محمد جلال عناية من الثرثرة المتواصلة التى نسمعها من حكماء تل أبيب، يبدو أن هؤلاء الناس، إما أنهم يجهلون أمرهم أو يتجاهلونها، فلقد أهدر الباحثون، والدعاة السياسيون من مختلف الاتجاهات، الكثير من الوقت والجهد، وانقسموا فى شأن بروتوكولات حكماء صهيون، إن كانت صادرة عن مجموعة من فهمائهم فى نهاية القرن التاسع عشر، كخطة للسيطرة على العالم بالمال والإعلام أم هى مدسوسة عليهم من العنصريين أو المتعصبين المسيحيين فى روسيا القيصرية. ولقد طبعت البروتوكولات لأول مرة عام 1903، فى روسيا، وفى عشرينيات القرن الماضى طبع منها الصناعى الأمريكى هنرى فورد، نصف مليون نسخة وزعت فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفى ثلاثينيات القرن الماضى كانت البروتوكولات تدرس فى المدارس الألمانية، حتى لا نتهم كعرب بالعداء للسامية (كراهية اليهود) مع أننا أنقى سامية منهم، فالعرب هم الأمة السامية الوحيدة التى ظلت تحتفظ بثقافتها ولغتها العربية حية بشكل متصل من بين جميع الأمم السامية الأخرى، ومن ضمنها اليهود الذين يتحدثون اللغة العبرية المتعارف عليها اليوم، والتى لم يتحدث بها أحد فى عصر الهيكل، حيث كانوا يتكلمون اللغة الآرامية، كما أن أحداً لم يتحدث باللغة العبرية فى المرحلة المقبلة للصهيونية، حيث كانوا يتكلمون اليديش. وإذا ألقينا نظرة عابرة على الضجة التى يثيرها اليهود وحول العداء للسامية، الذى يلونون به خصوماتهم مع الآخرين من أمم العالم، نجد فيما يعنينا كعرب فلسطين، أن اليهود من خلال ما أوقعوه بالساميين الأصليين من عرب فلسطين من كوارث قد اقترفوا أعمالاً معادية للسامية. إن "العداء للسامية" كمفهوم تقليدى، كان حتى آواخر القرن التاسع عشر ناتجاً عن الاختلاف الدينى، وفى النصف الأول من القرن العشرين كان نتيجة للاختلاف العنصرى، أما فى الوقت الحاضر، فإن تعبير "العداء للسامية" فقد مضمونه التقليدى بعد أن انتهى الاضطهاد المنظم لليهود كجماعة دينية أو عرقية. وتحول هذا التعبير إلى سلاح سياسى لحماية المصالح اليهودية والإسرائيلية. إنه لمن قبيل السخرية وهذا بعض من كل أن توصم شكوى الأمريكيين السود من استغلالهم من قبل أصحاب العقارات، وتجار البيع بالمفرق اليهود فى نيويورك بالعداء للسامية، وأن توصم مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلى بالعداء للسامية. يعارض الكاتب الأمريكى ماكس ديمونت هذا الاتجاه اليهودى العنصرى المتطرف، ويعبر ديمونت عن ذلك بقوله: "إننا لا ننظر إلى كل عمل ضد اليهود على أنه ناشئ عن العداء للسامية، كما أن الحماقة لا تصبح عبقرية إذا صدرت عن يهودى". كان هنرى فورد رجل سلام، وقد تمنى لو يقدم كل ثروته لينقص من عمر الحرب العظمى ( 19141918) يوماً واحداً، وقد رفض عرضاً لشراء سياراته بثلاثة أضعاف سعرها لاستخدامها فى الحرب، وقال إنه يفضل أن يحرق مصنعه عن بكرة أبيه على أن يقدم إنتاجه للحرب. لقد وصم هنرى فورد الحرب الأوروبية على أنها حرب الرأسماليين، وقال إن الطفيليين والمرابين فى "وول ستريت"، ويعنى بهم رجال المال اليهود فى نيويورك، هم المحرضون على استمرار هذا الصراع، وكان رجال المال فى "وول ستريت" قد تحالفوا مع بريطانيا وفرنسا، وشجب فورد بازدراء شديد قيام مؤسسة "مورغان" بإقراض الحلفاء مبلغ نصف مليار دولار، وأعلن فى مؤتمر صحفى بأن: "نيويورك (رجال المال اليهود) هى التى تريد الحرب وليست الولاياتالمتحدةالأمريكية". لم يكن من السهل على اليهود فى أمريكا مواجهة خصم تجتمع لديه كل أسباب القوة مثل هنرى فورد، فقد كان ذلك الرجل أسطورة زمنه، ومحط الإعجاب فى كل أرجاء المعمورة، مما جعله يندرج فى عداد الخالدين. ففى عام 1914، أثار فورد دهشة العالم بأسره عندما جمع بين أعلى معدل لأجر العامل وأرخض سعر لبيع السيارة، فقد كان أدنى أجر لعامل النظافة فى مصانع فورد هو خمسة دولارات فى اليوم. كانت مشاعره الإنسانية محل تقدير رجل الحكم، وأهل العلم فى أمريكا وأقطار العالم، وفى ألمانيا أصبح هنرى فورد، بطلاً شعبياً كما هو فى أمريكا، فإن رعايته الأبوية للعمال كانت مثار إعجاب العمال الألمان، وكانت صورة هنرى فورد، معلقة فى مكتب أدولف هتلر فى مقر الحزب الوطنى الاشتراكى (النازى) في ميونخ فى ألمانيا. كان هنرى فورد يعرض آراءه فى اليهود على صديقيه توماس أديسون وهارفى فايرستون قبل أن يبدأ هجومه العلنى عليهم عام 1920، عندما اشترى صحيفة "ديربورن إندبندنت" ليستعملها كأداة لتحذير الناس من الخطر اليهودى. لقد جمعت أهم المقالات المنشورة فى هذه الصحيفة التى تتحدث عن الخطر اليهودى، ونشرت فى أربعة مجلدات تحت عنوان "اليهودى العالمى"، ولقد بيع منها فى الولاياتالمتحدة عشرة ملايين نسخة، وترجم إلى ست عشرة لغة، وبيعت منه ملايين النسخ فى أوروبا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط. فيما يتعلق ببروتوكولات حكماء صهيون التى روجتها صحيفة "ديتروبت إندبندنت" قال أحد أعوان هنرى فورد إن هذه الصحيفة لم تقطع بصحة البروتوكولات، وإنما ركزت على التطابق الدقيق بين ما ورد فى البروتوكولات وبين ممارسات اليهود فى الواقع.