عند الحديث عن ثورة 25 يناير نجد أنفسنا نسبح فى بحرين لا ساحل لهما، بحر “أهداف وغايات “الثورة المتلاطم الأمواج والمتنوع الجوانب والرؤى والأهداف التى تتعدل وتتبدل بفعل نظام الحكم الذى أتت به، وبحر" المعارضة" الذى لا تبين معالمه وآفاقه، ويكاد يغرق الكل بضبابية أجنداته»!! وإزاء هذا نحن أمام تداعيات ونتائج - بغض النظر عن رقيها أو انحطاطها، وبغض النظر من كان وراء ذلك «مخلص» أم «عميل» - فإننا نعيش حالاً عصيبة وجواً كئيباً، ونمر بمحنة اشتدت نارها اشتعالاً ولهيباً، ومع مرور الوقت بدت المسألة وكأنها تكريس لصورة المواطن المسلوبة إرادته والمغلوب على أمره والعاجز عن تدبير شأنه، وهي صورة شديدة الانهزامية والضعف والقنوط، لا تتوافق مع روح ومقاصد شباب مصر الثائر الذى لم يعد عنده مكان للعيش فى دولة «ظلمستان أو قمعستان»، أو السكوت على سرطان الظلم وفيروس الفساد وبكتيريا التفرقة وآفة العنصرية، كما كان فى العهد البائد!! كما أن الثورة المصرية ليست حقبة زمنية، نحتفل فى موعد اندلاعها من كل عام بطريقة"الدم"على غرار احتفالات الشيعة بذكرى مقتل الحسين رضى الله عنه .. ولكنها ذكرى يجب أن نراجع فيها ما تحقق من أجندة الأهداف والقيم والآمال للشعب الذى يجب على كل أفراده إعلاء مصلحة الوطن فوق مصالحهم الخاصة أو الحزبية. لذا يجب أن يكون الاحتفاء بذكراها ليس مناسبة لجلد الذات وتحطيم المعنويات وإسقاط الشرعيات، ودمار المنشآت، والارتماء فى حضن الأعداء، لأنه من الجحود وعدم الإنصاف الجزم بأن الثورة فشلت فى تحقيق أى مكاسب، وإلا بماذا نسمى ما يحدث الآن فى مختلف ميادين مصر من تعبير حر وصادق لهذه الملايين من مختلف الفئات والطوائف، وقبلها الطوابير الطويلة غير المألوفة على صناديق الاقتراع بالانتخابات، بعد أن كان التصويت مقتصرا على أنصار الحزب الحاكم أو الموظفين المدفوعين لذلك. في نفس الوقت كفانا دماء، فلن نستفيد شيئا إذا سقط جرحى أو قتلى، والعنف لا يولد إلا عنفا، والدماء تدعو لمزيد من الدماء، والعقلاء يبحثون عن الحلول الممكنة، والحكماء يعالجون الأمور بلطائف لا يهتدي لها غيرهم، وشبابنا ذكى وجرىء فى مطالبته بحق بلده وشهدائه، لكن ينقصه توحيد رايتهم وزعيم يوحد صفوفهم لكى ينقذوا بلدهم من التشرذم والانقسام، ومن عصابات تحاول تقويض السلطات والشرعيات والسيطرة على مفاصل الدوله كالأخطبوط. إن ثوره 25 يناير لم تكن ثورة مساجد أو كنائس أو أحزاب، وإنما «ثورة شعب» بكل فئاته وطبقاته، وهي أكبر بكثير من أن تنسب إلى تيار بعينه، وبالتالى على «كل الشعب»، أن يعمل على إنجاحها من خلال صناعة الأمل التى قوامها العدل والمساواة ومعرفة الحقوق والالتزامات بشكل ينطبق على الجميع بلا استثناء. إنها ترجمة عملية ودقيقة وواقعية لفكرة العيش بأمان وكرامة. علينا جميعا أن نعلم أن سنة الله فى التغيير تقتضى أن نغير ما بأنفسنا أولاً، فالله تعالى لا يسلب قوماً نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه بالطاعة والعمل الصالح “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وفى هذا العدد نسعى لإحياء ثورتنا المجيدة من خلال رصد لشهادات «الثوار الحقيقيين» الذين لم يخلعوا ثوب «الثورة » ولم تغرهم أضواء الشهرة والقفز على الرقاب، الثوار الذين أدوا المهمة والتزموا مواقعهم واحترموا أنفسهم وفاء لدماء إخوانهم الشهداء، هم الذين تنطبق عليهم قولة الشيخ الشعراوى رحمه الله “ الثائر الحقيقى هو من يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبنى الأمجاد" ..تحية لهؤلاء وغيرهم ممن لم نستطع الوصول إليهم فى “عيد وطنيتهم".