أشرف بدر من ينظر للأوضاع العربية الراهنة يصاب بالرعب واليأس لكثرة التناقضات فى المواقف، والمؤشرات التى تنذر بين لحظة وأخرى بكوارث، وليس من مشهد أفدح على الوضع العربى الراهن من تدويل قضية "المصير" للشعب السورى عبر سلسلة من الاتصالات والاجتماعات، والزيارات، والدعوة لمؤتمرات ثبت فشلها وعدم احترام قراراتها، بينما آلة القتل والدمار، والتخريب تعمل ليل نهار بأيدى نظام الاحتلال الأسدى الصفوى الشيعى، ومرتزقة، وشبيحة وتكفيريين يطلقون على أنفسهم "جيش النصرة"، يذبحون الأطفال، والنساء، بأيد باردة، وسط حالة تبلد جماعى غير مسبوقة، من أعضاء منظمات حقوق الإنسان الذين اكتفوا بمصمصة الشفايف على الأهوال التى يلقاها النازحون فى خيام مليئة بثقوب العار، والخزى العربى والعالمى !! صحيح أن تاريخ العرب ملىء بانتكاسات تخريبية، وواقع اليوم خير شاهد على مايفعله المخربون وحلفاؤهم من الغرب وأمريكا، الذين أماتوا ثورات الربيع فى ليبيا واليمن وتونس، ولو كان هناك موت، ما بعد مماته لسعوا إليه، لكن الأسف كل الأسف، أن العرب لم يتعلموا الدرس بعد، برغم الضربات واللكمات التى يتلقونها من أمريكا وحلفائها، وآخرها اللطمة التى وجهتها مستشارة الأمن القومى سوزان رايس، بأن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تركز جهودها على منطقة الشرق الأوسط طوال ال 24 ساعة"، فى إشارة للعودة إلى الدبلوماسية الأمريكية القديمة القائمة على المصلحة دون غيرها. وبرهنت على ذلك زيارة وزير الخارجية جون كيرى لمصر وإعلانه صراحة تخلى واشنطن عن "جماعة الإخوان "عشية دخول رئيس العشيرة محمد مرسى القفص، ومحاكمته و14 من أعوانه جنائيا، ونزولا على إصرار المصريين بعدم الرضوخ للضغط والابتزاز الأمريكيين، والحفاظ على كرامتهم مهما كان ثمن وقيمة المساعدات، إضافة إلى تقديمه الأسف والاعتذار للسعودية، عن الدور المهزوز والمشوش لإدارة أوباما تجاه الأزمة السورية . لقد تحولت كل حروب الولاياتالمتحدة للسيطرة على مراكز العالم الأساسية، إلى مغامرات فشلت ومنيت بالهزيمة، أو نجحت مؤقتاً، لكنها جنت فى النهاية عكس ما شاءت وأرادت، لأن قادتها لم يتعلموا من دروس التاريخ وعواقب مكررة، ربما لأنهم ولدوا أصلاً من رحم نظام أوروبى استعمارى استيطانى عنصرى، أو إفريقى رزح تحت ويلات الاستعمار سنوات طويلة من القهر والعبودية . إن مؤتمر جنيف2 الذى لم يستطع أحد حتى الآن القطع بانعقاده هذا الشهر "لن يحل أو يربط"، وسيكون نسخة مكررة من جنيف1، والكل يعلم ذلك، بل إن الثوار السوريين لو كانوا يعلمون أن حل قضيتهم فى أيدى"جنيف" لما بدأوا ثورتهم الشريفة، وما ضحوا بزهرة شباب أبنائهم فى سبيل الخلاص من نظام "الأسد الطاغية". وليعلم الجميع، أنه مهما تحالف"الأوباش والفسقة وأصحاب الأجندات" فإنهم سينهزمون وسينتصر الشعب العربى، مثلما انتصرت ثورة 30 يونيو بقيمها وانتشارها كحالة وبداية حقيقية لانتصار «الربيع العربى» الذى يترسّخ وينضج يوما بعد آخر، فى وقت يرى الواهمون أنه يموت هناك، بينما هو يتجدّد ويقوى عوده، لأن حبَّ مصر، فى نفوس أكثرنا، مرض لا نسأل الله منه برءاً. ولم تكن محاكمة" رئيس العشيرة" محمد مرسى، إلا تتويجا لإنهاء صراع لم يكن ضد الدين لصالح أعدائه، ولم يكن معركة علمانيين ضد إسلاميين، ولكنه كان معركة شعب ضد مخططات وسياسات لا تصب فى مصلحته، وإفساد «طبخة» دولية مسمومة، لتفتيت المنطقة، وتعرية تنظيم نجح فى خداع العالم بقدرته وحده على وقف طوفان التطرّف والإرهاب الدينى الأعمى، بينما هو من يمارسه من عملاء ساقطين نفعيين ينتمون إليه، وبالدرجة التى تجعلهم قادرين، على التضحية والمساومة على كل شىء، مقابل الاحتفاظ بكرسى الحكم وخزائن الأموال، والإمارة. ومن عجب حقا، أن نجد من الناس من لا يفرق بين الجهاد والقتال والإرهاب ويستخدمونها كمرادفات لبعضها، وهو الأمرالذى استغله دعاة الفتنة فى استقطاب العديد من البسطاء وحثهم على القتل والفوضى والتخريب، برغم أن الجهاد فى حقيقته معنى شامل للبناء وإقامة قواعد العدل والحرية والمساواة، وصد العدوان ورفع الظلم عن الناس وعدم استعبادهم من قبل الطغاة الذين يمنعونهم من الانطلاق فى رحاب الحياة بحرية كاملة. إن المصريين بحاجة إلى انتصار على اليأس والإحباط اللذين أصابا شعبها، فلا يمكن لثورة نهضت لمقاومة الاستبداد والتمييز أن تأخذ معناها الحقيقى إن لم تبق أمينة للشعارات التى أطلقتها، وإن لم تبادر اليوم قبل الغد لضبط التجاوزات التى تهدد مسيرتها، وعدم السماح بانزلاق المجتمع إلى مزيد من التفكك ودورة عنف مدمرة، والمسارعة فى احتواء كل أنواع الشحن الطائفى، والتحسب من التعميم واقتحام التعددية الدينية بمنطق العنف والغلبة، والتأنى على بعض الإسلاميين وكبح محاولات عزلهم، وعدم استعداء الناس عليهم، بمنطق: أن كل الإسلاميين ليسوا "متطرفين وتكفيريين، وخونة"وإلا ستكون النتائج وخيمة، فالعاقل من اتعظ بغيره والحكيم من تدبر أمره، والجاهل من كان عدو شعبه ونفسه، وواهم من يظن أن الكرسى سيظل كرسياً ولن يتحول لعربة مفخخة. كما على نظام الحكم اتخاذ قرارات ثورية حتى يشعر المواطن بالتغيير، فالوقت لم يعد مناسبا لوجود حكومة مرتعشة ومتخبطة فى قراراتها، خصوصا أن عمر الثورة المصرية ليس قصيرا، وهو أكثر من كاف لاختبار «الوطنيين» من أهل الكفاءة والخبرة، وكذلك اختبار أحوال المعارضة وقدراتها، والتأكد من عجزها وتقصيرها فى مواكبة الحراك الشعبى، وبناء قنوات للتواصل معه، ومده بأسباب الدعم والاستمرار .