مدينة الغواية الكبرى التى فتنت ومازالت. لكنها تمارس هوايتها فى بناء حضارتها - مصر مدينة ضرورة لنفسها - ضرورة لأهلها، هكذا كانت وربما هكذا ستبقى مدينة للمستحيلات الممكنة..وقضيتى منذ أن دخلت عالم صاحبة الجلالة كانت ومازالت البحث عن هدف قومى يلتف حوله أفراد الشعب المصري، تماما كما كان لجيل الخمسينيات والستينيات هدف واحد، لاسيما فى ظل حالة الجمود التى عشتها أنا وجيلى المطحون والمظلوم، الذى كان قدره أن يتفتح وعيه فى عصر الرئيس السابق حسنى مبارك.. وشاءت الأقدار أن يجمعنى لقاء مع أحد عباقرة مصر فى أحد البرامج التليفزيونية ودار الحوار بيننا حول فكرته المتعلقة بإقامة نيل جديد لمصر. لم أصدق نفسى بأن الله قد استجاب لأحد أحلام جيلى وربما كل المصريين، فحملت الشاب صاحب الفكرة إلى "الأهرام العربي" وقدمته للناس إيمانا منى بأن تراب مصر ملئ بالكنوز والجواهر والعقول التى تستطيع أن تضيف الجديد إلى الحضارة الإنسانية كل زمن..إيمانى بمصريتى هو ما دفعنى إلى تبنى مشروع الدكتور عمرو أبوالنصر، لكننى طلبت منه عدم التحدث مع أحد فى الموضوع حتى أتمكن من إيجاد طريق لإيصال الفكرة إلى المسئولين، وكانت المفاجأة التى تستحق من كل جيلى ومعه كل المصريين أن نسجد لله شكرا بأنه بات لمصر هدف قومى بإقامة نيل جديد..فى انتصار جديد يضاف إلى سلسلة الانتصارات الصحفية التى حققتها مجلة "الأهرام العربي" خلال الفترة الماضية، استجاب الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء للمشروع الذى طرحته "الأهرام العربي" فى العدد 749 الذى كان عنوانه (نيل جديد لمصر من المتوسط إلى القطارة) للمخترع المصرى الدكتور عمرو أبوالنصر.. ويكشف انحياز الدكتور الجنزورى لهذا المشروع القومى أن الرجل ليس رئيس حكومة تسيير أعمال، بل إنه يتعامل كأنه رئيس دولة، حيث إن المشروع ظل فى مكتب الدكتور عصام شرف أكثر من 9 أشهر، ولم يستطع أن يحرك ساكنا تجاهه، وأتصور أن اختيار الدكتور الجنزورى لهذا المشروع يهدف إلى خلق حالة من التوافق بين المصريين حول مشروع قومى واحد مثل مشروع السد العالي..وربما كان الهدف الإستراتيجى للمشروع الخاص بملء الفراغ الموجود فى منطقة الصحراء الغربية، خصوصا بعد احتلال حلف الناتو لليبيا أحد الأسباب التى دفعت الحكومة لإقرار هذا المشروع، إضافة إلى أهميته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث إنه سيخفف العبء عن مصر تجاه مشاكل دول حوض النيل، كذلك عبقرية الفكرة التى تسير خلف المألوف، حيث إن المياه تسير من الجنوب إلى الشمال كما هى حال نهر النيل لتصب فى البحر المتوسط، لكن أن تسير المياه من البحر المتوسط حتى منخفض القطارة فهذا هو الجديد، وربما كانت هذه الأسباب التى دفعت الجنزورى إلى اختيار هذا المشروع. الدكتور عمرو أبوالنصر، صاحب المشروع أكد فى اتصال هاتفى مع "الأهرام العربي" أن موافقة الحكومة الجديدة على تنفيذ المشروع تعد من أهم الأخبار السعيدة فى حياته، ليس على المستوى الشخصى فقط، بل لأنه مشروع قومى وكبير وواجهته عدة معضلات من حكومة الدكتور عصام شرف كادت تطيح به..عمرو أبوالنصر فى حوارنا معه كشف عن محاولات الكيان الصهيونى والأمريكى لوقف المشروع منذ بداية طرحه حتى الآن، فضلا عن العروض المستمرة لشراء جهاز تحلية المياه الذى يسعى الموساد الإسرائيلى إلى شرائه من خلال شركات بجنسيات مختلفة، خصوصا أن مشروع منخفض القطارة فى حال تنفيذه سينتج 75 مليار متر مكعب من المياه أى أكبر من حصة النيل، ويولد 210 آلاف ميجاوات كهرباء سنويا، ويعد بمثابة نيل جديد أكبر من النيل الحالي، وأضعاف السد العالى العملاق، وعن تكلفة المشروع يقول عمرو أبوالنصر إنها ستكون فى حدود 3 مليارات دولار، أما العائد فسيكون 65 مليار دولار..اللافت للنظر أن عمرو أبوالنصر، رغم أنه فى العشرينيات من العمر، فإنه يرفض التمويل الخارجى للمشروع، ويصر أن يكون التمويل مصريا خالصا.. فى البداية حدثنا عن مشروع منخفض القطارة قائلا: منذ مائة عام تم التفكير فى منخفض القطارة كعاصمة أخرى لمصر حيث فكر العلماء فى صنع قناة تربط بين منخفض القطارة على انخفاض 135مترا من سطح البحر الأبيض المتوسط الذى يبعد عنه مسافة 60 كم، ومن ثم يتم ضخ مياه من البحر إلى المنخفض من خلال القناة فتهبط المياه على توربينات فتعمل على دورانها ومن ثم نحصل على كهرباء خمسة أضعاف كهرباء السد العالى ولكن تم إغلاق هذا الملف سنة 1956و1971و1974 تماماً عندما أخبرنا الدكتور فاروق الباز بمناقشته لتلك الفكرة فى عام 1974. كانت فكرة المشروع أن تكون هناك قناة تربط بين البحر الأبيض المتوسط ومنخفض القطارة ..وأشار إلى أنه بفضل الله تمكنا من فتح هذا الملف من جديد وبدلا من أن تضخ تلك المياه المالحة فى القناة ومن ثم إلى المنخفض، فإننا سنضع محطة تحلية على ضفاف البحر المتوسط ويتم ضخ مياه محلاة بدلا من مياه مالحة، حيث بدأنا نحن كفريق عمل مصرى بالعمل على إيجاد حل لذلك حتى تمكنت من اختراع جهاز لتحلية المياه له قدرة على تحلية 75 مليار متر مكعب من المياه سنويا وتوليد طاقة كهربية قدرها 210 آلاف ميجا وات و7.5 مليار طن من الملح دون الإخلال بالتوازن البيئى ودون تلوث البيئة وليس هذا فقط، بل إن درجة نقاوة المنتج تبلغ 98 ٪ - ٪100 وليس هذا فقط، بل إن تكاليف الإنتاج للمتر المكعب الواحد تكاد تكون معدومة، وتم التأكد بالفعل من هذا النظام عمليا وحاز على براءة اختراع رقم 1492 لسنة 2010 وصنف فى المرتبة السادسة ضمن أفضل 47 بحثا على مستوى العالم، ويعد أفضل بحث من نوعه وبهذا تمكنا من تطويع البحث فى هذا المشروع كما أنه تم التخطيط لقناة عرضها 20 مترا وتقوم بنفس الآلية مع زيادة معدل الضغط أو معدل السرايات .. وأكد أن الاستفادة من هذا الجهاز أنه ساعدنا على إنشاء نيل آخر وعلاج للتشققات الأرضية ومزارع سمكية وتغيير فى المناخ الصحراوى ومناطق سكنية على ضفاف القناة والمنخفض، وليس هذا فقط بل إن المشكلة التى عرضها المهندس ممدوح حمزة والتى حاول حلها بمشروعه القومى لن توجد وهى ارتفاع منسوب المياه، لأنه تم سحب نسبة من مياه البحر الأبيض بحسابات بالغة الدقة مما يؤدى إلى انخفاض مستوى المياه بدلا من أن نتكلف تريليون جنيه لإقامة حائط يمنع المياه من الزيادة كما يقول وبدلا من فشلنا الذريع فى الوصول بدولتنا إلى دولة صناعية أو زراعية نستطيع أن نفعل ما نريد الآن من زراعة وصناعة دون الخوف من غزو المياه المقبل، ونستطيع بهذا أن نحل مشكلة التكدس السكانى وغيرها من مشاكل الغذاء والطاقة.