د. جهاد عودة حضر رئيس الحكومة اللبنانى السابق سعد الحريرى جلسة بدء المحاكمات فى جريمة اغتيال والده رفيق الحريرى ورفاقه، فى افتتاح المحكمة الخاصة بلبنان مدينة لاهاى 16-1-2014. وبعد خروجه من مقر المحكمة إثر انتهاء الجلسة الأولى، ألقى على الإعلاميين كلمة أكد فيها أن الجميع موجود فى لاهاى اليوم بفضل الشعب اللبنانى وبإرادته وصبره وثباته، «وبفضل التضحيات الغالية التى قدمناها جميعًا، وبإرادة اللبنانيين واللبنانيات الذين لم يتوقفوا يومًا عن المطالبة بالحقيقة والعدالة والمحكمة الدولية». أضاف الحريري: «وجودنا هنا اليوم هو بحد ذاته دليل على أن موقفنا منذ اللحظة الأولى، وفى كل لحظة، كان وسيبقى طلب العدالة لا الثأر، وطلب القصاص لا الانتقام. فى قاموسنا، الرد على العنف لا يمكن أن يكون بالعنف، بل بمزيد من التمسك بإنسانية الإنسان، بالقانون وبالعدالة» . وتابع قائلًا: «اليوم هو يوم تاريخى بامتياز، والرئيس رفيق الحريرى كان حاضرًا بقوة، ومعه كل الشهداء الذين قضوا معه، وكل الشهداء الذين سقطوا من بعده، وصولًا إلى آخر الأحبة فى قافلة الشهداء محمد شطح ومرافقه، ومئات الضحايا الذين حصدتهم جرائم التفجير والاغتيال السياسي». وقال الحريري: «المحكمة الدولية لأجل لبنان انطلقت، ومسار العدالة لن يتوقف، ولا جدوى بعد اليوم من أى محاولة لتعطيل هذا المسار. إن حماية المتهمين والإصرار على عدم تسليمهم إلى العدالة هو جريمة مضافة إلى الجريمة الأساسية الكبرى». وتابع الحريري: «لقد هالنا بالتأكيد أن تكون هناك مجموعة لبنانية موضع اتهام مسند إلى أدلة وتحقيقات واسعة، وما كنا نتصور أن فى صفوف اللبنانيين من يمكن أن يبيع نفسه للشيطان، وأن يتطوع لقتل رفيق الحريري، وتنفيذ أبشع عملية إرهابية بتلك الكمية الهائلة من المتفجرات. هذه الحقيقة جارحة وموجعة، ولكنها باتت حقيقة لا تنفع معها محاولات التهرب من العدالة، والمكابرة وإيواء المتهمين وحمايتهم». وشدد الحريرى على أن جرائم الاغتيال السياسى أسهمت فى تخريب الحياة الوطنية فى لبنان، «وبقيت لسنوات طويلة مجهولة الفاعلين والمخططين والمنفذين، إلى أن أدت إرادة اللبنانيين إلى اتخاذ المجتمع الدولى قرارًا تاريخيًا بوضع اليد على التحقيق فيها، وسوق المتهمين إلى العدالة الدولية». أضاف: «ها هى أبصار اللبنانيين وعواطفهم مشدودة منذ اليوم إلى أعمال هذه المحكمة، التى فتحت أولى صفحات العدالة الحقيقية، ووضعت حجر الأساس المطلوب لمكافحة الاغتيال السياسى والجريمة المنظمة فى لبنان والعالم العربي». وختم الحريرى خطابه قائلًا: «أشدد فى هذه المناسبة على دور السلطات اللبنانية المختصة فى التعاون الجدى مع المحكمة الدولية، وأتوجه بالشكر إلى القضاء اللبنانى وقوى الأمن الداخلى وجميع الأجهزة الرسمية على ما بذلته من جهود حتى الآن فى مؤازرة التحقيق، وقال: ولا يسعنى إلا أن أستذكر التضحيات الكبرى فى هذا المجال، وبخاصة الشهيدين وسام الحسن ووسام عيد، والشهيد الحى سمير شحادة. كما أتوجه بعميق الشكر إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة وإلى كل الدول التى أسهمت فى تمويل المحكمة والهيئات والشخصيات التى تعاونت على الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية، وأخص بالشكر فريق التحقيق الدولى والمدعين العامين الذين تعاقبوا على مواكبة التحقيقات، والجهاز القضائى الذى يقدم إلى اللبنانيين وكل العالم نموذجًا ناصعًا من العدالة الشفافة والنزيهة. إنه زمن العدالة لأجل لبنان. عاش لبنان». وكان قد حضر إلى لاهاى لحضور وقائع جلسات المحكمة كل من: سعد الحريرى ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكارى والنائب سامى الجميل والنائب مروان حماده ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق المحامى إلياس المر والنائب باسم السبع والنائب السابق غطاس خورى واللواء الركن جميل السيد والسيد نادر الحريرى وتوفيق أنطوان غانم وزاهر وليد عيدو ووالد الشهيد الرائد وسام عيد وشقيق الشهيد جورج حاوى نبيل وزوجة اللواء الشهيد وسام الحسن وزوجة الشهيد سمير قصير جيزيل خورى والدكتورة مى شدياق. ومعظم السفراء العرب المعتمدين لدى المملكه الهولدية . وتغيب السفير المصرى. ويحاكم خمسة متهمين وهم عناصر مسلحة تنتمى لحزب الله وفارة من العدالة وتحاكم غيابيا، وهم سليم عياش ومصطفى بدر الدين مع آخرين، أعدوا ونفّذوا هذا التفجير، أما أسد صبرا وحسين عنيسى فقد عاوناهما فى التنفيذ، أما المتهم الخامس فسوف يحاكم فى وقت لاحق عند استكمال الإجراءات، وتابع أن عياش كان مسئولاً عن مراقبة الحريرى، وبدر الدين وعياش كانا مسئولين عن العنصر المادى للتفجير، أوقعت بهم الاتصالات التى أجروها بالتزامن مع عملية الاغتيال. وأكد قاضى المحكمة، الأسترالى ديفيد ري، فى كلمة الافتتاح أن الادعاء ينوى استدعاء مئات الشهود. وقالت المحكمة الدولية فى بيان إن «قضية عياش وآخرين تتعلق باعتداء 14 شباط 2005 الذى أدى إلى مقتل 22 شخصاً، منهم رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، وإصابة 226 شخصا آخرين بجروح. ولا يزال المتهمون سليم جميل عياش، ومصطفى أمين بدر الدين، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا فارين من وجه العدالة، وتقام الإجراءات ضدهم غيابياً»، مشدداً على أن «المحاكمة ستفسح المجال للشعب اللبنانى مشاهدة تقديم الأدلة والطعن فيها، ومشاهدة الشهود أيضا يدلون بإفاداتهم ويخضعون لاستجواب مضاد علناً». وأكد فى كلمته، أن «المحكمة ستطبق حقوق المتهمين بالحصول على محاكمة عادلة وعدد من محاميى الدفاع لكل متهم»، مشيراً إلى أن «المتهم يبقى بريئاً حتى إثبات إدانته، وبإمكان الشهود عرض الأدلة أمام المحكمة، أو يمكنهم أن يطلوا عبر شاشة متلفزة». وأدلى المدعى العام، نورمان فاريل، بتصريحه التمهيدي، قائلاً إنه يحق للشعب اللبنانى أن يعرف الحقيقة وهوية المرتكبين، وشدد على أهمية رفع الغطاء عن الجريمة. ولفت إلى أن الاتصالات ستبين الأدلة التى تركها المرتكبون والتى تثبت تورطهم، وستحدد أن الأربعة المتهمين من حزب الله تآمروا مع آخرين لاغتيال الحريرى. وأكد أن هناك «جهات داخلية وخارجية» خطّطت لاغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري. ويذكر أن حزب الله رفض اتهام عناصره بالتورّط فى اغتيال الحريري، وقدّم أمينه العام السيّد حسن نصر الله ما اعتبرها «قرائن وأدلة» تثبت وصفه المحكمة بأنها «أمريكية إسرائيلية» و«مفبركة». إن محكمة العدل الدولية الخاصة بلبنان، التى عقدت الخميس قبل الماضى أولى جلساتها فى لاهاى، تختلف عن غيرها من المحاكم الجنائية الدولية السابقة مثل محاكم نورمبرج، وطوكيو، ويوغوسلافيا السابقة، ورواندا، وسيراليون، وتيمور الشرقية، وكمبوديا، وكوزوفو. أن هناك أربعة أشياء تميز محكمة لبنان هى: أولا: المحكمة الخاصة بلبنان تعد أول محكمة تنشأ لملاحقة الجريمة الإرهابية وتحديدا جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى وآخرين فى 14 فبراير 2005 بلبنان. ثانيا: أن قرار مجلس الأمن رقم 1757 الذى صدر فى 30 مايو 2007 بموجب الباب السابع من ميثاق منظمة الأممالمتحدة هو الذى أدخل اتفاقية إنشاء المحكمة حيز النفاذ، بعد أن أعاق البرلمان اللبنانى المصادقة على هذه الاتفاقية وفق الأصول الدستورية اللبنانية. ثالثا: حسمت المحكمة ولأول مرة الخلاف الفقهى فى العالم بأسره حول تعريف «جريمة الإرهاب»، وذلك حين قررت المحكمة فى 16 فبراير 2011، أن الركن المادى للجريمة لا يقتصر وحسب على الأفعال المادية، ولكن أيضا ضمنت المحكمة الإرهاب النفسى، الذى لم يشر إليه أى من الفقهاء أو التشريعات الوطنية للدول وسائر الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الدولية المعنية بمكافحة الجريمة الإرهابية. رابعا: قرار إنشاء المحكمة نص على مراعاة أعلى معايير العدالة الدولية، سواء فى تشكيل المحكمة أو نظامها الأساسى وتحديدا ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين. يتضمن النظام الأساسى للمحكمة الخاصة بلبنان العديد من سمات مستحدثة جديرة بالملاحظة. وأهم استحداث فيها هو، ولايتها القضائية، ففى حين يتضمن موضوع اختصاصها الإرهاب، المعرّف وفقا للقانون اللبنانى فقط، فإنه لا يشمل أية جرائم دولية بل يشمل الجرائم الموضّحة فى القانون الجنائى اللبنانى حصرا. وخلافا لِميزات محكمة ذات طابع دولي، فإنّ مهمات المحكمة الخاصة بلبنان ربما تكون محصورة فى قضية واحدة ألا وهى اعتداء الرابع عشر من شباط 2005 الذى أودى بحياة رفيق الحريرى واثنين وعشرين شخصا آخرين. وستنظر المحكمة الخاصة بلبنان فى قضايا أخرى فقط إذا تبين لها بأنّ لها علاقة بهذا الاعتداء. وفى الوقت الذى يعكس فيه اختصاص المحكمة ولاية لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة فإنّ النظام الأساسى للمحكمة الخاصة بلبنان يتضمن أحكاما أصلية لتنظيم علاقتها بهذه اللجنة وأيضا بالسلطات القضائية اللبنانية متمتعة بذلك بأهلّية قانونية منسجمة مع الاثنتين: اللجنة والسلطات. وهناك خصوصيات مهمة أخرى لهذه المحكمة تتعلق ب»القانون الإجرائى الواجب التطبيق» حيث تتضمن أحكاما مرتبطة بقاضى الإجراءات التمهيدية ودور القضاة فى إجراءات جلسات الاستماع وبمشاركة الضحايا فى هذه الإجراءات مع احتمال القيام بمحاكمات غيابية. هذا وقد وأشاد أنصار الحريرى بالمحكمة باعتبارها فرصة لإغلاق فصل طويل من الإفلات من العقاب فى لبنان الذى كان ساحة للمفجرين والقتلة منذ الحرب الأهلية التى دارت بين عامى 1975 و1990 مع احتمال ضئيل للمثول أمام العدالة. وقالت آنا الحسن زوجة حليف الحريرى وسام الحسن رئيس فرع المعلومات فى قوى الامن الداخلى الذى قتل فى انفجار ببيروت عام 2012: «كنت بانتظار منذ تسع سنوات.. ولكنها مجرد بداية». لكن الانفجار الذى أودى بحياة رئيس الوزراء الاسبق دق ايضا إسفينا بين اللبنانيين السنة الذين ينتمى لهم الحريرى والشيعة الذين ينتمى لهم حزب الله المدعوم من سوريا الذى وجهت التهم إلى أربعة من أعضائه. وزاد تسمم هذه الأجواء بفعل الخلافات بشأن الحرب الأهلية فى سوريا والتى جعلت مقاتلين لبنانيين من السنة والشيعة ينضمون على أساس طائفى إلى طرفى الصراع فى سوريا. وامتدت عبر الحدود فى صورة هجمات طائفية مميتة فى المدن الرئيسية فى لبنان كان آخرها هجوما انتحاريا استهدف منطقة الهرمل قرب الحدود الشمالية مع سوريا التى تعتبر معقل حزب الله، مما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى على الأقل بالإضافة إلى الانتحارى. وفى أواخر الشهر الماضى وقبل ثلاثة أسابيع فقط من بدء المحاكمة قتل مستشار مقرب من سعد الحريرى نجل الحريرى الأب، وهو وزير المالية الأسبق محمد شطح فى انفجار سيارة ملغومة على بعد بضع مئات من الأمتار من موقع هجوم عام 2005. وبعد أيام هاجم مفجر انتحارى الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله. ويمكن فهم المحاكمة وغيرها من أحداث كديناميات لتغير هيكل السياسات الدولية بالشرق الأدنى (سورياولبنان والأردن وإسرائيل). فما يحدث فى سوريا لا يملك مقاربة مع الحصار الذى طبق على العراق أو ليبيا أو حتى يوغوسلافيا. ما النمط الحالى هو من الحروب اللامتوازية ينهى الحالة «الرديكالية» السورية منذ ظهور سوريا ككيان سياسى فى العصر الحديث، فما جرى ويجرى هو إعادة هيكلة المجتمع والدولة السوريين وفق ثلاثة معايير: 1 - مجتمع مهجر أو لاجئ يصعب عودته إلى حالة التوازن بالمستقبل القريب، فالواقع الاقتصادى للمجتمع السورى لا يغير فقط سلوكه الاقتصادى بل أيضا رؤيته لنفسه على الأخص مع امتداد التهجير والمعاناة، فما يعيشه المجتمع السورى ليس قسوة «المجاعات» التقليدية، بل سحب خصائصه التى أنتجت بُنى سياسية رغم كل ما مر به منذ بداية القرن الماضى وحتى اليوم، فهو مجتمع قام أساسا على وعى تاريخى – جغرافى لموقعه الذى رسم له موقعه ككتلة ثقافية، يستند إليها الشرق الأوسط كعامل أساسى فى توازنه. 2 - مجتمع يفقد بشكل تدريجى «الهوية الاقتصادية»، فما يحدث لا يرتبط فقط بإيقاف العملية الإنتاجية، إنما يطال سلوك الفرد الاقتصادى الذى يعتمد اليوم فى بقائه على الإعانات، بينما أصبح وجوده جزءا من الكارثة الإنسانية، وما يحدث ضمن عملية التجويع هى سحب قدرة البناء الذاتى بالنسبة للأفراد والمجموعات، ووضعها ضمن إطار أكبر وأشمل من المفترض أن تضعه المجموعات الدولية عندما تتفق على وقف الصراع. 3 - تستند الرؤية السياسية لسورية إلى سلسلة تاريخية ابتداء من «العقد التجارية» فى المراحل التاريخية القديمة، وصولا إلى ربط الاقتصاد بالعوامل السياسية التى تقوم عليها سوريا كمجتمع ودولة، وفى هذه النقطة فى الذات فإن التدمير الاقتصادى يؤخر النمو وربما يدخل البلد فى حالة إفقار، إلى أن خوض الصراع السياسى من أجل تحويل كل البنى الاقتصادية وتصفية الشكل الإنتاجى السورى سيؤدى فى النهاية إلى تحول حتى فى السلوك السياسى على المستوى البعيد. الحرب الاقتصادية اليوم لا تملك جبهة واحدة، فيها تتحول وفق ظاهرة لا نمطية تنتهى عند نقطة التحول داخل سوريا إلى مجتمع هامشى وقابل إلى القفز نحو عتبة ثقافية جديدة مختلفة كليا عن هذا المجتمع الذى أنتج النظريات السياسية للمنطقة، وخاض معارك الاستقلال، فهذه الجغرافيا السياسية تخضع اليوم لأقصى محاولات التهميش عبر الصراع الاقتصادى.