد ذلك، خصوصًا أن الشعب ملّ من الثورة والإضرابات والاعتصامات ويرغب فى الاستقرار والحصول على احتياجاته اليومية من أكل وشرب ومسكن ورعاية صحية. ويعتبر د.رفعت السعيد –رئيس حزب التجمع السابق- أن كلا المرشحين لم يقدم برنامجا انتخابيا، وإنما طرح أفكارا عامة، وأنهما تميزا فى موضوعين متشابهين هما: الموقف من الإخوان، فالمشير عبد الفتاح السيسى موقفه حاسم وحازم وأكثر شدة ووضوحًا، فقد حدد موقفه منها ومستقبلها، وإلى الأبد لا وجود لأى جماعة تتستر بالدين، وهذا الكلام مفتقد فيما قاله حمدين صباحى بل كان موقفه منهم أكثر «مرونة». والنقطة الثانية هى «دولة القانون» فبينما يحاول «صباحي» التقرب من فئة محدودة جدًا من الشباب ترفع أصواتًا عالية مناوئة للوضع الراهن، وتختلف فى مسلكها وموقفها عن موقف مئات الآلاف من أشرف الشرفاء من شباب مصر الذين تظاهروا وكانوا ولا يزالون شرفاء يستحقون كل الاحترام، فى الوقت نفسه أفزعنى – والكلام مازال للسعيد - أن «صباحي» بدأ يدخل فى عمليات ابتزاز حتى للدفاع عن شباب ارتكبوا جرائم، وهنا القانون لا يُعفى من الجريمة، فمثلاً الذى أحرق المجمع العلمى يتعاطف معه صباحي، أما موقف «السيسي» فكان صريحًا صارمًا بإعمال القانون، وقال إنه وافق على قانون التظاهر لضمان الأمن فى مصر، والذى يريد التظاهر يقدم طلبًا ولن يمنعه أحد. ويتعجب «السعيد» من ادعاء «صباحي» أنه سوف يسير على النهج الناصرى، برغم أن جمال عبد الناصر لم يكن أحد يجرؤ أن يتظاهر أو حتى يقدم طلبًا بالتظاهر، ومع ذلك فى أمريكا لا يستطيع أحد أن يخرج فى مظاهرة دون التقدم بطلب رسمى بذلك، وأيضًا فى فرنسا وإنجلترا. ويلاحظ أيضًا أن التحدث حول «العدل الاجتماعي» كان عند السيسى أكثر وضوحًا، فيما كان صباحى يتحدث كلامًا عامًا، منوهًا إلى أن كلمة «العدل الاجتماعى» أصبحت سيئة السمعة، لأننا منذ حكم السادات نتحدث عن العدل الاجتماعي، وكلما تحدثنا أكثر عنه كلما ازداد الأثرياء ثراء وازداد الفقراء فقرًا، وبالتالى الحديث عن العدل الاجتماعى يتطلب مسألة أساسية هى إعادة توزيع الدخل القومى العام توزيعًا عادلا، وهذا ما لم ينطق به «صباحي» وإن كان «السيسي» ألمح إلى أهمية أن يكون على الأثرياء واجب تجاه الوطن، وإنه قد يُفرض لتحقيق العدل الاجتماعي. ويرى «السعيد» أن برنامج السيسى هو الأقرب للتنفيذ، وأقرب للصراحة والشفافية. فيما يحدد السياسى د.جمال زهران المشكلة الأساسية لدى المرشحين بأنها تتمثل فى المفاهيم والكلام العام، فغياب المفاهيم الواضحة للعدالة الاجتماعية والتزامات الدولة فى الدستور، وحجم القطاع العام والخاص، لافتًا النظر إلى أن مقولة السيسى بأن العدالة الاجتماعية لن تضير الفقراء بعدت عن القصد منها، والمفترض أنها تتحقق من الأغنياء لصالح الفقراء، وكذلك الأمر لدى صباحي، هناك نقطة غائبة عن كلا المرشحين الرئاسيين، فالخلفية السياسية للبرنامجين هي: عيش حرية عدالة اجتماعية، دون تقديم كيفية تحقيقها على أرض الواقع، لافتًا النظر إلى ما قاله السيسى إنه سيستصلح 4 ملايين فدان، لو تم توزيعها على أربع سنوات سيكون كل عام مليون فدان، وأعد كيفية توزيعها وريها وتقسيمها، فهذا كلام واضح، وأيضًا عندما يقول إنه سيعمل مشروع الظهير الصحراوى للمحافظات كى يخلق امتدادا عمرانيا وسكانيا، وكذلك إعادة تقسيم المحافظات فهذا كلام محدد محترم، وعندما يقول إن لديه مشروعا لتنمية سيناء على خمس سنوات فهذا كلام محدد، كل هذا فى إطار التنمية الشاملة. إلا أنه عندما يتطرق إلى الأوضاع الداخلية، فالكلام عام، مثل قوله إنه لن يسمح للفساد ويعمل على إعلاء المساواة وتكافؤ الفرص، ومساندة الفقراء، وأن الأسرة المكونة من 4 أفراد تنفق 3 آلاف جنيه شهريًا، هنا من يحصل على أجر 1200 فلابد الدولة أن تدعمه بباقى هذا المبلغ. أما «صباحى» فيقول إنه سيعطى كل شاب 3 أفدنة فور انتخابه، متسائلاً: كيف يأتى بتلك الأفدنة؟ وأيضًا مشكلة الدخل، ومحاربة الفساد، فكلمة «كيف» تفرض نفسها على ما يوعد به. ويشدد «زهران» على ضرورة أن تكون برامج المرشحين واضحة للجميع، ولاسيما أن عدد المرشحين للرئاسة هذه المرة قليل، فالكلام فى البرامج أغلبه أفكار عامة. ويلفت «زهران» الانتباه إلى مشكلة فى الدستور وهى أن تشكيل الحكومة ليس بإرادة رئيس الدولة، بل باختيار أغلبية أعضاء البرلمان أيًا كان اتجاههم، إذا كانت لحزب «الوفد» –مثلاً- فبالتأكيد ستتحدد اختياراته وفقًا لاتجاهه وأفكاره، وربما لا تكون من اهتماماته شعار الثورة» عيش حرية عدالة اجتماعية، فى تلك الحالة ستكون ضد برنامج رئيس الدولة، وهنا يطرح «زهران» سؤالا: من يستطيع تنفيذ برنامجه فى اختيار الحكومة، وتلك المشكلة أثيرت عند تأسيس الدستور. ويرى د.عمرو ربيع هاشم -الخبير بمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام- أن البرنامجين فيهما مشكلة، وهى الموارد المالية (أى تمويل بنود البرنامج)، واصفًا إياها بأنها تتسم بالتفاؤل غير المبرر، لكن ما يميز السيسى أن هناك تجاوبًا معه فى استنهاض الهمة، وطبعًا الدعم الخارجى الخليجى كبير جدًا جدًا، ربما هذا ما يميز السيسى عن صباحي، ولا شك أن هناك وعودًا عالية جدًا عند الطرفين، ويوجد لدى صباحى نوع من دفع الاتهام عن تعاونه مع الإخوان، فى حين لا يسعى السيسى لدفع الاتهام بقربه للنظام السابق، وهذه نقطة سلبية عنده، حتى لو كان رجال النظام السابق هم الذين يسعون إليه، وكل طرف يحاول أن يسحب البساط من تحت أقدام الآخر. ويلاحظ «ربيع» أن السيسى يركز على الفقر ويسميه «العوز» والعدالة الاجتماعية، فى حين يحاول الطرف الآخر دحض فكرة تكوين محافظة بالظهير الصحراوى من خلال نفى أن الأقمار الصناعية لا تستطيع أن تأتى بصور صحيحة، فيما يحاول السيسى تذكير الناس بمشروع محور التنمية لفاروق الباز، فى حين نظرة صباحى لحل مشكلة البطالة بتوزيع الأراضى لكل شاب فدان غير مقنعة، وهى أيضًا يقابلها عند السيسى شراء سيارات وتوزيعها على الشباب. ويرى «ربيع» أن نظرة المرشحين للإخوان تكاد تكون واحدة، وإن كان صباحى ينفى عنه اتهام أنه قد يتعاون معهم، واستدرج فى حديثه أنه يتجاوز حقه، وهذا قلل من شعبيته، فالمتعاطفون معه قل عددهم، والناس المتعاطفة مع السيسى ازدادوا تعاطفًا، ويقر بأن السيسى لديه فرصة التمويل لمشروعاته من الخارج، ودعم الشعب الكبير. فيما يرى السياسى أبو العز الحريري، أن برنامجي صباحى والسيسى لا يصلحان، وأن هذين البرنامجين ليس لديهما مقومات تحقيقه على أرض الواقع.