ربما كان أكثر ما تحتاجه مصر فى المرحلة التاريخية الصعبة التى تمر بها الآن هو إعلاء قيم التسامح وقبول الآخر من أجل لم الشمل و حماية البلاد من الانقسام و لعل لنا فى دولة مثل آذربيجان أسوة حسنة فى هذا الأمر، فقد استطاع شعب آذربيجان العبور بنجاح من مرحلة صعبة فى التسعينيات بعد انتهاء الاحتلال السوفيتى لهم حيث امتلأت بلادهم بالانقسامات وخرجوا مهزومين من حربهم مع أرمينيا وروسيا وفقدوا حوالي 16٪ من أرضهم وهى منطقة ناجورمو كاراباخ في الجنوب الغربي والتى أعلنت نفسها مستقلة من أذربيجان في عام 1991 لكن هذا الاستقلال لم يتم الاعتراف به دبلوماسياً من جانب أي دولة ولا تزال تعتبر جزءا من أذربيجان بحكم القانون و تحتلها القوات الأرمينية، بالرغم من كل ذلك إلا أنهم نجحوا فى النهاية فى أن يصبحوا نموذجا للتسامح الدينى والعرقى بل و يحاولون نشر مفاهيم التسامح و قبول الآخر فى العالم. وربما لا يعرف الكثيرون ان العلاقات بين مصر وآذربيجان تعود لفترات تاريخية غاية فى القدم ، فمثلا هل يعرف أحد من أين جاءت كلمة باكو شاى أو باكو جبن ؟ خاصة وأن باكو ليست كلمة عربية الأصل ولكنها على الأغلب جاءت من مدينة باكو عاصمة اذربيجان حيث تجد شكل القرطاس المقلوب فى كل مكان فى أشكال الأشجار و فى رمز لمكان إشعال النار و كرمز لطرق صوفية ترتدى العمامة على الرأس بهذا الشكل ، وربما انتشرت الكلمة فى مصر بعد الفتوحات الإسلامية و وفود العديد من آذربيجان إلى داخل دول الخلافة الإسلامية خاصة أن آذربيجان تم فتحها فى عهد الخلفاء الراشدين بل إن الأمر ربما يعود لما قبل ذلك بكثير فعالم الآثار البريطاني سير وليام فليندرس بيترى يقترح أن ما أشار إليه الفراعنة فى كتاب الموتى ألفي عاما قبل الميلاد حول و جود جبل باكوى حيث تبزغ الشمس كان يقصد منه مدينة باكو فى اذربيجان حيث جبال القوقاز التى تمثل 40٪ من أراضيها و تسطع الشمس فى الصيف بشكل كبير فيها حيث تتعدى درجة الحرارة أحيانا الثلاثين درجة و تنخفض فى الشتاء إلى ثلاث درجات فقط وتظهر قيمة التسامح فى باكو حتى على مبانيها التى تعكس ثلاث حقب فى فترة العهود القديمة حيث قلعة العذراء، وهى رمز لابنة ملك قديم قررت الانتحار من فوق القلعة بدلا من قبول الزواج من أمير لا تحبه ومبانى المدينة القديمة فى عصر الإسكندر إلاكبر إلى البنايات الكبيرة التى ترمز لعهد الاحتلال السوفيتى من 1920 إلى 1990 من القرن الماضى إلى البنايات الفاخرة التى تم إعادة بنائها من الخارج لتعطى الشكل الأوروبى و إضاءتها باستخدام احدث الطرق والأشكال الهندسية الجميلة لتعطيك انطباعا أنك فى مدينة أجمل من باريس عاصمة النور إلى ناطحات السحاب الحديثة بشكل يشعرك أن باكو قد استوعبت كل التأثير الخارجي من جاراتها إيران و تركيا وروسيا. وتتشابه آذربيجان مع مصر فى انها تقع على حدود قارتين و هما أوروبا وآسيا ويتركز التعاون بين البلدين كما يشير السفير شاهين عبد اللايف سفير آذربيجان فى القاهرة على الاستثمارات البترولية وهى مشاريع تعرضت لبعض العراقيل بعد ثورة يناير بسبب المشاكل الاقتصادية و الأمنية إلا أنها عادت للعمل مؤخراً كما سيتم عقد اللجنة المشتركة بين البلدين العام الحالى بعد ان تم تأجيلها و كذلك هناك اهتمام بفتح خط طيران مباشر من باكو إلى القاهرة و شرم الشيخ خاصة و ان العديد من السياح الآذربيجانيون يرغبون فى زيارة مصر وهناك اتفاق تم فى هذا الإطار لم يتم تنفيذه و يؤكد ان بلاده تتطلع للتعاون مع مصر فى كل المجالات و تتطلع آذربيجان حاليا و التى وتعتبر نفسها جزءا من القارة الأوروبية لإعطاء الانطباع أنها دولة التسامح الدينى و قبول الآخر عن طريق إقامة المؤتمرات الهامة و مساندة القرارات الدولية التى تدعو لإقرار مبدأ التسامح ، و فى هذا الإطار أقيم الأسبوع الماضى المؤتمر الدولى الاول حول " الدين والدولة .. تعزيز التسامح فى عالم متغير" .. والذى عقد بمشاركة نخبة من قيادات الدين الاسلامى والمسيحى واليهودى ونخبة من المفكرين والمثقفين والساسة والاعلاميين فى ثلاثين دولة من بينها دول عربية وإيران وتركيا والولايات المتحدة .. وقد تم الاتفاق على عقد هذا المؤتمر بشكل دورى سنويا ليصبح هذا المحفل مكانا للقاء عدد كبير من الرموز الدينية والسياسية والاجتماعية والاعلامية للتشاور بشكل اوسع حول أهمية الدين والدولة ونشر التسامح والتاكيد على مبدا التعايش السلمى بين الشعوب والاديان.. كما تم الاتفاق على إيداع مداولات المؤتمر أمام الأممالمتحدة . كما قرر المنتدى إنشاء شبكة على الإنترنت تضم كل المشاركين والمنظمات الأساسية وخاصة الاممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامى وغيرها من المنظمات وكذاةمنظمات المجتمع المدنى والدول وشدد على اهمية ان تضع الدول ضمن أولوياتها التاكيد على أهمية إعلاء قيمة التسامح والتعايش السلمى واعربوا عن اهمية العلاقة بين الدين والدولة كما اعربوا عن القلق من ارتفاع وتيرة الراديكالية واستخدام الدين فى السياسة.. وطالبوا بعدم التفرقة بين الناس بناء على عرقهم او اصولهم او دينهم كما اعلنوا ادانتهم للارهاب واحتلال الاراضى . ويشير السفير الشاد إسكندروف رئيس اللجنة الحكومية للجمعيات الدينية لجمهورية آذربيجان للأهرام العربى أن " قيمة التسامح أصبحت عملة نادرة فى العالم الآن ونراها أغلى من البترول والغاز الموجود بكثرة لدينا لأن التسامح أمر فريد فى حين أن البترول موجود فى أماكن أخرى و ربما لا يعرف الكثيرون انه فى القرن السادس عشر الميلادي تم السماح ببناء معبد لعبدة النار فى بلادى ليتسنى للتجار الهنود الذين ياتون بالبضائع إلينا ممارسة شعائر دينهم و يوجد لدينا حاليا دور للعبادة لكل الأديان كما لا توجد أى تفرقة بين سنى و شيعى فالجميع يصلى فى نفس المسجد و المعروف ان اذربيجان أعلنت إقامة الجمهورية عام 1918 قبل تركيا بعامين كما منحت الحقوق السياسية للمرأة عام 1919 و قبل دول عديدة فى أوروبا و أمريكا و لكن البلاشفة احتلوا بلادى عام 1920 لمدة ستين عاما بعدها و قد فكرنا ان نشر مبدأ التسامح مهم خاصة الآن بعد ظاهرة الربيع العربى و تزايد الحديث عن دور الدولة والدين و نريد ان نقدم خبراتها فى هذا المجال فنحن نموذج للدولة العلمانية التى تقوم على التفهم الروحى للإسلام بل ان الدولة تقدم الدعم لبناء أماكن العبادة برغم أنها دولة علمانية و تعتبر الأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر و الأضحى هي الأعياد الرسمية للدولة و بالتآلى فقد حققنا توازن حقيقى بين الدولة والدين" ويضيف أننا حتى فى صراعنا مع أرمينيا على ناجورمو كاراباخ لم نسعى لتحويل الصراع إلى صدام دينى مسلم و مسيحى بل ان بعض الكتاب المتعاطفين مع أرمينيا يحاولون وصف الصراع و كانه بين دولة مسلمة و أخرى مسيحية لجذب تعاطف الدول و اللوبي الدينى المسيحي المتشدد و يصفون أرمينيا بانها دولة مسيحية تقع بين دول أكثرية مسلمة مثل ايران و تركيا و اذربيجان و هو توصيف خطاء للصراع فإيران مثلا لديها حدود مفتوحة مع أرمينيا و تبادل تجارى بنسبة عالية جداً معها و علاقات سياسية قوية و نحن نرى الصراع كانتهاك للقواعد الدولية و ليس للقواعد الإسلامية فقط فقد استولت أرمينيا على ناجورمو كاراباخ و الاحتلال أمر مرفوض مهما كانت الدوافع و هى قضية دولية و ليست دينية و قد كنا نؤمن بعد استقلالنا عن الاتحاد السوفيتى ان كل العالم ماعدا النظام السوفيتى يؤمن بالحرية و العدالة و لكن ذلك الإيمان انتهى بعد ذلك و أدركنا ان اللاعبين الأساسيين من الدول فى العالم و الذين يدعون أنهم محايدون ليسوا كذلك فهم يبحثون عن مصالحهم أكثر من العدالة كما أننا شعرنا ان تحويل الأمر إلى خلاف او صراع دينى سيفتح صندوق للمشاكل و سيقوض هويتنا كدولة تتسم بالتسامح الدينى و لأننا رفضنا فتح صندوق الصراع الدينى اصبح لدينا أبطال من أصول روسية و جورجية و تركية دافعوا عن استقلال اذربيجان بل ان لدينا أبطال من أصول يهودية ماتوا دفاعا عن أرضينا لأننا نحترم كل المواطنين بغض النظر عن أصولهم و لعل أكبر دليل على هذا انه و على الرغم من الحرب مع أرمينيا التى راح ضحيتها 25 ألفا من الشهداء و تشريد مليون أذرى فان الكنيسة الأرمينية لازالت موجودة فى قلب باكو عاصمة آذربيجان و لم يتم المساس بها على الرغم من دورها المساند للانفصال بل و يتم منحها دعم حكومى لإعادة طلائها فنحن نحارب من اجل هدف قومى و لكن لا نحوله إلى صراع دينى و هو تقليد اسلامى فحتى عندما أساء البعض للرسول الكريم صلى الله عليه و سلم لن نقم بتوجيه الإساءة إلى الأنبياء الآخرين.