رئيس جامعة العريش يناقش خطة الأنشطة الطلابية الصيفية ويكرم المتميزين    رئيس جامعة بني سويف يرأس عددا من الاجتماعات    وزارة العمل : ملتقى توظيف "لذوي الهمم" بالتعاون مع 9 شركات قطاع خاص بالأسكندرية    رئيس جامعة كفر الشيخ: يجب تعظيم الاستفادة من الأجهزة والمعامل البحثية بالكليات والوحدات    «التعليم»: فتح باب التحويلات بين المدارس أول يوليو.. تعرف على الضوابط    محافظ القاهرة يوجه بتبسيط إجراءات طلبات التصالح على مخالفات البناء    إقبال شديد على منافذ التموين بجنوب سيناء لشراء اللحوم السودانية    رئيس الوزراء يلتقي رئيسة بنك التنمية الجديد التابع ل «تجمع البريكس»    «الضرائب»: نتواصل مع مجتمع الأعمال الخارجي لتحفيز بيئة الاستثمار محليًا    الرئيس السيسى من الأردن: مصر حذرت مرارًا من الحرب على غزة وتداعيات العمليات العسكرية على رفح الفلسطينية.. ويؤكد: نطالب باتخاذ خطوات فورية وفعالة وملموسة بالوقف الفوري والشامل والمستدام لإطلاق النار    المستشار الألماني يطالب بمزيد من الدفاع الجوي لأوكرانيا    مواعيد مباريات منتخب مصر المقبلة فى تصفيات كأس العالم.. إنفو جراف    حدث في اليورو.. منتخب فرنسا الناجي الوحيد من النسخة الأولى    «قلبي معاه».. شوبير يكشف تطورات جديدة في أزمة رمضان صبحي مع المنشطات    «الداخلية»: ضبط 502 مخالفة عدم ارتداء خوذة وسحب 1210 رخصة خلال 24 ساعة    مواصفات امتحان الاقتصاد والإحصاء للثانوية العامة 2024.. اطلع على الأسئلة المهمة    للمرة الأولى بالحج..السعودية تدشّن مركز التحكم والمراقبة لمتابعة حركة مركبات بمكة المكرمة    كان عايز يديله التحية.. القصة الكاملة لخناقة شقيق كهرباء ورضا البحراوي    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    عزاء الفنانة مها عطية الخميس فى مسجد عمر مكرم بميدان التحرير    مع ارتفاع درجة الحرارة.. طبيب يقدم نصائح مهمة لحجاج بيت الله    رئيس هيئة الدواء: نواقص الأدوية موجودة في كل دول العالم ونعمل على توفير الأساسيات    «الصحة» إدراج 45 مستشفى ضمن البرنامج القومي لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات    «الدفاع الروسية»: بدء المرحلة الثانية من مناورات القوات النووية غير الاستراتيجية    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    ضبط 7 مليون جنية حصيلة الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    رونالدو يقود تشكيل البرتعال المتوقع أمام أيرلندا في البروفة الأخيرة قبل يورو 2024    تقارير: تشيزني على بعد خطوات من الانضمام للنصر    القباج تؤكد دور الفن التشكيلي في دعم التنمية المستدامة وتمكين المرأة    «العقرب» لا يعرف كلمة آسف.. رجال هذه الأبراج الفلكية يرفضون الاعتذار    هل على الغنى الذى لا يضحى عقوبة؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هو يوم الحج الأكبر ولماذا سمي بهذا الاسم؟.. الإفتاء تُجيب    تقرير يكشف مسارات الهجرة السرية من المغرب إلى أوروبا    من 15 إلى 20 يونيو إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص    محافظ مطروح يشدد على استمرار الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار    «صحة المنيا» تقدم الخدمات العلاجية ل 1473 مواطنا في قافلة طبية مجانية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    مكون يمنع اسمرار اللحم ويحافظ على لونها ورديا عند التخزين.. تستخدمه محلات الجزارة    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    الخضري يشيد بدعم الجماهير لمنتخب مصر ويطالب بوضوح الخطة الفنية لكأس العالم    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامى شرف يكتب ل «الأهرام العربى»: «كاريزما».. الزعيم!
نشر في الأهرام العربي يوم 25 - 04 - 2014


أحمد محمود سلام
فى هذه الحلقة يجيب السيد سامى شرف عن أسئلة عديدة تدور فى الأذهان حاليا، ومن بينها لماذا يريد معظم مرشحى الرئاسة أن يكونوا جمال عبد الناصر؟ وهل يمتلكون «كاريزما» عبد الناصر؟ وماذا يعرفون عن أعماله التى جعلت منه «ناصر الرجل المعجزة»؟ .. هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها «شرف» فى الدراسة المرفقة حول الصورة الجماهيرية للزعيم الخالد جمال عبد الناصر والتى اختص بها مجلة «الأهرام العربى» . ويلقى الضوء على صفحات مجهولة من حياة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عبر مواقف وأحداث فى ظل التعتيم الممنهج على سيرة ومسيرة زعيم غير وجه التاريخ طوال السنوات التالية لرحيله الأليم فى 28 سبتمبر 1970وقد كانت ثورة 25 يناير2011، هى البداية نحو تصحيح أوضاع معوجة ترتب عليها اختصار مصر فى شخص واحد هو محمد حسنى مبارك طوال الثلاثين عاما التى حكم فيها مصر إلى أن فارق السلطة فى 11 فبراير2011 إثر ثورة شعبية غير مسبوقة، أكدت بما لايدع مجالا للشك أن الشعب المصرى متمسك بالحياة، وقد تملك إرادة قوية ترتب عليها أن جاهر فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر بالقول الأثير " الشعب يريد إسقاط النظام" وقد سقط النظام، ويهدف السيد سامى شرف بحسب روايته لى من هذه الدراسة أن تعرف الأجيال الجديدة من هو جمال عبد الناصر آملا أن يعاد من جديد كتابة تاريخ مصر خلوا من الأهواء الشخصية والانحياز لشخص بعينه على حساب وطن، لابد وأن يعى تاريخه جيدا وصولا لبناء جديد لمصر التى ينبغى أن تكون فوق الجميع.
إن دراسة شخصية الرئيس جمال عبد الناصر من ناحية صورته الجماهيرية هى بالقطع تجسيدا منفردا لنظريات ذلك العلم الحديث الذى يجمع بين علم الاتصال بالجماهير وعلم النفس الاجتماعى والعلوم السياسية، تلك الصورة التى متع بها الله هذا الزعيم على مقومات خاصة جعلت منه ببريقه الشخصى يقنع الجماهير، وبمعنى أدق رجل الشارع – لا أقصد على وجه التدقيق كلمة رجل بل أقول الشارع كله رجالا ونساء وشبابا وشيبا أطفالا وكهولا - بشكل طاغ لم يسبقه زعيم آخر فى هذه المقومات على الأقل فى التاريخ الحديث، مما شكل انحيازا لهذا الزعيم فى أى اختيار حر واجهته سواء فى حياته أم بعد رحيله عن عالمنا مما دفع البعض لاستعارة عبارة " عبادة الفرد " فى وصف علاقة الناس بجمال عبد الناصر . وللعلم فإن عبارة "عبادة الفرد" هى عبارة أطلقتها دوروثى طومبسون المعلقة السياسية الأمريكية المعروفة سنة 1956 للتعبير عن تعاظم دور شخصية المرشح الرئاسى لدى الناخبين .
إن خلق الصورة الإيجابية لرجل السياسة تتعدى التفاصيل الشكلية من تعبيرات الوجه أو الملابس التى يرتديها السياسى أو الرئيس وحركات يديه أثناء الحديث إلى ما هو أعمق من ذلك، وإن كان من الواجب طبعا عدم تجاهل أهمية المظهر الخارجى للشخصية السياسية أو الزعيم، أى أن المهم ليس فقط شخصية الزعيم كما يذهب البعض، وإنما أيضا محتوى تلك الشخصية .
الرئيس جواهر لال نهرو، وصف الرئيس جمال عبد اناصر بقوله: « إن ما أحبه فى ناصر إنه يتعلم دائما .. إنه يتميز بصدق مطلق ونهمه متصل للمعرفة، وشجاعته حاضرة، وهذا ما جعله رجل الفكر والعقل والفعل المؤهل لقيادة أمة فى حقبة حاسمة .. »
ويقول الكاتب الهندى: "ديوان برندرانات" فى كتاب «ناصر الرجل والمعجزة»، «إن التاريخ المعاصر للعالم العربى وخصوصاً مصر وتاريخ حياة ناصر لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فدراسة الواحدة لا تكتمل إلا إذا أبقينا الأخرى نصب أعيننا» .
ويقول الكاتب البريطانى " توم ليتل": إن قوة منطق ناصر مستمدة من قوة منطق التاريخ..
إن ارتباط عبد الناصر بتراب هذا الوطن وتاريخه هو الذى صاغ صورته الجماهيرية، أما التزامه بقضايا الوطن ومسارعته بالدفاع عنها، فقد كان، وسيلته فى توصيل هذه الصورة إلى شعب الأمة العربية فىكل مكان .
الدكتور "أنيس صايغ " يقول فى كتابه : فى مفهوم الزعامة السياسية من فيصل الأول إلى جمال عبد الناصر .. .
" استطاع عبد الناصر أن يمثل أغلبية الشعب تمثيلا صادقا، وأن يدافع عن الأمانى القومية دفاعا حقيقيا، واستطاع بواسطة ذلك أن يتحول إلى رمز للحركة الوطنية المعاصرة فتبايعه عبر هذه الحركة أغلبية الشعوب بزعامة لم يحصل عليها من قبل أى زعيم آخر، لا من حيث اتساع أفقها وشمولها من المحيط إلى الخليج ولا من حيث نوعيتها .
إن زعامة عبد الناصر تختلف من حيث المادة التى تتركب منها، إنها تنبثق عن الشعب، عن مجموع طبقاته وفئاته وأفكاره . وهى تنبثق عن أمانى الشعب، عن مطالبه التى نادى بها منذ قرن على الأقل، وعن شعاراته التى رفعها منذ أن عرف العمل السياسى الحديث، وعن أحلامه التى أخذت تتراءى له منذ أن أقلقت باله كوابيس التخلف والاستعمار والتفرقة والفاقة، وعن تراثه وكيانه القومى ومصالحه العامة، إنها باختصار، تمثل أغلبية العرب. "
أما الكاتب الفرنسى " جان لاكوتير"، والذى كان على صلة وثيقة ومعرفة كاملة بشخص الرئيس جمال عبد الناصر منذ أن كان مراسلا لجريدة اللموند الفرنسية فى القاهرة، فقد كتب اكثر من كتاب عن عبد الناصر ولكنى أريد أن أضع خطوطا تحت ما سطره فى كتابه "ناصر"، وهو يصف أحداث تشييع جنازة جمال عبد الناصر فيقول:" إن هذه الجموع الغفيرة فى تدافعها الهائل نحو الجثمان إلى مثواه الأخير لم تكن تشارك فى تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير، لكنها كانت فى الحقيقة تسعى فى تدفقها المتلاطم للاتصال بجمال عبد الناصر الذى كانت صورته هى التجسيد المطلق لكينونتها ذاتها .
لقد قفلت الآن الدائرة ولكن ماذا تحوى فى داخلها؟
انقلاب 23 يوليو, باندونج, السويس, السد العالى, دمشق, الجزائر , قوانين 1961 .
إن كل ذلك قد أصبح الآن تاريخا، لقد مضت فترة الانتقال من عهد الملك الدمية إلى الجمهورية والعروبة والاشتراكية، لكن ما هو باق هو صورة عبد الناصر وما أصبحت ترمز إليه من الإحساس بالكرامة وروح التحديث والشعور بالأهمية الدولية" .
لقد كانت لجمال عبد الناصر صورة جماهيرية طبيعية وغير مصطنعة، نفذت إلى قلوب الجماهير العربية ووجدانها فى أقطار لم يكن لعبد الناصر سلطان عليها، بل لقد كانت بعض حكوماتها تسعى للقضاء عليه وعلى صورته فى وجدان الشارع والناس.
إن الصورة الطبيعية والجماهيرية للرجل لم تكن نتيجة جهود خبراء ولا كانت حصيلة دراسات أو أبحاث، إنما كانت نابعة من ارتباطه بتراب هذا الوطن الذى جسده فى شخصه حتى أصبح هو ذاته مادة مثالية لدراسة حالة نادرة من تحليق صورة الزعيم السياسى فى آفاق لم يسبق أن وصل إليه أحد حتى الآن .
ولقد رويت فى شهادتى سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر الكتاب الأول قصة كان أحد أطرافها التلميذ جمال عبد الناصر والطرف الآخر والده عندما وجده يحفر الأرض أمام المنزل فى الخطاطبة، فنهاه الوالد وانصرف ولكنه عندما عاد من عمله وجده ما زال يحفر، ولما سأله عن السبب كان رد جمال: عايز أعرف إيه اللى جوه الأرض اللى بيقولوا لنا إنها أصل كل شىء..
إن ارتباط جمال عبد الناصر بالأرض وتراب الوطن هو أحد أسباب صياغة صورته الجماهيرية.
فى يوم 26 أكتوبر1954، وفى ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية، وبعد أن انطلقت ثمانى رصاصات فى سماء الميدان نحو صدر جمال عبد الناصر، ظل الرجل واقفا صامدا متحديا الاغتيال ومتحديا القاتل، ووسط دوى الطلقات استمر جمال عبد الناصر قائلا للجماهير المحتشدة فى الميدان: « فليبق كل فى مكانه .. فليبق كل فى مكانه.. إننى حى لم أمت، ولو مت فإن كل واحد منكم هو جمال عبد الناصر .. ولن تسقط الراية ».
كان هذا الموقف التلقائى الذى بادر به جمال عبد الناصر إنما يعبر عن صورة جماهيرية ناجحة بكل المقاييس تعبر عن موقف الرجل والجماهير فى نفس الوقت، وهى هنا تستند على أساس من القناعة الراسخة بعظمة الجماهير التى يسعى لقيادتها وأمله فى إمكانية تحقيق مستقبل مبشر ومشرق لهذا الشعب . فالذى يؤمن بقاعدته تؤمن القاعدة به . وبدون هذا الإيمان المتين بالقاعدة الجماهيرية التى سيتفاعل معها الزعيم لا يستطيع أى عدد من الخبراء، مهما كبر وعظمت قدراته، أن يخلق صورة إيجابية لرجل السياسة لدى الجماهير أو فى الشارع بشكل عام، وإن استطاع هؤلاء الخبراء ذلك لفترة محدودة فسرعان ما سيكتشف رجل الشارع العادى بفطرته زيف هذه الصورة وحقيقة ازدراء الزعيم له، أو عدم إيمانه بقدراته الخلاقة وبالتالى انعدام أمله فى تحقيق المستقبل الواعد والمبشر والمشرق .
ويرتبط بهذا شرط آخر لا يمكن فصله عنه، وهو أن يكون لدى الزعيم تصور لدوره فى قيادة الشعب إلى المستقبل الواعد والمشرق لأن هذا سينعكس فى النهاية على صورته الجماهيرية، بحيث توحى للجماهير بأن هذا الرجل بعينه هو الذى يستطيع أن يوصلها إلى الغد المشرق الواعد الذى ينتظرها .
هذان الشرطان المسبقان لخلق صورة جماهيرية ناجحة هما فى الحقيقة الأمر معيار رئيسى لاختبار ما إذا كان رجل السياسة يملك فى الأصل مقومات الزعامة أم لا.
فكم من قائد أو رئيس ولد وعاش ومات دون أن نسمع به أو نرى له اثراً جماهيرياً ذلك لأنه لم يتمكن من أن يقوم بدوره لافتقاره إلى تلك الصورة الجماهيرية
وفى هذا المجال يقول الدكتور أنيس صايغ : « إن أعمال الزعيم هى رأس المال الذى يستعمله فى مضاربات السياسة، لكن حساب الزعامة ليس مجرد قائمة بالواردات والصادرات والأرباح والخسائر . والجماهير صاحبة القرار الأخير فى مصير الزعامة ليست دماغا إلكترونيا يحكم على الأعمال حكما تلقائيا لا عاطفة فيه ولا يخضع لمؤثرات شخصية . لا تقوم الزعامة على الأعمال فحسب .. مطلوب من الزعيم فى سائر الزعامات وسائر الشعوب حتى الذى بلغ أرقى درجات الرقى أن تتوافر فيه صفات خاصة تؤثر عادة فى الجماهير إلى جانب الخدمات التى يرى الشعب فى قيام الزعيم بها تحقيقا لذاته ومصالحه» .
وإذا نظرنا الآن إلى جمال عبد الناصر فى ضوء هذه القاعدة التى تنطلق منها أى صورة جماهيرية ناجحة لزعيم سياسى فسنجد أن إيمانه بعظمة هذا الشعب وقدراته الكامنة، وأمله المؤكد الراسخ فى إمكانية تحقيق مستقبل واعد ومشرق لهذا الشعب تمثل خطا ممتدا خلال كل خطاباته وأقواله وما جاء على لسانه فى جميع اجتماعاته ولقاءاته العامة والرسمية سواء مع الرؤساء والقادة الذين زاروه أم مع المؤسسات الرسمية والشعبية وذلك على امتداد ظهوره على مسرح الأحداث وحتى رحيله عن عالمنا.
وللتدليل على هذا فلقد كتب جمال عبد الناصر فى كتابه فلسفة الثورة : « إننا نعيش فى مجتمع لم يتبلور بعد، وما زال يفور ويتحرك، ولم يهدأ حتى الآن أو يتخذ وضعه المستقر ويواصل تطوره التدريجى بعد مع باقى الشعوب التى سبقتنا على الطريق» .
«وانا أعتقد دون أن أكون فى ذلك متملقا لعواطف الناس، أن شعبنا صنع معجزة، ولقد كان يمكن أن يضيع أى مجتمع تعرض لهذه الظروف التى تعرض لها مجتمعنا، وكان يمكن أن تجرفه هذه التيارات التى تدفقت علينا ولكننا صمدنا للزلزال العنيف».
« صحيح أننا كدنا نفقد توازننا فى بعض الظروف، ولكننا بصفة عامة لم نقع على الأرض» .
«أنظر إلى هذا وأحس فى أعماقى بفهم للحيرة التى نقاسيها وللتخبط الذى يفترسنا ثم أقول لنفسى، سوف يتبلور هذا المجتمع، وسوف يتماسك، وسوف يكون وحدة قوية متجانسة، إنما ينبغى أن نشد أعصابنا ونتحمل فترة الانتقال».
وهذا يؤكد أن شعور بل وإيمان جمال عبدالناصر بعظمة الشعب المصرى لم يكن شعورا رومانسيا وإنما هو شعور واقعى وحقيقى يدرك مواطن القوة، كما يعى أيضا مواطن الضعف التى ينبغى التغلب عليها، ومن ثم فإن أمله فى المستقبل الواعد والمشرق قناعة راسخة قائمة على فهم واع وعميق للحقيقة والواقع .
وللمزيد حول هذه النقطة أيضا أقول: إن الرئيس جمال عبد الناصر عاد ليقول فى سنة 1963 خطابا جاء فيه:
"ده كان المجتمع القديم اللى إحنا اتوجدنا فيه .. قامت ثورات كثيرة .. قامت ثورة فى زمن الخديوى توفيق، لما قام عرابى وقال: لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ونحن لم نورث ولن نورث أبدا لأى فرد ولو كان الخديوى توفيق .. خدوه الإنجليز، وجم نفوه، ولكن هل قدروا بعد أن نفوا عرابى وزملاء عرابى أنهم يقضوا على الحرية فى هذا البلد؟! أبدا .. بدليل إن إحنا النهاردة أحرار والبلد بتاعتنا.. وإن إحنا نبنى هذه البلد كما نشاء .. بمكن السنين طالت أو الزمن طال، ولكن البلد بتاعتنا".
إن الأمل فى تحقيق المستقبل الأفضل للشعب وللبلاد، بالتالى فهو مرتبط تماما بإيمان الزعيم نفسه بعظمة الشعب وهو العنصر الذى ينعكس على الجماهير نفسها، ويجعلها تحرص على التمسك بالزعيم لأنه هو الذى أيقظ ونمى هذا الشعور بقدراتها الكامنة وشبعها بالأمل فى مستقبل واعد ومشرق، وجمال عبد الناصر أعطى الشعب ما لم يكن يملكه هذا الشعب من قبل وهو الأمل .
وإذا رجعنا لماض ليس ببعيد سوف نرى أن شعور جمال عبد الناصر بدوره فى النهوض بالشعب المصرى وتحقيق مستقبل أفضل له منذ شبابه المبكر من خلال قراءته لسير الأبطال والزعماء الوطنيين التى رسمت له صورة البطل أنه هو المحارب الفاتح الذى يحرر وطنه . لقد قرأ جمال عبد الناصر فى شبابه كتب "حماة الإسلام " لمصطفى كامل، و" طبائع الاستبداد " لعبد الرحمن الكواكبى، و"وطنيتى " للشيخ على الغاياتى، كما قرأ كتب أحمد أمين عن الدراسات فى حركات التجديد فى الإسلام عن جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده ونجيب محفوظ، وقرأ سيرة غاندى وفولتير وجان جاك روسو والبؤساء لفيكتور هوجو وقصة مدينتين لتشارلز ديكينز ويوليوس قيصر لشيكسبير، وقد قام بتمثيل دوره فى الحفل السنوى لمدرسة الأقباط يوم 19 يناير 1935، وغيرهم ممن سبق أن أوردت أسماءهم فى الجزء الأول من شهادتى .
ولقد كان لقصة توفيق الحكيم "عودة الروح" أثرا عميقا فى شخصية جمال عبد الناصر وجعلته يحس بأهمية دور الزعيم، كما لفت نظره الحوارات التى دارت بين عالم الآثار الفرنسى ومهندس الرى الإنجليزى حول الشعب المصرى وافتقاره إلى قائد مصرى مخلص يخرجه من الظلمات إلى النور .
وهذا دفع جمال عبد الناصر يكتب لصديقه حسن النشار رسالة خاصة جاء فيها :
" .. . لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة، واستقبلنا غبار الموت.. فأين من يقلب كل ذلك رأسا على عقب ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم كانت مالكة للعالم؟ أين من يخلق مصر خلقا جديدا حتى يصبح المصرى الخافض الصوت الضعيف الأمل الذى يطرق برأسه ساكنا صابرا على حقه المهضوم، يقظا عالى الصوت، عظيم الرجاء، مرفوع الرجاء، مرفوع الرأس، يجاهد بشجاعة وجرأة فى طلب الحرية والاستقلال" .
من المسلم به أنه يجب أن تكون الصورة الجماهيرية الناجحة للزعيم أن تكون الصفات التى تمثلها تلك الصورة موجودة فعلا لدى صاحبها وليست مقحمة على شخصيته، فمن غير العقول أن يكون الرجل أو المقربون منه فاسدين ونحاول تصويره كطاهر اليد، أو أن يكون ألوب حياته يتسم بالأبهة ونصوره على أنه يحيا حياة بسيطة مثله كمثل أى مواطن عادى، ذلك أن رجل الشارع لديه الفراسة الفطرية دائما والتى تمكنه من يكتشف ما هو حقيقى مما هو مزيف.
وهنا نجد أن الجماهير المصرية والعربية كانت على قدر كبير من الوعى ليس فقط من الحكم على صحة صورة جماهيرية تمتع بها جمال عبد الناصر أثناء حياته، وإنما مكنها أيضا من التصدى لمحاولات العبث بهذه الصورة بعد مماته، وفى هذا المجال يكفى أن نسوق مثالا واحدا هو المحاولات التى تكررت للنيل من طهارة يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وسلامة ذمته المالية التى بدأت بعد وفاته وعلى وجه التحديد فى زمن الردة والانفتاح السداح مداح على رأى الصديق أحمد بهاء الدين بما تردد وكتب حول وجود حسابات باسمه فى بعض البنوك السويسرية، ثم وصلت إلى ذروتها حين وجه له اتهام محدد باختلاس 15 مليون جنيه ووضعها فى حسابه الخاص، وذلك فى كتاب جلال الدين الحمامصى «حوار وراء الأسوار»، وبهذه المناسبة فقد كنت عند صدور هذا الكتاب وراء أسوار السجون وتم استدعائى للتحقيق معى بواسطة المدعى العام الاشتراكى، وقد قمت بتفنيد والرد على كل هذه الافتراءات ودحضتها، وأصريت أن يكون التحقيق مكتوبا لأوقع على أقوالى، وقد تم ذلك فعلا حيث رفضت أن يكون التحقيق فى شكل مناقشة شفهية، وأذكر أنى قلت للمدعى إننا لسنا فى مقهى ندردش بل نحن أمام اتهام خطير لأنظف رجل حكم مصر وما لم يتم فتح محضر تحقيق مكتوب فسوف لن أجيبك عن أى سؤال .
وعندما أصدر عثمان أحمد عثمان كتابه "تجربتى" الذى ادعى فيه أن منزلى السيدتين هدى ومنى جمال عبد الناصر لم تدفع تكلفتهما الكاملة لأنهما بنيا لابنتى رئيس الجمهورية السابق.
وسارع الرئيس السادات بالتنصل مما جاء فى كتاب صهره ورفيق مجلسه الدائم اتقاء لرد الفعل الشعبى، الذى كان قد بدأ يفصح عن نفسه فى ذلك الوقت. وتلك دلالة على صعوبة العبث بالصورة الجماهيرية للزعيم القائمة على أساس من الصدق حتى بعد مرور سنوات على رحيله ليس عن المسرح السياسى، بل عن العالم أيضا .
نصل بعد ذلك إلى مرحلة لا تقل أهمية عما سبق أن كتبت ألا وهى حدوتة المثل الأعلى الذى تجسده الصفات الشخصية والتى تظهرها الصورة الجماهيرية وما يترتب على ذلك من قوة الجذب تجاه الزعيم من الجماهير العريضة.
ومن بين هذه الصفات على سبيل المثال لا الحصر الاستقامة وطهارة اليد وعفة اللسان والخلق الحميد الطيب وقوة الشخصية وسعة الصدر والحزم والعفو .. وهنا يمكن إضافة خصائص أخرى لها أهمية فى مجتمعنا العربى مثل الطلاقة فى الحديث والخطابة والمظهر الصحى وخفة الدم والتحدث بلغة يفهمها الشارع وتستهوى الجماهير.
ونجد الكاتب الأمريكى روبرت سان جون فى كتابه " الريس "ٍTHE BOSS " وهو يصف صورة عبد الناصر كتجسيد لهاتين النقطتين الطلاقة فى الحديث والصحة الجيدة حيث يقول :
" .. وأفضل خطب ناصر التى يلقيها ارتجالا .. حيث يتكدس مئات الآلاف من الرجال والنساء فى ميدان شعبى ويقفون ساعات ثلاثا تحت الشمس الحارقة يستمعون إليه . والحقيقة هى أنه لأنه مصرى، أى واحد منهم يستطيع أن يربط كثيرا من الكلمات بعضها مع البعض والناس ينظرون أكثر مما يستمعون وهو المرآه التى يرون فيها انعكاس أنفسهم فى الوضع الذى يتمنونه لأنفسهم، وكثير منهم تئن أجسامهم من التعب، أما هو فمرفوع القامة، قوى البنيان، عيناه لا معتان وسليمتان، وجيه وحسن الملبس مثل معظم هؤلاء الأجانب الذين يهبطون من الطائرات دون أن يكون لهم أى نفوذ فى مصر، أما " الريس " فبإمكانه أن يدخل الرعب على الأوغاد الأجانب، كما أن الملوك ورؤساء الوزارات يقطعون آلاف الأميال ليقابلوه، فهو رمز مصر الحديثة التى لم تعد تثنى ركبتيها أمام أى فرد بعد الآن. "
والآن لنتناول بعض الصفات التى أضفت على صورة جمال عبد الناصر صفة المثل الأعلى للشعب.
الاستقامة
يقول يوجين جوستين رجل المخابرات المركزية الأمريكية:
" مشكلتنا مع ناصر أنه بلا رذيلة مما يجعله من الناحية العملية غير قابل للتجريح، فلا نساء ولا خمر، ولا مخدرات، ولا يمكن شراؤه أو رشوته أو حتى تهويشه، نحن نكرهه ككل، لكننا لا نستطيع أن نفعل تجاهه شيئا، لأنه بلا رذيلة وغير قابل للفساد ."
ويقول الكاتب الهندى ديوان برندرنات فى كتابه «ناصر الرجل والمعجزة » : « إن رذيلة ناصر الوحيدة هى التدخين » .
طهارة اليد
يقول الكاتب الأمريكى روبرت سان جون فى كتابه "الريس" :
حجرة الاستقبال فى منزل جمال عبد الناصر بمنشية البكرى، حيث أجرى معه حديثا.
« .. إن الغرفة بها طاقم من الأثاث المذهب يتكون من أريكة وستة كراسى مغطاة بقماش مطرز بالورد وثلاث مناضد صغيرة..
ثم يقول: "إنه منذ ثلاث سنوات ثارت ثائرة الرئيس من جراء مقالة فى مجلة أمريكية قالت إن الأثاث المذهب مأخوذ من أحد قصور فاروق. وكان هذا غير صحيح، بل إن العكس هو الصحيح، فهو كرئيس للدولة من حقه أن يقيم فى أحد القصور أو أن ينقل منه ما يشاء من الأثاث إلى منزله الذى تملكه الدولة، لكن ناصر دفع ثمن هذا الطاقم من جيبه الخاص».
واقتضت الظروف أن ينتقل الرئيس جمال عبد الناصر للإقامة فى قصر الطاهرة أحد القصور الملكية ولكنه لم يلبث بعد يومين أن عاد إلى منشية البكرى وقال لنا: "أنا ما أقدرش أقعد فى مكان كله تحف وأشياء ثمينة .. حأعمل إيه لو حد من الأولاد كسر فازة أو أتلف سجادة أو شيئا من هذا القبيل؟ " .
وعندما اصيب بآلام فى رجليه طلب الأطباء ضرورة إنشاء حمام سباحة وعندما علم بأن مقايسة إنشاء الحمام ستتكلف خمسة آلاف جنيه رفض رفضا باتا إنشاءه ..
وإذا استرسلت فى هذه الحكايات سوف أحتاج لصفحات وصفحات كثيرة .
رفضه المحاباه
فى العام 1956 أنشئت الوحدة المجمعة فى قرية بنى مر محافظة أسيوط فى صعيد مصر ومسقط رأس جمال عبد الناصر، واقترح المسئولون عن الحكم المحلى إنشاء قرية نموذجية عند مدخل القرية تضم مائة وثمانى " فيلات " وتتوسطها فيلا على أحدث طراز تخصص كاستراحة لرئيس الجمهورية وابن القرية. ورفض الرئيس جمال عبد الناصر هذا الاقتراح تماما بعد أن كان قد وضع حجر الأساس وأهدت البلدة قطعة الأرض اللازمة لإقامة القرية الجديدة، وكانت مساحتها سبعة أفدنة ونصف الفدان لجمال عبد الناصر والأسرة. وكان رفض الرئيس بقوله: "لو لم أكن رئيسا للجمهورية ما كان هذا الإجراء ليحدث، وأنا لا أقبل أى شىء يرتبط بمنصبى كريس للجمهورية".
أما الكاتب روبرت سان جون فقد كتب فى وصفه لجمال عبد الناصر: « وهو يعارض بشدة محاباة كبار الموظفين لأقربائهم وقد كان ذلك يعتبر عرفا وليس جريمة فى وقت ما قبل الثورة، وهو يصر على إنزال العقوبة الصارمة بأى شخص يفعل ذلك».
ويسرد سان جون بعد ذلك قصة معروفة حدثت فى بداية سنوات الثورة حين اتصل جمال عبد الناصر شخصيا بصاحب جريدة أخبار اليوم قائلا له: « إنت شفت الصفحة الأخيرة؟ فأجابه .. نعم، هل تقصد سيادتك صورة والدك؟ إيه الغلط فيها؟ فأجابه الرئيس فى لهجة صارمة .. أنا ما باحبش أن تنشر أخبار أبى وصور عائلتى بين الناس .. أنا عاوز أن يعيش أبى وأخوتى مثل الناس العاديين ولا أقبل أن يفسدهم منصبى ..» .
وكانت هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى نشرت فيها صورة والد عبد الناصر الذى لم يسمع عنه القراء بعد ذلك إلا حين توفى ونشر نعيه بالصحف.
القوة
إلى جانب محاولة الاغتيال بميدان المنشية فى أكتوبر 1954 كانت هناك صيحته الشهيرة من فوق منبر الجامع الأزهر الشريف حين واجهت مصر العدوان الثلاثى فى أكتوبر 1956 حين قال: «سنقاتل .. سنقاتل .. سنقاتل» .
ولا ننسى دعوة الرئيس جمال عبد الناصر الولايات المتحدة الأمريكية لكى «تشرب من البحر الأبيض وإن لم يعجبها فلتشرب من البحر الأحمر.. .» وهذه العبارة لم تكن كما حاول البعض أن يفسرها على أنها تعبير عن عدم الكياسة أو عدم مراعاة البروتوكول والعرف السياسى، فتلك نظرة ضيقة للأمور ساقها بعض المتحذلقين الذين كانوا يهدفون إلى هدم الصورة الجماهيرية لعبد الناصر بأى وسيلة والذين لم نسع وصفهم لما قاله خروشوف فى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك حينما خلع حذاءه وأخذ يضرب به على المنصة التى أمامه احتجاجا على الكلمة التى كانت تلقى فى ذلك الوقت.
إن دعوة جمال عبد الناصر لأمريكا لكى تفعل ما تستطيع إذا لم يعجبها حال مصر، كان فى حقيقة الأمر تجسيدا لروح التحدى المتأصلة فى هذا الشعب والتى كان يمثلها جمال عبد الناصر أكثر من أى زعيم آخر عرفه العرب منذ صلاح الدين.
أما استخدامه للمثل المصرى الدارج " اشرب من البحر" للتعبير عن هذه الروح ضد واحدة من أكبر وأقوى دولتين فى العالم فهو لفتة عبقرية أخرى فى قدرة عبد الناصر فى الوصول إلى الجماهير عن طريق التحدث إليهم بلغتهم التى هى لغته أيضا .
إن الرئيس جمال عبد الناصر الذى لم يستعن أبدا فى أى وقت من الأوقات بخبراء علاقات عامة أو دعاية لا من الداخل ولا من الخارج، نجد أن صورته لا تعكس فقط نقيض ما حدث مع الرئيس السادات الذى استعان بخبرة أمريكية فى هذا المجال أتت بنتائج عكسية تماما ملعلنا نذكر تلك الصور التى نشرت فى أخبار اليوم خلال فترة حكمه وإنما هى التى تمثل نموذجا فريدا للجمع بين التقاليد المتوارثة والثورة على القديم فى نفس الوقت، وهكذا كان الثائر الذى جاء لتغيير ما بشعبه من تخلف وتربطه بالثورة الصناعية والتقنية العالمية يتمسك فى نفس الوقت بأسلوب ونمط حياة محافظة تحترم تعايم الأديان والتقاليد والأعراف والتربية وإن كانت بعيدة عن التزمت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.