صلاح غراب فرق بيننا وبين الغرب أنهم هناك يعرفون كيف يستفيدون من كل شىء حتى من قمامتهم، التى تدر عليهم أموالا، أما نحن فى العالم العربى، ومصر خاصة، فننفق على القمامة أموالا طائلة، ولكنها تدر علينا أمراضا ما سمعنا بها فى آبائنا الأولين، وتتسبب فى كوارث كثيرة. إن القمامة فى كل الدنيا مادة خام لصناعات كثيرة تدر أموالا طائلة، وتوفر فرص عمل، وتنقذ الناس من الأضرار الرهيبة الناجمة عن دفن القمامة فى باطن الأرض. أما القمامة عندنا فقط، فهى أزمة مستحكمة، ومشكلة مستعصية تلتهم ملايين الجنيهات شهريا لأجل نقل المشكلة بعيدا عن أعيننا، وترك مضارها تنهش صحتنا، وتكدر علينا صفو حياتنا، وتنغص علينا معيشتنا. إن مصر ينتج عنها قرابة 27 مليون طن قمامة سنويا، تكلف الدولة وترهق ميزانيتها ب 20 مليار جنيه كل خمس سنوات. ولو استمر الوضع على ما هو عليه، فسوف يأتى يوم- يرونه بعيدا ونراه قريبا- تُنفق فيه ربع ميزانية الدولة من أجل إبعاد القمامة عنا، وليس إنهاء خطرها ومضارها! من هذا المنطلق، تفتقت أذهان وعبقرية شباب مصرى يذوبون عشقا فى حب مصر، ويهيمون بها، عن فكرة عبقرية، هى تحويل المخلفات الصلبة، وقش الأرز إلى طاقة كهربائية نظيفة، دون دفن فى باطن الأرض، ولا حرق، ولا نقل، ولا ذباب، ولا قوارض، ولا ملايين الجنيهات التى تدفعها الحكومة من أجل دفن القمامة فى آلاف الأفدنة. يقول حسن القيعى، ناشط بيئى، إن هذا المشروع سيؤدى إلى تشغيل وتوفير أكثر من نصف مليون فرصة عمل للتصنيع، ونصف مليون فرصة عمل أخرى لتشغيل هذه المصانع لجمع القمامة وإعادة تدويرها إلى طاقة كهربائية، علما بأن تكلفة معدات المصنع الواحد لمعالجة 250 طنا فى اليوم تبلغ 24 مليون يورو. ولكن فى حالة تصنيعها فى مصر، فسوف تقل التكلفة بنسبة 50 %، أى نحو12 مليون يورو مما يعود بالفائدة على مصرنا الحبيبة. ويوضح القيعى أن كمية المخلفات الموجودة فى محافظات مصر- وعددها 29 محافظة - تعادل 27 مليون طن سنوياً، ولمعالجة هذه الكمية نحتاج إلى نحو 360 مصنعا، وثمن الوحدة 24 مليون يورو تقريباً. إذن فسيكون إجمالى تكلفة المصانع نحو 9 مليارات يورو تقريبا، أى ما يعادل نحو 68 مليار جنيه مصرى، علما بأن الشركات الأجنبية مع القطاع الخاص هى التى ستقوم بتوفير تمويل كل هذه المصانع إلى مصر، دون أن نكلف الدولة مليما واحدا. وقد بلغت التكلفة الإجمالية للأعمال والتجهيزات والإنشاءات للمشروع بالكامل، بما فيها الطرق والمرافق- طبقا للقيعى- ما يفوق خمسين مليون جنيه. المهندس أمين خيال، مدير عام المخلفات الصلبة بوزارة الدولة لشئون البيئة، يرى أن من مميزات هذه التكنولوجيا التخلص الآمن من المخلفات الصلبة، والاستفادة منها فى إنتاج طاقة كهربائية نظيفة، والمهدرة حاليا، وتخفيض نسبة الانبعاثات الضارة، نتيجة عدم الحرق المباشر للمخلفات، حيث إن انبعاثات هذه التكنولوجيا تقع ضمن الحدود المسموح بها طبقا لاتفاقية كيوتو، وتوفير فرص عمل للشباب فى جميع محافظات مصر من جميع التخصصات، وإمكانية تعميم المشروع على مستوى محافظات مصر كلها، بالإضافة إلى الاستغناء النهائى عن الدفن الحالى للقمامة فى المدافن الصحية، حيث إن الناتج من عملية التحليل اللاهوائى هو فحم حيوى يستخدم فى توليد الحرارة فى المحطات الحرارية، إذ إن له قيمة سعرات حرارية نحو 36 كيلو جول/ كجم، أو يمكن تنشيطه كسماد يضاف للتربة، أو يمكن استخدامه كوقود. ويضيف أن الدفن الصحى الذى يُمارس الآن له عيوب تتمثل فى تخصيص مدفن أو عدة مدافن صحية لكل محافظات مصر، والتى قدرت قيمتها بنحو 25 مليار جنيه كل خمس سنوات، هى عمر المدفن الصحى حاليا، نظرا لتزايد كميات القمامة المتولدة باستمرار، فضلا عن تلويث المياه الجوفية على المدى الطويل، وكذلك تلوث التربة والهواء، والذى ستظهر آثاره على المدى القريب فى صورة تدهور الحالة الصحية للمواطن المصرى. وبنبرة ثقة، واستشراف واعد، يثلج القلب، ويطمئن النفس، فيما يخص توليد الطاقة، يقول الدكتور على الذهبى، أستاذ علوم وتكنولوجيا البيئة بجامعة طنطا، إن المصنع الواحد يولد نحو 60 مليون كيلو/وات سنويا، أى أن إجمالى كمية الطاقة المتولدة سنوياً من عدد 360 مصنعا سوف تكون نحو 22 مليار كيلو/ وات سنويا، أى ضعف الطاقة المتولدة من السد العالى، والتى تعادل 10 مليارات كيلو/ وات سنويا تقريبا. كما تبلغ قيمة بيع 22 مليار كيلو/ وات كهرباء سنويا، والمتولدة من معالجة 27 مليون طن قمامة سنويا بسعر 50 قرشا للكيلو/وات، 11 مليار جنيه مصرى. ويوضح مستشار المشروع أنه عند تصنيع المعدات فى مصر، فسوف تقل التكلفة إلى 50 % ، أى ما يعادل 34 مليار جنيه مصرى، وعليه يمكن تقليل سعر الكيلووات إلى 25 قرشا بدلا من 50 قرشا، مما يعود بالفائدة على مصرنا الحبيبة. ونتيجة لتقليل سعر الكيلووات من 50 قرشاً إلى 25 قرشاً، سوف يتم توفير ما لا يقل عن 5.5 مليار جنيه سنوياً. من جانبه، أكد عصمت الراجحى، مدير منجم السكرى، أن الثروة المعدنية فى مصر مهملة إلى درجة الخطيئة، فلو نظرت مثلا إلى الطريق الدولى بكل محاوره، فسيهولك حجم الدمار والخراب الذى لحق بهذا الطريق الجميل، الذى لم يراع أصحاب المحاجر حرمته خذ مثلا وادى سنور شرق النيل فى بنى سويف، والذى به أجمل محاجر الألباستر التى لو استغلت الاستغلال الأمثل لأصبحت مصر من أغنى بلاد العالم، وكان ينتج منذ أيام الفراعنة الأوعية التى تحفظ فيها أحشاء الفرعون هذا المحجر تحطم تماما، لعدم وجود خبرات وكوادر متخصصة، وكان من نتيجة تكسير الجبل، فى السابق، إنتاج أربعة أمتار من حجر الألباستر. أما الآن، فلا ينتج إلا حصوة، مع استخدام الديناميت، وبرغم أنه محرم وممنوع استخدامه فى إنتاج هذه الصخور الرقيقة. كذلك إذا ذهبت إلى الكيلو20 طريق مصر- الإسكندرية الصحراوى، فسترى أكواما من النفايات من الحجر الجيري، جراء عدم الرعاية والاهتمام بهذه الثروة المعدنية التى تزخر بها أراضى مصر. ويتساءل الراجحى فى حزن وأسى: أليس كل هذا دليلا على سوء استغلال الثروة المعدنية فى مصر؟ ومنذ أن وضعت المحاجر تحت يد المحليات، تم القضاء على أى أمل فى صعود وبروز متخصصين يفهمون فى هذه المهنة، لأن أى مشروع يأتى بلواء من الجيش أو الشرطة، غير متخصص ولا يملك أى خبرة، ومن ثم لا يحافظ على هذه الثروة.